سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - تفسير الآيات
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - تفسير الآيات
سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20
تفسير الآيات
الأيات :-
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ
مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)
مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
تفسير الآيات
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ(8).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
لما تقدَّم وصفُ المؤمنين في بداية السورة بأربع آيات، ثم عرَّف الله تعالى حال الكافرين بآيتيْن،
شرع سبحانه في بيان حال المنافقين الذين يُظهرون الإيمان ويُبطنون الكفر،
ولما كان أمرهم يشتبه على كثيرٍ من الناس؛ أطنب في ذكرهم بصفاتٍ متعددة، كُلٌّ منها نفاق (12)
فقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ.
أي: إنَّ المنافقين يقولون بألسنتهم: آمنَّا بالله، وبالبعث يومَ القيامة، قولًا مجرَّدًا ليس معه إيمانٌ حقيقيٌّ (13) .
وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ.
أي: ليسوا بمقرِّين بحقيقةِ الإيمان بقلوبِهم (14) .
كما قال تعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1].
يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9).
يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا
بإظهارِهم الإيمانَ، وإبطانهم الكفرَ (15) .
كما قال سبحانه: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة: 18].
وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ.
القراءات ذات الأثر في التفسير:
في قوله تعالى: وَمَا يَخْدَعُونَ قراءتان:
1- (وما يُخَادِعُون) قيل: على معنى أنَّ الخِداع وقع من اثنين، فهو واقعٌ منهم وإليهم؛ إذ خدَعوا أنفسهم، وأنفسهم خدَعتْهم (16) .
2- (وَمَا يَخْدَعُونَ) قيل: على معنى أنَّ الخداع وقع من طرفٍ واحد، فهو واقعٌ منهم على أنفسهم (17) .
وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ.
أي: إنَّ هؤلاء المنافقين مخدُوعون في الحقيقة بصَنيعهم الذي يَحسَبون أنهم يخادعون به ربَّهم والمؤمنين،
وذلك بخِذلان الله تعالى لهم في الدُّنيا والآخِرة، وهم مع ذلك لا يَدرُون بأنَّهم مخدوعون (18) .
كما قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142] (19) .
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10).
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا.
في قلوبهم شكٌّ ونفاق؛ فزادهم اللهُ تعالى شكًّا ونفاقًا.
فالجزاءُ من جِنس العمل، كما قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: 5] (20) .
وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ.
القراءات ذات الأثر في التفسير:
في قوله تعالى: يَكْذِبُونَ قِراءتان:
1- (يَكْذِبُون) بالتَّخفيف، أي: إنهَّم كاذبون في قولهم: آمَنَّا بالله وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ (21) .
2- (يُكَذِّبُون) بالتَّشديد ، أي: يكذِّبون النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ والقرآن مرَّةً بعد مرَّة، ومن كذَّب بذلك، فقد كَذَب (22) .
وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ.
أي: لهم عذابٌ مؤلِم، أي: موجِع؛ بسبب كذَبِهم في دعواهمُ الإيمانَ، وبسبب تكذيبهم لله تعالى ورسولِه عليه الصَّلاة والسَّلام (23) .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11).
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ.
أي: إذا قيل للمنافقين: لا تفسدوا في الأرض، بمعصية الله تعالى، وبالنِّفاق والكفر، واتِّخاذ الكافرين أولياء،
والصَّدِّ عن سبيل الله، والتعويقِ عن طاعتِه وطاعةِ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم،
والإرجافِ... إلى غير ذلك (24) .
قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ.
يدَّعون أنَّ ما يفعلونه من الفَساد، إصلاحٌ (25) .
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12).
أي: هم المخالِفون في الحقيقة أمرَ الله عزَّ وجلَّ بالكُفر والمعاصي، ولكن لا يَدْرُون ولا يَفطنون إلى أنَّ ما يفعلونه هو فسادٌ في الحقيقة (26) .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لَّا يَعْلَمُونَ (13).
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ.
أي: إذا قِيل للمنافقين: آمنوا بمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وبما جاءَ به من عند الله عزَّ وجلَّ،
كما آمن أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وكلُّ مَن آمن به (27) .
قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ.
أي: يقولون: أنؤمِنُ كما آمَن ذوو الجهل وضعف الرأي وقلة المعرفة بالمصالح والمفاسد-
يعنون الصحابة رضوان الله تعالى عليهم- فنكون نحن وإيَّاهم على طريقةٍ واحدة (28) ؟!
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لَّا يَعْلَمُونَ.
أي: هُم السُّفهاء في الحقيقة، فليست لديهم معرفةٌ صحيحةٌ لإقامة نفعٍ حقيقي؛ حيث يُفسِدون في الأرض،
ويظنُّون أنَّ ذلك هو عينُ الإصلاح، وهذا هو السَّفَه (29) .
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14).
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا.
أي: إذا لقِي المنافقون المؤمنين، أظْهَروا لهم الإيمانَ نفاقًا (30) .
وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ.
أي: إذا انصَرفوا إلى رُؤسائهم، من سادات الكفَّار والمشركين والمنافقين، خالِين بهم (31) .
قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ.
أي: نحن معكم على دِينكم، ومِن ذلك التكذيبُ بمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، ومعاداتُه، ومعاداةُ أتباعه، والسُّخريةُ بهم بقولهم لهم: آمَنَّا بالله وَبِاليَومِ الآخِرِ) (32) .
اللهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15).
اللهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ.
أي: إنَّ الله تعالى أجْرى لهم ما للمؤمنين من الأحكام الظاهِرة، كعِصمة دِمائهم وأموالهم،
لكنَّه سبحانه يُميِّز بينهم وبين المؤمنين في الآخِرة، ويُلقي بهم في الدَّرك الأسفل من النار،
فكان ذلك استهزاءً بهم (33) .
وهذا من الله سبحانه مقابلة لهم على استهزائهم بالمؤمنين؛ فالجزاء من جنس العمل.
كما قال تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ
فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79].
وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ.
أي: يَزيدهم على وجه الإملاءِ، والتَّرْك لهم في عتوِّهم وتمرُّدهم بالكُفر، يتردَّدون حيارَى ضُلَّالًا،
لا يجدون إلى المخرَج من ذلك سبيلًا (34) .
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16).
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى.
أي: استعاضوا بالضَّلالة عن الهُدَى (35) .
فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
أي: خسِر المنافقون بأخْذهم الضَّلالةَ، وتركِهم الهُدى؛ وما كانوا راشدين بصَنيعهم هذا (36) .
ثم ضرب الله لهم مثلًا يصوِّر حالهم، فقال:
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17).
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً.
أي: مثَل المنافقين الذين آمَنوا أو أظهروا الإيمان ثم كفَروا، كمثَل مَن أوقَد نارًا؛ لتضيءَ له، وينتفعَ بها،
والمراد بذلك تشبيههم بأنَّهم آمنوا أو أظهروا الإيمان (37) .
فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ.
أي: أنارتِ النارُ ما حولَ المستوقِد، فأبصر بها ما ينفعُه ويَضرُّه (38) ، والمراد بذلك أنَّهم أبصَروا الحقَّ (39) ،
أو أنهم انتفعوا بها انتفاعًا مؤقَّتًا، حيثُ حقنوا دماءَهم، وأحرزوا أموالَهم (40) .
ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ.
أي: خمَدت النار، وانطفأ النور، فذهب عنهم ما يَنفعُهم وهو النور، وبقِي لهم ما يضرُّهم وهو الإحراقُ والدُّخَان؛
ذلك بأنَّهم كفروا بعد إيمانهم، فبقِيت في قلوبهم حرارةُ الكفرِ والشُّكوكِ (41) .
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ.
أي: بقُوا في عِدَّة ظلمات، منها: ظُلمة اللَّيل، والظُّلمة الحاصِلة بعد فقْد النور، وهي أشدُّ من الظُّلمة الأُولى،
والمراد: ما أصْبَحوا فيه من ظُلمات الكُفر، والشُّكوك، والنِّفاق (42) .
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18).
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ.
أي: لا يَسمعون هُدًى، ولا يَنطِقون به، ولا يُبصرونَه بقلوبِهم (43) .
كما قال تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].
وقال سُبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ [المنافقون: 3].
فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ.
أي: لا يَعودُون إلى الهُدى الذي باعوه بالضَّلالة (44) .
ثم ضرب الله لهم مثلًا آخرَ، فقال:
أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19).
أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء.
أَوْ هنا للتنويع، فبعض المنافقين يشبه المثل الأول، وبعضهم يشبه هذا المثل الثاني، فضربه الله تعالى هاهنا لصنفٍ آخر من المنافقين (45) .
والمرادُ بالصيِّب: القرآنُ الذي نزَل من عند الله تعالى، والذي يُظهر المنافقون بألسنتِهم إيمانَهم به (46) .
فِيهِ ظُلُمَاتٌ.
هي ظُلمة اللَّيل، وظُلمة السَّحاب، وظُلمة المطر، والمرادُ: ما عليه المنافقون من الشكِّ، والكُفر، والنِّفاق (47) .
وَرَعْدٌ.
المراد به: وعيدُ القرآن وزواجره، وأوامِره ونواهيه (48) .
فهُم منها في حالِ خوفٍ وفزعٍ شديد، كقوله تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون: 4]،
وقال: وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً
أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [التوبة: 56-57].
وَبَرْقٌ.
المراد به: حُججُ القرآن وبراهينه التي تُبهرهم (49) .
يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ.
الصَّوَاعِقِ.
المرادُ بها: آياتُ القرآن التي تتضمَّن التكاليفَ الشرعيَّة، والوعيدَ، وغيرَه (50) .
يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ.
أي: يضعون أصابعَهم في آذانِهم؛ كي يتَّقوا سماعَ أصوات الصَّواعق،
والمرادُ: أنَّهم يتَّقون سماعَ زواجر القُرآن الكريمِ ووعيده (51) .
حَذَرَ الْمَوْتِ.
أي: حذرًا من حلول الوعيد الذي توعَّدهم اللهُ به في القُرآن، وإشفاقًا من حلول عُقوبةِ الله بهم على نِفاقِهم؛ إمَّا عاجلًا في الدُّنيا، وإمَّا آجلًا في الآخِرة (52) .
واللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ.
أي: محيطٌ بهم قدرةً وعلمًا، فلا يُعجِزونه، ولا يُغني عنهم حذرُهم شيئًا (53) .
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاء اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20).
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ.
أي: يوشك البَرقُ من شِدَّة لَمَعانه، وقوَّة ضيائه -مع ضَعْف أبصارهم- أنْ يذهب بها فيُعميها،
والمرادُ: أنَّ شِدَّة نور القرآن- بما يحويه من حُججٍ وبراهينَ ساطعة،
يرَون معها الحقَّ واضحًا جدًّا- لا تتحمَّله بصائرُهم الضَّعيفة (54) .
كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا.
أي: إذا ظهر لهم نورُ الحقِّ، ولَمَع في قلوبِهم مشَوْا على ضوئِه، وخطَوا خُطواتٍ يسيرةً،
لكنَّه لا يستقرُّ في قلوبهم المظلِمة بالشُّبهات والشكوك القويَّة، فلا يلبَث أن ينطفِئ، فيقفون حائرين!
عائدين إلى تَكذيبهم، فهُم في هذه الحال في شكٍّ وتردُّد (55) !
وَلَوْ شَاء اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ.
هذا تهديدٌ ووعيدٌ لهم بإذهاب أسماعِهم وأبصارهم؛ عقوبةً لهم على نِفاقهم وكُفرهم (56) .
إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
أي: ذو قُدرةٍ على إيقاع ما أوعد به هذا الصِّنفَ من المنافقين،
فلْيحذروا نِقمةَ الله وعذابَه عاجلًا أو آجلًا؛ فإنَّه سبحانه وتعالى لا يُعجزه شيءٌ أبدًا (57) .
المصدر : الدرر السنية ..
نجمة الكون- عضو ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 1437نقاط التميز : 2154الجنس :العمر : 30الأبراج :
رد: سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - تفسير الآيات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـارك الله فيك على الموضـوع القيـم والطـرح الممـــيز
بـــالــتـــوفيق ان شـــــاء الله و ننتظر جديــدك
بـارك الله فيك على الموضـوع القيـم والطـرح الممـــيز
بـــالــتـــوفيق ان شـــــاء الله و ننتظر جديــدك
القلب النابض- مشرف الهواتف والفضائيات
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 1634نقاط التميز : 3364الجنس :العمر : 26الأبراج :
رد: سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - تفسير الآيات
شكرا لك على
هذه المشاركة الرائعة
هذه المشاركة الرائعة
شموخ القوافي- عضو ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 1461نقاط التميز : 1687الجنس :العمر : 32الأبراج :
رد: سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - تفسير الآيات
لك كل الشكر والتقدير على مجهودك الرائع والمميز
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
نتمنى لك كل التوفيق والاستمرار والاستفادة
من مواضيعك المميزة
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
نتمنى لك كل التوفيق والاستمرار والاستفادة
من مواضيعك المميزة
IKRaMOne- عضو ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 1290نقاط التميز : 2098الجنس :العمر : 34الأبراج :
رد: سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - تفسير الآيات
مشكور
بارك الله فيك
بارك الله فيك
long race- عضو ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 1087نقاط التميز : 2208الجنس :العمر : 26الأبراج :
مواضيع مماثلة
» سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 21 إلي 25 - تفسير الآيات
» سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 21 إلي 25 - بلاغة الآيات
» سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - بلاغة الآيات
» سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - الفَوائِد التربويَّة
» سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - المعنى الإجمالي
» سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 21 إلي 25 - بلاغة الآيات
» سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - بلاغة الآيات
» سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - الفَوائِد التربويَّة
» سُورَةِ البَقَرَةِ - من أية 8 إلي 20 - المعنى الإجمالي
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى