أمهات بطلات حوّلن إعاقة أبنائهن إلى قصص نجاح
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
أمهات بطلات حوّلن إعاقة أبنائهن إلى قصص نجاح
أمهات بطلات حوّلن إعاقة أبنائهن إلى قصص نجاح
في الوقت الذي تستسلم فيه بعض الأمهات لإعاقة أبنائهن من ذوي الاحتياجات الخاصة، وترى نجاحهم في ظل تلك الإعاقة ضرباً من المستحيل، هناك أمهات أخريات حققن هذا المستحيل مع أبنائهن ذوي الاحتياجات الخاصة، واستطعن تحدّي إعاقتهم والوصول بهم إلى نجاحات تؤكد أننا أمام أمهات بطلات.
قدرات خاصة ومختلفة
بعد أن أنجبت إلهام عبدالغفار، 55 عاماً، ابنتيها في عامين متتاليين في بداية الزواج، قررت أن تتفرغ لتربيتهما وألا تنجب مزيداً من الأطفال، لكن شاءت الأقدار أن تحمل من دون تخطيط في طفلها الثالث «محمد»، بعد 14 عاماً من إنجاب طفلتها الأخيرة، لكنه جاء إلى الدنيا بقدرات خاصة ومختلفة.
تحكي إلهام تجربتها مع محمد قائلة: «ولدت محمد مصاباً بمتلازمة داون، وعرفت ذلك في يومه الرابع، عندما أخبر الطبيب زوجي بأنه سيتأخر في كل شيء مقارنة بالأطفال الأسوياء، توقعت في البداية أنه تأخر طبيعي، وكم من الأطفال الذين يتأخرون في الكلام أو المشي، لكن الطبيب طلب منا أن نجري له فحوصات كبيرة وكثيرة، لدرجة أنهم في المعمل لم يجدوا له وريداً لتحليل الدم، فأخذوه من وريد رقبته، وجاءت النتيجة عندما كان عمره شهرين بأنه مصاب بمتلازمة داون، وأول ما دار في رأسي سؤال هل سيكون شكله مثل جميع مرضى المتلازمة؟! فأخبرني الطبيب أنه يوجد دواء حديث في أميركا سيعمل على تغيير ملامح الأطفال مصابي المتلازمة، فأرسلت لشراء الدواء وواظبت عليه، وبالفعل من يرى محمد لا يعتقد أنه مصاب بمتلازمة داون على الإطلاق، إلا إذا كان من المتخصصين أو إذا تحدث محمد».
تتابع: «على التوازي، عملت على التدخل المبكر وألحقته بمركز لتأهيل مصابي المتلازمة، وكان محمد هو أصغر طفل هناك، لأنه كان رضيعاً، وصممت على أن يلتحق بالمركز كي يستفيد، والإدارة كانت متفهمة الأمر، فكان بمثابة تجربة للجميع، وبحمد الله وفضله مشى محمد في الوقت الطبيعي لمشي الأطفال، لكنه تأخر في الكلام، فألحقته بدروس تخاطب، وفي كل مراكز التأهيل والتخاطب كنت أرافقه حتى أكرر معه الدروس في المنزل ويستجيب بشكل أسرع، وفي عمر ست سنوات توجهت به إلى عالم الرياضة والتحق بألعاب القوى، لكن إعاقته كانت شديدة، وكان من الصعب أن يحقق فيها إنجازاً، لكني كنت مصرة على التجربة وفي عمر الثامنة كان اقترب من سن تحقيق البطولات التي تكون عند العاشرة من عمره، فبدأت أشركه في ألعاب مختلفة؛ مثل السباحة والتنس، وعندما وصل إلى سن البطولة نصحنا المدربون بضرورة أن يختار رياضة واحدة فقط، فاختار السباحة وحصل على بطولة الجمهورية عن عمر 11 عاماً، وحصل عليها مرة أخرى في عمر 12 عاماً، وسافر إلى سوريا عام 2010 في بطولة العرب، وعام 2014 سافر إلى أميركا وحصل على مركز أول في ألعاب القوى جولة وجري، وفي 2015 حصل مع المنتخب على بطولة كرة اليد من لوس أنجلوس بمركز الثالث على العالم، وفي الأعوام 2015 و2016 و2017 على التوالي حصل على بطولة الجمهورية مع فريقه لكرة السلة بنادي الشمس الرياضي».
تكمل إلهام: «هذا التفوق لم يأت من فراغ، فأنا كنت مصرة على أن يكون طفلي شخصاً مندمجاً في المجتمع وناجحاً، وألا أتركه للتلفزيون حتى يقضي على عقله، فكانت ممارسة الرياضة حلاً رائعاً، لأنها علمته الالتزام ووسعت مداركه، فضلاً عن ذلك كنت أنا وشقيقتاه نخرج معه ونردد له الأسماء والأشياء والعلامات الموجودة في الشارع حتى حفظها، وكذلك كان لأبيه دور كبير في أن يندمج في المجتمع الخارجي، فهو كان يخرج معه بصفة مستمرة حتى ننشط ذهنه واستيعابه، وكل ما أتمناه الآن أن يحصل على المزيد من النجاحات في الرياضة، لأنه يحبها بشدة».
فراشة النيل
تفتخر نيفين سعيد بكونها تعمل موظفة لدى ابنتها آية الله، والملقبة بـ«فراشة النيل»، بسبب بطولاتها في السباحة، وتحكي نيفين قصتها قائلة: «لم أتردد لحظة واحدة في الاستقالة من عملي بسبب إعاقة آية الحركية، ففي البداية عندما تأخرت في المشي بدأنا في استشارة الأطباء، حتى علمنا بوضعها الصحي، وكانت منذ صغرها تحب الماء وتشعر براحة أكثر، وبأنها تتحرك بشكل طبيعي داخل الماء، حتى قررنا أن تتدرب سباحة وتمارس رياضة تحبها».
وتضيف: «لم تكن البطولات في مخيلتنا، ورغم ذلك لم نتهاون يوماً في حضور تمرين في تمام الساعة السادسة صباحاً في عز الشتاء، وكانت النتيجة أنها أول سباحة مصرية من ذوي القدرات الخاصة تتأهل لكأس العالم عن عمر 15 عاماً، وهي الآن تبلغ 17 عاماً، كما أنها الآن كابتن منتخب مصر للإعاقات الحركية، وأول وأصغر سباحة تتأهل لأولمبياد ريو دي جانيرو 2016، كما حصلت في عام 2015 على ثلاث ميداليات في بطولة إسبانيا المقامة في مدريد، حيث حصدت الذهبية في سباق 50 متراً حرة وميداليتين فضيتين في سباقات 100 متر حرة و400 متر حرة، واشتركت أيضاً في بطولة العالم في 2015 في غلاسكو باسكتلندا، وكانت أول مصرية تتأهل للنهائيات؛ وحصلت على المركز السابع على العالم، وتستعد الآن لبطولة العالم في المكسيك».
تؤكد نفين أن طريق نجاح ابنتها لم يكن مفروشاً بالورود، لكنها أصرت كأم ألا تستسلم لظروف الإعاقة الحركية، وتوضح: «آية كانت تسعد بشدة لتواجدها في المياه، حيث تشعر أنها سوية وتتحرك بكل سهولة وطبيعية، فضلاً عن أنني كنت أشجعها دائماً على الرياضة، لأنها تحسن من حالتها النفسية، فالسباحة إكسير الحياة بالنسبة الى آية، في المقابل لاحظت أن من يعانون قدرات خاصة ولا يمارسون رياضة يقعون فريسة سهلة للاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية، وبالتالي صحة ابنتي النفسية كانت نصب عيني طوال الوقت، ولم أبالِ بالملاعب والنوادي غير المجهزة لذوي الإعاقة الحركية، وأتواجد معها دائماً في كل تمرين لأساعدها في تبديل ملابسها وحمل أدواتها، لذا لم أحزن يوماً على ترك عملي، وأفخر بأنني أعمل لدى آية من أجل إسعادها».
مؤسسة خيرية
أما راندا بكر، 45 عاماً، فأنشأت مؤسسة «وسيط الخير» لذوي الاحتياجات الخاصة منذ عامين، لتقدم الدعم والعون لهؤلاء الأطفال وآبائهم، مستفيدة من تجربتها مع ابنتها دينا، 21 عاماً، بطلة السباحة والتنس.
تقول راندا: «السر في كون دينا مميزة أنني تعاملت معها على أنها سوية، فهي البنت الوسطى، شقيقها الأكبر عمره 23 عاماً طبيب أسنان، والأصغر عمره 19 عاماً، فهي تثاب وتعاقب مثلهما تماماً وهما يتعاملان معها بطريقة طبيعية، فلم نشعرها يوماً أنها مختلفة».
تحكي راندا عن ذكريات اكتشافها أن طفلتها مصابة بمتلازمة داون، وتقول: «يوم الولادة ليلاً، أخبرني الطبيب أن رضيعتي تعاني مشكلة صحية ما، ولم يفصح عن طبيعة المشكلة، حدثني حدسي أنها متلازمة داون، لكن قلب الأم رفض التصديق واعتبره هاجساً شيطانياً، وعند استلامي لها في الصباح وقت مغادرة المستشفى؛ سلمني التمريض ورقة بحالة رضيعتي الصحية مكتوباً فيها باللغة الإنكليزية أنها مصابة بمتلازمة داون، استلمت دينا وانهمرت الدموع من عينيَّ، والسبب كان الصدمة بطريقة إخباري، لو كان الطبيب أخبرني قبل استلامها لكان الأمر أهون عليَّ، وكان كل تفكيري كيف سيتقبّلها المجتمع، وأخذت أدعو الله أن تكون حالتها الصحية من أفضل الحالات في متلازمة داون، تفكيري في نظرات الشفقة لها من الآخرين طعن قلبي بسكين بارد، وتفكيري في نظرات الاشمئزاز من الآخرين اعتصر فؤادي ألماً، لم تكن لديَّ أي خطة حينها، والبكاء لا يتوقف لحظة واحدة، وانصبّ تركيزي في الدعاء كأنه كان هو الشفاء لقلبي العليل، وأخذت أدعو الله أن يمنحها أفضل حالة وأن تكون متقدمة صحياً وعقلياً، واستجاب الله لدعائي، وكانت نشطة على عكس أبناء متلازمة داون، فهم يتميزون بالخمول. في المقابل، كنت أراقب نموها يومياً، وأدعو الله أن تكبر بحالة جيدة، واستجاب الله لي. على التوازي، اهتممت بشدة بشكلها وشعرها وتفاصيلها الخارجية كفتاة، لدرجة أن جمالها ونظافتها كانا لافتين، وكانوا يطلبون منها في النادي أن يتصوروا معها، فكانت تسألني: «ماما هل أنا مشهورة؟» فأجيبها: «طبعاً، أنت بطلة رياضية شهيرة يحبك الناس»، فتبتسم وتسعد بالكلمات الرقيقة».
وتتابع راندا: «أسكن في محافظة الإسكندرية، ومنذ 20 عاماً كانت الحضانات التي تتقبل ذوي الاحتياجات الخاصة نادرة، وبعد بحث طويل ألحقتها بمدرسة راهبات تقبل في جزء منها ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالفعل الراهبات اهتممن بها جداً، وساعدنني في تأهيلها سلوكياً وفي التخاطب أيضاً، ومنذ بلوغها عامها الرابع بدأت ممارسة الرياضة بالتوازي مع الدراسة في المدرسة، وكانت أول لعبة شاركت فيها هي ألعاب القوى ودخلت أول بطولة عام 2010 في سوريا اسمها بطولة العرب، وكان عمرها 13 عاماً، وفي 2015 شاركت في بطولة العالم بأميركا، وحصلت على ميدالية فضية في التنس الأرضي الفردي، وحصدت البرونزية في الزوجي أيضاً، وفي 2016 شاركت في بطولة العالم للسباحة، وفي بطولة إيطاليا حصلت على ميدالية برونزية، ومنذ عام بدأت دروس باليه، وبدأت تلعب جمبازاً إيقاعياً أيضاً، لأنها تحب الموسيقى والرقص، وتمت خطبتها أخيراً على زميلها في منتخب السباحة».
تؤكد راندا أن رحلتها هي وابنتها مع متلازمة داون لم تكن سهلة، بل شابها العديد من العقبات والتحديات التي واجهتاها بكل صمود ورغبة في الحياة، وتقول: «من أبرز التحديات التي قابلتنا، إصابة دينا فجأة بتقوّس في العمود الفقري، اكتشفه مدرب التنس أثناء التمرين، وطلب مني أن أعرضها على طبيب مناسب، فكانت المفاجأة عندما قال الطبيب أن الانحناء بنسبة 75 في المئة وقابل للزيادة، وفي أيام قليلة تدهورت حالة ابنتي الصحية وصار من الصعب أن تمشي؛ وتتألم باستمرار، لكن الطبيب أخبرنا بأنه علينا أن نجري لها جراحة خطيرة لتقويم العمود الفقري، علماً أن نسبة نجاح الجراحة ضعيفة، فأخذ المحيطون بنا ينصحوننا بألا نجري الجراحة ونستسلم للقدر، بخاصةً أنها من مرضى متلازمة داون، لكني شعرت بأن تلك النصائح تحرمها من فرص الحياة، لا سيما أن عدم إجراء الجراحة يعني مكوثها في الفراش غير قادرة على الحركة حتى تموت، فكان قراري أن نجري الحراجة ونواجه مصيرها المكتوب أياً كان، وبالفعل أجريت الجراحة ووُضعت لابنتي 16 مسماراً في العمود الفقري، ومكثت راقدة في الجبس لمدة 6 أشهر، لكن أنا وهي تشبّثنا بالحياة، وبعد فك الجبس بدأنا تمارين سباحة مع علاج طبيعي، وفي 2009 أصبحت تتدرب سباحة بانتظام، وفي 2010 حصدت ميدالية في بطولة العرب في سوريا».
أول نظرة
«من أول نظرة لرحمة بعد ولادتها اكتشفت أنها مصابة بمتلازمة داون، وطبيب الأطفال رفض مقابلتي لعدم إخباري بحقيقة الأمر»، بهذه الكلمات بدأت أمل إبراهيم، أخصائية تخاطب، حكايتها مع ابنتها بطلة السباحة رحمة خالد.
تحكي أمل: «بعدما رفض طبيب الأطفال مقابلتي، أخبر زوجي أن الرضيعة لن تعيش كثيراً، وأنها مصابة بأمراض في القلب والكبد، ورفض أن ندخلها الحضّانة، وقال لزوجي إن الحضانة ستكون دفع أموال بلا فائدة، وعندما أخبرني زوجي بما قاله له الطبيب رفضت إدخالها الحضّانة، وقلت له إنني لن أأتمن هذا المكان على ابنتي، وعلى الفور أخذتها وخرجت بها من المستشفى وأدخلتها حضّانة أخرى. حاولت التواصل مع طبيب الأطفال الذي تابع أبنائي الكبار منذ ولادتهم، لكنه كان خارج مصر، فأجريت لرحمة الفحوصات المطلوبة، والتي أعلمها بحكم عملي كأخصائية تخاطب، للتأكد من أنها تعاني متلازمة داون، والأمر استغرق نحو شهر تقريباً».
التحديات الاجتماعية واجهت أمل مبكراً، وتلفت: «كنت سعيدة بإنجابي بنتاً، ونظراً الى طبيعة عملي مع ذوي الاحتياجات الخاصة، كنت أعلم أنه توجد منهم حالات متقدمة، المهم أن يكون أسلوب التعامل معهم صحيحاً، لكن عندما علمت أمي بأنني سأحتفل بسبوع رحمة عارضتني، وقالت لي إنها حزينة بسبب حالتها الصحية ولا يوجد مكان ولا توقيت للفرح، لكنني أصررت على أن أقيم السبوع لها مثل إخوتها الكبار، وأخبرت أمي أنني سعيدة بها رغم ظروفها ولن أخفي سعادتي، فكان الطلب الثاني لأمي أن أخفيها عن المدعوين للسبوع، حتى لا يعلم أحد بأنها مصابة بمتلازمة داون، لكنني أخبرت الجميع في حفلة السبوع وطلبت منهم مساعدتي في رحلتي معها عن طريق تقبّلها، وبالفعل بدأت رحلتي معها مبكراً منذ الشهر الأول لولادتها، عن طريق دروس للتخاطب كنت أمارسها معها بنفسي، وألحقتها بمركز للتدخل المبكر، فكنت أزوره أسبوعياً ويضعون لها أهدافاً أسبوعية وخطة يمارسونها معها لمدة ساعات، وكنت أعيد تلك الخطة معها يومياً في المنزل حتى يظل عقلها متيقظاً، وبالفعل كانت مثل أي طفل طبيعي في عمرها نفسه، وفي سن أربع سنوات التحقت بـKG1 ودرست المناهج الدراسية العادية، وهي الآن تدرس العام الأخير في معهد سياحة وفنادق».
وتضيف أمل: «طوال الوقت، كنت مؤمنة بأن قدرات ابنتي لا تختلف عن أي طفل آخر، وهذا كان حسن ظني في الله فوجدته متحققاً، فإضافة إلى نجاحها في الدراسة مثلت رحمة مصر في بطولة العرب في السباحة بسوريا عام 2010، وحصلت على أربع ميداليات، ذهبيتين وواحدة فضة وأخرى برونزية، وفي عام 2012 مثلت مصر في مؤتمر الشباب والمدارس كمتحدث رسمي عن ذوي الإعاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تؤكد أمل في نهاية حديثها، أنها تصر على السفر الدائم مع ابنتها رحمة في البطولات والمؤتمرات؛ لتسعد بنجاحها، كما تتمنى أن تحقق ابنتها أمنيتها بأن تكون مذيعة، بخاصةً أنها درست دورات تدريبية في الإذاعة مع كبار مذيعي الراديو.
ذكاء الأمومة
من الجانب الاجتماعي، يؤكد الدكتور رفعت عبدالباسط، أن ذكاء الأمومة الفطري هو الذي يحرك جميع الأمهات السابقات؛ وغيرهن ممن رزقهن الله بأطفال ذوي قدرات خاصة.
ويضيف: «هؤلاء الأمهات يرفضن التقاليد البالية للمجتمع، الذي ينبذ الأطفال المعاقين، وواجهن قولبة المجتمع لأنماط البشر، فعملن على قدم وساق ليدمجن أطفالهن كأفراد ناجحين متميزين في قلب المجتمع، فانحنى الجميع تقديراً لتميز هؤلاء الأطفال».
ويتابع: «اعتياد المجتمع على نبذ ذوي الاحتياجات الخاصة ناتج من رسم صورة ذهنية سلبية عنهم، لكن العلم وتجارب الأمهات السابقات وغيرهن أثبتت أنه عند دمج الطفل ذي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وإعطائه مزيداً من الرعاية؛ مع الاستماع إلى مشاكله ومنحه الفرصة للتعبير عن رأيه، يصبح فرداً نافعاً ناجحاً، ينحني له المجتمع إجلالاً لتحدّيه وإصراره على التفوق».
نصائح
من الجانب النفسي، تؤكد الدكتورة منى رضا، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، أن مجرد سماع الأم بخبر أن طفلها ذو احتياجات خاصة يصيبها بصدمة، ثم تدخل في مرحلة الرفض للحقيقة؛ فتقتنع بأن طفلها سليم ثم التفاوض في تصديق الأمر عندما تجده متأخراً عن ذويه، ثم تبدأ في القبول عندما تلجأ إلى استشارة الطبيب والدعم الطبي، قد تختلف مدة تلك المراحل من أمٍّ إلى أخرى حسب الثقافة وقناعات الرضا بالنصيب.
وتضيف أستاذة الطب النفسي: «لشخصية الأم عامل كبير في التعامل مع الطفل ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجه في المجتمع، فكلما كانت شخصية مرنة لديها سعة صدر للتعامل مع الطفل بطريقة خاصة مختلفة عن أشقائه، زاد احتواؤها للطفل ووضعته على أولى خطوات التميز والتقبل المجتمعي، كذلك الأمهات ذوات الوعي العالي وقوة الملاحظة يستطعن ملاحظة أي تغيرات أو انتكاسات تمر على حالة أطفالهن ويبدأن مبكراً في العلاج، كذلك الأمهات الناجحات في تربية ذوي الاحتياجات الخاصة يتميزن بسعة الصدر والقدرة على حل المشاكل بطرق مختلفة مع الطفل، حتى يصلن إلى الطرق الأنسب معه، أما نظيراتهن اللواتي لا يتمتعن بالمرونة والثقافة والاستيعاب، فأكثر عرضة للعصبية والاكتئاب والزهد في الحياة، مما ينعكس على حالة الطفل فيتدهور صحياً وعقلياً ونفسياً.
تشير الدكتورة منى إلى أن دور الأسرة في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة لا يتوقف عند الأم فقط، بل يجب أن يعي الأب أن دوره لا ينحصر في توفير النقود اللازمة للعلاج فقط، بل يجب أن يشارك في تربية الطفل والاهتمام به.
وتقدم الدكتورة منى رضا مجموعة نصائح مهمة للأمهات:
1. بعد الولادة، يجب المتابعة المنتظمة مع طبيب أطفال متخصص، لأنه الوحيد القادر على الكشف المبكر عن أي تأخر في النمو الحركي أو الذهني.
2. يجب أن تعي الأم أن وجود خلل في أي وظيفة لدى الطفل لا يعني أنه معاق، وليس له حق في الحياة، بل يعني أنه يحتاج إلى رعاية خاصة فقط.
3. على الأم أن تسعى دائماً الى وضع خطة علاج واضحة وتتابع التحسن على الطفل.
4. يفضل أن تبتعد الأم عن الأحاديث العائلية والاجتماعية المفعمة بالشفقة على طفلها، لأنها تحيطها بطاقة سلبية تنعكس على أسلوب تعاملها مع الطفل، يجب أن تستبدل ذلك بمجموعة صديقات من الأمهات اللواتي لديهن الحالة الصحية نفسها للأطفال، فهؤلاء مجموعة دعم إيجابية تنعكس بنصائح مجربة في التعامل مع الأطفال.
5. عليها أن تعتبر نفسها من الأمهات المحظوظات، لأن الله منحها هدية بناء على قدرة تحمّلها؛ ليضاعف أجرها في الدنيا
في الوقت الذي تستسلم فيه بعض الأمهات لإعاقة أبنائهن من ذوي الاحتياجات الخاصة، وترى نجاحهم في ظل تلك الإعاقة ضرباً من المستحيل، هناك أمهات أخريات حققن هذا المستحيل مع أبنائهن ذوي الاحتياجات الخاصة، واستطعن تحدّي إعاقتهم والوصول بهم إلى نجاحات تؤكد أننا أمام أمهات بطلات.
قدرات خاصة ومختلفة
بعد أن أنجبت إلهام عبدالغفار، 55 عاماً، ابنتيها في عامين متتاليين في بداية الزواج، قررت أن تتفرغ لتربيتهما وألا تنجب مزيداً من الأطفال، لكن شاءت الأقدار أن تحمل من دون تخطيط في طفلها الثالث «محمد»، بعد 14 عاماً من إنجاب طفلتها الأخيرة، لكنه جاء إلى الدنيا بقدرات خاصة ومختلفة.
تحكي إلهام تجربتها مع محمد قائلة: «ولدت محمد مصاباً بمتلازمة داون، وعرفت ذلك في يومه الرابع، عندما أخبر الطبيب زوجي بأنه سيتأخر في كل شيء مقارنة بالأطفال الأسوياء، توقعت في البداية أنه تأخر طبيعي، وكم من الأطفال الذين يتأخرون في الكلام أو المشي، لكن الطبيب طلب منا أن نجري له فحوصات كبيرة وكثيرة، لدرجة أنهم في المعمل لم يجدوا له وريداً لتحليل الدم، فأخذوه من وريد رقبته، وجاءت النتيجة عندما كان عمره شهرين بأنه مصاب بمتلازمة داون، وأول ما دار في رأسي سؤال هل سيكون شكله مثل جميع مرضى المتلازمة؟! فأخبرني الطبيب أنه يوجد دواء حديث في أميركا سيعمل على تغيير ملامح الأطفال مصابي المتلازمة، فأرسلت لشراء الدواء وواظبت عليه، وبالفعل من يرى محمد لا يعتقد أنه مصاب بمتلازمة داون على الإطلاق، إلا إذا كان من المتخصصين أو إذا تحدث محمد».
تتابع: «على التوازي، عملت على التدخل المبكر وألحقته بمركز لتأهيل مصابي المتلازمة، وكان محمد هو أصغر طفل هناك، لأنه كان رضيعاً، وصممت على أن يلتحق بالمركز كي يستفيد، والإدارة كانت متفهمة الأمر، فكان بمثابة تجربة للجميع، وبحمد الله وفضله مشى محمد في الوقت الطبيعي لمشي الأطفال، لكنه تأخر في الكلام، فألحقته بدروس تخاطب، وفي كل مراكز التأهيل والتخاطب كنت أرافقه حتى أكرر معه الدروس في المنزل ويستجيب بشكل أسرع، وفي عمر ست سنوات توجهت به إلى عالم الرياضة والتحق بألعاب القوى، لكن إعاقته كانت شديدة، وكان من الصعب أن يحقق فيها إنجازاً، لكني كنت مصرة على التجربة وفي عمر الثامنة كان اقترب من سن تحقيق البطولات التي تكون عند العاشرة من عمره، فبدأت أشركه في ألعاب مختلفة؛ مثل السباحة والتنس، وعندما وصل إلى سن البطولة نصحنا المدربون بضرورة أن يختار رياضة واحدة فقط، فاختار السباحة وحصل على بطولة الجمهورية عن عمر 11 عاماً، وحصل عليها مرة أخرى في عمر 12 عاماً، وسافر إلى سوريا عام 2010 في بطولة العرب، وعام 2014 سافر إلى أميركا وحصل على مركز أول في ألعاب القوى جولة وجري، وفي 2015 حصل مع المنتخب على بطولة كرة اليد من لوس أنجلوس بمركز الثالث على العالم، وفي الأعوام 2015 و2016 و2017 على التوالي حصل على بطولة الجمهورية مع فريقه لكرة السلة بنادي الشمس الرياضي».
تكمل إلهام: «هذا التفوق لم يأت من فراغ، فأنا كنت مصرة على أن يكون طفلي شخصاً مندمجاً في المجتمع وناجحاً، وألا أتركه للتلفزيون حتى يقضي على عقله، فكانت ممارسة الرياضة حلاً رائعاً، لأنها علمته الالتزام ووسعت مداركه، فضلاً عن ذلك كنت أنا وشقيقتاه نخرج معه ونردد له الأسماء والأشياء والعلامات الموجودة في الشارع حتى حفظها، وكذلك كان لأبيه دور كبير في أن يندمج في المجتمع الخارجي، فهو كان يخرج معه بصفة مستمرة حتى ننشط ذهنه واستيعابه، وكل ما أتمناه الآن أن يحصل على المزيد من النجاحات في الرياضة، لأنه يحبها بشدة».
فراشة النيل
تفتخر نيفين سعيد بكونها تعمل موظفة لدى ابنتها آية الله، والملقبة بـ«فراشة النيل»، بسبب بطولاتها في السباحة، وتحكي نيفين قصتها قائلة: «لم أتردد لحظة واحدة في الاستقالة من عملي بسبب إعاقة آية الحركية، ففي البداية عندما تأخرت في المشي بدأنا في استشارة الأطباء، حتى علمنا بوضعها الصحي، وكانت منذ صغرها تحب الماء وتشعر براحة أكثر، وبأنها تتحرك بشكل طبيعي داخل الماء، حتى قررنا أن تتدرب سباحة وتمارس رياضة تحبها».
وتضيف: «لم تكن البطولات في مخيلتنا، ورغم ذلك لم نتهاون يوماً في حضور تمرين في تمام الساعة السادسة صباحاً في عز الشتاء، وكانت النتيجة أنها أول سباحة مصرية من ذوي القدرات الخاصة تتأهل لكأس العالم عن عمر 15 عاماً، وهي الآن تبلغ 17 عاماً، كما أنها الآن كابتن منتخب مصر للإعاقات الحركية، وأول وأصغر سباحة تتأهل لأولمبياد ريو دي جانيرو 2016، كما حصلت في عام 2015 على ثلاث ميداليات في بطولة إسبانيا المقامة في مدريد، حيث حصدت الذهبية في سباق 50 متراً حرة وميداليتين فضيتين في سباقات 100 متر حرة و400 متر حرة، واشتركت أيضاً في بطولة العالم في 2015 في غلاسكو باسكتلندا، وكانت أول مصرية تتأهل للنهائيات؛ وحصلت على المركز السابع على العالم، وتستعد الآن لبطولة العالم في المكسيك».
تؤكد نفين أن طريق نجاح ابنتها لم يكن مفروشاً بالورود، لكنها أصرت كأم ألا تستسلم لظروف الإعاقة الحركية، وتوضح: «آية كانت تسعد بشدة لتواجدها في المياه، حيث تشعر أنها سوية وتتحرك بكل سهولة وطبيعية، فضلاً عن أنني كنت أشجعها دائماً على الرياضة، لأنها تحسن من حالتها النفسية، فالسباحة إكسير الحياة بالنسبة الى آية، في المقابل لاحظت أن من يعانون قدرات خاصة ولا يمارسون رياضة يقعون فريسة سهلة للاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية، وبالتالي صحة ابنتي النفسية كانت نصب عيني طوال الوقت، ولم أبالِ بالملاعب والنوادي غير المجهزة لذوي الإعاقة الحركية، وأتواجد معها دائماً في كل تمرين لأساعدها في تبديل ملابسها وحمل أدواتها، لذا لم أحزن يوماً على ترك عملي، وأفخر بأنني أعمل لدى آية من أجل إسعادها».
مؤسسة خيرية
أما راندا بكر، 45 عاماً، فأنشأت مؤسسة «وسيط الخير» لذوي الاحتياجات الخاصة منذ عامين، لتقدم الدعم والعون لهؤلاء الأطفال وآبائهم، مستفيدة من تجربتها مع ابنتها دينا، 21 عاماً، بطلة السباحة والتنس.
تقول راندا: «السر في كون دينا مميزة أنني تعاملت معها على أنها سوية، فهي البنت الوسطى، شقيقها الأكبر عمره 23 عاماً طبيب أسنان، والأصغر عمره 19 عاماً، فهي تثاب وتعاقب مثلهما تماماً وهما يتعاملان معها بطريقة طبيعية، فلم نشعرها يوماً أنها مختلفة».
تحكي راندا عن ذكريات اكتشافها أن طفلتها مصابة بمتلازمة داون، وتقول: «يوم الولادة ليلاً، أخبرني الطبيب أن رضيعتي تعاني مشكلة صحية ما، ولم يفصح عن طبيعة المشكلة، حدثني حدسي أنها متلازمة داون، لكن قلب الأم رفض التصديق واعتبره هاجساً شيطانياً، وعند استلامي لها في الصباح وقت مغادرة المستشفى؛ سلمني التمريض ورقة بحالة رضيعتي الصحية مكتوباً فيها باللغة الإنكليزية أنها مصابة بمتلازمة داون، استلمت دينا وانهمرت الدموع من عينيَّ، والسبب كان الصدمة بطريقة إخباري، لو كان الطبيب أخبرني قبل استلامها لكان الأمر أهون عليَّ، وكان كل تفكيري كيف سيتقبّلها المجتمع، وأخذت أدعو الله أن تكون حالتها الصحية من أفضل الحالات في متلازمة داون، تفكيري في نظرات الشفقة لها من الآخرين طعن قلبي بسكين بارد، وتفكيري في نظرات الاشمئزاز من الآخرين اعتصر فؤادي ألماً، لم تكن لديَّ أي خطة حينها، والبكاء لا يتوقف لحظة واحدة، وانصبّ تركيزي في الدعاء كأنه كان هو الشفاء لقلبي العليل، وأخذت أدعو الله أن يمنحها أفضل حالة وأن تكون متقدمة صحياً وعقلياً، واستجاب الله لدعائي، وكانت نشطة على عكس أبناء متلازمة داون، فهم يتميزون بالخمول. في المقابل، كنت أراقب نموها يومياً، وأدعو الله أن تكبر بحالة جيدة، واستجاب الله لي. على التوازي، اهتممت بشدة بشكلها وشعرها وتفاصيلها الخارجية كفتاة، لدرجة أن جمالها ونظافتها كانا لافتين، وكانوا يطلبون منها في النادي أن يتصوروا معها، فكانت تسألني: «ماما هل أنا مشهورة؟» فأجيبها: «طبعاً، أنت بطلة رياضية شهيرة يحبك الناس»، فتبتسم وتسعد بالكلمات الرقيقة».
وتتابع راندا: «أسكن في محافظة الإسكندرية، ومنذ 20 عاماً كانت الحضانات التي تتقبل ذوي الاحتياجات الخاصة نادرة، وبعد بحث طويل ألحقتها بمدرسة راهبات تقبل في جزء منها ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالفعل الراهبات اهتممن بها جداً، وساعدنني في تأهيلها سلوكياً وفي التخاطب أيضاً، ومنذ بلوغها عامها الرابع بدأت ممارسة الرياضة بالتوازي مع الدراسة في المدرسة، وكانت أول لعبة شاركت فيها هي ألعاب القوى ودخلت أول بطولة عام 2010 في سوريا اسمها بطولة العرب، وكان عمرها 13 عاماً، وفي 2015 شاركت في بطولة العالم بأميركا، وحصلت على ميدالية فضية في التنس الأرضي الفردي، وحصدت البرونزية في الزوجي أيضاً، وفي 2016 شاركت في بطولة العالم للسباحة، وفي بطولة إيطاليا حصلت على ميدالية برونزية، ومنذ عام بدأت دروس باليه، وبدأت تلعب جمبازاً إيقاعياً أيضاً، لأنها تحب الموسيقى والرقص، وتمت خطبتها أخيراً على زميلها في منتخب السباحة».
تؤكد راندا أن رحلتها هي وابنتها مع متلازمة داون لم تكن سهلة، بل شابها العديد من العقبات والتحديات التي واجهتاها بكل صمود ورغبة في الحياة، وتقول: «من أبرز التحديات التي قابلتنا، إصابة دينا فجأة بتقوّس في العمود الفقري، اكتشفه مدرب التنس أثناء التمرين، وطلب مني أن أعرضها على طبيب مناسب، فكانت المفاجأة عندما قال الطبيب أن الانحناء بنسبة 75 في المئة وقابل للزيادة، وفي أيام قليلة تدهورت حالة ابنتي الصحية وصار من الصعب أن تمشي؛ وتتألم باستمرار، لكن الطبيب أخبرنا بأنه علينا أن نجري لها جراحة خطيرة لتقويم العمود الفقري، علماً أن نسبة نجاح الجراحة ضعيفة، فأخذ المحيطون بنا ينصحوننا بألا نجري الجراحة ونستسلم للقدر، بخاصةً أنها من مرضى متلازمة داون، لكني شعرت بأن تلك النصائح تحرمها من فرص الحياة، لا سيما أن عدم إجراء الجراحة يعني مكوثها في الفراش غير قادرة على الحركة حتى تموت، فكان قراري أن نجري الحراجة ونواجه مصيرها المكتوب أياً كان، وبالفعل أجريت الجراحة ووُضعت لابنتي 16 مسماراً في العمود الفقري، ومكثت راقدة في الجبس لمدة 6 أشهر، لكن أنا وهي تشبّثنا بالحياة، وبعد فك الجبس بدأنا تمارين سباحة مع علاج طبيعي، وفي 2009 أصبحت تتدرب سباحة بانتظام، وفي 2010 حصدت ميدالية في بطولة العرب في سوريا».
أول نظرة
«من أول نظرة لرحمة بعد ولادتها اكتشفت أنها مصابة بمتلازمة داون، وطبيب الأطفال رفض مقابلتي لعدم إخباري بحقيقة الأمر»، بهذه الكلمات بدأت أمل إبراهيم، أخصائية تخاطب، حكايتها مع ابنتها بطلة السباحة رحمة خالد.
تحكي أمل: «بعدما رفض طبيب الأطفال مقابلتي، أخبر زوجي أن الرضيعة لن تعيش كثيراً، وأنها مصابة بأمراض في القلب والكبد، ورفض أن ندخلها الحضّانة، وقال لزوجي إن الحضانة ستكون دفع أموال بلا فائدة، وعندما أخبرني زوجي بما قاله له الطبيب رفضت إدخالها الحضّانة، وقلت له إنني لن أأتمن هذا المكان على ابنتي، وعلى الفور أخذتها وخرجت بها من المستشفى وأدخلتها حضّانة أخرى. حاولت التواصل مع طبيب الأطفال الذي تابع أبنائي الكبار منذ ولادتهم، لكنه كان خارج مصر، فأجريت لرحمة الفحوصات المطلوبة، والتي أعلمها بحكم عملي كأخصائية تخاطب، للتأكد من أنها تعاني متلازمة داون، والأمر استغرق نحو شهر تقريباً».
التحديات الاجتماعية واجهت أمل مبكراً، وتلفت: «كنت سعيدة بإنجابي بنتاً، ونظراً الى طبيعة عملي مع ذوي الاحتياجات الخاصة، كنت أعلم أنه توجد منهم حالات متقدمة، المهم أن يكون أسلوب التعامل معهم صحيحاً، لكن عندما علمت أمي بأنني سأحتفل بسبوع رحمة عارضتني، وقالت لي إنها حزينة بسبب حالتها الصحية ولا يوجد مكان ولا توقيت للفرح، لكنني أصررت على أن أقيم السبوع لها مثل إخوتها الكبار، وأخبرت أمي أنني سعيدة بها رغم ظروفها ولن أخفي سعادتي، فكان الطلب الثاني لأمي أن أخفيها عن المدعوين للسبوع، حتى لا يعلم أحد بأنها مصابة بمتلازمة داون، لكنني أخبرت الجميع في حفلة السبوع وطلبت منهم مساعدتي في رحلتي معها عن طريق تقبّلها، وبالفعل بدأت رحلتي معها مبكراً منذ الشهر الأول لولادتها، عن طريق دروس للتخاطب كنت أمارسها معها بنفسي، وألحقتها بمركز للتدخل المبكر، فكنت أزوره أسبوعياً ويضعون لها أهدافاً أسبوعية وخطة يمارسونها معها لمدة ساعات، وكنت أعيد تلك الخطة معها يومياً في المنزل حتى يظل عقلها متيقظاً، وبالفعل كانت مثل أي طفل طبيعي في عمرها نفسه، وفي سن أربع سنوات التحقت بـKG1 ودرست المناهج الدراسية العادية، وهي الآن تدرس العام الأخير في معهد سياحة وفنادق».
وتضيف أمل: «طوال الوقت، كنت مؤمنة بأن قدرات ابنتي لا تختلف عن أي طفل آخر، وهذا كان حسن ظني في الله فوجدته متحققاً، فإضافة إلى نجاحها في الدراسة مثلت رحمة مصر في بطولة العرب في السباحة بسوريا عام 2010، وحصلت على أربع ميداليات، ذهبيتين وواحدة فضة وأخرى برونزية، وفي عام 2012 مثلت مصر في مؤتمر الشباب والمدارس كمتحدث رسمي عن ذوي الإعاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تؤكد أمل في نهاية حديثها، أنها تصر على السفر الدائم مع ابنتها رحمة في البطولات والمؤتمرات؛ لتسعد بنجاحها، كما تتمنى أن تحقق ابنتها أمنيتها بأن تكون مذيعة، بخاصةً أنها درست دورات تدريبية في الإذاعة مع كبار مذيعي الراديو.
ذكاء الأمومة
من الجانب الاجتماعي، يؤكد الدكتور رفعت عبدالباسط، أن ذكاء الأمومة الفطري هو الذي يحرك جميع الأمهات السابقات؛ وغيرهن ممن رزقهن الله بأطفال ذوي قدرات خاصة.
ويضيف: «هؤلاء الأمهات يرفضن التقاليد البالية للمجتمع، الذي ينبذ الأطفال المعاقين، وواجهن قولبة المجتمع لأنماط البشر، فعملن على قدم وساق ليدمجن أطفالهن كأفراد ناجحين متميزين في قلب المجتمع، فانحنى الجميع تقديراً لتميز هؤلاء الأطفال».
ويتابع: «اعتياد المجتمع على نبذ ذوي الاحتياجات الخاصة ناتج من رسم صورة ذهنية سلبية عنهم، لكن العلم وتجارب الأمهات السابقات وغيرهن أثبتت أنه عند دمج الطفل ذي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وإعطائه مزيداً من الرعاية؛ مع الاستماع إلى مشاكله ومنحه الفرصة للتعبير عن رأيه، يصبح فرداً نافعاً ناجحاً، ينحني له المجتمع إجلالاً لتحدّيه وإصراره على التفوق».
نصائح
من الجانب النفسي، تؤكد الدكتورة منى رضا، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، أن مجرد سماع الأم بخبر أن طفلها ذو احتياجات خاصة يصيبها بصدمة، ثم تدخل في مرحلة الرفض للحقيقة؛ فتقتنع بأن طفلها سليم ثم التفاوض في تصديق الأمر عندما تجده متأخراً عن ذويه، ثم تبدأ في القبول عندما تلجأ إلى استشارة الطبيب والدعم الطبي، قد تختلف مدة تلك المراحل من أمٍّ إلى أخرى حسب الثقافة وقناعات الرضا بالنصيب.
وتضيف أستاذة الطب النفسي: «لشخصية الأم عامل كبير في التعامل مع الطفل ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجه في المجتمع، فكلما كانت شخصية مرنة لديها سعة صدر للتعامل مع الطفل بطريقة خاصة مختلفة عن أشقائه، زاد احتواؤها للطفل ووضعته على أولى خطوات التميز والتقبل المجتمعي، كذلك الأمهات ذوات الوعي العالي وقوة الملاحظة يستطعن ملاحظة أي تغيرات أو انتكاسات تمر على حالة أطفالهن ويبدأن مبكراً في العلاج، كذلك الأمهات الناجحات في تربية ذوي الاحتياجات الخاصة يتميزن بسعة الصدر والقدرة على حل المشاكل بطرق مختلفة مع الطفل، حتى يصلن إلى الطرق الأنسب معه، أما نظيراتهن اللواتي لا يتمتعن بالمرونة والثقافة والاستيعاب، فأكثر عرضة للعصبية والاكتئاب والزهد في الحياة، مما ينعكس على حالة الطفل فيتدهور صحياً وعقلياً ونفسياً.
تشير الدكتورة منى إلى أن دور الأسرة في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة لا يتوقف عند الأم فقط، بل يجب أن يعي الأب أن دوره لا ينحصر في توفير النقود اللازمة للعلاج فقط، بل يجب أن يشارك في تربية الطفل والاهتمام به.
وتقدم الدكتورة منى رضا مجموعة نصائح مهمة للأمهات:
1. بعد الولادة، يجب المتابعة المنتظمة مع طبيب أطفال متخصص، لأنه الوحيد القادر على الكشف المبكر عن أي تأخر في النمو الحركي أو الذهني.
2. يجب أن تعي الأم أن وجود خلل في أي وظيفة لدى الطفل لا يعني أنه معاق، وليس له حق في الحياة، بل يعني أنه يحتاج إلى رعاية خاصة فقط.
3. على الأم أن تسعى دائماً الى وضع خطة علاج واضحة وتتابع التحسن على الطفل.
4. يفضل أن تبتعد الأم عن الأحاديث العائلية والاجتماعية المفعمة بالشفقة على طفلها، لأنها تحيطها بطاقة سلبية تنعكس على أسلوب تعاملها مع الطفل، يجب أن تستبدل ذلك بمجموعة صديقات من الأمهات اللواتي لديهن الحالة الصحية نفسها للأطفال، فهؤلاء مجموعة دعم إيجابية تنعكس بنصائح مجربة في التعامل مع الأطفال.
5. عليها أن تعتبر نفسها من الأمهات المحظوظات، لأن الله منحها هدية بناء على قدرة تحمّلها؛ ليضاعف أجرها في الدنيا
التوقيع
_________________
Derraz Boujemaa- مؤسس ستار ديس
- تاريخ التسجيل : 20/08/2018المساهمات : 5189نقاط التميز : 9415الجنس :
رد: أمهات بطلات حوّلن إعاقة أبنائهن إلى قصص نجاح
بارك الله فيك على المعلومات المفيدة
MarYam- عضو ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 1419نقاط التميز : 2107الجنس :العمر : 37الأبراج :
مواضيع مماثلة
» فضل أمهات المؤمنين على سائر نساء العالمين
» نجاح الأبناء...ليس فقط في العربي والحساب
» عوامل نجاح تعليم التفكير
» إعاقة 3 بنات تضاعف محنة أسرة في جبال تنغير
» نجاح أول جراحة في لبنان لاستئصال تشوه كبير من عين طفل
» نجاح الأبناء...ليس فقط في العربي والحساب
» عوامل نجاح تعليم التفكير
» إعاقة 3 بنات تضاعف محنة أسرة في جبال تنغير
» نجاح أول جراحة في لبنان لاستئصال تشوه كبير من عين طفل
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى