آليات وأفكار لإدارة جلسات المعايشة التربوية ( التعلم )
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
آليات وأفكار لإدارة جلسات المعايشة التربوية ( التعلم )
آليات وأفكار
لإدارة جلسات المعايشة التربوية (التعلُّم)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولِ الله، النبيِّ القائدِ المربي، وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد.
جلسَ أخي المشرفُ المجاهدُ لوحدِهِ جلستَه المعهودة في بداية كل فصل، يُرتِّبُ أوراقَهُ، يُقدِّمُ أمرًا ويُؤخِّرُ آخر، وبينهما من جلساتِ التأملِ والنظرِ ما يَجعلُهُ يُجهِدُ ذِهنهُ حتى يَشعر بأنه بذلَ وُسعَهُ..
وللمشورةِ حظٌّ كبيرٌ من وقتِهِ وفِكرِهِ، فما زال يَتردَّدُ على أبوابِ أهلِ الرَّأيِ والأمانةِ..
كل هذا في كِفةٍ.. والتَّضرُّعُ إلى الله والالتجاءُ له وطلبه التوفيقَ والتسديدَ في كِفةٍ أخرى..
كَمُلتْ أوراقُهُ، أصبحت هاجسُهُ في كُلِّ وقتٍ فلا يحتاجُ إلى الرُّجوع إليها ليستذكرَ ما فيها؛ إذ أنّ ما فيها يأكلُ معه ويشربُ..!
بقيَ سؤالٌ مُلحٌّ يدورُ في ذهنِ أخي: كيفَ أستغلُّ كل جلساتي مع الطلاب في بنائهم وإفادتهم؟!؛ فهذه غايةُ خُططي، شريطةَ أن لا يملوا وتكون منسابة وسلسة مع الحياةِ العامةِ في ظل المعايشة التربوية في الجلسات الأخوية غير الممنهجة، كما هو الحال في السيارةِ أثناء المرور أو في طريق السفر، وفي جلسات الرحلات في نهاية الأسبوع ونحوها من الجلسات..
أظنُّكم تسمعون كثيرا كما أسمع عددا من التساؤلات كقولِ بعضهم: ماذا عليّ أن أفعل للطلاب في السيارةِ أثناءَ المرور اليوميِّ، الغالب أني أنا المُتحدِّث والموجِّه، هناك تكرار كبير فيما أطرح، انتهت سواليفي - على حدِّ قوله -!، أشعر مع مرورِ الوقتِ بأنه لا فائدة كبيرة مرجوَّة من هذه الجلسات سوى المتعة وتحقيق حبّ الشباب والانتماء لهم..؟!
هذه تساؤلات المربي الحيِّ، الذي يُرجى أن يكونَ صادِقًا في عمله، وهي من الحسِّ التربويِّ التي يُميَّزُ المربون الحقيقيون به، فهؤلاء لا يرضَوْن أن تَمرَّ عليهم الأوقاتُ إلا ولهم فيها بِصماتٌ تدفعُ عجلةَ تربيتِهم قُدُمًا نحو الأمام بعون الله، ذلك لأنهم الأكثرَ مسؤوليةً، والأكثرَ عملاً وجهدًا ومشقًة، يقول الأستاذ سالم البطاطي: "إن المشرفَ الحقيقي في العمل التربوي هو ذلك الأكثر مسؤولية من بين جميع الأفراد وهو مع ذلك أيضًا الأكثر جهداً وعملاً ومشقة، ومتى تخلف أحد الأمرين زال هذا اللقب ولم يكن له رصيد في الواقع " [مقال منشور له في الشبكة تحت عنوان: " المشرف التربوي بين حجم المسؤولية ومباشرة الأعمال"]..
لذلك كانت هذه الورقةُ: "آلياتٌ وأفكارٌ لإدارة جلسات المعايشة التربوية؛ طلبًا في المساهمةِ في الحلِّ، وتقديمِ ما يُفيدُ أخي المربي في عمليَّتِه التربويةِ..
سأذكرها مُفرَّقةً، وقد أُعزِّزها بما يُبيِّنُ أهميتها وقوتها، ورُبما أُمثِّل لبعضها بأمثلةٍ وتطبيقاتٍ حيَّةٍ عاصرتُها أو سمعتُها؛ زيادةً في التوضيحِ وتسهيلا على مريدِ فهمها للقياسِ عليها، وسأُردفُها بتوابعَ وتصوراتٍ عامةٍ..
اسمح لي أن أغبطَك قبلَ أن أبدأَ بهذا الحديث الذي رواه أبو أمامة الباهلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنَّ الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليُصلون على معلمِ الناس الخيرَ) [رواه الترمذي والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع].. إيييه ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاءُ.
أبدأ مستعينا بالله تعالى، مُتبرِّأ من حولي وقوتي..
من الآليات والمهارات ما يأتي:-
• استغلال المواقف والفرص:
قدِم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي هوازن فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيا في السبي فأخذته فألصقته ببطنها فأرضعته، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا والله! وهى تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لله أرحم بعباده من هذه بولدها).
فلا يستوي أثر المعاني حين تربط بصور محسوسة، مع عرضها في صورة مجردة جافة.
إن المواقف تستثير مشاعر جياشة في النفس، فحين يستثمر هذا الموقف يقع التعليم موقعه المناسب، ويبقى الحدث وما صاحبه من توجيه وتعليم صورة منقوشة في الذاكرة، تستعصي على النسيان.
• والمواقف متنوعة فقد يكون الموقف موقف حزن وخوف فيستخدم في الوعظ، كما في وعظه - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عند القبر، فعن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله - صلى اللهم عليه وسلم - وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال: (استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا...) ثم ذكر الحديث الطويل في وصف عذاب القبر وفتنته [رواه أبو داوود].
• وانظر أيضا لهذا الحديث: عن زيد بن أرقم قال: أصابني رمدٌ فعادني النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فلما برأت خرجت، قال: فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أرأيت لو كانت عيناك لما بهما ما كنت صانعاً؟)، قال: قلت: لو كانتا عيناي لما بهما صبرت واحتسبت، قال: (لو كانت عيناك لما بهما ثم صبرت واحتسبت للقيت الله عز وجل ولا ذنب لك) [رواه أحمد].
• بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخدم مثل هذا الموقف لتقرير قضية مهمة لها شأنها وأثرها، كما فعل حين دعائه للمريض، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا جاء الرجل يعود مريضا قال: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوًا ويمشي لك إلى الصلاة) [رواه أحمد].
إنه يوصي المسلم المُربي بعظم مهمته وشأنه وعلو دوره في الحياة، فهو بين أن يتقدم بعبادة خالصة لله، أو يساهم في نصرة دين الله والذب عنه.
• وقد يكون الموقف ظاهرة كونية مجردة، لكنه - صلى الله عليه وسلم - يستثمره ليربط صحابته -رضي الله عنهم- بالآخرة كلما رأوا هذه الظاهرة المتكررة، فعن جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر فقال: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)، ثم قرأ (( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب )) [متفق عليه].
من أمثلة استغلال الفرص في جلسات التَّعلُّمِ:-
كان مُعلِّمنا يستغلُّ أيامَ الاختبارات في ربطنا بالله وغرسِ الكثيرِ من القيم والمفاهيم، منها على سبيل المثال: معاني في التوكل على الله والرضا بقضائه، وتوجيه نياتنا إلى الخير وإعداد النفس لنفع الأمة في المستقبل..
وخذ هذا أيضا: أذكر مرَّة طرحت تساؤلًا فأمرني معلمي ببحث المسألة، فانتفعتُ أيَّما انتفاع.
وأعلمُ بأنَّ في جُعبتك الكثير من الأمثلة والتطبيقات إنما هذه إضاءات عنَّت لصاحبك..
التساؤل:
عند التأمل والنظر في أحوال الجلسات غير الممنهجة نجد أن الذي يُحسن طرحَ الأسئلةِ هو الذي يُديرُ اتجاه المحادثات في هذه الجلسات، شريطةَ أنْ تكونَ هذه الأسئلةُ في محلِّها من حيث الوقتُ والأسلوبُ والمضمونُ..
اقترب أكثر وركِّز معي قليلًا..
تخيل الآن أنك جالس في جلسة من تلك الجلسات الحبيِّة، وطُرحَ بين يديك هذا السؤال: هل ذهبت إلى مسجد الراجحي بالأمس؟، بماذا ستجيب!؟
بالتأكيد أنه ليس لديك إلا خياران، إما أن تجيب بنعم أو لا، وانتهى الموضوع.
طيب اذهب إلى جلسة أخرى بخيالك، وتخيل معي أن أحدَ منْ في هذه الجلسة طرح هذا السؤال: كيف نستطيع أن نعالج مشكلة دراسة المشرفين المسائية!
فستكون الإجابة مفتوحة الخيارات، وفرصة للحديث وتوصيل المعلومات والأفكار..
طيب طيب هذه آخر جلسة أُريدك أن تذهب إليها معي الآن، أحدهم يتحدث حول موضوعٍ معيَّنٍ وعندما توقَّف قال أحدهم له: استمر الله يعافيك فنحن مستفيدون مما تقول، أو قال: وبعد ذلك ما الذي حدث.. تصوَّر معي ما هو حال هذه الجلسة، وحال الجالسين معه!؟
لا شك أنه سيشعر بقيمته، وسيُثمِّن كل واحد كلامه غدًا، وسيكون تعليقك على ما يقول مؤثرا عليه كثيرا، وغيرها من الإيجابيات كثير، كل ذلك كان بمفتاح هذا النوع من التساؤل.
واعلم بأن ما سبق من التساؤلات يُعد نوعًا له خصائصه ومزاياه، فينبغي أن تَفْقَهَ ذلك جيدا وتُدركَه ففي خيرٌ كثير.
الحوار:
عند سماع هذه الكلمة "الحوار" يأتي على ذهني تعامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عتبة بن ربيعة، أنصتَ له باهتمام، وعامله بذوقٍ رفيع، عندما قال له: (أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، فقرأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حم السجدة...) الحديث.
لا أشك في معرفتك وخبرتك في مجال الحوار وربما تكون قد تدرَّبت عليه وتميزت فيه، بيد أن الذي أريده هو أن تستصحبَ تلك المهارة مع طلابك فإن لها أثرًا بالغًا في التعلم ينبغي أن تفطِنَ له وتُوَظِّفَه أنار الله دربك.
قد تقول: إني لا أحسن الحديث ولساني معقودٌ فسأكتفي بعمل حركي ونحو ذلك؛ ألا تسمع مثل هذا التساؤل أو ربما تجده في نفسك!؟
وهو إشكال حقيقي قائم؛ وقد وجدتُ في كلام محمد بن أحمد الراشد لبنةً تُسهمُ -إن شاء الله في حلِّ هذا الإشكال- إذ يقول: "ومعقودُ اللسانِ من الدعاةِ يُصبحُ بالنيَّةِ ناثرًا من فيه جواهرَ البلاغةِ الآسرةِ للناس، كما ينصُّ على ذلك طبُّ عبدالقادر الكيلاني في قوله: "كن صحيحًا في السرِّ تكن فصيحًا في العلانية" [الفتح الرباني ص64]، وأما المُخلِط في نيته فيخلط عليه في أموره وسيرته، كان ذلك في التاريخ على أهل التخليط حتمًا مقضيًّا، وهو المعنى الذي كشفه التابعي الجليل مُطرَّف بن عبدالله الشخير العامري في قوله: "صلاحُ العمل بصلاح القلب، وصلاح القلب بصلاح النية، ومن صفا صُفِّي له، ومن خلط خُلِّط عليه" [الرقائق ص 37-38].. فاعمد إلى التحسين والتطوُّر وأحسن العمل والله لا يضيع أجر من أحسن عملا..
احرص على أن لا تخرجَ من اللقاءِ إلا بفائدةٍ واضحةٍ تنسجمُ مع متابعتك التربوية الخاصة بهم:
أذكر مرَة اتفقت مع الطلابِ أن لا تمر عليهم جلسة إلا وفيها فائدة واضحة يخرجون بها، فكان لها أثر ٌكبيرٌ في استعداد الجميع لهذه الجلسات غير الممنهجة، حتى ربَّما أراد اثنان الخروج للتنزّه سويًّا وإذا بهم يُبكِّرون عن موعدهم رغبةً في الصلاةِ على جنازةٍ، وقد يُحضرُ أحدهم مرة كتابًا لدعوةِ الجالياتِ، يعطونه أحدَ العمّال ثم يخرجون إلى طلعتهم تلك، وبمثل ذلك يقلُّ العبثُ حيث تكثر الفائدة..
اغرس أيها المفضال في نفسك ونفوسك طلابك عَقليَّةً إنتاجيةً مُولِّدةً، كونوا جزءًا من الحلِّ دائمًا لا جزءًا من المشكلة، وأنت الذي يُنتظر منك تسيير ذلك وتوجيهه، وأنت قائد تلك الجلسات، فكن مِعْولَ بناءٍ وصُنعٍ وإيجابية.
التحفيز:
وهو أنواع عديدة، فمن ثناءٍ وشكر إلى جائزة وأُعطية، مرورا بالتقدير والتقريب، كلها وغيرها له أثر بالغ، وتحتاج إلى حكمةِ مربٍّ أريب.
يا الله.. كم في سيرةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من مواقفَ متنوعةٍ يتجلَّى فيها التحفيز واضحًا جليًّا منها ما جاء في البخاري من حديث أبي هريرة حينما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لقد ظننت يا أبا هريرة ان لا يسألني عن هذا الحديث أحد قبلك لما رأيت من حرصك على الحديث...).
الإقناع:
" تروي بعض الأساطير أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه؛ وبدأت الرياح في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد والرجل يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراً على ثباته وبقائه حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه؛ واليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا. وجاء دور الشمس فتقدمت وبزغت وبرزت للرجل بضوئها وحرارتها فما أن شاهدها حتى خلع معطفه مختاراً راضياً...
إن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة وتورث النزاع بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة ويقودان للتغيير بسهولة ويسر ورضا. إن الإقناع كما هو الحوار لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء؛ وما التزمه إنسان أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى بغض النظر عن قبوله" [من مقالةٍ أنصحُ بالرجوعِ إليها لأحمد العساف بعنوان "الإقناع: القوة المفقودة"، ستجد فيها وسائل وطرق عملية لذلك فإليك رابطها: "http://www.saaid.net/aldawah/221.htm "]..
وتحت مظلة الحديث عن الإقناع هناك ما يُعرف باللغة الملتونية!
هل سمعت عنها؟!
سأتركُ الحديثَ عنها تشويقًا لك فابحث واجتهد واعلم بأنك لن تبلُغَ المجدَ حتى تلعقَ الصَّبِرَا..
فإن علمت ما هي فإني أوصيك بشريط للأستاذ مريد الكلاب حول ما ستجده، فهو مع خِفَّتِه إلا أن فيه زبدةً طيبةً للعاملينَ.
أفكارٌ وتصورات مهمة:
• لا تأت دائمًا وفي ذهنك أنك أنت الملقي وهو المتلقِّي، بل حاول أن تستفيدَ منه.
• يا صاحبي اعلم بأن العفويةَ لا تُعارِضُ التربية إطلاقًا، بل هي مُسيِّرٌ فعَّالٌ لمعايشة صادقة مؤثرة، وهي من أهم النقاط التي تجول في خلدي، علَّ هذه الإشارة أن تكفيك أيها الحرُّ الفطن.
• احذر أن يشعُرَ بتصيُّدٍ ومُراقبةٍ لحديثه، فستخسرُ حينها أثرَ الجلسة كليًّا!.
• كن فطِناً لمَّاحاً لحالِ طلابك؛ فقد يحتاجُ إلى مواساةٍ أو مُشاركة فرحةٍ، وهذه تصنعُ فيه ما لا تصنعه كثيرٌ من الوسائلِ الأُخرى..
تواضع تكُ كالنجمَ لاح لناظر
على صفحات الماء وهو رفيعُ..
ولا تكُ كالدخان يرفعُ نفسه
إلى طبقات الجوِّ وهو وضيعُ..
ومع ذلك فلا بد أن يحسَّ المتربي على الدوام بأنك في منزلة أعلى منه لا طلبًا لكبر وعجب بل ليعظم تأثيرك و في ذلك يقول سيد - رحمه الله وتجاوز عنه - في ظلال القرآن (18/ 128): "فلا بد من امتلاء القلوب بالتوقير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى تستشعر توقير كل كلمة منه وكل توجيه. وهي لفتةٌ ضرورية، فلا بد للمربي من وقار، ولا بد للقائدِ من هيبة.
وفرق بين أن يكون هو متواضعًا هيِّنًا ليِّنًا، وأن ينسوا هم أنه مربيهم فيدعوه دعاء بعضهم لبعض.
يجب أن تبقى للمربي منزلةً في نفوس من يربيهم يرتفعُ بها عليهم في قرارةِ شعورهم، ويستحيون هم أن يتجاوزوا معها حدودَ التبجيلِ والتوقير".
• المساواة والعدل بينهم في الاهتمام والنظر.
• عش في كل لحظاتك على أنك "مربي"، ستجد جاذبية كالمغناطيس لهذه القناعة تجذب بها خبرات من هم أكبر منك عمرًا في التربية، وسيتكوَّن في جوفك خليط خاص من الخبرة التربية يجعلُ منك كنزًا تربويًّا في الميدانِ وخارجَه..
• اصدق في إرادتك الخير وابذل وسعك ثم أقدم ولا تتردد أو ترتاب، فأنت في معايشة يصعب استنساخ سلوكيات الآخرين حيث أنه في عملية المعايشة لو زادَ تفصيل واحدٌ أو نقصَ لربَّما اختلف السلوك المناسب رأسًا على عقب، فاعلم بما انتهى إليه تقديرك وأحسن، والله عز وجل يقول في ختام وصيته لك مع أبويك - في سورة الإسراء -: (( ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوَّابين غفورا )) وكلا الأمرين معايشة تفتقر إلى اجتهاد في التعامل بحسب الموقفِ وظروفه.
• أتح الفرصة لهم للحديث وإبداء الرأي (ولا يلزم أن تُعلِّق على كل شيء) - أتقن استخدام أوراقك -!
• الشمول وتنوع معرفتك هما قمح رحاك الذي ترجو أن يغدو طحينا عندما تلوكونه بألسنتكم في تلك الجلسات، وقِيَمُك هي مصفاةُ رحاك الذي يأبى أن يُدْخِل إلا ما هو طيّبٌ نافعٌ ليكونَ المنتجُ غداءً للعالمين..
• يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- " فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق، فإن العزيمة والمحبة تُذهِب المشقة وتطيب السير والتَّقدُّم والسبق إلى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل؛ فإن ساواه في همته تقدَّمَ عليه بعمله، وهذا موضع يحتاج إلى تفصيل... " [الفوائد ص 140].
ختامًا:
هذه ورقةٌ من مُثرثرٍ لعاملٍ، وشتانَ ما بينهما، غيرَ أن فضلَ اللهِ واسعٌ، والربُّ شكورٌ، والمعولُ على رحمتِهِ سبحانه وتعالى.. أسأل الله العلي القدير أن يتقبلَ مني ومنك ويصلحَ سرائرَنَا ويختمَ لنا بخيرٍ..
اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينَ..
لإدارة جلسات المعايشة التربوية (التعلُّم)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولِ الله، النبيِّ القائدِ المربي، وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد.
جلسَ أخي المشرفُ المجاهدُ لوحدِهِ جلستَه المعهودة في بداية كل فصل، يُرتِّبُ أوراقَهُ، يُقدِّمُ أمرًا ويُؤخِّرُ آخر، وبينهما من جلساتِ التأملِ والنظرِ ما يَجعلُهُ يُجهِدُ ذِهنهُ حتى يَشعر بأنه بذلَ وُسعَهُ..
وللمشورةِ حظٌّ كبيرٌ من وقتِهِ وفِكرِهِ، فما زال يَتردَّدُ على أبوابِ أهلِ الرَّأيِ والأمانةِ..
كل هذا في كِفةٍ.. والتَّضرُّعُ إلى الله والالتجاءُ له وطلبه التوفيقَ والتسديدَ في كِفةٍ أخرى..
كَمُلتْ أوراقُهُ، أصبحت هاجسُهُ في كُلِّ وقتٍ فلا يحتاجُ إلى الرُّجوع إليها ليستذكرَ ما فيها؛ إذ أنّ ما فيها يأكلُ معه ويشربُ..!
بقيَ سؤالٌ مُلحٌّ يدورُ في ذهنِ أخي: كيفَ أستغلُّ كل جلساتي مع الطلاب في بنائهم وإفادتهم؟!؛ فهذه غايةُ خُططي، شريطةَ أن لا يملوا وتكون منسابة وسلسة مع الحياةِ العامةِ في ظل المعايشة التربوية في الجلسات الأخوية غير الممنهجة، كما هو الحال في السيارةِ أثناء المرور أو في طريق السفر، وفي جلسات الرحلات في نهاية الأسبوع ونحوها من الجلسات..
أظنُّكم تسمعون كثيرا كما أسمع عددا من التساؤلات كقولِ بعضهم: ماذا عليّ أن أفعل للطلاب في السيارةِ أثناءَ المرور اليوميِّ، الغالب أني أنا المُتحدِّث والموجِّه، هناك تكرار كبير فيما أطرح، انتهت سواليفي - على حدِّ قوله -!، أشعر مع مرورِ الوقتِ بأنه لا فائدة كبيرة مرجوَّة من هذه الجلسات سوى المتعة وتحقيق حبّ الشباب والانتماء لهم..؟!
هذه تساؤلات المربي الحيِّ، الذي يُرجى أن يكونَ صادِقًا في عمله، وهي من الحسِّ التربويِّ التي يُميَّزُ المربون الحقيقيون به، فهؤلاء لا يرضَوْن أن تَمرَّ عليهم الأوقاتُ إلا ولهم فيها بِصماتٌ تدفعُ عجلةَ تربيتِهم قُدُمًا نحو الأمام بعون الله، ذلك لأنهم الأكثرَ مسؤوليةً، والأكثرَ عملاً وجهدًا ومشقًة، يقول الأستاذ سالم البطاطي: "إن المشرفَ الحقيقي في العمل التربوي هو ذلك الأكثر مسؤولية من بين جميع الأفراد وهو مع ذلك أيضًا الأكثر جهداً وعملاً ومشقة، ومتى تخلف أحد الأمرين زال هذا اللقب ولم يكن له رصيد في الواقع " [مقال منشور له في الشبكة تحت عنوان: " المشرف التربوي بين حجم المسؤولية ومباشرة الأعمال"]..
لذلك كانت هذه الورقةُ: "آلياتٌ وأفكارٌ لإدارة جلسات المعايشة التربوية؛ طلبًا في المساهمةِ في الحلِّ، وتقديمِ ما يُفيدُ أخي المربي في عمليَّتِه التربويةِ..
سأذكرها مُفرَّقةً، وقد أُعزِّزها بما يُبيِّنُ أهميتها وقوتها، ورُبما أُمثِّل لبعضها بأمثلةٍ وتطبيقاتٍ حيَّةٍ عاصرتُها أو سمعتُها؛ زيادةً في التوضيحِ وتسهيلا على مريدِ فهمها للقياسِ عليها، وسأُردفُها بتوابعَ وتصوراتٍ عامةٍ..
اسمح لي أن أغبطَك قبلَ أن أبدأَ بهذا الحديث الذي رواه أبو أمامة الباهلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنَّ الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليُصلون على معلمِ الناس الخيرَ) [رواه الترمذي والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع].. إيييه ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاءُ.
أبدأ مستعينا بالله تعالى، مُتبرِّأ من حولي وقوتي..
من الآليات والمهارات ما يأتي:-
• استغلال المواقف والفرص:
قدِم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي هوازن فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيا في السبي فأخذته فألصقته ببطنها فأرضعته، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا والله! وهى تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لله أرحم بعباده من هذه بولدها).
فلا يستوي أثر المعاني حين تربط بصور محسوسة، مع عرضها في صورة مجردة جافة.
إن المواقف تستثير مشاعر جياشة في النفس، فحين يستثمر هذا الموقف يقع التعليم موقعه المناسب، ويبقى الحدث وما صاحبه من توجيه وتعليم صورة منقوشة في الذاكرة، تستعصي على النسيان.
• والمواقف متنوعة فقد يكون الموقف موقف حزن وخوف فيستخدم في الوعظ، كما في وعظه - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عند القبر، فعن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله - صلى اللهم عليه وسلم - وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال: (استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا...) ثم ذكر الحديث الطويل في وصف عذاب القبر وفتنته [رواه أبو داوود].
• وانظر أيضا لهذا الحديث: عن زيد بن أرقم قال: أصابني رمدٌ فعادني النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فلما برأت خرجت، قال: فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أرأيت لو كانت عيناك لما بهما ما كنت صانعاً؟)، قال: قلت: لو كانتا عيناي لما بهما صبرت واحتسبت، قال: (لو كانت عيناك لما بهما ثم صبرت واحتسبت للقيت الله عز وجل ولا ذنب لك) [رواه أحمد].
• بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخدم مثل هذا الموقف لتقرير قضية مهمة لها شأنها وأثرها، كما فعل حين دعائه للمريض، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا جاء الرجل يعود مريضا قال: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوًا ويمشي لك إلى الصلاة) [رواه أحمد].
إنه يوصي المسلم المُربي بعظم مهمته وشأنه وعلو دوره في الحياة، فهو بين أن يتقدم بعبادة خالصة لله، أو يساهم في نصرة دين الله والذب عنه.
• وقد يكون الموقف ظاهرة كونية مجردة، لكنه - صلى الله عليه وسلم - يستثمره ليربط صحابته -رضي الله عنهم- بالآخرة كلما رأوا هذه الظاهرة المتكررة، فعن جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر فقال: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)، ثم قرأ (( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب )) [متفق عليه].
من أمثلة استغلال الفرص في جلسات التَّعلُّمِ:-
كان مُعلِّمنا يستغلُّ أيامَ الاختبارات في ربطنا بالله وغرسِ الكثيرِ من القيم والمفاهيم، منها على سبيل المثال: معاني في التوكل على الله والرضا بقضائه، وتوجيه نياتنا إلى الخير وإعداد النفس لنفع الأمة في المستقبل..
وخذ هذا أيضا: أذكر مرَّة طرحت تساؤلًا فأمرني معلمي ببحث المسألة، فانتفعتُ أيَّما انتفاع.
وأعلمُ بأنَّ في جُعبتك الكثير من الأمثلة والتطبيقات إنما هذه إضاءات عنَّت لصاحبك..
التساؤل:
عند التأمل والنظر في أحوال الجلسات غير الممنهجة نجد أن الذي يُحسن طرحَ الأسئلةِ هو الذي يُديرُ اتجاه المحادثات في هذه الجلسات، شريطةَ أنْ تكونَ هذه الأسئلةُ في محلِّها من حيث الوقتُ والأسلوبُ والمضمونُ..
اقترب أكثر وركِّز معي قليلًا..
تخيل الآن أنك جالس في جلسة من تلك الجلسات الحبيِّة، وطُرحَ بين يديك هذا السؤال: هل ذهبت إلى مسجد الراجحي بالأمس؟، بماذا ستجيب!؟
بالتأكيد أنه ليس لديك إلا خياران، إما أن تجيب بنعم أو لا، وانتهى الموضوع.
طيب اذهب إلى جلسة أخرى بخيالك، وتخيل معي أن أحدَ منْ في هذه الجلسة طرح هذا السؤال: كيف نستطيع أن نعالج مشكلة دراسة المشرفين المسائية!
فستكون الإجابة مفتوحة الخيارات، وفرصة للحديث وتوصيل المعلومات والأفكار..
طيب طيب هذه آخر جلسة أُريدك أن تذهب إليها معي الآن، أحدهم يتحدث حول موضوعٍ معيَّنٍ وعندما توقَّف قال أحدهم له: استمر الله يعافيك فنحن مستفيدون مما تقول، أو قال: وبعد ذلك ما الذي حدث.. تصوَّر معي ما هو حال هذه الجلسة، وحال الجالسين معه!؟
لا شك أنه سيشعر بقيمته، وسيُثمِّن كل واحد كلامه غدًا، وسيكون تعليقك على ما يقول مؤثرا عليه كثيرا، وغيرها من الإيجابيات كثير، كل ذلك كان بمفتاح هذا النوع من التساؤل.
واعلم بأن ما سبق من التساؤلات يُعد نوعًا له خصائصه ومزاياه، فينبغي أن تَفْقَهَ ذلك جيدا وتُدركَه ففي خيرٌ كثير.
الحوار:
عند سماع هذه الكلمة "الحوار" يأتي على ذهني تعامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عتبة بن ربيعة، أنصتَ له باهتمام، وعامله بذوقٍ رفيع، عندما قال له: (أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، فقرأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حم السجدة...) الحديث.
لا أشك في معرفتك وخبرتك في مجال الحوار وربما تكون قد تدرَّبت عليه وتميزت فيه، بيد أن الذي أريده هو أن تستصحبَ تلك المهارة مع طلابك فإن لها أثرًا بالغًا في التعلم ينبغي أن تفطِنَ له وتُوَظِّفَه أنار الله دربك.
قد تقول: إني لا أحسن الحديث ولساني معقودٌ فسأكتفي بعمل حركي ونحو ذلك؛ ألا تسمع مثل هذا التساؤل أو ربما تجده في نفسك!؟
وهو إشكال حقيقي قائم؛ وقد وجدتُ في كلام محمد بن أحمد الراشد لبنةً تُسهمُ -إن شاء الله في حلِّ هذا الإشكال- إذ يقول: "ومعقودُ اللسانِ من الدعاةِ يُصبحُ بالنيَّةِ ناثرًا من فيه جواهرَ البلاغةِ الآسرةِ للناس، كما ينصُّ على ذلك طبُّ عبدالقادر الكيلاني في قوله: "كن صحيحًا في السرِّ تكن فصيحًا في العلانية" [الفتح الرباني ص64]، وأما المُخلِط في نيته فيخلط عليه في أموره وسيرته، كان ذلك في التاريخ على أهل التخليط حتمًا مقضيًّا، وهو المعنى الذي كشفه التابعي الجليل مُطرَّف بن عبدالله الشخير العامري في قوله: "صلاحُ العمل بصلاح القلب، وصلاح القلب بصلاح النية، ومن صفا صُفِّي له، ومن خلط خُلِّط عليه" [الرقائق ص 37-38].. فاعمد إلى التحسين والتطوُّر وأحسن العمل والله لا يضيع أجر من أحسن عملا..
احرص على أن لا تخرجَ من اللقاءِ إلا بفائدةٍ واضحةٍ تنسجمُ مع متابعتك التربوية الخاصة بهم:
أذكر مرَة اتفقت مع الطلابِ أن لا تمر عليهم جلسة إلا وفيها فائدة واضحة يخرجون بها، فكان لها أثر ٌكبيرٌ في استعداد الجميع لهذه الجلسات غير الممنهجة، حتى ربَّما أراد اثنان الخروج للتنزّه سويًّا وإذا بهم يُبكِّرون عن موعدهم رغبةً في الصلاةِ على جنازةٍ، وقد يُحضرُ أحدهم مرة كتابًا لدعوةِ الجالياتِ، يعطونه أحدَ العمّال ثم يخرجون إلى طلعتهم تلك، وبمثل ذلك يقلُّ العبثُ حيث تكثر الفائدة..
اغرس أيها المفضال في نفسك ونفوسك طلابك عَقليَّةً إنتاجيةً مُولِّدةً، كونوا جزءًا من الحلِّ دائمًا لا جزءًا من المشكلة، وأنت الذي يُنتظر منك تسيير ذلك وتوجيهه، وأنت قائد تلك الجلسات، فكن مِعْولَ بناءٍ وصُنعٍ وإيجابية.
التحفيز:
وهو أنواع عديدة، فمن ثناءٍ وشكر إلى جائزة وأُعطية، مرورا بالتقدير والتقريب، كلها وغيرها له أثر بالغ، وتحتاج إلى حكمةِ مربٍّ أريب.
يا الله.. كم في سيرةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من مواقفَ متنوعةٍ يتجلَّى فيها التحفيز واضحًا جليًّا منها ما جاء في البخاري من حديث أبي هريرة حينما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لقد ظننت يا أبا هريرة ان لا يسألني عن هذا الحديث أحد قبلك لما رأيت من حرصك على الحديث...).
الإقناع:
" تروي بعض الأساطير أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه؛ وبدأت الرياح في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد والرجل يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراً على ثباته وبقائه حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه؛ واليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا. وجاء دور الشمس فتقدمت وبزغت وبرزت للرجل بضوئها وحرارتها فما أن شاهدها حتى خلع معطفه مختاراً راضياً...
إن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة وتورث النزاع بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة ويقودان للتغيير بسهولة ويسر ورضا. إن الإقناع كما هو الحوار لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء؛ وما التزمه إنسان أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى بغض النظر عن قبوله" [من مقالةٍ أنصحُ بالرجوعِ إليها لأحمد العساف بعنوان "الإقناع: القوة المفقودة"، ستجد فيها وسائل وطرق عملية لذلك فإليك رابطها: "http://www.saaid.net/aldawah/221.htm "]..
وتحت مظلة الحديث عن الإقناع هناك ما يُعرف باللغة الملتونية!
هل سمعت عنها؟!
سأتركُ الحديثَ عنها تشويقًا لك فابحث واجتهد واعلم بأنك لن تبلُغَ المجدَ حتى تلعقَ الصَّبِرَا..
فإن علمت ما هي فإني أوصيك بشريط للأستاذ مريد الكلاب حول ما ستجده، فهو مع خِفَّتِه إلا أن فيه زبدةً طيبةً للعاملينَ.
أفكارٌ وتصورات مهمة:
• لا تأت دائمًا وفي ذهنك أنك أنت الملقي وهو المتلقِّي، بل حاول أن تستفيدَ منه.
• يا صاحبي اعلم بأن العفويةَ لا تُعارِضُ التربية إطلاقًا، بل هي مُسيِّرٌ فعَّالٌ لمعايشة صادقة مؤثرة، وهي من أهم النقاط التي تجول في خلدي، علَّ هذه الإشارة أن تكفيك أيها الحرُّ الفطن.
• احذر أن يشعُرَ بتصيُّدٍ ومُراقبةٍ لحديثه، فستخسرُ حينها أثرَ الجلسة كليًّا!.
• كن فطِناً لمَّاحاً لحالِ طلابك؛ فقد يحتاجُ إلى مواساةٍ أو مُشاركة فرحةٍ، وهذه تصنعُ فيه ما لا تصنعه كثيرٌ من الوسائلِ الأُخرى..
تواضع تكُ كالنجمَ لاح لناظر
على صفحات الماء وهو رفيعُ..
ولا تكُ كالدخان يرفعُ نفسه
إلى طبقات الجوِّ وهو وضيعُ..
ومع ذلك فلا بد أن يحسَّ المتربي على الدوام بأنك في منزلة أعلى منه لا طلبًا لكبر وعجب بل ليعظم تأثيرك و في ذلك يقول سيد - رحمه الله وتجاوز عنه - في ظلال القرآن (18/ 128): "فلا بد من امتلاء القلوب بالتوقير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى تستشعر توقير كل كلمة منه وكل توجيه. وهي لفتةٌ ضرورية، فلا بد للمربي من وقار، ولا بد للقائدِ من هيبة.
وفرق بين أن يكون هو متواضعًا هيِّنًا ليِّنًا، وأن ينسوا هم أنه مربيهم فيدعوه دعاء بعضهم لبعض.
يجب أن تبقى للمربي منزلةً في نفوس من يربيهم يرتفعُ بها عليهم في قرارةِ شعورهم، ويستحيون هم أن يتجاوزوا معها حدودَ التبجيلِ والتوقير".
• المساواة والعدل بينهم في الاهتمام والنظر.
• عش في كل لحظاتك على أنك "مربي"، ستجد جاذبية كالمغناطيس لهذه القناعة تجذب بها خبرات من هم أكبر منك عمرًا في التربية، وسيتكوَّن في جوفك خليط خاص من الخبرة التربية يجعلُ منك كنزًا تربويًّا في الميدانِ وخارجَه..
• اصدق في إرادتك الخير وابذل وسعك ثم أقدم ولا تتردد أو ترتاب، فأنت في معايشة يصعب استنساخ سلوكيات الآخرين حيث أنه في عملية المعايشة لو زادَ تفصيل واحدٌ أو نقصَ لربَّما اختلف السلوك المناسب رأسًا على عقب، فاعلم بما انتهى إليه تقديرك وأحسن، والله عز وجل يقول في ختام وصيته لك مع أبويك - في سورة الإسراء -: (( ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوَّابين غفورا )) وكلا الأمرين معايشة تفتقر إلى اجتهاد في التعامل بحسب الموقفِ وظروفه.
• أتح الفرصة لهم للحديث وإبداء الرأي (ولا يلزم أن تُعلِّق على كل شيء) - أتقن استخدام أوراقك -!
• الشمول وتنوع معرفتك هما قمح رحاك الذي ترجو أن يغدو طحينا عندما تلوكونه بألسنتكم في تلك الجلسات، وقِيَمُك هي مصفاةُ رحاك الذي يأبى أن يُدْخِل إلا ما هو طيّبٌ نافعٌ ليكونَ المنتجُ غداءً للعالمين..
• يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- " فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق، فإن العزيمة والمحبة تُذهِب المشقة وتطيب السير والتَّقدُّم والسبق إلى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل؛ فإن ساواه في همته تقدَّمَ عليه بعمله، وهذا موضع يحتاج إلى تفصيل... " [الفوائد ص 140].
ختامًا:
هذه ورقةٌ من مُثرثرٍ لعاملٍ، وشتانَ ما بينهما، غيرَ أن فضلَ اللهِ واسعٌ، والربُّ شكورٌ، والمعولُ على رحمتِهِ سبحانه وتعالى.. أسأل الله العلي القدير أن يتقبلَ مني ومنك ويصلحَ سرائرَنَا ويختمَ لنا بخيرٍ..
اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينَ..
الطائر المبكر- عضو جديد
- تاريخ التسجيل : 07/09/2018المساهمات : 196نقاط التميز : 584الجنس :العمر : 34الأبراج :
رد: آليات وأفكار لإدارة جلسات المعايشة التربوية ( التعلم )
شكرا جزيلا على المتابعة
بارك الله فيك
بارك الله فيك
MED - BOX HD- مدير ستار ديس
- تاريخ التسجيل : 20/08/2018المساهمات : 1156نقاط التميز : 1969
مواضيع مماثلة
» أمل جديد.. زرع كلى اصطناعية بدلاً من جلسات الغسيل
» تصاميم اغرف جلوس وأفكار طاولات قهوة مميزة
» نصائح وأفكار لتطوير المهارات الحركية الدقيقة لدى طفلك
» 5 طرق لإدارة السلوك العدواني السلبي لطفلك
» البيئة: نعرض آليات المواد المستنفذة للاحتباس الحراري باللجنة الدورية بوحدة الأوزون
» تصاميم اغرف جلوس وأفكار طاولات قهوة مميزة
» نصائح وأفكار لتطوير المهارات الحركية الدقيقة لدى طفلك
» 5 طرق لإدارة السلوك العدواني السلبي لطفلك
» البيئة: نعرض آليات المواد المستنفذة للاحتباس الحراري باللجنة الدورية بوحدة الأوزون
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى