التمدرس واكتساب المعارف

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

التمدرس واكتساب المعارف

مُساهمة من طرف professeur الجمعة أغسطس 16, 2019 7:14 pm




يعتﱪ النمو والتعلم من وجهة نظر الس وكي لوجيا اﳌعرفية اﳊديثة كعملية لتحويل اﳌعارف من

حالة بدائية أولية (الطفل اﳌبتدئ إ) ﱃ حالة ائية مستقرة (الراشد اﳋبﲑ , ) تتميز عن اﻷوﱃ بتنظيم

أقوى ﳍذه اﳌعارف واستعمال فعال ﳍا. كما ينعكس هذا التحول اﳌعرﰲ بصفة موازية ﰲ اﻷنشطة

التكيفية الناجحة الﱵ يستطيع الفرد القيام ا ﰲِ اﳒاز اﳌهام اﳌطلوبة باﳌقارنة مع آدائه الضعيف

واﳌتذبذب ﰲ بداية النمو والتعلم. إن مقارنة القدرات الذهنية للطفل (اﻹدراك, الفهم, التفكﲑ)

بقدرات الراشد (البعد النمائي , ) ومقارنة مهارات اﳌبتدئ ﰲ ميدان ما ﲟهارات اﳋبﲑ ﰲ نفس اﳌيدان

(البعد التعلمي) تﱪز بوضوح اﳌسافة واﻷشواط الﱵ ﳚتازها الطفل أو اﳌتعلم ليصل ﰲ اية اﳌسار اﱃ

استقرار بنياته اﳌعرفية أو اﳋﱪة اﳌطلوبة. وﳝكن اﳉمع بﲔ النمو والتعلم وتوحيدﳘا ﰲ سﲑورة

ﻻكتساب اﳌعارف كموضوع أساسي وموحد للسيكولوجيا اﳌعرفية بغض النظر عن النظريات

الكﱪى التقليدية والﱵ أعطت لكل من النمو والتعلم أشكاﻻ منفصلة ومتعارضة ( السلوكية

والتكوينية ).

فاﳌعرفية ﲟعناها الصحيح تتضمن جانبﲔ ﰲ اﳌعرفة: سﲑورة اكتساب اﳌعرفة , ونتيجة هذه

السﲑورة أي اﳌعرفة نفسها. وهذا ما يتطابق مع ﳕوذج اﻻشتغال اﳌعرﰲ من الناحية الﱪدكماتية الذي

ﳝيز بﲔ سﲑورة معاﳉة اﳌعلومات ونتيجة هذه اﳌعاﳉة ( اﳌعلومات نفسها). والسؤال الذي يطرح هو:

ما هي العﻼقة بينهما؟ وأﳘية كل واحد منهما ﰲ اكتساب اﳌعارف؟



1- مفهوم النمو والتعلم والعﻼقة بينهما

لقد شكل النمو والتعلم لفترة طويلة موضوعﲔ متباينﲔ ﰲ علم النفس, ما زال البعض إﱃ

اليوم يفصل بينهما تبعا لتمييز جذري يرى فيهما سﲑورتﲔ ﳐتلفتﲔ ﻻكتساب اﳌعارف. ويرجع أصل

هذه التفرقة بينهما إﱃ التوجهات النظرية الكﱪى واﳌتعارضة الﱵ نذكر منها على اﳋصوص السلوكية



والتكوينية ( نقصد ا النظرية التكوينية لبياجي) واللتان أديتا إﱃ تقدﱘ نظريتﲔ ﻻكتساب اﳌعارف:

نظرية النمو اﳌعرﰲ ونظرية التعلم. فمن جهة يصف لنا بياجي النمو اﳌعرﰲ كعملية لبناء اﳌعارف يقوم

فيها الطفل بدور نشيط من خﻼل تفاعله مع اﶈيط, لكن ما ﳛكم هذا النمو هي ميكانزمات عامة

داخلية(فعل التوازن والضبط الذاﰐ) ﻻ تتأثر إﻻ ﰲ حدود نسبية جدا بالعوامل اﳋارجية, ﰲ حﲔ

يتحقق النمو عﱪ مراحل تدرﳚية, متسلسلة وضرورية ( النضج) ﰲ شكل بنيات معرفية أكثر فأكثر

ﲡريدا آخرها البنيات اﳌنطقية الرياضية. وتشكل اﳌراحل إكراهات بنيوية هي الﱵ ﲢدد ما ﳝكن

للطفل أن يتعلمه ﰲ كل مرحلة. بعبارة أخرى إن التعلم يكون تابعا للنمو ﲝيث ﻻ ﳝكن تعليم الطفل

أي شيء , بل ﳚب مراعاة مستواه الفكري، ﻷن التعلم مشروط بالنضج ومتوقف عليه. ومن جهة

ثانية أﳒزت السلوكية اﳌتمثلة ﰲ 1934) Thorndike و) 1971) Skinner و) 1964) Hull و) Osgood

(1971 ، ) نظريات للتعلم تقوم على أساس اﻻرتباطات بﲔ اﳌثﲑ واﻻستجابة وآثارها اﻹﳚابية على

ظهور واستقرار السلوك الفعال من خﻼل ميكانزم التعزيز والتكرار.بالنسبة للسلوكية فان التعلم هو

ﲢويل سجل اﻻستجابات أو تغيﲑ احتماﻻت إصدار استجابات هذا السجل تبعا لشروط معينة, وهذا

التحول ﰲ السلوك الذي يتمثل ﰲ ﲢسﲔ واستقرار اﻷداء ﻻ يرجع إﱃ النضج بل إﱃ فعل وآثار اﶈيط

اﳋارجي (طوارئ التعزيز contingences de renforcement .)

ومن هذا اﳌنظور فإن الطفل قابل ﻷن يتعلم أي شيء وﰲ أي سن إذا ما توفرت الشروط

الضرورية للتعلم: إعداد البيئة اﳌﻼئمة ومراقبتها للتحكم ﰲ سلوك الطفل. فليس هناك حدود داخلية

(النضج) لتعلم الطفل. وإذا كان التعلم بالنسبة للسلوكية هو اكتساب استجابات حسية حركية فان

النمو هو عبارة عن استئالة (automatisme) وتنوع وتراكم هذه اﻻستجابات, وبالتاﱄ ليس هناك فرق

بﲔ النمو والتعلم. فهذا اﻷخﲑ ﻻ يعدو أن يكون سوى نتيجة ﳌختلف التعلمات الﱵ يعيشها الطفل ﰲ

حياته .

ﻻ شك ﰲ أن مصدر اﻻختﻼف بﲔ نظرية النمو ونظرية التعلم يكمن ﰲ اﻻختيارات

اﻻبستملوجية الﱵ تبنتها كـل من التكوينيـة والسلوكي . ةـ فاﻷوﱃ تعتمـد على مقاربـة بنائي ةـ

(constructiviste) ﻻكتساب اﳌعارف مفادها أن اﳌعرفة ﻻ تعطى جاهزة من الداخل ( النضج) وﻻ من

اﳋارج (التعلم , ) بقدر ما تتكون من خﻼل رد الفعل على اﳌعطيات الداخلية واﳋارجية . فالنمو هو

سﲑورة دينامية يلعب فيها الطفل دورا فعاﻻ بفضل أنشطته التكيفية مع اﶈيط. أما اﳌقاربة السلوكية

فهي تعتﱪ مقاربة أمﱪيقة (empiriste) ﲡعل من اﳌعرفة نتيجة للتأ ثﲑات البيئية على سلوك الطفل .

فالتعلم هو سﲑورة ميكانيكية ترابطية خارجية يكون فيها الفرد ﲟثابة مستقبل سلﱯ وكأنه صفحة

بيضاء تسجل فيها اﳌعارف الناﲡة عن ﲡارب التعلم .



وخﻼصة القول فإن التكوينية أعطت اﻷولوية للنمو وجعلت التعلم تابعا له, والسلوكية

اختزلت النمو ﰲ التعلم. لكن عﻼقة النمو بالتعلم ﻻ تقتصر على هذين اﳌوقفﲔ. فهناك على اﻷقل

موقفان آخران ﳝكن اعتبارﳘا نقيضﲔ لكل من التكوينية والسلوكية وﳝثلهما كل من اﻻﲡاه الفطري

واﻻﲡاه اﻻجتماعي الثقاﰲ. فاﻷول يرى أن اكتساب اﳌعارف هو باﻷساس عملية نضج داخلي

حسب برﳎة فطرية ﻻ تتأثر بتاتا بالعوامل اﳋارجية. ومن أصحاب هذا اﳌوقف (Gesell 1959 ، )

وباﳋصوص (Chomsky 1972 ذال) ي طاﳌا أكد على تفسﲑ فطري ﻻكتساب اللغة . فبالنسبة إليه اللغة

ﻻ تتعلم إﳕا تعطى من الداخل وتنمو بطريقة طبيعية فطرية. وهذا اﳌوقف عكس السلوكية ينفي التعلم

وﳜتزله ﰲ النضج والنمو. أما اﳌوقف الثاﱐ فهو الذي عﱪ عنه (Vygotsky 1934) وبلـوره ( Bruner

1980) وآخرون فيما يعرف باﻻﲡاه اﻻجتماعي الثقاﰲ ﰲ علم النفس. ينطلق (Vygotsky) من أن

السﲑورات اﳌعرفية العليا تبﲎ باستدماج تدرﳚي لﻸدوات الثقافية الﱵ أنتجها اﻹنسان عﱪ التاريخ

وبالتاﱄ فإن النمو السيكولوجي ﻻ ينفصل عن اﳊياة اﻻجتماعية وعن التفاعﻼت بﲔ الطفل واﻷكﱪ

سنا منه. فالنضج العصﱯ ﻻ ﳝكن لوحده أن ينتج وظائف سيكولوجية تتطلب استعمال سيميائيات

ورموز هي أساس الضبط والبنينة اﳌعرفية. فامتﻼك واستدماج اﳉهاز السيميائي الذي يتشكل منه

الشخص والذي يكون البنيات اﳌعرفية ﻻ يتحقق إﻻ ﻷن الطفل يعيش وسط ﳎموعات وبنيات

اجتماعية يتعلم فيها من اﻵخرين عﱪ التفاعل معهم إ . ن هذا اﳌوقف الذي يركز على التكوين النفسي

اﻻجتماعي للوظائف النفسية أدى بفكتسكي إﱃ ﲢديد عﻼقة النمو والتعلم بطريقة تتعارض مع

اﳌواقف السابقة وتتميز عنها ﰲ كثﲑ من النقط. فباﻻعتماد على الطبيعة اﻻجتماعية وليس البيولوجية

الﱵ تسمح للطفل بامتﻼك اﳊياة الفكرية لﻸفراد اﶈيطﲔ به, يؤكد فيكتسكي على أن التعلم ﳝكنه أن

يتحول اﱃ ﳕو، وهذا يعﲏ أن التعلم اﳊقيقي واﳌفيد هو الذي يكون سابقا للنمو ومؤثرا فيه (عكس

بياجي) . يقر فيكتسكي بأن التعلم مرتبط ﲟستوى ﳕو الطفل كمعطى ﻻ يناقش لك, ن ﰲ النمو يوجد

مستويان: اﳌستوى اﳊاﱄ (Actuel) للنمو الذي وصل إليه الطفل والذي يظهر من خﻼل قدرته على

حل اﳌشاكل لوحده, واﳌستوى الكامن ( Potentiel ذال) ي يظهر من خﻼل قدرة الطفل على حل

اﳌشاكل ﲟساعدة اﻵخر أو الراشد. فاﳌسافة الﱵ تفصل بﲔ مستوى النمو اﳊاﱄ ومستوى النمو

الكامن ﲢدد ما يسميه فيكتسكي باﳌنطقة القريبة من النمو (Zone proximale de développement .)

ومن هنا فإن أحسن تعلم هو الذي يسبق النمو الفعلي ويكون داخل هذه اﳌنطقة. حسب فيكتسكي

ذإ ن فإن التعلم يؤدي إﱃ النمو بتحريك وتنشيط ﳎموعة من السﲑورات اﳌعرفية الﱵ ﻻ يلج إليها

الطفل إﻻ ﰲ إطار التفاعﻼت مع الراشد أو ﰲ إطار العمل اﳌشترك بالتعاون مع أقرانه. وعندما يتم

استدماج هذه السﲑورات اﳌعرفية تصبح مكسبا خاصا بالطفل. وانطﻼقا من هذا اﳌنظور فان النمو ﻻ

يتطابق مع التعلم بل يكون تابعا ﳍذا اﻷخﲑ ذال ي يسبقه ويؤدي إليه .



إن هذه اﳌواقف والتوجهات النظرية اﳌختلفة واﳌتعارضة تقوم على أساس ﲤييز جذري بﲔ

النمو والتعلم. فالنمو من وجهة نظر أصحابه هو سﲑورة داخلية (Endogene) ﲟعﲎ أن ميكانزمات

النمو هي ذاتية خاصة بإمكانات الفرد وذات طبيعة بيوسيكولوجية والتعلم هـو سﲑورة خارجيـة

(Exogène) تتحدد ﰲ ﳏيط الفرد وخارجا عنه. وذا اﳌعﲎ فان التعلم هو أقرب اﱃ التعليم منه اﱃ

التعلم أي قضية تربوية. وهذا التمييز بﲔ النمو والتعلم يأخذ شكﻼ راديكاليا عند بياجي وأتباعه,

ﲝيث يفصلون بينهما على أساس أما سﲑورتان مستقلتان ومتوازيتان ﻻ يلتقيان وﻻ تتأثر إحداﳘا

باﻷخرى. ويعتﱪ هذا اﳌوقف كنتيجة طبيعية ومنطقية لنظرية بياجي الﱵ كرست تصورا خاصا للنمو

كمبدإ عام، أي النمو ﰲ حد ذاته كسﲑورة خالصة طبيعية وعاﳌية, تتحقق ﰲ ﳏيط فيزيائي ﳏض

(عاﱂ اﻷشياء والرياضيات) ﰲ منأى عن التأثﲑات اﻻجتماعية والثقافية. ومن جهتها كرست

السلوكية بتصوراا اﻻمﱪيقية الترابطية مفهوما سلبيا أحاديا ومبسطا للتعلم ﱂ تركز فيه إﻻ على حالة

التعلم أو الوضعيات والشروط الﱵ يتم فيها التعلم متجاهلة الطرف الثاﱐ وهو اﳌتعلم أو باﻷحرى

جعلت منه عنصرا ثانويا وتابعا للمحدد اﻷساسي الذي هو اﶈيط , فأصبح التعلم تعليما .



2- التصور اﳌعرﰲ للتعلم

إن هذا اﳋﻼف وهذا التعارض بﲔ نظرية النمو ونظرية التعلم والذي عرف أوجه ﰲ

الستينات أصبح اﻵن متجاوزا ﲝكم التقارب الذي حصل تدرﳚيا بﲔ الطرفﲔ ﰲ إطار السيكولوجيا

اﳌعرفية. فسواء على اﳌستوى اﻻبستمولوجي أم على اﳌستوى النظري ﱂ يعد هناك مﱪر كاﰲ للفصل

بينهما. لقد فرض التطور الذي عرفه علم النفس مند ثﻼثة عقود تصورات جديدة ونظريات بديلة

ﳌوضوع النمو والتعلم, وبدون الدخول ﰲ تفاصيل هذا التطور الذي يعرف بالثورة اﳌعرفية سنقف

عند نقطتﲔ هامتﲔ يشكﻼن حجر الزاوية ﰲ النظرية السيكولوجية اﳊديثة. اﻷوﱃ هي تعويض

السلوك باﳌعرفة كموضوع لعلم النفس. من اﳌعروف أن علم النفس كان يسمى ﰲ اﳌاضي القريب

بعلم السلوك للتأكيد على أن ما يدرسه هذا العلم هو اﻷنشطة اﳊسية اﳊركية اﳋارجية الﱵ ﳝكن

مﻼحظتها موضوعيا وﰲ إطار نظرية اﳌثﲑ واﻻستجابة (S_R) مع إقصاء اﳊاﻻت الذهنية الداخلية

باعتبارها صندوقا أسودا ﻻ نستطيع معرفته وﻻ الوصول إليه بطريقة علمية. لكن الس وكي لوجيا اﳊديثة

اﳌسماة بالسيكولوجيا اﳌعرفية أخذت على عاتقها دراسة هذا الصندوق اﻷسود أي ذهن اﻹنسان

وجعلت منه اﳌوضوع اﳌركزي ﻻهتماماا وأﲝاثها. فأصبحت اﳌعرفة هي الظاهرة السيكولوجية

بامتياز ﻷا خاصة بالذهن إما كنشاط (إنتاج اﳌعرفة واستعماﳍا) وإما كحالة (بنية معرفية). فاﳌعرفة

هي ﲤثل ذهﲏ ذات طبيعة رمزية أي حدث داخلي ﻻ ﳝكن معاينته مباشرة بل اﻻستدﻻل عليه

واستنباطه من خﻼل السلوك اﳋارجي اللفظي أو اﳊسي اﳊركي. والنقطة الثانية تتعلق بالتفاعل اﳌتبادل بﲔ الفرد واﶈيط. صحيح أن كل النظريات السيكولوجية تأخذ بعﲔ اﻻعتبار التفاعل بﲔ

الفرد واﶈيط بشكل من اﻷشكال فحﱴ السلوكية بدورها تشﲑ اﱃ نوع من التفاعل, لكنه تفاعل

نسﱯ يكون دائما لصاﱀ البيئة على حساب الفرد, ﲟعﲎ أنه ليس تفاعﻼ حقيقيا يكون فيه التأثﲑ

متبادﻻ بل يبقى اﶈيط هو الفاعل والفرد مستقبل. أما السيكولوجيا اﳌعرفية فهي تفاعلية باﻷساس

ﻷا ﲡمع بﲔ بنية للذات وبنية للواقع ﰲ عملية ﳌعاﳉة اﳌعلومات ﳛول ﲟوجبها اﻹنسان اﳌعطيات

اﳋارجية إﱃ رموز وإﱃ ﲤثﻼت ذهنية ﲝيث أن الذهن أو اﳌعرفة تتغﲑ باﶈيط واﶈيط يتغﲑ باﳌعرفة.

فالطريقة الﱵ ندرك ونفهم ا العاﱂ اﳋارجي (البيئة) تتحدد باﳌعارف الﱵ نتوفر عليها وهذه اﳌعارف

بدورها تتحدد باﶈيط الواقعي. ويعﱪ (Gaonac’h 1987) على هذا التفاعل بقوله ": إن اﶈيط

وخصوصياته الفيزيائية واﻻجتماعية ليس له معﲎ خارج النشاط الذي ﳝارسه الفرد ﰲ هذا اﶈيط ."

فليس هناك معارف بدون سياق واقعي تنتج وتستعمل فيه وليس هناك ﳏيط بدون معارف تنظمه

وتعطيه معﲎ. وﲞﻼصة إن ما ﳝيز السيكولوجيا اﳌعرفية اﳊديثة عن السيكولوجيا السلوكية هي أا

سيكولوجيا للسﲑورات الداخلية وسيكولوجيا تفاعلية. لكنها ليست نظرية خاصة بالتعلم كما كان

اﻷمر ﰲ السلوكية وﻻ نظرية خاصة بالنمو كما كان اﻷمر ﰲ التكوينية؛ إﳕا هي نظرية عامة لﻼشتغال

اﳌعرﰲ أو النشاط الذهﲏ كالذكاء وحل اﳌشاكل واﳌفاهيم وبصفة عامة كل أنشطة اﳌعاﳉة اﳌعقدة

للمعلومات . وﰲ هذا اﻻﲡاه فإن ما كان يسمى بالتعلم والنمو ﰲ اﻻصطﻼح الكﻼسيكي لعلم النفس

أصبح يسمى باكتساب اﳌعارف يقوم على أساس تصور جديد يتلخص ﰲ النقاط التالية :

- التعلم هو تغﲑ للمعارف عوض تغﲑ للسلوك أي سﲑورة داخلية ﲢدث ﰲ ذهن الفرد. وإذا

كان هذا التحول ينعكس مبدئيا ﰲ السلوك اﳋارجي فإنه ﻻ يتحقق دائما وبالضرورة وهذا ما يطرح

مشكل التمييز بﲔ الكفاءة واﻷداء ومشكل التفاوت بينهما ﰲ بعض اﳊاﻻت .

- التعلم هو نشاط ذهﲏ يفترض عمليات اﻹدراك والفهم واﻻستنباط, ﲟعﲎ أنه ليس هناك

وظيفة خاصة هي التعلم كما كانت تتصوره السيكولوجيا الكﻼسيكية. فكل نشاط ذهﲏ هو ﰲ حد

ذاته تعلم. فاﻹنسان عندما يفكر فهو يتعلم وعندما يتعلم فهو يفكر ﻷن اﻷمر يتعلق بتعلمات معرفية

ذ .هنية

- التعلم ﻻ يكمن فقط ﰲ إضافة معارف جديدة (الكم) بل كذلك ﰲ تنظيمها وتشكيلها ﰲ

بنيات (الكيف) من قبيل الفئة, واﳋطاطة والنموذج الذهﲏ والنظرية .

- التعلم يكون تابعا للمعارف السابقة ﻷا هي الﱵ ﲢدد ما ﳝكن أن يتعلمه الفرد. فالتعلم ﻻ

ينطلق من الصفر بل دائما من معارف أولية ذفال. ي يعرف الكثﲑ سيعرف اﻷكثر والذي يعرف القليل سيعرف اﻷقل ف . اﳌعرفة تنتج اﳌعرفة واﳉهل ينتج اﳉهل ﲝيث أن الفوارق الفردية تتكاثر

بطريقة طبيعية ، ﳑا يعﲏ أن التعلم هو سﲑورة م اﳌعارف قبل التعلم وأثناءه وبعد .ه

- التعلم هو نتيجة التفاعل بﲔ الفرد واﶈيط وليس نتيجة لتأثﲑات اﶈيط على الفرد أو نتيجة

للنضج، ﻷن اﳌعرفة تتكون وتبﲎ بفضل نشاط الفرد وكنتيجة ﳍذا النشاط .

ما ﳚب مﻼحظته ﲞصوص هذه اموعة من النقاط هو أا ﻻ تشكل نظرية معينة للتعلم بل

إطارا تصوريا يوجه فهم ودراسة اكتساب اﳌعارف ﲟا ﰲ ذلك النمو. فمفهوم النمو يتطابق مع

التصور اﳌعرﰲ للتعلم باعتباره سﲑورة ﻻكتساب اﳌعارف باستثناء بعض اﳉزئيات اﳌرتبطة بنظرية

بياجي كالطبيعة التكوينية (génétique) للنمو وﲤظهرها ﰲ مراحل متسلسلة وضرورية والطبيعة اﳌنطقية

الرياضية لبنيات اﳌعرفة. فبالنسبة للسيكولوجيا اﳌعرفية ليس هناك طريق واحد وعام للنمو, بل طرق

متعددة وﳐتلفة كما أن البنيات اﳌعرفية هي ذات طبيعة إمﱪيقية إيكولوجية وليست صورية منطقية.

لقد ولّى الزمن الذي كانت فيه نظرية بياجي هي الوحيدة والسائدة حﱴ أن النمو اﳌعرﰲ اختزل فيها

وارتبط ا إﱃ درجة أا ظلت تشكل اﳌرجع الوحيد الذي ﻻ مفر منه لكل من يهتم بالنمو اﳌعرﰲ .

إن ظهور وتطور نظريات بديلة لنظرية بياجي مند الثمانينات جدد موضوع النمو اﳌعرﰲ وأعطاه دفعة

قوية بعد إخراجه من اﳊدود الﱵ سجنه فيها بياجي. نذكر من هذه النظريات النظرية السوسيومعرفية

والنظرية اﳌعلوماتية والنظرية اﻻقترانية ﰒ نظرية النظريات ف . حﱴ الذين ما زالوا متشبثﲔ باﻹطار العام

لنظرية بياجي (البياجويﲔ اﳉدد) ﻻ ﳝلكون إﻻ أن يدخلوا تغيﲑات جذرية وتعديﻼت متﻼحقة عليها

لتكييفها مع اﳌعطيات اﳉديدة للبحث السيكولوجي اﳊديث .

professeur
professeur
مراقب المنتدى

تاريخ التسجيل : 31/08/2018
المساهمات : 1825
نقاط التميز : 3849
العمر : 35
الأبراج : العقرب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: التمدرس واكتساب المعارف

مُساهمة من طرف أميرة المنتدى الأحد أغسطس 18, 2019 2:44 pm


بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

أميرة المنتدى
أميرة المنتدى
مراقبة الإسلام والأسرة

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 2137
نقاط التميز : 3813
الجنس : انثى
العمر : 23
الأبراج : الميزان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: التمدرس واكتساب المعارف

مُساهمة من طرف الإمبراطور الإثنين أغسطس 19, 2019 5:05 pm


بارك الله فيك

الإمبراطور
الإمبراطور
مراقب الرياضة العالمية

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 3647
نقاط التميز : 8215
الجنس : ذكر
العمر : 30
الأبراج : الجوزاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى