زنوبيا Zenobia ملكة تدمر في المصادر الكلاسيكية، يونانية ولاتينية

جاء اسم زنوبيا Zenobia ملكة تدمر في المصادر الكلاسيكية، يونانية ولاتينية وكذلك في بعض نقوش النقود، أما اسمها بالتدمرية فهو بَتْزَبّاي، كما يرد في النقش رقم (3947) في جامع النقوش السامية S.I.C الذي هو أصلاً بالآرامية التدمرية وباليونانية، وبتزباي تعني بنت زباي، وزباي في التدمرية الدرع الذي يضعه الفارس للحماية، أما اسم زنوبيا فهو من أصل يوناني مركب من كلمتين (زن Zen) وهو اسم الآلهة زوس Zeus في اليونانية الدورية + بيا Bia أي القدرة والجبروت.

يصف المؤرخون زنوبيا برجاحة العقل وشدة الطموح ومعرفة جيدة بالأوضاع السياسية في الشرق وروما، ويشيرون إلى شجاعتها وجمالها وشخصيتها الفذّة، وقيل إنها أتقنت إضافة إلى لغتها الأم، اليونانية والمصرية. ولم ينسوا ذكر جرأتها في ركوب الخيل والقنص، وجاء في بعض الروايات بأنها تمتُّ بصلة ما لكليوباترة، ملكة مصر.

بدأ نجم ملكة تدمر بالصعود منذ أيام زوجها أذينة، الذي كان له دور كبير في صد هجمات الفرس الساسانيين الذين أسروا الامبرطور الروماني فالريانوس وقتلوه (259ـ260م). وقد اعترف الامبراطور جاليانوس بن فالريانوس (260ـ268م). بفضل أذينة ومنحه لقب (دوكس رومانوروم) بمعنى القائد العام للجيوش الرومانية في الشرق ثم لقب (امبراطور) بمعنى القائد الأعلى، وكذلك رتبة (مصحح كامل الشرق). وراح أذينة يهاجم الفرس الساسانيين، دفاعاً عن الامبراطورية الرومانية في الشرق ومحاولاً استعادة زمام الأمور في الشرق لمصلحة تدمر. وفي هذه الأيام الحرجة، قتل أذينة في نهاية عام 267م في ظروف غامضة، على يد ابن أخيه معني، وقال بعضهم إنه قتل في حمص، في حين رأى آخرون أن اغتياله جرى في قبادوكية، وتتضارب الآراء حول أسباب الاغتيال ومدبريه. وقتل مع أذينة ابنه حيران من زوجة قبل زنوبيا.

حينما أغتيل أذينة، لم يكن وهب اللات ابنه قد بلغ سن الرشد، ومع ذلك أعلنت زنوبيا أن ابنها جدير بتولي مقاليد الحكم تحت وصايتها، وجعلته في البدء يحمل ألقاب والده، مع اعترافه بالامبراطور الروماني الجديد أورليانوس، كما هو واضح في بعض قطع النقود والنصوص التدمرية. ولكن زنوبيا كانت تطمح إلى أكثر من ذلك، إذ سعت لتأسيس دولة تسيطر على التجارة الدولية من منافذها في العراق حتى مصباتها في موانئ البحر المتوسط. فبعد أن عملت على سك نقود تحمل رأس وهب اللات إلى جانب الامبراطور أورليانوس، وجدت قطع نقود مسكوكة في آب 271م في سوريا والاسكندرية خالية من صورة الامبراطور الروماني أورليانوس، بل وجدت نقود تحمل صورة وهب اللات ولقب (أوغسطوس) وصورة زنوبيا (أوغسطا)، أي أن زنوبيا أسقطت سلطان روما ولم تعد تعترف بالامبراطور الروماني.

مهدت زنوبيا إلى خطوتها هذه بأن جعلت قائدها (زبدا) يحتل مصر ويسقط حاكمها الروماني ويقيم حامية في الإسكندرية، قبل أن يتوغل مع (زباي) على رأس جيش يقدر بنحو 70 ألف جندي في آسيا الصغرى لإقامة حامية في أنقرة، ووصلت القوات التدمرية إلى مضيق البوسفور.

وفي الوقت نفسه، حصنت زنوبيا حدودها الشرقية المتاخمة للدولة الساسانية، وقيل إنها بنت على شاطئ الفرات حصناًَ، يعرف اليوم باسم «حلبية» و«زلابية». وبسيطرة القوات التدمرية على مصر وآسيا الصغرى حتى مضيق البوسفور إضافة إلى سورية، وضعت زنوبيا تحت سلطتها سائر منافذ طرق مواصلات طريق الحرير، إضافة إلى تموين روما بالحبوب وغيرها من البضائع والمواد الضرورية لسد حاجات روما. ولكن أورليانوس بعد أن تغلب على البرابرة من ألمان وفرنجة وقوط، التفت إلى الشرق، فأرسل قائده «بروبوس» إلى مصر الذي انتصر على قوات زنوبيا وأعادها إلى الحظيرة الرومانية، في حين أنه قاد بنفسه حملة باتجاه آسيا الصغرى، وأمام تخاذل الأرمن، حلفاء زنوبيا، تراجعت القوات التدمرية لتتمركز في أنطاكية ثم غادرتها باتجاه حمص، حيث عقدت زنوبيا مجلساً حربياً تقرر في أثره أن لا تبعثر تدمر قواتها بل الأفضل الانسحاب الكلي نحو تدمر للدفاع عن العاصمة التدمرية. فلحق أورليانوس بزنوبيا وألقى الحصار على تدمر، قاطعاً بذلك الإمدادات التي قد ترد لزنوبيا من حلفائها عرب البادية أو من الفرس. وتذكر المصادر اللاتينية واليونانية بالتفصيل معارك الكر والفر بين الطرفين. وأمام ضغط القوات الرومانية، حاولت زنوبيا أن تتجه نحو الفرس الساسانيين طلباً للنجدة، ولكن الفرسان الرومان حالوا دون ذلك، بعد أن تمكنوا من إلقاء القبض على زنوبيا وقادوها إلى معسكر أورليانوس. جرت هذه الأحداث في خريف عام 272، وحينئذ استسلمت تدمر لأورليانوس الذي دخلها على رأس قواته، ثم انسحب إلى حمص حيث عقد مجلساً عسكرياً قضى بإعدام العديد من الأعيان التدمريين من مدنيين وعسكريين، ولكنه لم يسمح لجنوده باستباحة ونهب تدمر. وعندما علم أورليانوس بأن سكان تدمر ثاروا وقتلوا أبسيوس، الحاكم الروماني مع جنوده، عاد إلى تدمر حيث دخلها في ربيع عام 273م، وتركها هذه المرة نهباً لجنوده.

تضاربت الروايات حول نهاية زنوبيا، فمن قائل إن أورليانوس عمل على نقلها إلى روما وجعلها تسير في موكب ظفره مثقلة بمجوهراتها مقيدة بالسلاسل الذهبية في عنقها وأطرافها، ثم عفا عنها وحدد مكان إقامتها، في ضواحي روما، في (تيبور /تيفولي)، في حين أن آخرين قالوا إن أورليانوس عمل على إعدامها بعد موكب نصره، ومن قائل بأنها تجرعت السم خفية عن حراسها، فآثرت الموت على الاستسلام لعدوها. غابت زنوبيا واختلطت سيرتها بالتاريخ والأسطورة.

ازدهرت الحياة الفكرية في عهد زنوبيا التي كان لها ميول فلسفية وأدبية، فقد استقدمت مشاهير رجال الفكر إلى عاصمتها، مثل الفيلسوف الشهير كاسيوس لونجينوس (220ـ273م) Cassius Longinus وكان فيلسوفاً على مذهب الأفلاطونية الحديثة، استقدمته الملكة إلى عاصمتها واستضافته عندها واتخذته مستشاراً لها، فأخلص لها في مشورته، فكان ذلك سبباً في قتله لاتهامه أنه كان يحرض الملكة على الرومان.

ضم بلاط زنوبيا كذلك المؤرخ كليكراتس الصوري، ولوبوكس البيروتي اللغوي الفيلسوف، وبوسانياس الدمشقي المؤرخ، ونيوكوماخس، وهو من زمرة الكتاب المؤرخين المتضلعين من الإغريقية ومن الفلاسفة، وصار من مستشاريها، ولذلك أمر به القيصر أورليانوس فقتل بعد محاكمته بمدينة حمص؛ ويقال إن زنوبيا نفسها ألفت كتاباً اختصرت فيه ما قرأته من تواريخ الأمم الشرقية ولاسيما تاريخ مصر، في حين يقول آخرون أن العالم النبطي كالينيكوس هو مؤلفه وأهداه إلى زنوبيا.