المدرسة .. ؟؟
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
المدرسة .. ؟؟
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المدرسة و لكن ذات يوم وجد نفسه فيها .
في ذلك اليوم بالغت أمه بالعناية بهندامه مبالغتها بتأنقها ، و لكم أدهشه اهتمام المارّة و أصحاب الدكاكين و صبيانهم ؛ كانوا يتابعون الثلاثة بعيونهم الجاحظة أو تعليقاتهم الجارحة التي سببت توتر أمه فحثت خطاها و تبعتها أم محمد مهرولة و هي تجر سمير ضاغطة على يده التي حاول الإفلات منها مرارا تحت وطأة الألم و لكن دون جدوى . و عندما هتف صَبِيّان : " أم البونيه* الرقاصة يبعث لها حمّى و رصاصة " نهرتهما أم محمد و شتمتهما ثم تصدى لهما أحد المارة بقوله : " عيب عليك أنت و إياه ، أصبحتم تتطاولون على أسيادكم يا نَوَر ، هذه (عيلة) الأستاذ يا قليلا التربية " فلاذ الصبيان بالفرار .
كان هذا الموقف دافعا لأن تضاعف أمه سرعة خطواتها ، فما كان من أم محمد إلا أن حملت سمير على ظهرها كما اعتادت أن تفعل عندما كان صغيرا و أخذت تهرول وراء أم سمير و هي تلهث ؛ و عندما بلغوا بوابة المدرسة كاد الإعياء يسقطها أرضا أما لسانها فما فتئ يلعن آباء و أجداد هؤلاء السوقيين .
كان كل شيء مدهشا بالنسبة إليه بدءا من بوابة المدرسة الكبيرة بشكل غير معتاد و التي تتضمن باباً أصغر ولجوا منه لتقابلهم حارسة الباب الغاطسة في مقعد متهالك ، منهمكة بنسج خيوط الصوف بصنارتيها بالغتي الطول ، ثم تلك الحديقة الفسيحة بأشجارها الباسقة المتجاوزة ارتفاع مبنى المدرسة ذي الطابقين ، ثم تلك السيدة التي هرعت لاستقبالهم بثوبها الأزرق الزاحفة أطرافه على الأرض و قبعتها البيضاء هائلة الحجم و التي تكبر مظلة والده و التي عرف فيما بعد أن راهبة و يناديها التلاميذ "الأخت Ma Soeur" ، ثم ذلك الحديث الدائر بين أمه و بينها و الذي لم يفهم منه حرفا واحدا لأنه كان بالفرنسية .
و أدهشته كذلك تلك السيدة ذات الشارب – فلأول مرة يرى امرأة بشارب – و قد اكتنز جسمها لحما و طبق شحما ، و التي سحبته من بين يدي أم محمد و قادته إلى غرفة تعج بالأطفال حيث رحبت به (المدموزيل مارتا) و أجلسته في مقعد خال .
(مدموزيل مارتا) هي أول معلمة عرفها سمير ، مرحة ، دائمة الإبتسام ، عندما تتحدث تمثل و تتلاعب بطبقات صوتها بما يناسب المقام ، و حتى عندما كانت تعلمهم الألفباء و الأرقام كانت تنغمها بطريقة يسهل حفظها و كانت تعلمهم أناشيد قصيرة و تحدثهم كثيرا عن يسوع و عن طفولته و معجزاته ، و عن الملائكة و الشياطين ، و عن الجنة و الجحيم ، و عن المخلِّص و الخلاص ، و عن الصلب و درب الآلام ؛ مستعينة بلوحات إيضاحية مناسبة ؛ كما كانت حريصة أيضا على افتتاح اليوم المدرسي بصلاة قصيرة .
لوريس التي تكبره سنا و تفوقه قوة ، كانت تشاركه مصروفه رغما عنه ، كانت تنقض عليه انقضاض صقر على عصفور فتشل حركته بيد باحثة عما في جيبه باليد الأخرى فتنتزع معظمه ثم تلوذ بالفرار .
كانت لوريس من ذوي الياقات الصفراء ، و كان هؤلاء محل ازدراء ذوي الياقات البيضاء ، و لم يكن سمير يعلم سبب ذلك إلا بعد سنة أو تزيد حين علم أن ذوي الياقات الصفراء يدرسون بالمجان إما لأن أسرهم فقيرة أو لأنهم يتامى ؛ و كانوا يُسخَِّرون بتنظيف الساحات و يكلفون بأعمال مختلفة كنقل الكتب و الألواح ووسائل الإيضاح و قرع الجرس الكنائسي إيذانا ببدء و انتهاء الحصص ، كما كانوا يتناولون طعامهم المجاني في قاعة مخصصة لذلك في قبو البناء و لكن كان عليهم أن يخدموا أنفسهم بدءا من تحضير الوجبة و انتهاء بتنظيف الأدوات .
كانت لوريس تسبب له دوما آلاما جسدية و نفسية و كثيرا ما كانت تبكيه ، و لكن بعد عدة تجارب مريرة ، بدأ يتعلم كيف يتحاشاها فيفلح حينا و يفشل حينا و لكنه تعود أن يستسلم حين يجد نفسه محاصرا فيخرج ما في جيبه و يقدمه إليها و لسان حاله يقول :- " خذي ما شئت و لكن كفي عن إيذائي ."
لم تكن لوريس الوحيدة التي آذته فكثير من التلاميذ كانوا يسخرون من طريقة كلامه و لفظه المتميز بإبدال الحروف و خاصة بعد أتساقط عدد من أسنانه ..
و لكن لأمر الوحيد الذي لم تتمكن الصدمات من تعويقه هو قدرته العالية على سرعة التعلم ، فكان يحظى على رضا معلمته ، و على فيض من رضا والديه ، و خاصة عندما يقرأ دروسه بالفرنسية بطلاقة فيمطرانه بالقبل و عبارات الثناء .
في ذلك اليوم بالغت أمه بالعناية بهندامه مبالغتها بتأنقها ، و لكم أدهشه اهتمام المارّة و أصحاب الدكاكين و صبيانهم ؛ كانوا يتابعون الثلاثة بعيونهم الجاحظة أو تعليقاتهم الجارحة التي سببت توتر أمه فحثت خطاها و تبعتها أم محمد مهرولة و هي تجر سمير ضاغطة على يده التي حاول الإفلات منها مرارا تحت وطأة الألم و لكن دون جدوى . و عندما هتف صَبِيّان : " أم البونيه* الرقاصة يبعث لها حمّى و رصاصة " نهرتهما أم محمد و شتمتهما ثم تصدى لهما أحد المارة بقوله : " عيب عليك أنت و إياه ، أصبحتم تتطاولون على أسيادكم يا نَوَر ، هذه (عيلة) الأستاذ يا قليلا التربية " فلاذ الصبيان بالفرار .
كان هذا الموقف دافعا لأن تضاعف أمه سرعة خطواتها ، فما كان من أم محمد إلا أن حملت سمير على ظهرها كما اعتادت أن تفعل عندما كان صغيرا و أخذت تهرول وراء أم سمير و هي تلهث ؛ و عندما بلغوا بوابة المدرسة كاد الإعياء يسقطها أرضا أما لسانها فما فتئ يلعن آباء و أجداد هؤلاء السوقيين .
كان كل شيء مدهشا بالنسبة إليه بدءا من بوابة المدرسة الكبيرة بشكل غير معتاد و التي تتضمن باباً أصغر ولجوا منه لتقابلهم حارسة الباب الغاطسة في مقعد متهالك ، منهمكة بنسج خيوط الصوف بصنارتيها بالغتي الطول ، ثم تلك الحديقة الفسيحة بأشجارها الباسقة المتجاوزة ارتفاع مبنى المدرسة ذي الطابقين ، ثم تلك السيدة التي هرعت لاستقبالهم بثوبها الأزرق الزاحفة أطرافه على الأرض و قبعتها البيضاء هائلة الحجم و التي تكبر مظلة والده و التي عرف فيما بعد أن راهبة و يناديها التلاميذ "الأخت Ma Soeur" ، ثم ذلك الحديث الدائر بين أمه و بينها و الذي لم يفهم منه حرفا واحدا لأنه كان بالفرنسية .
و أدهشته كذلك تلك السيدة ذات الشارب – فلأول مرة يرى امرأة بشارب – و قد اكتنز جسمها لحما و طبق شحما ، و التي سحبته من بين يدي أم محمد و قادته إلى غرفة تعج بالأطفال حيث رحبت به (المدموزيل مارتا) و أجلسته في مقعد خال .
(مدموزيل مارتا) هي أول معلمة عرفها سمير ، مرحة ، دائمة الإبتسام ، عندما تتحدث تمثل و تتلاعب بطبقات صوتها بما يناسب المقام ، و حتى عندما كانت تعلمهم الألفباء و الأرقام كانت تنغمها بطريقة يسهل حفظها و كانت تعلمهم أناشيد قصيرة و تحدثهم كثيرا عن يسوع و عن طفولته و معجزاته ، و عن الملائكة و الشياطين ، و عن الجنة و الجحيم ، و عن المخلِّص و الخلاص ، و عن الصلب و درب الآلام ؛ مستعينة بلوحات إيضاحية مناسبة ؛ كما كانت حريصة أيضا على افتتاح اليوم المدرسي بصلاة قصيرة .
لوريس التي تكبره سنا و تفوقه قوة ، كانت تشاركه مصروفه رغما عنه ، كانت تنقض عليه انقضاض صقر على عصفور فتشل حركته بيد باحثة عما في جيبه باليد الأخرى فتنتزع معظمه ثم تلوذ بالفرار .
كانت لوريس من ذوي الياقات الصفراء ، و كان هؤلاء محل ازدراء ذوي الياقات البيضاء ، و لم يكن سمير يعلم سبب ذلك إلا بعد سنة أو تزيد حين علم أن ذوي الياقات الصفراء يدرسون بالمجان إما لأن أسرهم فقيرة أو لأنهم يتامى ؛ و كانوا يُسخَِّرون بتنظيف الساحات و يكلفون بأعمال مختلفة كنقل الكتب و الألواح ووسائل الإيضاح و قرع الجرس الكنائسي إيذانا ببدء و انتهاء الحصص ، كما كانوا يتناولون طعامهم المجاني في قاعة مخصصة لذلك في قبو البناء و لكن كان عليهم أن يخدموا أنفسهم بدءا من تحضير الوجبة و انتهاء بتنظيف الأدوات .
كانت لوريس تسبب له دوما آلاما جسدية و نفسية و كثيرا ما كانت تبكيه ، و لكن بعد عدة تجارب مريرة ، بدأ يتعلم كيف يتحاشاها فيفلح حينا و يفشل حينا و لكنه تعود أن يستسلم حين يجد نفسه محاصرا فيخرج ما في جيبه و يقدمه إليها و لسان حاله يقول :- " خذي ما شئت و لكن كفي عن إيذائي ."
لم تكن لوريس الوحيدة التي آذته فكثير من التلاميذ كانوا يسخرون من طريقة كلامه و لفظه المتميز بإبدال الحروف و خاصة بعد أتساقط عدد من أسنانه ..
و لكن لأمر الوحيد الذي لم تتمكن الصدمات من تعويقه هو قدرته العالية على سرعة التعلم ، فكان يحظى على رضا معلمته ، و على فيض من رضا والديه ، و خاصة عندما يقرأ دروسه بالفرنسية بطلاقة فيمطرانه بالقبل و عبارات الثناء .
موجوع في زمن الغدر- عضو نشيط
- تاريخ التسجيل : 11/09/2018المساهمات : 400نقاط التميز : 1200العمر : 25الأبراج :
رد: المدرسة .. ؟؟
جزاك الله خيرا وليبارك لك في قلمك الراقي
وأتمنى إن شاء الله الإفادة لكل أعضاء المنتدى
واصل إبداعك معنا ولا تحرمنا من جديدك
وأتمنى إن شاء الله الإفادة لكل أعضاء المنتدى
واصل إبداعك معنا ولا تحرمنا من جديدك
New Post- مديرة ستار ديس
- تاريخ التسجيل : 24/08/2018المساهمات : 4133نقاط التميز : 6472الجنس :العمر : 24الأبراج :
رد: المدرسة .. ؟؟
بصراحــه رائع جدا هذا الموضوع
بصراحه انت تمتلك ذوق راقي في جـلب ماهو مميّز وجميل
دائما كلماتك ترتدي ثوب التميز والابداع الثقيلان
صح أحساسك ولسانك ودام توهجك
التوقيع
_________________
منتدى احلى تومبلايت
رد: المدرسة .. ؟؟
شكرا علي الموضوع المميز
MasTar- عضو مميز
- تاريخ التسجيل : 26/10/2018المساهمات : 602نقاط التميز : 606الجنس :العمر : 23الأبراج :
مواضيع مماثلة
» تعريف المدرسة
» صلاحيات قائد المدرسة
» الاخصائى الاجتماعى فى المدرسة
» الاخصائى الاجتماعى فى المدرسة
» دور المدرسة في التوجيه التربوي
» صلاحيات قائد المدرسة
» الاخصائى الاجتماعى فى المدرسة
» الاخصائى الاجتماعى فى المدرسة
» دور المدرسة في التوجيه التربوي
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى