متى نفقد التقة في الآخرين

متى نفقد ثقتنا بالآخرين ، كيف يتحول فقدان الثقة إلى شرخ في جدار العلاقة الانسانية

العلاقة الانسانية أرقى وأقدس العلاقات قاطبة لما لها من دور في ترابط البشر اجتماعياً وفق أسس من الصدق والوفاء والايثار والثقة. ومنذ أقدم العصور عرف العرب بقيمهم ومثلهم العليا ووفائهم بالعهد الأمر الذي جعلنا أكثر الأمم ترابطاً والتزاماً. ولكن مع ايقاع العصر الحديث السريع جدا ومع تشابك المصالح وتضاربها اصبحت الثقة بين الناس عملة نادرة في هذه الأيام, فمن منا لم يلمس في نفسه حاجة للبوح بما يعتمل في صدره لصديق وفي يكتم أسراره ويسجي له النصيحة خالصة لوجه الله, ومن منا لم يتلفت حائراً باحثاً عن هذا (الخل الوفي) والذي أصبح بحق واحداً من المستحيلات الثلاثة في هذا الزمن الذي أصبح الناس يعيشون فيه في جزر معزولة كل منهم بعيد عن الآخر يبحث عن مصلحته الشخصية و(أنا ومن بعدي الطوفان) في هذا التحقيق أبحر (بيان اليوم) داخل عقول وأفئدة قرائه الأعزاء لنجيب عن سؤالنا المهم والحائر: بداية تقول الكاتبة الصحفية (تهاني روحي حلمي) اننا نفقد ثقتنا بالآخرين عندما يفقدون ثقتهم بنا وعندما نخون الأمانة وعندم يتوسم فينا الآخرون كل الخير وكل الصفاء الموجودين على ظهر الأرض فنخذلهم, وعندما تتهدم الثقة لا يبقى هناك خط للرجعة أو التراجع, فالثقة تبنى في سنين طويلة لكنها تهدم في لحظة واحدة وعندما تتكسر إلى شظايا تصبح كالقارورة الزجاجية المحطمة لا يمكن اعادتها إلى سيرتها الأولى مهما لصقنا من أجزاء. وننصح القراء بألا يضعوا ثقتهم في الآخرين (مرة واحدة) إلا بعد تجارب عديدة حتى لا يخذلونا ـ يقول المثل (حرص ولا تخون) وليس هناك وجود للثقة المطلقة في هذا الزمان وهي التي تكفل لنا ان نحكي للآخرين كل شيء انما هناك ثقة نسبية تجعل الحياة والتواصل بين البشر ممكناً وجميلاً. وترى ان الدنيا لا تزال بخير فبرغم تغير الزمن وطغيان المادة على سائر نواحي الحياة إلا ان القيم والمورثات والتقاليد التي تدعم الثقة بين البشر لا تزال راسخة وماثلة في الأذهان وحتى وان وجدت بالمجتمع نماذج خائنة وسيئة, فهذا لا يجعلنا نحكم على الكل بناء على تصرفات هذه القلة التي ضلت الطريق للصدق والأمانة وقالوا (الخير يخص والشر يعم) . الثقة وتجارب العمر ومن جانبه يرى (راشد الساعدي) مدير العلاقات العامة في مستشفى توام اننا نفقد ثقتنا بالآخرين عندما يخذلوننا وعندما يتكرر خذلانهم لنا والتجارب السيئة التي تربطنا بهم ولا يفقد الانسان ثقته بالآخر لمجرد موقف واحد وتجربة فريدة, فالانسان في بداية حياته يكون صفحة بيضاء ناصعة ومع التجارب تتلون هذه الصفحة وفق نوعية كل تجربة ولا تظل بيضاء أبداً وهناك فرق ـ بالطبع ـ بين تجارب الناضجين وتجارب من هم في بداية حياتهم. ويرى انه سابقا كانت الدنيا بخير وكانت الثقة متوفرة والصدق والوفاء والايثار والكرم تحكم حياة الناس أما الآن فتقلصت مساحة الثقة كثيرا ليس بسبب الزمان والعصر لأننا: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا ويضيف قائلاً: الثقة ليست معنى فضفاضا انما مجموعة من المفاهيم وفي بيئتنا العربية نحن سريعو الثقة في الآخرين ويحتاج الأمر لبعض التريث والدراسة لنفسية الآخر وتركيبته وشخصيته قبل أن نقرر ان نثق فيه ايضا نقيس معيار الصدق في دواخله والأمانة والتفاني والاخلاص والشجاعة وغيرها من مكونات الشخصية السوية. الثقة تعادل الأمانة ولجلاديس حنين مديرة ادارة التثقيف الصحي بالطب الوقائي رأيها في الموضوع حيث تقول ان الانسان يفقد ثقته وبالتالي أمانه تجاه الآخر عندما تتكون لديه خبرة ما أو تجربة تهدم مصداقيته في هذا الآخر وتتلاشى ثقته به. ولجلاديس رأي مختلف عن الآخرين في اختلاف أناس هذا العصر عمن سبقوهم حيث تقول ان الناس هم الناس قديماً أو الآن وايضا غدا لم ولن يتغيروا, في الماضي كان هناك الصالح والطالح وكذلك اليوم لكن ما تغيرت هي طبيعة المجتمعات الآن أصبحت أكثر تعقيداً عما قبل وأصبح الناس أكثر استقلالية عن بعضهم البعض وبالتدريج تلاشى نظام العائلة أو الأسرة الممتدة التي يعيش فيها الناس في مجتمع مصغر لتحل محلها الأسر الصغيرة, ويمكن ان نصف هذا الوضع الجديد بانه سبب انعزالية الناس وليس انعدام ثقتهم في بعضهم البعض ومن نافلة القول ان نثبت ان الثقة في الآخرين اليوم لم تنعدم انما أصبحت عملة صعبة. وترى (فاتنة محمود غر) منسقة العلاقات العامة ان الماضي كان أفضل بكثير من الحاضر أما الآن فلا توجد ثقة البتة اللهم إلا ثقة الانسان في نفسه المستمدة من ايمانه بربه واخلاصه في عمله. الصراع من أجل الأفضل وعن أسباب فقدان الثقة تقول ان من أهم هذه الأسباب التنافس الشديد والمسعور بين الناس والصراع من أجل أن يكون البقاء للأفضل وفي الماضي كان الناس بسطاء يتعاملون بعفوية شديدة وبصدق مفرط وكان الكل يجد لنفسه موطئ قدم في المعيشة أما الآن فالفرص أصبحت ضيقة والمنافسة على أشدها. وفي رأيها انه لا داعي للثقة في الآخرين لانه سوف يساء حتماً استخدام هذه الثقة بخاصة في ظل ظروف مجتمعاتنا الحالية التي أصبح كل انسان فيها متربصاً بأخيه الانسان في ظل سيادة الانانية على تفكير الناس وتصرفاتهم واهتمامهم بأمورهم الخاصة, وطغيان المادية على المجتمع حتى أصبحت إحدى أهم سماته الرئيسية. الثقة موجودة وبدوره يقول رسام الكاريكاتير (نزار سعيد مليح) ان الدنيا لا تخلو من الخير وبرغم ان الناس تفقد ثقتها في بعضها البعض من خلال التجارب المريرة إلا ان الخل الوفي ليس مستحيلاً كما يحلو للبعض وصفه, ويضيف جيل زمان لم يكن بحاجة إلى الخداع نظرا لان ظروف الحياة كانت أسهل وأبسط وزمان كان الناس يتعاهدون بالكلمة دون صكوك أو شيكات وكل انسان في المجتمع حريص على كلمته لانها أهم مقومات كرامته الشخصية واحترامه في المجتمع ومن هنا جاءت تسمية (كلمة رجال) . الثقة وإفشاء الأسرار ونختتم تحقيقنا بلقاء مع الأديبة (نائلة فزع) والتي تحدثنا عن الثقة من منظورها الخاص والذي لا ينحصر فيما تطرق له الآخرون من فقدان الثقة نتيجة لخيانة الأمانة أو إفشاء الأسرار, فثمة أشياء كثيرة تجعلنا نفقد ثقتنا في الآخرين وخاصة في مجال العمل فمثلاً قد يكون لشخص متميز ومبدع أفكار خلاقة تسهم في دفع سير العمل واعلاء شأن حاملها وقد يبوح بهذه الأفكار لاحدهم فإذا بالآخر المفترض أن يكون محط ثقة يتبنى هذه الأفكار وينسبها لنفسه ويجني من ورائها الكثير, ايضا سرقة الأفكار الأدبية أو العلمية أو محاولة النيل من زملاء العمل للحط من شأنهم هذا من شأنه ان يجعل الثقة تذهب لغير رجعة أيضاً هناك ثمة من يحبون تكوين رأي عام حول قضية ما فيحجبون بعض المعلومات ويضللون الآخرين الذين يتورطون من جراء اخفاء بعض جوانب الحقيقة عنهم, وعموماً فالظروف الحياتية والحراك الاجتماعي المذهل الذي نعيشه هو الذي جعل البعض لا يصمدون وتختل لديهم موازين القيم والمثل العليا ويكونون كالنقطة السوداء التي تشوه صفحة المجتمع الناصعة البياض.