الامراض والعمالة

لا يشكل هذا العنوان تجنيا على العمالة الوافدة بعمومها لتحميلها سلبيات ما نواجهه في بلادنا من أضرار على الصحة الوطنية والتجارة والخدمات الرديئة في مختلف المهن، لكنه بالتأكيد يرفع الصوت ضد مخالفات تصل إلى حد الجناية أحيانا من فئات سيئة من هذه العمالة غير المؤهلة وغير المنضبطة بضوابط أخلاقية ولا تراعي حرمة لقانون أو عقد.

وإذا كانت لنا تجارب في السابق واللاحق مع عمالة تتخذ من الاستراحات أو البيوت الخربة مقار لمصانع بعيدة عن عين الرقابة الآنية، لتدفع إلى السوق بمخللات أو حلويات وغيرها من مواد غذائية لا مراعاة فيها على الإطلاق لشروط الصحة والسلامة، فضلا عن عدم شرعيتها، أو عمالة أخرى تغرق السوق ببضائع وسلع مغشوشة وزهيدة القيمة، وربما خطرة، وسامة أيضا، كما حدث مرارا من تشهيرات هيئة الغذاء والدواء، وإذا كان هناك عمالة يملأون الحوانيت والبقالات وساحات التشليح وقطع الغيار، ويسيطرون على أنشطة بعينها محتكرين لها متصرفين في التسويق والتوزيع كيفما شاءوا، طاردين بأساليبهم من يجرؤ من المواطنين على منافستهم، وإذا كانت سوق المهن وأعمال الصيانة أيضا تخضع لسيطرة هذه العمالة ويديرون فيها تجارة الدشوش، والكمبيوتر، وأجهزة الاتصال، وكل ما يتصل بها من قطع الغيار، والصيانة، والتركيب، فيلجأ معظم المواطنين إليهم، غير قادرين على المفاصلة في الأسعار أو الاعتراض على نوع الخدمة طالما هم يضعون الواحد أمام الأمر الواقع.

ثم إذا كان الناس يضطرون إليهم في استهلاك وجبات الغذاء من هذا المطعم أو ذاك، فيما شروط الصحة غير متوافرة، ولا اطمئنان إلى نوع اللحوم والدجاج والأرز وغير ذلك مما تقدمه هذه المطاعم غير المتمتعة لا بالنظافة، ولا بصحة وسلامة الطبخ، أو القائمين على إعداده.

قل مثل ذلك فيما شئت من نشاط تسيطر العمالة الوافدة عليه، لا يعرف عنها مكفولها السعودي سوى حصته المتفق عليها آخر كل شهر، ولعل ما نشرته "الاقتصادية" في عددها ليوم السبت 5/3/2011 عن مغاسل الملابس التي تنشر الأمراض، وتطير بالوظائف، يأتي ليس فقط تأكيدا لكل ما سبق من الممارسات المستهترة وغير المبالية بصحة وفرص عمل المواطنين، وإنما ليعيد بإلحاح رفع الصوت والتساؤل: إلى متى نبقي مرافق خدماتنا وغداءنا ودواءنا رهينة في أيدي عمالة غير سوية أخلاقيا ومهنيا، وليس لديها سوى سابق الإصرار والتعمد على الكسب بأسهل الطرق وأقلها تكلفة، جامعين بين خدمة، ومنتج رديء، وخطر، وبين إقصاء لأي مواطن يريد أن يأخذ فرصته من هذه الأعمال أو الدخول فيها؟

إن من المؤسف أن هذا السباق من تكالب العمالة الرديئة واكتساحها سوق الخدمات والتجارة والمهن بكل أنواعها جاء في الأساس بتشجيع من قبل بعضنا بعدم الحرص على تحقيق كفاءة العامل، وجودة المنتج، وإنما باسترخاء وإغماض العين تحت إغراء سيولة مالية ليست نظيفة، لأنها صادرة عن ضمير لا يراعي ذمة، ولا مبادئ خلقية أو تشريعية، يستمرئ هذا البعض إغراء تدفقها في جيبه ليصبح الوافد، مع الزمن، مصدر تهديد بفقدان هذا المال السهل، وبالتالي تستقوي هذه العمالة الوافدة بإدارتها وبمواصفاتها لتصبح، بغياب مسؤولية بعضنا، ناشرة للأمراض والسموم والمخاطر الصحية والنفسية أيضا، سالبة من خلال أعمالها أموالا بغير حق، ومن ناحية أخرى حاجبة فرص العمل عن المواطنين في الوقت نفسه.

وإذا كانت هذه العمالة الوافدة في المطاعم، والمغاسل، وحوانيت الخدمة، والصيانة، ومحطات الوقود، ونقاط البيع، تتحمل وزر غيبوبة ضمائرها، وضعف وازعها الأخلاقي، فإن بعضنا في الواقع يتحمل بالضرورة وزر تخدير ضميره وسماحه لها بأن تكون مصدر شرور لأهله ووطنه. وبالتالي، فإذا كان العقاب مفترضا في حق العمالة نفسها، فأولويته يجب أن تقع على أي مواطن يتستر أو يتنصل عن مسؤوليته في الرقابة والإشراف والمتابعة على عمالة جاء بها، ولم يحسن صنعا، لا بها، ولا ببلده. فالتفريط مسؤولية الكفيل، وليس مسؤولية المكفول فحسب, بل الكفيل حسابه حين الإخلال بشروط المواطنة حساب ثقيل الوزن صارم، لأنه يتعلق بشرف الولاء والانتماء لهذا الوطن، الذي أمنه وسلامه خط أحمر!!