وقفات مع الحب في الإسلام

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

وقفات مع الحب في الإسلام

مُساهمة من طرف نجمة الكون الثلاثاء ديسمبر 31, 2019 9:33 am


وقفات مع الحب في الإسلام

الحب هو الميل والوداد والانجذاب، هو فطرة في النفس البشرية، وحاجة اجتماعية، وهو أمر محمود ومرغوب في الإسلام ما دامت غايته ودرجته وفق الضوابط الشرعية، فلا تكون غايته نحو المحرمات، أو تزيد درجته إلى الكَلَفِ والهُيام؛ أي: إلى درجة التغطية على العقل أو مداركه؛ فالإسلام لا يكبت العواطف الإنسانية، كما لا يطلق لها العَنان مرسلة على غرائزيَّتِها، وإنما يهذِّبها ويشذِّبها ويسمو بها إلى مدارج سامية، وإلى آفاق رحبة.

في الدين الإسلامي لا يقتصر الحب على الحب المادي للمرأة، بل الحب عاطفة أشمل وأعمُّ، دوافعه الأجر والخير وثمرته الجنة، فحبُّ العبد لربه، أو المؤمن لرسوله صلى الله عليه وسلم، أو المؤمن لأخيه المؤمن - علامة من علامات اكتمال الإيمان، وسبب دخول الجنان؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنَّة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا))؛ [صحيح مسلم].

النَّبيُّ المحبُّ صلى الله عليه وسلم:

ولعل أبرز ملمح في العلاقة بين نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه هو حبه لهم وعطفه عليهم؛ "فكان عطوفًا يرأم من حوله يودُّهم، ويدوم لهم على المودة طول حياته، وإن تفاوت ما بينه وبينهم من سنٍّ وعِرْقٍ ومقام"[1]، فكان يخاطبهم بـ((أصحابي))؛ ينسبهم لنفسه دلالة على القرب النفسي، ويسميهم "أصحابي" لا "أتباعي"؛ تواضعًا منه، وإشادة بمكانتهم.

إنه قلب عامر بالحب والإيمان والرحمة، بعيد عن البغضاء والشحناء والإحَنِ، قلب يفيض حبًّا ورحمة ليعمَّ الإنسانية جمعاء، حتى الذين ناصبوه العداء؛ فعن عائشة رضى الله عنها: ((أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيتُ من قومكِ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضتُ نفسي على ابن عبدياليل بن عبدكُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفِقْ إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئتَ فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا)).

وفي الحديث الذي يورده أهل السير في كتبهم وتصنيفاتهم - وفي سنده ضعف - نجده بعد أن رفض دعوته أهل الطائف، يدعو الله تعالى بدعاء صادق: ((اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكِلُني؟ إلى بعيد يتجهَّمُني؟ أم إلى عدوٍّ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي)).

فما الذي جعل الرسول الكريم صلى الله عليه عليه وسلم يستعذب هذا العذاب، ويستسهل تلك الصعاب؟ إن من أسباب ذلك الحب لله تعالى؛ فقد ارتقى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أعلى درجات الحب وهي "الخلة"؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قد اتخذني خليلًا، كما اتخذ إبراهيم خليلًا))؛ [صحيح مسلم].

إنه نبي الرحمة للعالمين أجمعين، بل رحمة وحب شمِل العجماوات والجمادات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدًا جبلٌ يحبُّنا ونحبه))؛ [رواه مسلم]، وقال لمن رآه يرهق جملًا له: ((ألا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتُدئِبُه))؛ [مسند أحمد]، وحين رأى أصحابه حُمَّرةً، فأخذوا فِراخها، فجاءت الحمرة فجعلت تفْرِش، فيقول النبي الرؤوم صلى الله عليه وسلم مستنكرًا: ((من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها))؛ [أخرجه أبو داود].

وسائل الحب:

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمتلك ذكاء عاطفيًّا شديدًا، وحساسية شعورية نبيلة، ولا يدع وسيلة من وسائل الألفة والود والحب - ما لم تكن حرامًا - إلا سلكها وأوصى بها؛ فكان صلى الله عليه وسلم ألين الناس عريكة وأكرمهم عشرة؛ قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، كما كان حريصًا على التصريح بحبه الصادق تجاه أصحابه فرادى وجماعات، بل كان يصرح بحب أزواجه رضي الله عنهن في بيئة ربما كانت ترى أيَّ تعبير عاطفي تجاه الزوج أو الأبناء ضعفًا يفُتُّ من هيبة الرجل الحازم؛ وقد سأل عمرو بن العاص رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعدَّ رجالًا))؛ [رواه البخاري ومسلم].

وكان يقبل الهدية ويثيب عليها؛ لأنها من أدعى موجبات الحب؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابوا))؛ [رواه البخاري]، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، وكان يعُودُ المريض، ويشهد الجنائز، ويجيب دعوة العبد، وكان يُقبِلُ بوجهه وحديثه على أشر الناس، يتألفهم، وكان يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر؛ فعن صفوان بن أمية قال: ((أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما زال يعطيني حتى صار وإنه أحب الناس إليَّ))، كما كان حريصًا على أن تكون العلاقات بين أفراد المجتمع الإسلامي عمادها المحبة والود؛ وقد قال الشاعر:

أحسن إلى الناس تستعبدْ قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ

حب النبي صلى الله عليه وسلم:

وقد أوجب الله تعالى على كل مؤمن ومؤمنة محبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أنقذنا من الضلالة والانحراف، وهدانا إلى نور الحق، وقد نص القرآن الكريم على لزوم محبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأكدت السنة النبوية هذا المنهج[2]؛ فقد أخرج البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))، وقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في حب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ ففي الحديث الطويل الذي رواه البخاري: ((فرجع عروةُ إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدتُ على الملوك، ووفدتُ على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا قطُّ يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدًا)).

وفي الختام نقول: اللهم ارزقنا حبك وحب دينك وكتابك ونبيك وصحابته الكرام، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، واجمعنا مع نبيك صلى الله عليه وسلم القائل: ((المرء مع من أحب)) في الفردوس الأعلى.

[1] مجموعة العبقريات الإسلامية: عبقرية محمد، عباس محمود العقاد، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، ط: 3، 2010، ص: 80.

[2] انظر: شمائل المصطفى، أ.د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، عام 2011، ص: 279.


نجمة الكون
نجمة الكون
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1437
نقاط التميز : 2154
الجنس : انثى
العمر : 30
الأبراج : العذراء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: وقفات مع الحب في الإسلام

مُساهمة من طرف القلب النابض الثلاثاء ديسمبر 31, 2019 4:54 pm


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـارك الله فيك على الموضـوع القيـم والطـرح الممـــيز
بـــالــتـــوفيق ان شـــــاء الله و ننتظر جديــدك

القلب النابض
القلب النابض
مشرف الهواتف والفضائيات

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1634
نقاط التميز : 3364
الجنس : ذكر
العمر : 26
الأبراج : الجوزاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: وقفات مع الحب في الإسلام

مُساهمة من طرف شموخ القوافي الثلاثاء ديسمبر 31, 2019 10:14 pm


شكرا لك على
هذه المشاركة الرائعة

شموخ القوافي
شموخ القوافي
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1461
نقاط التميز : 1687
الجنس : ذكر
العمر : 32
الأبراج : الثور

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: وقفات مع الحب في الإسلام

مُساهمة من طرف IKRaMOne الأربعاء يناير 01, 2020 9:22 am


لك كل الشكر والتقدير على مجهودك الرائع والمميز
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
نتمنى لك كل التوفيق والاستمرار والاستفادة
من مواضيعك المميزة

IKRaMOne
IKRaMOne
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1290
نقاط التميز : 2098
الجنس : انثى
العمر : 34
الأبراج : الاسد

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى