فوائد من حديث لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

فوائد من حديث لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْر

مُساهمة من طرف Derraz Boujemaa الجمعة سبتمبر 20, 2019 12:38 am


فوائد من حديث: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ)

كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن مِن الفتن والبلايا التي ابتلينا بها في هذه الأزمان "كثرة المجترئين على الحُرُمات"، وهذا مصداق ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- قبْل حدوثه، وإن كان الواجب على مَن اُبتلي بمعاصِرة هذا البلاء أن يُنكِره، وأن يبذل جهده في رده؛ عسى الله أن يزيح هذا البلاء عن أهل زمانه، أو -على الأقل- يَلقى الله وقد أدَّى ما عليه.
ومِن الأحاديث التي أخبرت عن هذه الفتن؛ الحديث الذي رواه الإمام البخاري وغيره، والذي يحكي عن ظهور استحلال المحرمات، قال الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه: "بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ -يَعْنِي الفَقِيرَ- لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ).
ونقف في هذا المقال مع هذا الحديث عِدَّة وقفات:
الأولى: لمن نرجع في تصحيح وتضعيف الأحاديث؟
تعرضنا أكثر مِن مَرَّة لمسألة معيار قبول الأخبار أو ردها، وأن الأصل فيه قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الذَّيِنَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات:6)، وأن علماء الحديث قد فرَّعوا على تلك القاعدة الكلية كل قواعد علم مصطلح الحديث، ووضعوا الشروط التي متى توافرتْ وثقنا بنسبة الخبر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومِن ثَمَّ بقي أن نقول: "سمعنا وأطعنا"، ومتى لم تتوافر؛ لَم نثق في نسبة الخبر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومِن ثَمَّ فيكون هو والعدم سواء.
وهذه القواعد ميسورة يسهل تعلمها، ولكن تطبيقها يحتاج إلى تبحر في معرفة الحديث والرجال وطبقاتهم وأحوالهم؛ مما جعل علماء الشريعة مِن غير المشتغلين بالحديث -فضلاً عن العوام- يرجعون في التصحيح إلى علماء الحديث؛ امتثالاً لأمر الله -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43)، إلا أن تشغيب المشغـِّبين يجعل البعض قلقًا، ويحتاج إلى ما يطمئن به صدره أنه ممتثل لسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
الثانية: الحديث المعلـَّق ومعلقات "البخاري":
عرَّف علماء الحديث "الحديث الصحيح" بأنه: "الحديث الذي اتصل إسناده برواية العدل الضابط عن مثله مِن غير شذوذ ولا علة".
واشتراط العدالة والضبط في كل راوٍ هو تطبيق شامل لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الذَّيِنَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا).
واشتراط اتصال السند جاء مِن كل واحد مِن رجال السند يخبر عمَّن فوقه، فإذا قال "البخاري": "حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"؛ فالبداية بالبخاري وهو عدل ضابط، فحينئذٍ نصدِّق أن مالكًا قد أخبره، ثم ننظر في مالك وهو عدل ضابط فنصدق أن نافعًا أخبره، ثم ننظر في نافع وهو عدل ضابط فنصدق أن ابن عمر أخبره وهو صحابي يخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فنصحح نسبة هذا الخبر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأما إذا كان أحد هؤلاء الرجال ليس بالثقة فيسقط كل الخبر؛ لاحتمال الكذب أو الوهم مِن عنده، وكذلك إذا تُصور أنه قد حدث سقط في السند فيبقى هذا الشخص الساقط مجهولاً لنا، ومِن ثَمَّ لا يوثق بخبره؛ لأن الشرع إنما تعبدنا بالأخبار التي استوثقنا منها.
ومِن صور انقطاع السند: "ما يسميه علماء الحديث بالمعلـَّق"، وهو: "ما حُذف مِن مبدأ إسناده راوٍ أو أكثر"؛ أي أن المصنف "البخاري في مثالنا" يسقط شيخه فلا يسميه، ويبدأ الإسناد من شيخ شيخه، وربما أسقط أكثر مِن واحد، وإذا جاء غير البخاري مِن علماء الحديث ليحكم على هذا الحديث فسيرى أنه فاقد لشرط من شروط الصحة، ألا وهو اتصال السند.
ولكن ما هو حكم البخاري على معلقاته؟
قد وَجد العلماء أن "كل معلقات البخاري" التي علـَّقها بصيغة الجزم "قال أو نحوها" وليس بصيغة التمريض "روي وما شابهها" هي صحيحة عنده، كما أن لها سندًا متصلاً عند غيره إلى مَن علقها عنه، وقد وَصَلها "ابن حجر" -رحمه الله- في تغليق التعليق.
الثالثة: حكم هذا الحديث:
يمكننا أن نقول أن صنيع البخاري في هذا الحديث أنه صحيح عنده، وصححه ابن حجر وغيره مِن علماء الحديث بناءً على الروايات المتصلة المستوفاة لشروط التصحيح.
وخالف في ذلك "ابن حزم" -رحمه الله- فلم يقبل أن يقلـِّد "البخاري" دون أن يطلع على السند كاملاً، ولم يطلع على الأسانيد المتصلة عند "أبي داود" -وغيره- لذات الحديث؛ فحكم بضعفه، ولكنه قال: "إن صح هذا عن رسول الله أخذنا به".
الرابعة: اتباع زلات العلماء في التصحيح وفي فقه الحديث:
وقع "ابن حزم" -رحمه الله- في عدة أخطاء في موقفه مِن المعازف:
أولاً: رفضه تقليد البخاري في تصحيح الحديث دون أن يطلع على السند كاملاً مع أنه أهل لأن يقلـَّد.
ثانيًا: أنه فاته السند المتصل الذي ينتج عنه الحكم على الحديث بالصحة.
ثالثًا: إغفاله أن هناك أحاديث أخرى في حرمة المعازف.
ومِن ثَمَّ قال "ابن حزم" -رحمه الله- بحل المعازف، ووجد هذا الأمر هوى عند البعض؛ فتابعوا "ابن حزم" على رأيه في المعازف رغم شذوذاته المعروفة!
الخامسة: الحديث مِن دلائل النبوة، ومِن دلائل دقة قواعد علماء الحديث:
فلو أنك تخيَّلتَ أنك كنتَ في العصور المتقدمة التي دُونت فيها كتب السُّنة -فضلاً عن عصور السلف- التي تداول فيها هذا الحديث، فهل كان بإمكانك أن تتصور أنه سيأتي على الناس زمان يستحلون فيه الزنا "حتى على تفسير الاستحلال بأنه الاستخفاف في إتيانه"، ومع هذا فإن علماء الحديث "لأنهم يتبعون قاعدة التثبُّت في الرواية وليس الهوى أو الذوق! أو غيرها مِن الأمور" أثبتوا الخبر رغم غرابته آنذاك "وفرق شاسع بيْن المستغرب والمستحيل؛ فإن الأول يأتي الشرع به في الأخبار والأحكام، والثاني لا يأتي به الشرع قط".
ومِن ثَمَّ صار هذا الحديث عَلَمًا مِن أعلام النبوة، ولما رأينا مِن تأويله جزءًا بعد آخر.
السادسة: المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيكون مِن الأمة مَن يستحل الحِرَ "أي الفرج المحرم"، والحرير، والخمر، والمعازف.
ثم يخبر عن أقوام من الأمة ممن يفعل هذا يكونون بجوار علم -أي جبَل- فيعاقبهم الله بوضع الجبل عليهم، وبمسخ بعضهم قردة وخنازير، ويسوق إليهم شاهدًا مِن غيرهم يأتيهم بسارحة غنم أو نحوها يسألهم حاجة فيطلبون منه أن يأتيهم مِن الغد فلا يأتي الغد إلا وقد نزلت بهم العقوبة.
السابعة: معنى الاستحلال المذكور في الحديث ودلالته:
قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (يَسْتَحِلُّونَ) يدل على أن كل واحدٍ مِن هذه الأمور المذكورة في الحديث محرم، وإلا لما جاء ذم مستحلها، والتحريم هنا راجع إلى كل واحد على حدة.
ومَن يدعي أن التحريم راجع إلى المجموع؛ فعليه أن يقف مع المعنى ويسأل نفسه: هل يسوغ أن يعطف على هذه المحرمات "الماء، واللبن!" وغيرهما من المباحات؟!
نعم قد يُقال إن العقوبة المغلظة المذكورة في آخر الحديث تقع على مَن وقع في مجموع هذه الأفعال.
والاستحلال المذكور هنا إما أن يُراد به إتيانها وكأنها مباحة -وهذا لا يُخرِج فاعلها مِن ملة الإسلام-، وإما أن يُقصَد به أن يسميها حلالاً، وهذا في الأمور المجمع عليها -كحرمة الزنا- خروج عن ملة الإسلام -والعياذ بالله-.
الثامنة: مدرسة المواءمة مع الحضارة الغربية تفتح ثغرة في حصون الحلال والحرام:
بعد أن رأينا بأعيننا وسمِعنا بآذاننا استحلال هذه المحرمات بخروج مَن يدعو إلى إباحة الزنا! جدير بنا أن نقف وقفة مع هذا الأمر، ونرى كيف استساغ البعض أن يصل بنا إلى تلك الوهدة التي ما كان يتخيلها أحد، ولكنه استدراج الشيطان!
فقد كانت البداية عند هؤلاء بشيء مِن هذه المحرمات لا يَرقى دليله أن يكون دليلاً قطعيًّا "وهو المتعلق بأمر المعازف"، ولكنه في النهاية دليل، وخطاب مِن الشرع ينبغي أن يُعظـَّم، ولكن قد نشأتْ عندنا طائفة مِن المنتسبين إلى العلم كانت آفتهم أنه حدثَ لديهم قدر مِن الانهزام النفسي أمام الغرب الذي جاءنا بأسلحة متطورة في بداية الاحتلال العسكري لبلاد المسلمين، لم يواكبه تطور عسكري في بلاد المسلمين، ثم كان التطور التقني عند الغرب؛ فجاءوا بزخرف مِن الدنيا كنا نحن الجديرين أن نصل إليه، ولكن هذا ما كان، وقدَّر الله وما شاء فعل.
وقد انتبه بعض المسلمين إلى ذلك، وأن هذه الأمور داخلة في قوله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) (الأنفال:60)، فتعلموا أو حاولوا أن يتعلموا ويعلِّموا الأمة تلك العلوم، لكن الغرب جاء بشيء آخر مع هذه العلوم وهو ثقافته ونظمه الاجتماعية، ولهوه وعبثه الذي هو ديدنه عبْر التاريخ، وأقنع هؤلاء بأن هذه حزمة واحدة؛ فإما أن تؤخذ جميعها أو تترك كلها، فقالوا: بل نأخذها جميعًا!
والأمر ليس كذلك، وليس حزمة واحدة، بل كان يسعنا أن نأخذ مِن الغرب وأهله ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، وأن نترك زبالة أفكارهم ورذالة أخلاقهم، ثم إنهم أخذوا مِن الغرب أخلاقه الرذيلة ولم يأخذوا حتى ذلك التقدم الدنيوي!
بل قد خرج بعض أهل العلم -للأسف الشديد- ليقول: "ما وجدنا مِن مسألة يحبها الغرب، وليس فيها دليل قطعي؛ فلا بأس أن نقرّ بها لهم، ونحن يجب علينا أن ننصف الجميع!"، وكثير مِن هؤلاء كان له جهده في الدعوة إلى الله، ولكن كانت هذه الثغرة التي آلت بنا إلى ما نشاهده ونسمعه الآن؛ حتى قال بعضهم: "إذا ذهبتَ إلى كوريا؛ فإياك أن تخبرهم أن الشرع يحرِّم الكلاب -أعزكم الله-!"، متناسيًا أن مِن محاسن الشرع الإسلامي ما جاء في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن "النهي عن كل ذي نابٍ مِن السباع، وكل ذي مخلبٍ مِن الطير"، وقد أثبت العلم الحديث أن تغذي الإنسان على آكلات اللحوم هو أحد مصادر الأمراض، وفيه خطر على صحة الإنسان، بل على أخلاقه!
فهذا البعض يرى أن الأمر طالما جاء في السُّنة وليس في القرآن -وهذا موضوع طويل تحدثنا عنه مرارًا- فإياك أن تخبرهم به؛ تقربًا إليهم!
ولو ذهبتَ إليهم أو سألوك عن الشرع -ولا يملك أحدٌ إلا أن يخبر عن الشرع كما هو- فلا تخبرهم عن الشرع أو السنة، بل اكتمها عنهم أو بدلها وقلْ لهم: "ليس عندنا دليل قاطع على تحريمها! فإن أردتم أن تُسْلِموا -على حد ظنه- وتستمروا على أكلها؛ فما عليكم مِن حرج!".
وبهذا المسلك العجيب مُرِّرت حزمة مِن الأمور، وبالطبع على رأسها: "الغناء والموسيقى".
التاسعة: بداية الجرأة على هذه المحرمات كانت باستحلال المعازف تتبعًا لزلات العلماء:
إذا نظرنا إلى تلك المحرمات المذكورة في الحديث سنجد أن البداية كانت باستحلال المعازف والموسيقى، وإذا رجعنا إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنجد أنه أباح الغناء، ولكنه حرَّم الموسيقى -ونحن "في زمننا" لا نكاد نتصور الانفكاك بيْن هذا وتلك-، ولكنه في الواقع قد ينفك؛ بمعنى أنه يمكن أن يوجد إنشاد "بغير موسيقى" ينشده الناس في سفرهم أو أعمالهم يقطعون به السفر والعمل الشاق، فهذا أباحه الشرع كنوع مِن اللهو المباح وحرَّم الموسيقى؛ فينبغي علينا أن نقول: "سمعنا وأطعنا"، ثم إذا تأملنا فسنجد الفرق الشاسع بيْن الشعر أو الإنشاد أو الأهازيج التي يمكن أن يرددها الأطفال أو الرجال العاملون أو المسافرون يقطعون بها السفر وبين الموسيقى "فإنها خمر النفوس"، فالإنشاد وإن كان مستلذًا في الأذن، لكنه لا يتلاعب بالنفوس تلاعب الموسيقى التي يكون فيها آلات وترددات -لا تأتي بالحنجرة البشرية- تحرِّك النفس طربًا حتى إنك ترى الرجل الوقور يتراقص ويتمايل عند سماع هذه الموسيقى! إلى غير ذلك مِن المفاسد والتي سواء أدركناها أم لم ندركها، فالواجب علينا أن نقول: "سمعنا وأطعنا"؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي ذكر أن المعازف مِن جملة الأمور المحرمة، وأنه سيأتي مَن يستحلها؛ فهي إذن محرمة، وسيأتي مَن يتعامل معها على أنها حلال أو يقول بالفعل إنها حلال! وهذا قد وُجد بالفعل بالنسبة بالمعازف أن مَن الناس -بل ممن ينتسب إلى العلم- أفتى بأنها حلال! وهذه المسالة وإن كانت ليست مِن المسائل القطعية؛ إلا أنها مِن المسائل الواضحة التي لو لم تفتح من خلالها تلك الثغرة لما فتح ما وراءها.
ثم إن الشرع قد أذِن في قدرٍ محدود مِن المعازف "وهو الدف" في مناسبات: "العرس - وقدوم الغائب - والعيد"، ولكَ أن تدرك الحكمة في ذلك، وهي أن المطلوب: عدم إباحة الآلات التي تبالغ في التنغيم فتنتزع ما في النفوس وتحركها وتتلاعب بها، فإن كان ولا بد مِن آلة؛ فقد أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدف في الأعراس، وضُرب بيْن يديه بالدف عند قدومه مِن سفر -صلى الله عليه وسلم-.
فهذا هو حكم الشرع في هذه المسألة.
وإن كان واقعنا الآن أن الأمم الأخرى قد غزتنا -بالفعل- بآلاتها الموسيقية، إلا أنه مِن الخلل أن نأتي إلى الواقع الفاسد فنحاول تبريره "كما صنع بعض أهل العلم للأسف الشديد"، ولسنا ندعو أو نقول عمن وقع في هذه المعصية مِن المسلمين أنه مهدور دمه أو لا اعتبار لما يقوم به مِن صلاة وزكاة وصوم، أو لا يعامَل بمقتضى الأخوة الإيمانية؛ كل هذا قد يتوهمه البعض، ولكن مع ذلك لا بد مِن بقاء التذكير المتكرر بأنه يخالف أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الجزئية؛ فلعله أن يتوب أو أن يشعر بتأنيب الضمير، بدلاً مِن أن يقدح في الأحاديث ويفتح باب التأويل ويفتح باب إخضاع الشرع للواقع؛ فهذه فتنة عظيمة -وإن لم يشعر الناس بكبير خطرها- قد جرَّت علينا أنه وُجد مَن يستكمل هذا الحديث؛ حيث وقع بالفعل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخرج مَن يستحل المعازف وكأن الحديث لم يرد إلا عند البخاري، وأدخل الناس في نفق "معلقات البخاري وحكمها"؛ ليحدث لدى الناس في النهاية الشك في الحديث مع أن الحديث مروي بسند متصل عند غير البخاري، ومع أن إيراد البخاري له بهذه الطريقة -عند مَن يعرف طريقة الإمام البخاري- يجعله يرى صحة الحديث، ومع ذلك -كما ذكرنا- فقد رواه بسند متصل صحيح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
العاشرة: إباحة النبيذ تتبعًا لزلات العلماء وبغرض التطبيع مع أخلاق الغرب:
ثم جاءنا مَن يحاول أن يهز الثقة في حرمة الخمر!
وكانت الثغرة هنا أيضًا مِن اتباع زلات العلماء؛ فهم لما أرادوا إباحة المعازف -مثلاً- قالوا: قال بهذا ابن حزم، وفي النبيذ قالوا: أبو حنيفة -رحمه الله- قد قال بهذا.
ولما أرادوا هدم المعبد على مَن فيه خرج قائلهم ليسب الأئمة الأربعة جميعًا بدلاً من تعظيم مَن أمرنا الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بالرجوع إليهم وسؤالهم عما لا نعلمه مِن أمر ديننا، وفي نفس الوقت لا نتبع زلاتهم، وأما هؤلاء فإنهم إن وجدوا زلة عند عالمٍ أخذوها، وأما إجماع العلماء فيردونه إن أرادوا الرد، وهذا هو اتباع الهوى بعينه!
فكانت الزلة هنا في أمر الخمر عند أبي حنيفة -رحمه الله-؛ فإنه ظن أن الخمر عصير العنب -دون غيره- إذا قذفَ بالزبد، فقال: إن هذا منهيٌّ عنه شرعًا؛ فيحرم كثيره وقليله، وأما ما سوى خمر العنب مِن المسكرات الأخرى فيباح قليلها، ويحرم القدر المُسكِر منه، فلم يطبِّق عليها قاعدة تحريم القليل والكثير! وهذا لأنه غاب عن الإمام أبي حنيفة أحاديث لو وصلته -أو ثبتت لديه- لقال بها، ونحن متى ثبتت لدينا فنطبق قول الإمام أبي حنيفة -وغيره مِن الأئمة-: "إذا وجدتم قولي يخالف قول النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فخذوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- واضربوا بقولي عُرض الحائط".
وقد وجدنا أحاديث لم تصل إلى أبي حنيفة -رحمه الله- قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ) (رواه مسلم)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)؛ فإن عدنا إلى العقل وجدنا أن هذا موافق تمامًا للعقل؛ إذ لا فرق بين العنب وبين غيره متى أسكر، فالعنب حلال طيب، لكنه فيه ماء ومواد سكرية وغيرها فيُعصر ويعالج بطريقة معينة ليتكون فيه الكحول المسكر، فهل يُعقل أن يُنسب إلى دين الله -تعالى- أنك إذا جئتَ إلى تمر حلال طيب -شأنه شأن العنب- تعصره أو تنقعه في الماء وتعرِّضه للأسباب التي تجعل تلك المواد تتحول إلى الكحول المسكر الذي هو هو الناتج عن عصير العنب - أن يكون ذلك مباحًا "مع وجود نفس الأثر"؛ لِكونه مِن غير عصير العنب؟!
بل هذا بلا شك غير مؤثر بحال، والعلم الحديث بكيفية تكوُّن الخمر في عصائر الفاكهة أو غيرها يقطع بنفي الفارق؛ لأنه هو ذات الأثر بعينه في الحالين، وذات المادة المسكرة واحدة سواء في خمر العنب أو الذرة أو غيره "وهي الكحول الإيثيلي"، والذي يفعله الناس هو أنهم يهيئون الأسباب التي يتحول معها ذلك العصير السكري إلى كحول؛ فإذن هذا هو ذاك شرعًا وعقلاً.
ومع ذلك يخرج على الناس مَن يعلم كل هذا، ويقول: مَن أراد أن يتبع أبي حنيفة في هذه المسألة؛ فله ذلك!
ونحن نقول له: أين اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!
نعم، إن الأئمة يدلوننا على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن إن أخطأها أحدهم أخذنا نحن بالسُّنة، وهم مَن علمنا ذلك وقالوه لنا؛ أننا إذا علِمنا أن أحدهم أخطأ في إصابة السنة في مسألة ما فاللازم لنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء:59)، (وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ): يدخل فيها الأمراء والعلماء.
ثم كيف يُفتى الناس أن هناك شرابًا ما مسكرًا لكَ أن تشرب منه القدر غير المسكر فقط؛ وإلا صرتَ مرتكبًا لكبيرة مِن أكبر الكبائر؟! ففي أي عقل يصح هذا؟! فمن شرب قدْرًا مِن شراب مسكر؛ فلعل هذا القدر قد تلاعب بعقله فعلاً؛ فكيف يُقال له مع هذا: خذ ما يضعف عقلك ثم قس بعقلك واضبط أمرك بعد ذلك ولا تزد حتى لا تشرب قدرًا يؤدي إلى غياب عقلك؟! والنتيجة هي العجز عن ضبط ذلك، لكن هناك بالفعل مَن قال ذلك وحدث به وأشاعه ونشره! وهؤلاء كلهم جند في معسكر واحد، علِم مَن علم وجهل مَن جهل.
الحادية عشرة: "ووقع استحلال الزنا":
إن الأمة متفقة عبْر عصورها على حرمة الزنا، وعلى أنه كبيرة من أكبر الكبائر، ولكن الزنا في نظر الغرب قاصر على الخيانة الزوجية، ولا يرون سوى ذلك مِن صور الزنا جريمة!
فالزنا عندهم ينقسم إلى مباح وممنوع:
الممنوع عندهم هو زنا أحد الزوجين بدون إذن الآخر، وأما في الإسلام؛ فلا تُستباح الفروج إلا بالزواج، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ) (رواه مسلم).
فالفرج لا يستحل في دين الله إلا بالنكاح كما هو إجماع الأمة؛ علماؤها وعوامها، بل فساقها وعصاتها، وما وجدنا عاصيًا عبر التاريخ وقع في زنا وقال إنه بريء، ولا امرأة زانية تقول إنها بريئة، وإنما كل مَن وقع في هذه الجريمة يعترف على نفسه بالجرم، ولكن جاء الوقت الذي يمكن أن يصل فيه البعض إلى استحلال المعلوم مِن الدين بالضرورة، وإلى وصف هذه الفاحشة بأنها حلال.
الثانية عشرة: الطعن في السنة أقصر طريق للزندقة والانحلال:
يبقى أن نشير إلى توقيت هذه الطعنات الخبيثة "مِن مليونية خلع الحجاب إلى الدعوة لاستباحة الزنا وعلاقتها بالهجمة الشرسة على السنة"؛ فلعلهم ظنوا -كما ذكرنا مرارًا- أن طعن البعض منهم في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُبقي القرآن بلا شرح!
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي طريقته، فإن طريقته هي القرآن وما أوتيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- معه "السنة"، ونحن لدينا شروح للقرآن؛ أولها: سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يليها فتاوى صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يليها: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43).
ثم يأتي مَن يريد أن ينسف ذلك كله، فإذا قلنا له: القرآن يقول: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا) (الإسراء:32)، قال: الزنا مِن المتزوجين فقط، فإذا قلنا: هذا خلاف إجماع الصحابة، قال: ومَن الصحابة؟! فإذا قلنا: هذا خلاف إجماع أهل العلم! فالجواب عنده هو سب أهل العلم!
وعند الاستدلال عليه بالحديث، يزعم أنه لا يوجد ثقة في كتب الحديث!
فهذه إذن حرب متكاملة؛ فما كان مستغربًا حدوثه مِن قبْل وما كان غير متصور أن يوجد في الأمة في يوم مِن الأيام مَن يستحل المعلوم مِن الدين بالضرورة - صار الآن واقعًا وحاصلاً!
الثالثة عشرة: عقوبة الخسف والمسخ:
لعل الجزء الذي لم ندركه ما ذكر في آخر الحديث مِن المسخ والخسف، وهي عقوبة تنزل في آخر الزمان لأنواع مِن المجاهرين بالمعاصي -لا سيما إذا اجتمعت-، ولئن كنا قد ابتلينا بإدراك مَن يدعون إلى استحلال هذه المنكرات؛ فنسأل الله أن يكون في زماننا أقوام ينكرون المنكر؛ لأنه متى وجد المنكر ووجد معه الإنكار فيمتنع العذاب العام -بإذن الله- كما قالت زينب بنت جحش -رضي الله عنها- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنُهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: (نَعَمْ إِذا كثُرَ الخَبَثُ) (متفق عليه)؛ ليس مجرد وجوده، ولكن إذا كثر الخبث ربما جاء العقاب العام؛ فدورنا أن نمنع انتشار الفساد ووأده في مهده.
وليعلم كل واحد أن الجميع مخاطب بهذا؛ فينكر بنفسه ومع غيره، وينصح غيره أن ينكِر، وكل هذه الصور متاحة -بفضل الله- تنتظر مَن يشمِّر عن ساعد الجد، ويتمعَّر وجهه في الله -عز وجل-.
نسأل الله أن يقينا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن.




التوقيع

_________________
 فوائد من حديث لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْر 13352848165
Derraz Boujemaa
Derraz Boujemaa
مؤسس ستار ديس

تاريخ التسجيل : 20/08/2018
المساهمات : 5189
نقاط التميز : 9415
الجنس : ذكر

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: فوائد من حديث لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْر

مُساهمة من طرف منصورة الثلاثاء سبتمبر 24, 2019 1:13 pm


نسال الله العفو والعافية
وان يرزقنا بالاعمال الصالحة
بارك الله فيك اخي الكريم

جعله الله في ميزان حسناتك
واثابك الجنة إن شاء الله




التوقيع

_________________
 فوائد من حديث لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْر 4c7135addaea2fc517978c2cd32a9b40
منصورة
منصورة
عضوية موثوقة

تاريخ التسجيل : 25/08/2018
المساهمات : 966
نقاط التميز : 1132
الجنس : انثى
العمر : 61
الأبراج : الدلو

http://www.manssora.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى