الحوار بين الأب وابنه

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

الحوار بين الأب وابنه

مُساهمة من طرف long race الإثنين ديسمبر 10, 2018 1:13 am


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التربية الإسلامية : تربية الأولاد في الإسلام ـ الدرس " 21 " ـ التربية الاجتماعية ،الحوار بين الأب وابنه ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الحوار بين الآباء و الأبناء :

أيها الأخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس تربية الأولاد في الإسلام ، والموضوع اليوم موضوع يمكن أن تلحقه بشتى الموضوعات السابقة واللاحقة ، موضوع الحوار بين الأب وابنه ، ذلك لأن معظم الآباء إما لغفلة ، أو لعدم تقدير ، أو لضعف في خبراته التربوية ، يعطي الأوامر لأولاده ويعنفهم ، وهذا شأنه في أكثر أوقات حياته مع أولاده.
ولكن لو كشف الأب أو الأم قيمة الحوار مع الأبناء ، لوجدوا أن القائد الناجح لا الذي يأمر ، بل الذي يُقنع ، إنك إن أقنعت أولادك بشيء تبنوا هذا الشيء ، وطبقوه نصاً وروحاً ، أما إذا أمليته عليهم ، وكنت قاسياً طبقوه شكلاً في وجودك ، فإذا غبت عنهم لا يطبقوه أبداً .

شقاء الأولاد شقاء حكمي لآبائهم وأمهاتهم :

لذلك أول نقطة ، اجلس مع ابنك ، أي أنا أتمنى على كل أب وعلى كل أم أن يخصصا وقتاً للجلوس مع أولادهم ، عندك مواعيد ، عندك لقاءات ، عندك محاضرة ، في مهمة ، أن تجلس مع أولادك هي أكبر مهمة ، لأنهم جزء منك ، لأن شقاءهم يشقيك ، ولأن سلامتهم تسعدك ، فالوقت الذي تجلس به مع أولادك هو وقت ثمين ، وقت موظف لمستقبلك ومستقبلهم .
وقد أكدت لكم كثيراً أن الله عز وجل حينما قال :
﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾ .
( سورة طه ) .
ولم يقل فتشقيا ، مع أن الصياغة اللغوية تقتضي أن تكون فتشقيا ، لكن العلماء قالوا : شقاء الأزواج شقاء حكمي لزوجاتهم ، ويقاس على ذلك أن شقاء الأولاد شقاء حكمي لآبائهم وأمهاتهم .
لذلك لو أن الإنسان خصص وقتاً في أسبوع جلسة ، كل بضعة أيام جلسة ، على الطعام ما في مانع ، لابدّ من أن تجلس مع أولادك كي تحاورهم ، وأنت لا تعلم كم يسعد الابن حينما يرى أباه الإنسان العظيم ، يسأله عن دراسته ، عن أحواله ، من أصدقاؤه ؟ كيف يمضي الوقت معهم ؟ بماذا يشعر في المدرسة ؟ أي أستاذ تأثرت به يا بني ؟ ماذا قال لك ؟ هذا الحوار موضوع هذا اللقاء الطيب .

الجلوس مع أولادك هي أكبر مهمة لأنهم جزء منك :

أول شيء اجلس معه ، لكن لا ينبغي أن تكون واقفاً ، وهو دون بكثير ، تملي عليه الأوامر ، ولا أن يكون هو واقفاً وأنت مضطجع ، ينبغي أن تجلس معه ، أن يكون إلى جانبك ، أو أن يكون تجاهك ، نوع الجلسة يختلف ، لا تكون أعلى منه ، ولا أعلى منك ، اجلس معه إما إلى جانبك ، أو باتجاهك .
الجلسة الودية أهم شيء أن لا تكون سريعة ، قبل الدوام بعشر دقائق ، قبل الطعام ، قبل اللقاء ، قبل مجيء الضيوف ، الجلسة السريعة لا تثمر ، اجلس معه وأنت تشعر أن الوقت بعد هذا اللقاء ممتد ، لعل الحديث يكون ذا شجون ، لعلك ترى ابنك قد تأثر تأثراً بالغاً ، اجلس معه في جلسة مفتوحة ، مفتوحة لساعة مثلاً ، أما لدقائق ، قبل المغرب ، قبل الصلاة ، قبل الطعام ، قبل الموعد ، قبل مجيء الضيوف ، لا ، اجلس معه في وقت مفتوح وحاول أن تحاوره ، وحاول أن تأخذ منه ، وأن تعطيه ، وأقول لك بكل دقة حاول أن تجعله صديقك .
أعرف آباء كثيرين أُلهموا هذه الطريقة بالمعاملة ، فكان أبناؤهم أقرب الناس إليهم وكانوا معهم ، وكانوا ظلهم .

الشروط الواجب تحقيقها أثناء جلوسك مع ابنك للحوار :

أين تجلس معه ؟ المكان ، الهيئة ، لا تكن أنت واقفاً ، أو هو واقف ، اجلس معه وجهاً لوجه ، أو جنباً إلى جنب ، لكن أين تجلس في مكان مألوف ، مثلاً غرفة الجلوس فيها صخب ، الأولاد صغار يضحكون ، يتراكضون ، هذا الجو ليس جواً صالحاً للحوار ، اجلس معه في غرفته ، أو في غرفتك ، أو في غرفة خاصة ، لعله أراد أن يقول لك شيئاً ، لن يقوله أمام أمه ، لعله أراد أن يقول شيئاً لن يقوله أمام إخوته ، هيئ مكاناً على انفراد بينك وبينه ، دائماً وأبداً النصيحة من الأب على انفراد مقبولة ، النصيحة من الأب ولو مع التأديب على انفراد مقبولة ، أما أمام إخوته الإناث تثور كرامته ، أمام أصدقائه ، لا ، حاول أن يكون هذا اللقاء بينك وبينه ، وفي غرفة مريحة ، والوقت مفتوح ، وإذا أمكن أفضل مكان خارج البيت ، في مكان جميل ، في جلسة مريحة ، لا أقول نزهة لكن شبه نزهة ، أحياناً في مكان منضبط لا يوجد ولا مشكلة ، قد يكون مطعم مثلاً خذه ، يشعر له شأن كبير عندك ، هو غالٍ عليك ، أنت حريص على أن تجلس معه ، أنت لا تعلم كم هي الثمرة حينما تجلس مع ابنك ، ويعلم ابنك علم اليقين أنك مشغول ، وعندك مهمات ، لكن هناك عتب دائماً أنه : يا أبتِ أنت لنا ، عملياً الأب ليس لأولاده للغريب ، يتألمون ، ويعتبون ، نحن الأصل ، غيرنا أنت لهم وغيرك لهم ، أما نحن من لنا غيرك ؟ أنت تظن أنه أنا أمنت الطعام والشراب ، أمنت الكساء ، هذا شيء لابدّ منه ، لكن هناك حاجة عند الطفل ، أو عند الشاب إلى اهتمامك ، كيف أن الابن بحاجة إلى الغذاء هو بحاجة إلى عطف أبيه ، إلى اهتمام أبيه ، إلى مودة أبيه ، إلى وقت يجلسه مع أبيه ، دائماً تسبه وتلعنه ، دائماً تشهر به ، وبين أن يكون كظلك ، معك دائماً ، بخدمتك ، يدك اليمنى ، فرق كبير ، تتخذه صديقاً ولابدّ من جلسة حوار معه .
لابد من أن تجالسه على هيئة معينة ، وفي مكان مريح ، والوقت مفتوح ، ولابدّ من أن تجالسه في وقت ليس هو مشغول فيه .
أحياناً تُدعى إلى نزهة ، وعندك عمل مهم جداً ، لابدّ من أن تنجزه ، لن تسر بهذه النزهة ما دام في عمل ، حينما تختار وقتاً مناسباً ، مكاناً مناسباً ، هيئة مناسبة ، وقتاً مفتوحاً وتحاوره ، تكون قد قطعت معه مراحل كثيرة .

أسلوب الزجر والشتيمة والنقد من أخطر أساليب الحوار بين الآباء و الأبناء :

هناك ملاحظة أحياناً أعد أخاً في الصباح ، صباحاً الإنسان نشيط ، استيقظ من النوم جسمه نشيط ، أحياناً الموعد عقب يوم مليء بالمتاعب ، تجد ما عندك إمكانية أن تحاور ، ما عندك إمكانية أن تتابع الأمر متابعة دقيقة ، ما عندك إمكانية التركيز ، طبعاً الموضوع عام ، إن أردت أن تلتقي بإنسان ، والإنسان مهم طبق هذه الشروط نفسها ، الحوار له شروط .
أولاً :
(( علموا ولا تعنفوا )) .
[أخرجه البيهقي عن أبي هريرة ] .
أي أسلوب الزجر ، والشتيمة ، والنقد ، هذا مع الأسف الشديد أكثر الاتصالات الهاتفية تؤكد هذا الموقف من الأب ، ما عنده إلا السُباب ، ما عنده إلا التشدد ، ما عنده إلا اللوم ، ما عنده إلا الدعاء على أولاده ، البيت مكروه صار عند الابن ، تجد الابن دائماً خارج البيت مع أصدقائه ، لا يحتمل النقد ، والتعنيف ، والسُباب ، والتجريح ، إضعاف الثقة بالنفس ، من لم يعرف الله عز وجل يكن أسوأ أب .

بطولة الإنسان لا أن يكون محترماً من أولاده فقط بل أن يكون محبوباً عندهم أيضاً :

أخوانا الكرام ، هناك حقيقة سأقولها لكم ولكن مع التأكيد عليها ، ثقافة الشرق أوسطية إن صحّ التعبير ، الثقافة الإسلامية الآن محترمة ، لكن ما كل أب محترم محبوب أنا أخاطب الآباء أحياناً ، بطولتك أيها الأب لا أن تكون محترماً من أولادك ، أن تكون محبوباً عندهم ، فالحب يحتاج إلى بذل جهد ، يحتاج إلى وقت ، يحتاج إلى مال ، يحتاج إلى أن يرى هذا الشاب أن أباه شيء مهم جداً بالنسبة إليه .
انطلاقاً من هذه الحقيقة أقول لكم : العمل عبادة ، أنت حينما تتقن عملك ، وتكسب مالاً معقولاً ، وتنفقه على أولادك تشدهم إليك ، الأب الذي ينفق على أولاده بالمعقول محترم جداً و محبوب ، أولاده له ، أما مقصر في عمله مع التقصير يوجد دخل ضعيف ، مع الدخل الضعيف كل شيء طلبه ابني ما معي إياه ، دائماً ما معك ؟ يقول لك : لماذا أنجبتنا إذاً يوجد سؤال كبير .

العمل عبادة :

فأنا من هذا المنطلق أرى أن العمل عبادة ، أنت بالعمل الزوجة والأولاد إليك ، أجمل كلمة قالها صحابي جليل : حبذا المال أصون به عرضي ، وأتقرب به إلى ربي ، حينما أقول حبذا المال لا أقصد به البذخ ، لا أقصد الإتراف ، التبذير ، إطلاقاً ، لكن جاء الشتاء الابن عنده معطف ؟ عنده كومبيوتر صغير ؟ يوجد أشياء بسيطة مؤمنة ، حاجاته الأساسية مؤمنة ، إذاً الابن مشدود إلى أمه وأبيه ، إذاً لا تزجره .
(( علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف )) .
[أخرجه البيهقي عن أبي هريرة ] .
أنا أذكر مُدرسة قالت لطالبة عندها : أنت غبية ، هذه الكلمة سارت معها عشرين عاماً ، عقدتها ، يقسم بالله شاب ، أو طفل أصح ، دخل إلى المسجد وصلى بالصف الأول ، هم كانوا سبعة ، لكن الذي كان إلى جانب الطفل ما انتبه أنهم سبعة أشخاص ، فدفعه نحو الخلف ، هذا الطفل الذي دُفع نحو الخلف ترك المساجد لخمسة و خمسين سنة ، يقول : من هذا الدفع لم أتجه إلى المسجد ، طفل ، الأطفال أحباب الله .

أولادنا الورقة الرابحة الوحيدة في أيدينا :

والله أيها الأخوة ، أقول وقلبي يعتصر : لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادهم ، والأولاد يعني المستقبل ، لا تعنف ، لا تسب ، لا تزجر ، لا تضرب ، هذه كلها أساليب لا تجدي ، هذه الأساليب تجعل شرخاً كبيراً بينك وبين ابنك ، هذه الأساليب تجعل ابنك ينافق لك ، يقول لك ما يرضيك ، وله أفكار أخرى ، أما حينما يحبك يصارحك ، هكذا قال لي صديقي ، بابا ما قولك ؟ حينما تفلح أن يكون ابنك صديقك فأنت أب مثالي ، أحياناً يكون نبرة صوت حادة ، كلام لطيف ، كلام رقيق ، يعني الكلمة الطيبة صدقة ، الابتسامة صدقة ، أن تربت على كتفه شيء مسعد ، حديث لطيف مع ود ، الوقت مفتوح ، مرتاح أنت وهو ، هذا اللقاء قد يكون له آثار كبيرة جداً .

الله عز وجل أوامره مشفوعة بالتعليل فعلى كل أب أن يعطي ابنه الأمر مع التعليل احتراماً:

مثلاً هذا الإله العظيم الذي خلقنا له أن يأمرنا ، طبعاً ، أن يأمرنا وكفى ، من دون تعليق ، من دون تعليل ، من دون حكمة ، قال لنا :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ .
( سورة التوبة الآية : 103 ) .
إله ، يأتي الأمر مشفوعاً بالتعليل ، بالحكمة ، أراد أن يقنعك بهذا الأمر لا أن يأمرك .
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾ .
( سورة التوبة الآية : 103 ) .
مثل آخر :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ .
( سورة البقرة ) .
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾ .
( سورة العنكبوت الآية : 45 ) .
﴿ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ ، إله ، كن فيكون ، زل فيزول ، أعطاك الأمر ، أعطاك التعليل ، فإذا أنت كلما أمرت ابنك أمراً قل له يا بني هذا الأمر لصالحك ، من أجل مستقبلك ، من أجل مكانتك ، من أجل سمعتك ، من أجل نجاحك في العمل ، إله كن فيكون ، زل فيزول ، أعطانا الأمر مع التعليل ، فأنت من باب أولى أنت أب أن تعطي الأمر مع التعليل ، لأن التعليل احترام له .
أنا مرة كنت بمنصب قيادي ، مدير ثانوية ، عندي مئة و ثلاثة عشر مدرساً ، وعندي موجهون ، وعندي أمين سر ، وعندي ، فأجمع كل فئة على حدة ، أقول لهم : نحن جميعاً فريق عمل ، في موضوع ، في عندنا مشكلة ، ما الحلول عندكم ؟ إما أن أقنعكم بما عندي من حلّ ، أو أن تقنعوني ، هذا الحوار يعمل وداً ، يعمل تألقاً ، يعمل انتماءً ، يعمل تطبيقاً .

الشدة تعلم الأولاد النفاق و الكذب :

أخوانا الكرام ، هناك نقطة مهمة ، لما غلط ضربته ، أي خطأ جاءه الكف ، انتهى ، لا يأمنك أبداً ، بدأ يكذب عليك بكل شيء ، صار في موقفين ، أنت بشدتك علمته النفاق ، بشدتك علمته الكذب ، بشدتك علمته أن يكون هو بوادٍ وأنت في وادٍ ، أما بالود والحوار تجعله صديقك ، أنا أعرف أمهات كثيرات من قريباتي ، البنات صديقاتها ، ما الذي حدث في المدرسة يُبلغ للأم ، والأم توجه ، ماذا قيل لك ؟ أين ذهبت ؟ ما الذي حصل معك؟.
أيها الأخوة ، أنا أحياناً ألتقي بأخ كريم ، في ود بالغ ، في سلام بمنتهى الأدب ، في ابتسامة ، ومع ذلك يحضر عندي عشر سنوات أقول لا أعرفه ، لماذا لا أعرفه ؟ ما سمعت منه كلمة ، لما يتكلم أعرف مستوى وعيه ، مستوى إدراكه ، لغته ، نصوصه ، محاكمته ، مهما إنسان داوم بجامع لسنوات تلوى السنوات ما دام ما تكلم ما احتككت فيه ، أحياناً اُسأل عن أخ من أجل الزواج ، أقول والله لا أعرف شيئاً ، عندي من ثمان سنوات لكن ولا مرة زارني بالبيت ، ولا مرة جلست معه وحدثته ، ولا حدثني ، لا أعرف شيئاً عنه ، إلا أنه لطيف ، وسلامه حار ، ومبتسم فقط .

عدم معرفة طريقة التفكير عند ابنك و ملاحظته و لغته إلا عند محاورته :

عندما ابنك يحكي لك ، ترى لغته ، تفكيره ، قيمه ، مبادئه ، ما الشيء الذي لفت نظره ؟ لماذا حفظ هذه القصة ولم يحفظ تلك ؟ لما يحكي الابن تكشف كل شيء ، دائماً الابن يتلقى تعليمات منك ، وساكت ، تعليمات وساكت ، لا تعرف شيئاً عنه ، لما تعطيه مجال يحكي ، يشرح ، يبين ، يؤكد لك بعض الأشياء تنتبه أنت .
إذاً لن تعرف ابنك إلا إذا حاورته ، طريقة تفكيره ، ملاحظته ، ذاكرته ، لغته ، نصوصه ، مثلاً ممكن يكون موضوع الحوار مشكلة ، أحياناً يكون كلاماً مفتوحاً ، لا يوجد قاعدة ، لا يوجد محور ، لا يوجد بنود ، لقاء عفوي ، من قصة إلى قصة إلى قصة .
مرة قال لي أخ كريم : حضرت خطبة عند إنسان فتح 28 موضوعاً ، ما أغلق ولا واحد ، خواطر ، خواطر ، خواطر .

الحوار بين الأب و ابنه يقوم على النهوض بالابن و الاستماع إليه :

أحياناً اللقاء إذا لم يكن مُعَداً ، خواطر عشوائية ، أما لو فرضنا أنا جلست معه أحاوره في موضوع دراسته ، موضوع الدراسة ، هل هناك مواد صعبة عليك ؟ هل هناك مواد تحتاج إلى مدرس خاص ؟ أي مادة تعلقت بها ؟ تعرف أن هناك مواد تفوق بها ، مواد لم يتفوق بها ، أما أنه لا أعرف شيئاً عنه ، اجعل باللقاء موضوع واحد ، موضوع محدد ، أو في مشكلة في البيت التأخر مثلاً صباحاً ، كيف تعالج هذه المشكلة ؟ يعني دائماً المدرسة تشكو لأولياء الصغار تأخرهم عن المدرسة ، هذه مشكلة كيف تعالج ؟.
أنا أقدم لكم موضوعاً عن الحوار بشكل عام ، ممكن تحاور زوجتك ، أولادك أصدقاءك .
إذاً حبذا لو كان في موضوع محدد للحوار ، ودائماً الموضوع عرض المشكلة ، طرح حلول ، مناقشة هذه الحلول ، أو عرض البديل لهذه الحلول ، أحياناً هناك إنسان دون أن يشعر عنده رغبة بتصيد الأخطاء ، هذا نموذج موجود ، إذا الأب هدفه الأول يتصيد أخطاء أولاده هذه مشكلة كبيرة ، الحوار لا ينجح ، ممكن يغلط بكلمة ، ممكن يعطي رقماً غير صحيح ، أنت تناسى سبعة ثمانية أخطاء ، وحاسبه على واحدة ، أما هذه غلط ، هذه غلط ، قام أسكته ، انتهى ، أنا أقول : الحوار قضية أن أنهض به لا أن أحاسبه .

الإصغاء للآخر بطولة وذكاء وأخلاق عالية :

سيد الخلق وحبيب الحق ، هذا الإنسان العظيم كان مستمعاً من الطراز الأول ، أكثر الأشخاص المثقفين اللسان طليق ، لكن بطولتك كإنسان أن تتقن فن الاستماع ، وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ، ولعله أدرى به ، كان عليه الصلاة والسلام حينما يأتي إلى البيت قد تحدثه السيدة عائشة حديثاً طويلاً ، مرة حدثته عن أبي زرع وأم زرع ، قصة طويلة ، ووقت طويل استغرق لروايتها ، وهو يصغي لها ، حدثته عن شجاعته ، وعن كرمه ، وعن محبته لزوجته ، ثم إنها في النهاية قالت له : غير أنه طلقها ، النبي علق على هذه القصة قال : وأنا كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك .
أنت قد تكون عالماً كبيراً ، مثقفاً ثقافة واسعة ، الإصغاء للآخر بطولة وذكاء وأخلاق عالية .

آداب الحوار :

إذاً ابتعد عن تصيد الأخطاء ، وابتعد عن المقاطعة ، كن مستمعاً لبقاً له ، أحياناً أخطأت ، ارتكبت خطأ كبيراً ، أنا أسأله ما قولك بهذا العمل يا بني ؟ هل تعتقد أنه صواب أم خطأ ؟ اجعله هو ينطق أنه خطأ ، القصة كلها ممن يملي على الآخرين ، أو ممن يحاورهم ليصل معهم إلى النتائج ، يوجد بالقرآن أساليب كثيرة ، فيها حوار مع الطرف الآخر كي يوصلهم ربهم إلى نتيجة كان من الممكن أن تفرض عليهم ، هذه القواعد في الحوار تصلح مع كل الأطراف ، مع زوجتك ، حتى مع رئيسك في الدائرة ، عود نفسك النفس الطويل بالحوار.
أحياناً في نظر حاد ، وفي نظر لطيف ، لا تشد نظرك إلى الآخر ، نظر رفيق ، أحياناً العين تنتقل يمنة ويسرة ، علواً ، وسفلاً ، أما أحياناً التحديق المستمر بشخص هذا شيء يبتعد عن اللباقة في اللقاء ، يجب أن يشعر وأنت تحاوره أنه في أمان ، وأنه بالإمكان أن يدلي بآرائه ، ولو أنها لا تعجبك ، يعني أحياناً في مدرس ديانة في سؤال من طالب ما عنده جواب له ، لكن محرج مثلاً ، يصب عليه نقمته ، وغضبه ، ويتهمه بالكفر ؟ لا .
قال له : ائذن لي بالزنا (والله لا يوجد أوقح من هذا السؤال) شاب قال للنبي الكريم ائذن لي بالزنا ، الصحابة ضجروا ، قال لهم : دعوه ، تعال يا عبد الله ، اقترب اِقترب ، قال له : أتحبه لأمك ؟ قال : لا ، قال : ولا الناس يحبونهم لأمهاتهم ، لأختك ؟ لخالتك ؟ لعمتك ؟ لابنتك ؟ يقول هذا الشاب : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وما من شيء أحب إليّ من الزنا ، وخرجت من عنده وما من شيء أبغض إلي من الزنا .
هذا حوار أيضاً .

تنمية الفكر عند الأبناء و تعليمهم الانضباط :

لو أن هناك مشكلة لها مجموعة طرق (حلول عديدة) ، حاول أن تعينه أن يميز بين الحلول ، ما قولك في الحل الأول ؟ الثاني ؟ الثالث ؟ أيهما أفضل ؟ أنت تنمي له فكره ، تعلمه أنه قد يكون للمشكلة حلّ ، وقد يكون لها أكثر من حل ، فالآن المهمة أن توازن بين الحلول ، هذا أيضاً شيء مهم في الحوار .
هناك ثانوية ، في بكل صف قائمة بالأخطاء المألوفة ، التأخر ، عدم إحضار الكتاب ، التكلم من دون إذن فرضاً ......، فكل خطأ إلى جانبه رقم 10 ، وباليسار التفوق ، حصل على علامة تامة بمادة الرياضيات مثلاً ، مذاكرته الشفهية كانت بعلامة تامة ، إلى جانب هذا البند 20 ، ففي بطاقة فيها مئة نقطة فكلما أصاب يضاف إلى هذه النقط نقاط ، وكلما أخطأ يحذف منها نقاط ، فتجد الانضباط بهذه المدرسة شيء لا يصدق ، أن هذه البطاقة في آخر العام جمع ألف نقطة ، أو ألفي نقطة ، يستطيع أن يأخذ مقابل الألفي نقطة كومبيوتر محمول ، صار الخطأ محسوب ، الخطأ يخسره نقاطاً ، والصواب يضيف له نقاطاً ، في أساليب لا تضطر تضرب ، ولا تزعج صوتك ، ولا تبلغ أهله .

التربية علم قائم بذاته :

دائماً التربية علم قائم بذاته ، التربية علم ، حبذا لو أتقن الآباء والأمهات قواعد التربية ، تجد البيت انتظم بلطف ، وبلا صخب ، وبلا ضجيج ، وبلا رفع أصوات ، في بيوت فيها اضطراب شديد ، في بيوت من حكمة الأب والأم وإتقانهما لقواعد التربية تجد البيت الحركة فيه تتم بسلاسة .
بعد ذلك دائماً وأبداً إذا كل عمل مكافأة ، وكل عمل سيء له ثمن ، لا أقول ضرباً لكن هناك ثمن ، مادام الأعمال مقيّمة ومبرمجة ، مكافآت ، وفي عمل آخر له عقوبات ، صار في انضباط ، إذا أنت مدرس أعطيت وظيفة تفقدت من كتب أو من لم يكتب ، اليوم الثالث لا أحد يكتب الوظيفة ، ما دام في متابعة ، عود نفسك المتابعة ، إذا ابنك وعدك بشيء سجلها عندك ، بعد يومين هل فعلت هذا ؟ أبي لا ينسى ، إذا وعدك بشيء سجله عندك ، حاول أن تتابع الأمر ، المتابعة جزء من التربية ، بنهاية الحوار وعدك بشيء ، أنت نسيت تسأله أول مرة نسيت تسأله ، والمرة الثانية نسيت تسأله ، يقول أبي لا يتذكر شيء ، التغى الحوار ، إذا اتفقت مع ابنك على خطوة يفعلها وسجلتها عندك ، وبعد يومين طالبته بها على عدة مرات يقول لك : أبي لا ينسى أبداً ، هذه نقطة مهمة تعينك بعملك مع الموظفين ، مع أي إنسان لو تعطي أمراً ولا تتابعه تلتغى مكانة أمرك كلياً .

الأب العاقل يعطي ابنه فرصة ثانية إذا أخطأ ليعود إلى الصواب و يترك الخطأ :

أحياناً يكون العقاب أن تحرمه من شيء تحبه كثيراً ، يعني في نزهة يوم الجمعة فرضاً ، فإذا في خطأ تقول له أنت محروم من النزهة ، ليس هناك داعٍ للتعنيف ، الشيء المحبب له ممكن أن يكون وسيلة لتأديبه ، له مبلغ كل يوم ، إذا أخطأ ، ليس هناك داع لأن تضربه ، أو ترفع صوتك ، اليوم القادم ما في مبلغ مقابل الخطأ الذي ارتكبته ، أصبح الخطأ له ثمن ، الأب الناجح يعطي فرصة لابنه أن يتوب ، فإذا تاب كأنه لم يفعل هذا الذنب إطلاقاً ، عندما يشعر الابن أن كل خطأ ارتكبه وتركه انتهى لم يعد يحاسب عليه سيشعر بالراحة .
أعطِ فرصة للتائب أن يتوب ، بلغني ببعض البلاد المتقدمة طبعاً مادياً ، لكل مواطن صحيفة اجتماعية ، فإذا أخطأ ولو مخالفة سير تسجل ، إذا مضى سنتان دون أن تكرر تمحى المخالفة آلياً .
أعطِ فرصة لابنك إذا أخطأ أعطيه فرصة ، يقول لك : أنا لم أعد أعيدها ، وإذا ما عادها ارجع معه تماماً كما كنت من قبل ، هذه نقطة مهمة جداً ، في مجتمعات لا ترحم إذا إنسان أخطأ هذا الخطأ دائماً يُذكر به ، أما إذا في خطأ وفي عودة إلى الصواب ينبغي ألا يذكره بخطئه إطلاقاً .
أحياناً الأب يدعو لأولاده ، الله يوفقك يا بني ، إن شاء الله أراك في المستقبل من ألمع الأشخاص ، كلمات لها أثر كبير ، أنت لن تصبح إنساناً ، كل يوم ، كل يوم ، يتحطم يكون الابن ذكياً لكن الأب عصبي ، كل كلمتين أنت مالك مصير ، بعد ذلك سيصدق .

من زاد في تعنيف ابنه أضعف ثقته بنفسه :

الآن نحن كمسلمين من كثرة ما قالوا عنا إرهابيين ، إرهابيين ، صدقنا ، اتهامات يومية ، صار الواحد يشك بنفسه ، كمثل ، لكن مثل كبير جداً .
فكلما كان تعنيفك للابن كثيراً ، أضعفت ثقته بنفسه ، أنا أحياناً أجد طالباً ضعيفاً في مادة ، أنا أعطيه سؤالاً سهلاً جداً ، يجيب عنه إجابة تامة أثني عليه ، هذا الثناء يعمل له معنوية عالية ، رأساً يذهب للبيت يكتب الوظيفة ، يحاول أن يتابع ، فإذا وجدت من ابنك تفوقاً بسيطاً أثني عليه ، وتكلم لأمه أمامه ، اليوم هكذا فعل فلان ، لأخوته ، دعه يشعر أنه تفوق ، هناك شخص همه أن يحطم أولاده عن غير قصد ، لكن تربية سيئة جداً يحطمهم ، يحطمهم ، أنا أرى أن الابن قدم شيئاً جيداً أثني عليه ، وأذكر هذا الشيء مرات عديدة لأخوته ، لأقاربه ، جاء أقرباؤه ذكر لهم هذا الشيء ، فيشعر بالاعتزاز .
الحقيقة التربية فن ، والتربية بطولة ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن نطبق هذا الموضوع في الحوار مع من نحب .
والآن الحديث في العالم كله عن الحوار ، والأولى الحوار مع الأولاد ، مع الزوجة ، مع الأقارب ، مع الأصحاب .
والحمد لله رب العالمين

long race
long race
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1087
نقاط التميز : 2208
الجنس : ذكر
العمر : 26
الأبراج : العقرب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: الحوار بين الأب وابنه

مُساهمة من طرف Derraz Boujemaa الأربعاء ديسمبر 19, 2018 9:43 pm


بارك الله فيك وجزاك خيرا




التوقيع

_________________
 الحوار بين الأب وابنه 13352848165
Derraz Boujemaa
Derraz Boujemaa
مؤسس ستار ديس

تاريخ التسجيل : 20/08/2018
المساهمات : 5189
نقاط التميز : 9415
الجنس : ذكر

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى