من اللاكفايات إلى الكفايات

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

من اللاكفايات إلى الكفايات

مُساهمة من طرف ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ الثلاثاء فبراير 25, 2020 5:44 am


من اللاكفايات إلى الكفايات

الناظر في الكفايات المدرجة في كتب عشرية الإصلاح كترجمة للبناء النظري لها الوارد في الكتاب الأبيض، وكتنزيل لها في واقع المنظومة التربوية والتكوينية المغربية، يلمس بما ليس فيه شك أن أغلبها يعبر عن اللاكفايات، وينحو نحو الأهداف الإجرائية أو أي مسمى آخر غير مسمى الكفايات! وبالتالي دعت الضرورة الاستعجالية تصحيح المسار وتسريعه في نطاق البرنامج الاستعجالي. وبالتالي وضع اليد عن الاختلالات الواقعة في هذا المعطى الإصلاحي.

ومن جملة الاختلالات المسجلة هنا يمكن إيراد الأمثلة التالية:

ـ المنظور النظري للكفايات في ظل عشرية الإصلاح لم يستوعب جيدا المدخل النظري للمقاربة بالكفايات، ومن ثمة نجد تضاربا كبيرا بين المتناولين لهذه المقاربة! وهو مدخل مطنب بمجموعة من الآراء المختلفة بل والمتضاربة. ولا يعود هذا التضارب إلى زوايا اشتغال المنظرين الأصليين على هذه المقاربة بقدر ما يعود إلى تضارب نقلها من الفكر الغربي إلى الفكر العربي والمغربي على الخصوص. كل كما يفهمها عن الأصل، حتى أَلْبَسَهَا البعض الغموض والضبابية في الفهم والتطبيق. ومنهم من سعى أن يتخذ من بضاعته معيشه اليومي الذي يرتزق عليه في غياب ثقافة عامة نقدية تميز بين الغث والسمين! على حساب الصالح العام لأبناء الأمة...

ـ الالتباس الحاصل على المستوى النظري في فهم المقاربة بالكفايات انعكس في الميدان الواقعي للكتب المدرسية؛ حيث أصبح كل كتاب يستقي فهمه الخاص لأجرأة الكفايات من مرجعيته النظرية ـ إن كانت هناك مرجعية واضحة ؟ ـ مما أربك الأداء الصفي المدرسي. فوجدت هيأة التدريس نفسها في ممارسة ميدانية لا تعرف البداية من النهاية في تطبيق ما جاء في الكتب المدرسية، بل وضعت يدها على اختلالات كبرى فيها. ولعل طرح جملة من الأسئلة في هذه الحيثية تفصح عن حقيقة ملاحظة هذا الالتباس. وعلى سبيل المثال الدال على هذا الالتباس، أورد ما جاء في بعض الكتب المدرسية كمثال على مفهوم الكفاية المضبب والغامض والمتناقض، حيث يقول:

* أحد الكتب بالحرف الواحد: ( تتمثل الكفاية في دمج معارف مختلفة، وغير متجانسة من أجل تحقيق أنشطة متعددة. إنها نسق ونظام متماسك يربط بشكل توليفي عناصر متنوعة ) . فهذا المفهوم يتضارب مع مفهوم الكفاية في بنيتها الداخلية، من حيث اقتصر هنا الكتاب على المعارف المختلفة فقط، والكفاية أوسع من المعارف! ويناقض مضمون لفظ " العناصر المتنوعة " التي قد تكون معرفة أو غيرها! كما أنه مفهوم الكفاية هنا؛ يتساوق وإن لم نقل يتطابق مع مفهوم الإدماج، لأنه يعتبر الكفاية هي دمج، وهي غير ذلك. لأن الدمج مطلب فعلي من مطالبها الوظيفية. كما أن الدمج يقتضي العجن بين المكونات الأولية لإنتاج مكون نهائي يختلف عن عناصره الأولية. وهو ما لا يحمله لفظ " التوليف " الذي يعني في معناه النووي " التتابع والتركيب " وبذلك يحمل هذا التأليف اللغوي لمفهوم الكفاية تناقضا في ذاته. فكيف له أن يحدد مفهوم الكفاية؟! وبالتالي سيختلط على المدرس مفهوم الكفاية بمفهوم الإدماج في الحد الأدنى أو يحيله على الأهداف الإجرائية المعرفية.

والتعريف هنا يركب مستويين مختلفين في منطوق واحد. حيث يركب مستوى الفعل بمستوى البنية ليخرج بجنين مفهومي مشوه. فالدمج والربط مستوى فعل يظهر في ممارسة الكفاية وبذلك فهما نتاج الكفاية وليس الكفاية. وأما النسق والنظام مستوى بنية اقتصر مرة على المعارف فقط ووسع مرة أخرى بعناصر مختلفة. وبنية الكفاية تتحدد بمجموع مواردها في منطوقها التقني، وفي مكتسبات الإنسان في منطوقها العام.

* وأما ثاني هذه الكتب فيحدد مفهوم الكفاية بقوله: ( نظام من المعارف المفاهيمية والإجرائية، التي تكون منتظمة تجعل الفرد قادرا على الفعل عندما يكون في وضعية معينة، أو إنجاز مهمة من المهام، أو حل مشكل من المشاكل ... فالكفاية مجموع قدرات وأنشطة ومهارات مركبة تتعلق بقدرة أو بنظام داخلي تجسمه الأنشطة والإنجازات. وهذا يعني أن الكفاية في مفهومها التربوي العام استعداد يمتلكه المتعلم لتوظيف ما سبق له أن اكتسبه ـ في سياقات تعلمية ـ من معارف فكرية ومهارات حركية ومواقف سلوكية، توظيفا ملائما وناجحا في سياقات جديدة، تتطلب منه إيجاد حل لمشكلة أو تجاوز وضعية معينة، إنها قدرة عامة مركبة يستبطنها المتعلم، لكنها تفصح عن وجودها من خلال توافقه وتكيفه مع وضعيات إشكالية حقيقية، تختلف عن وضعيات التعلم التي عادة ما تكون وضعيات مفتعلة ) . وهذا التعريف جرى بالكفاية مجرى الأداء لا الكينونة، واقتصر فيها على المفاهيم والإجراءات وبذلك كانت أداة فعل! ليتضارب مع التعريف الثاني الذي شكل فيه الكفاية بمجموع قدرات وأنشطة ومهارات مركبة... ولتصبح في الأخير قدرة عامة مستبطنة في المتعلم. وهذا التضارب من المفاهيم والقدرات والأنشطة والقدرة العامة يؤثر على فهم الكفاية بل يلبس مفهومها ويغمضه، ويحيلها على الهلامية لا يمسك بها!

ـ الخلط بين الأهداف والكفايات نتيجة الضبابية في فهم الكفاية، أدى إلى غلط في تحديد وتنزيل الكفايات في الكتب المدرسية. فمثلا:الكفايات الصرفية التي حددها كتاب للمتعلم بصياغة: ( أن يكون المتعلم قادرا على تعرف وتمييز وتحويل الاسم من الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث والتعريف والتنكير ) هي عينها صياغة الهدف الإجرائي بل هو ذاته الهدف الإجرائي بصورة مشوهة غير منضبطة لقواعد الهدف الإجرائي! كما أن كتاب حدد الكفايات النوعية في جمل لا تعبر عن الكفاية مثل: ( حسن الإنصات إلى القرآن الكريم، وإجلاله والتعلق به ) وهي هدف نوعي لا يرتبط بالكفاية إلا مقحما ومرغما!

ـ عدم إجراء تكوين في المقاربة بالكفايات قبل طرحها مدخلا ديداكتيكيا في المنظومة التربوية والتكوينية بدل مدخل الأهداف، حال دون تعميق الفهم وتوحيد المنطلق والرؤية والإجراءات والأداء والكفايات. الشيء الذي ولد تشويشا على الفاعلين التربويين المباشرين في الميدان. فالتبس مشهد الكفايات عليهم. فالمستوى النظري مثلا في تصنيف الكفايات يذهب مذهبا غير مذهب الكتاب الأبيض في التصنيف. والمستوى العملي التطبيقي يورد كفايات تحت مسميات مختلفة. فيورد الهدف في مكان الكفاية. والكفاية الممتدة في مكان الكفاية النوعية وهكذا. الشيء الذي أدى إلى تضارب وجهات نظر الفاعلين التربويين في الميدان، كل يسوق ما يريد بدعوى الاتصال بالكفاية، حتى أصبح التأليف في موضوع الكفاية سهلا وبسيطا. ووجدنا أكثر من عنوان يتكلم باسم الكفاية وهو لا يفقه في الكفاية شيئا؟!

ـ غياب تحديد إجرائي وزاري للكفاية أعاق استنبات الكفاية في البرامج من خلال الكتب المدرسية، وترك الساحة غائمة تمطر آراء متناقضة. حتى سمعت في ندوة شاركت فيها من رائد تربوي مغربي متهافت على كتبه المترجمة قولا لا يستسيغه سوى تجار الكتب، وهو قول مردود عليه، ليس هذا مكان التفصيل في ذلك. إذ قال: " اترك مصطلح الكفاية غير محدد من الوزارة إجرائيا، واتركه مضببا، حيث سيتضح لاحقا مع مرور الأيام. فالوزارة غير معنية بتحديد المصطلح ". قول لبيع الكتب لا لتأسيس فكر تربوي أصيل. والمناسبة شرط على حد الفقهاء، وقد أتت الوزارة بخبيرها لكي يحدد لها المفهوم والإجراءات والأنشطة والأداء والتقويم. فهل ينبري خبيرنا المغربي ليقول لها ما قال في ندوته؟! أليس كان من الأجدر آنذاك تحديد مصطلح الكفاية من قبل الوزارة، والحؤول دون تضييع عشرية كاملة في ضبابية المفهوم وما بني عليه؟.

من خلال هذا الالتباس النظري والعملي وعت الوزارة ضرورة مراجعة موقفها من مسار عشرية الإصلاح، التي أكدت التقارير الدولية والمجلس الأعلى للتعليم تعثرها إن لم نقل فشلها في إحداث التغيير المطلوب في المنظومة التربوية والتكوينية المغربية، التي هللت لها منتديات الإصلاح وفق زئبقية الدجل المغربي في تزييف الوعي التعليمي عبر جرعة السياسي المخدوم بجمهرة الحلقة ورواد الأضرحة! فاتخذت إلى إصلاح الإصلاح برنامجا استعجاليا يعجل وثيرة الإصلاح! وبذلك يكون الاستعجال مناقضا لسنن الكون في استحضار الزمن، ومراعاته في التخطيط والتنفيذ والتدبير!؟ ومن الاستعجال جاء تسريع التجريب والإحلال والحلول في المكان المناسب والزمن المغدور لخبير هو أقرب للغرب من المغرب. لا يفقه تفاصيل الفكر المغربي ولا سنن المجتمع ولا قواعد اللعبة ولا فقه السياسة. همه سياسة الثراء وفقه النزل. من ورائه طبول ومزامير وتهليل وجوقة نقضت ما نسج بفكره في الميدان، ففرخت كتاكيت الوضعيات نسخا طبق الأصل! وما علينا سوى بالإدماج حتى تفك طلاسم السحر، وعقد المتعلم وينطلق عقله وتفعل يده وتتشبع سريرته بقيم النبل والفضل، فيصبح قادر على الفعل والقول والسلوك! فهيا بنا إلى الوصفة لعلنا نستوعب سرها ونفقه كنهها.

ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ
ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ
نجم ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 3052
نقاط التميز : 5482
الجنس : انثى
العمر : 24
الأبراج : السرطان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: من اللاكفايات إلى الكفايات

مُساهمة من طرف نجمة الكون الأربعاء فبراير 26, 2020 12:03 am


بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي انتظار جديدك الأروع والمميز

نجمة الكون
نجمة الكون
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1437
نقاط التميز : 2154
الجنس : انثى
العمر : 29
الأبراج : العذراء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى