وقفة مع آية من كتاب الله (10)
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
وقفة مع آية من كتاب الله (10)
وقفة مع آية من كتاب الله (10)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
قال تعالى: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾
ذهب طائفة من العلماء منهم الماوردي والغزالي: إلى أن القسم لم يكن واجباً عليه لقوله تعالى: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾ [1] أي تبعد من تشاء فلا تقسم لها، وتقرب من تشاء فتقسم لها.
ونقل ابن الجوزي عن أكثر العلماء أن الآية نزلت مبيحة ترك ذلك. وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الساعة الواحدة، كما أخرجه البخاري من حديث أنس[2] وذلك ينافي وجوبه عليه[3].
وذهب فريق آخر: إلى أنه واجب لأنه صلى الله عليه وسلم كان يطاف به في مرضه على نسائه حتى حللنه. وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له[4].
والواقع: أن في هذه المسألة رأيان، ومحور الموضوع يدور على تفسير الآية الكريمة:
قال ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية:
روى الإمام أحمد بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغير من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألا تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾ الآية، قالت إني أرى ربك يسارع لك في هواك.
وأخرجه البخاري عن هشام بن عروة[5]..فدل على أن المراد بقوله ﴿ تُرْجِي ﴾ أي تؤخر ﴿ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ ﴾ أي من الواهبات ﴿ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾ أي من شئت قبلتها ومن شئت رددتها، ومن رددتها أنت فيها أيضاً بالخيار بعد ذلك.
وقال آخرون: بل المراد بالآية بقوله: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ ﴾ أي من أزواجك، لا حرج عليك أن تترك القسم لهن، فتقدم من شئت، وتؤخر من شئت.
ذهب إلى هذا ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبو رزين وغيرهم.
ومع هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لهن.
ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن القسم واجباً عليه صلى الله عليه وسلم واحتجوا بهذه الآية الكريمة.
وأخرج البخاري عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن في يوم المرأةِ منا، بعد أن أنزلت هذه الآية: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ ﴾ فقلت لها: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول له: إن كانت ذاك إلي. فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثر عليك أحداً[6].
هذا الحديث يدل على أن المراد من ذلك عدم وجود القسم، وحديثها الأول يقتضي أن الآية نزلت في الواهبات.
ومن هاهنا اختار ابن جرير: أن الآية عامة في الواهبات وفي النساء اللاتي عنده، أنه مخير فيهن، إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم.
وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي، وفيه جمع بين الأحاديث ولهذا قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ ﴾ أي إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم.. اهـ ابن كثير.
نخلص من هذا إلى أن القول بأن القسم لم يكن واجباً عليه بعد نزول الآية المذكورة، هو القول المقدم، ولا يعارض ذلك التزامه صلى الله عليه وسلم بالقسم حتى آخر حياته. فقد كان ذلك مباحاً له، ولكنه لم يعمل به.
وبغير القول بخصوصية الإباحة لا يمكن الجمع بين النصوص.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الالوكــــة
[1] سورة الأحزاب، الآية (51).
[2] أخرجه البخاري برقم (5215).
[3] غاية السول ص 207.
[4] أخرجه البخاري برقم (5217).
[5] متفق عليه (خ 4788، م 1464).
[6] متفق عليه (خ 4789، م 1476)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
قال تعالى: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾
ذهب طائفة من العلماء منهم الماوردي والغزالي: إلى أن القسم لم يكن واجباً عليه لقوله تعالى: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾ [1] أي تبعد من تشاء فلا تقسم لها، وتقرب من تشاء فتقسم لها.
ونقل ابن الجوزي عن أكثر العلماء أن الآية نزلت مبيحة ترك ذلك. وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الساعة الواحدة، كما أخرجه البخاري من حديث أنس[2] وذلك ينافي وجوبه عليه[3].
وذهب فريق آخر: إلى أنه واجب لأنه صلى الله عليه وسلم كان يطاف به في مرضه على نسائه حتى حللنه. وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له[4].
والواقع: أن في هذه المسألة رأيان، ومحور الموضوع يدور على تفسير الآية الكريمة:
قال ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية:
روى الإمام أحمد بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغير من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألا تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾ الآية، قالت إني أرى ربك يسارع لك في هواك.
وأخرجه البخاري عن هشام بن عروة[5]..فدل على أن المراد بقوله ﴿ تُرْجِي ﴾ أي تؤخر ﴿ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ ﴾ أي من الواهبات ﴿ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾ أي من شئت قبلتها ومن شئت رددتها، ومن رددتها أنت فيها أيضاً بالخيار بعد ذلك.
وقال آخرون: بل المراد بالآية بقوله: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ ﴾ أي من أزواجك، لا حرج عليك أن تترك القسم لهن، فتقدم من شئت، وتؤخر من شئت.
ذهب إلى هذا ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبو رزين وغيرهم.
ومع هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لهن.
ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن القسم واجباً عليه صلى الله عليه وسلم واحتجوا بهذه الآية الكريمة.
وأخرج البخاري عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن في يوم المرأةِ منا، بعد أن أنزلت هذه الآية: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ ﴾ فقلت لها: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول له: إن كانت ذاك إلي. فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثر عليك أحداً[6].
هذا الحديث يدل على أن المراد من ذلك عدم وجود القسم، وحديثها الأول يقتضي أن الآية نزلت في الواهبات.
ومن هاهنا اختار ابن جرير: أن الآية عامة في الواهبات وفي النساء اللاتي عنده، أنه مخير فيهن، إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم.
وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي، وفيه جمع بين الأحاديث ولهذا قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ ﴾ أي إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم.. اهـ ابن كثير.
نخلص من هذا إلى أن القول بأن القسم لم يكن واجباً عليه بعد نزول الآية المذكورة، هو القول المقدم، ولا يعارض ذلك التزامه صلى الله عليه وسلم بالقسم حتى آخر حياته. فقد كان ذلك مباحاً له، ولكنه لم يعمل به.
وبغير القول بخصوصية الإباحة لا يمكن الجمع بين النصوص.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الالوكــــة
[1] سورة الأحزاب، الآية (51).
[2] أخرجه البخاري برقم (5215).
[3] غاية السول ص 207.
[4] أخرجه البخاري برقم (5217).
[5] متفق عليه (خ 4788، م 1464).
[6] متفق عليه (خ 4789، م 1476)
ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ- نجم ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 3052نقاط التميز : 5482الجنس :العمر : 24الأبراج :
رد: وقفة مع آية من كتاب الله (10)
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه للمنتدى
New Post- مديرة ستار ديس
- تاريخ التسجيل : 24/08/2018المساهمات : 4133نقاط التميز : 6472الجنس :العمر : 24الأبراج :
رد: وقفة مع آية من كتاب الله (10)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك
جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك
أميرة المنتدى- مراقبة الإسلام والأسرة
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 2137نقاط التميز : 3813الجنس :العمر : 23الأبراج :
رد: وقفة مع آية من كتاب الله (10)
مشكور على الموضوع الرائع
اتمنى لك المزيد من التالق والتميز
في سماء منتدانا الغالي
تقبل اجمل وارق التحيات
اتمنى لك المزيد من التالق والتميز
في سماء منتدانا الغالي
تقبل اجمل وارق التحيات
الإمبراطور- مراقب الرياضة العالمية
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 3647نقاط التميز : 8215الجنس :العمر : 30الأبراج :
رد: وقفة مع آية من كتاب الله (10)
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
موضوع قيم ومميز
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى
تقبل تحياتي
موضوع قيم ومميز
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى
تقبل تحياتي
Nabil LacRiM- مراقب الكمبيوتر والانترنت
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 2639نقاط التميز : 4581الجنس :العمر : 28الأبراج :
رد: وقفة مع آية من كتاب الله (10)
مزيدا من البذل والعطاء
بارك الله فيكم جميعا وجزاكم الله خير الجزاء
تحياتي وتقديري للجميع
دمتم بألف خير
بارك الله فيكم جميعا وجزاكم الله خير الجزاء
تحياتي وتقديري للجميع
دمتم بألف خير
شموخ القوافي- عضو ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 1461نقاط التميز : 1687الجنس :العمر : 32الأبراج :
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى