النسوية والحقوق السياسية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

النسوية والحقوق السياسية

مُساهمة من طرف long race الخميس يناير 16, 2020 3:10 am


 النسوية والحقوق السياسية N4hr_1543443170142
النسوية والحقوق السياسية

يذكر سيّد علي العوامي في كتابه “الحركة الوطنيّة السعوديّة” أن مجموعة من أهل القطيف رفعوا طلباً للملك سعود في نهاية الخمسينات لفتح مدرسة للبنات. استدعي هؤلاء لاحقاً من قبل الشرطة وأبلغوا بردّ الديوان الملكي وهو “البنت تتعلّم في بيتها، والمدرسة أول خطوة في طريق الفساد.”، وجرى توقيعهم على تسلّمهم الردّ، لكنهم لم يستسلموا وأرسلوا خطاباً للملك يوضّح فوائد التعليم، فتم ّتجاهله. بعد هذه الحادثة بسنتين، أصدر ولي العهد الأمير فيصل قراراً بفتح مدارس البنات في المملكة.

لم تكن قضية تعليم الفتيات فريدة من نوعها، فمن القضايا النسويّة كقيادة المرأة وحقها في التصويت والترشّح في الانتخابات البلديّة ونزع الوصاية عنها إلى قضايا أعمّ كوضع دستور وانتخاب برلمان ورئيس وزراء غالباً ما يسبق الحراك المجتمعي الإجراء الحكومي.

لم تكتفِ الرواية الحكوميّة بعكس ذلك وإيعاز تخلّف المجتمع للمجتمع فقط، بل استخدمت بعض فئات المجتمع لإقناع العالم بذلك، سأتكلم في هذا المقال عن إحدى هذه الفئات وهي النسويّات.

في ظلّ ملكيّة مطلقة تنعدم فيها المشاركة السياسيّة تتحمّل السلطة المسؤوليّة تجاه الاضطهاد الممارس على المرأة، بالرغم من ذلك نجحت الحكومة بإقناع النسويّات بأنها حليفتهم عبر تكوينها ما سمّته پيغي ماكنتوش “نظام امتيازات” (Privilege System)، وتحويلها ما يجب أن تكون حقوقاً للجميع إلى ميزات تمنح للبعض من “المواطنين الصالحين”.

اتخذت السلطة عدّة خطوات لتظهر بمظهر الدولة التقدميّة التي تواجه شعباً رجعيّاً، ولتحرص على إظهار منزلتها الأبويّة قامت بتعيين النساء في مجلس الشورى مثلاً. وبالرغم من أن هؤلاء النساء تمّ تعيينهم من قبل الدولة ولم ينتخبهم الشعب، وبالرغم من أن مجلس الشورى لا يملك أي سلطة فعلية، لكن السلطة نجحت في الحصول على ما أرادت من ثناء وعرفان النسويّات والمجتمع الدولي حيث أثنت حوالي ٨٠ دولة على هذه الخطوة في جلسة مجلس حقوق الإنسان الذي عقد في ٢١ أكتوبر. وبقي سؤال أمل زاهد “ليس السؤال ماذا ستنجز المرأة في مجلس الشورى، ولكن السؤال ماذا أنجز الرجل فيه من قبل؟” معّلقاً.

أصبح النسويّات يطالبن بإخراج المرأة من وصاية والدها أو زوجها إلى وصاية الدولة عبر مناشدة الدولة-الأب مساعدتهن وتحريرهن من تسلّط الرجل و”المطاوعة” والمجتمع، متجاهلات بذلك أن التشدّد الديني ومعاملة المرأة كقاصر تتحمل الدولة مسؤولية ترسيخهما في القانون ونشرهما عبر التعليم والإعلام ومنابر الجمعة، ومتجاهلات أيضاً أن الصراع يجب أن يكون ضد نظام الوصاية ككل وليس هويّة الوصي.

ولأن نظام الدولة قائم على منح الامتيازات، ابتعدت النسويّات عن المشاركة في النشاط الإصلاحي، وفصلن قضاياهن عنه -بل وحاربنه أحياناً- خوفاً من التغيير الذي قد يؤدي لفقد هذه الامتيازات، واكتفين بمناشدة الدولة أن تساويهن مع الرجل، غافلات أو متغافلات عن كونه مُضطهَداً هو الآخر ومحروماً من المواطنة الحقّة. وهو خطاب يخدم الحكومة لأنه يتحرك في إطار النظام الحالي ويقدّس قانونه و”يعارضه” عبر الوسائل المتاحة من قبل هذا النظام فقط، رافضاً “ليّ ذراعه”.

لكن حملة ٢٦ أكتوبر المطالبة بقيادة المرأة للسيارة غيرت المعادلة قليلاً، وعرّت كذبتين رئيسيتين ترتكز عليهما بروباغاندا الدولة، أولها تصريحات مسؤولي الدولة خلال السنوات الأخيرة عن كون قضية قيادة المرأة عائدة للمجتمع وأن السلطة ستدعم خياره -وكأن هناك معياراً لقياس قابلية المجتمع لقيادة المرأة!- كما أطلق بعض المسؤولين، كوزير العدل، تصريحات جديدة تؤيد -ولو ضمنياً- قيادة المرأة تم نشرها والتذكير بها مراراً بالتزامن مع الدعوات لحملة ٢٦ أكتوبر، وثانيها تقدمية الدولة في مقابل رجعية المجتمع.

بينما دعت حملة ٢٦ أكتوبر النساء لقيادة سياراتهن منذ انطلاقها في أواخر سبتمبر وبشكل مستمر رفضاً للحظر المفروض من قبل الدولة، أنكر عدد كبير من أعضائها ومؤيديها كونها نوعاً من أنواع العصيان المدني أو كونها تدعو “للتظاهر والفوضى”، أو كونها تتحدّى الدولة حتّى، مستمدّين شرعيّتها من تصريحات المسؤولين، بل قام بعضهم بشكر وزارة الداخلية على اهتمامها بأمن النساء اللاتي خرجن وسيخرجن للقيادة.

خُيّبت آمال هذه الفئة في قبل 26 اكتوبر بيومين حين صدر بيان من وزارة الداخلية يحذّر النساء من القيادة ويهدّد باتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهن، كما تم الاتصال بأبرز الناشطات في الحملة وتحذيرهن من القيادة في اليوم التالي. تخبّط الأغلبية في محاولات تبرير البيان باعتباره نابعاً من الحرص على المرأة وعلى عدم استغلال هذا اليوم من قبل “المصطادين في الماء العكر” – كان مناصرو قضية المعتقلين تعسفياً قد دعوا إلى مظاهرات بالسيارات في نفس اليوم ليحصلوا على اهتمام الإعلام- وسحب “الحكوميون” تأييدهم للقيادة في اليوم المنشود رافضين تحدّي الدولة، ورفض البعض تحدّيها لأنه من الأفضل أن “يشاغبوا” الحكومة قليلاً خارج السجن على أن يتصادموا معها ويدخلوه. كما ذكر أشخاص بأن السلطة كانت متسامحة مع النساء وليس من الحكمة استفزازها، وأصرّ البعض على المضي قدماً وتحدّي الحظر، مما قد يُنظر إليه كتأسيس لخط جديد ضمن الحركة النسويّة في السعودية أكثر راديكاليّةً ووضوحاً في تمييز الخصم وكيفيّة التعامل معه.

لكن بعيداً عن ردات الفعل على بيان الداخليّة، كان النجاح الأكبر للحملة هو دحض إدّعاء الحكومة أن القضيّة اجتماعيّة لا سياسيّة، كما عرّيت الكذبة المتصلة بها وهي تقدّميّة الحكومة مقابل تخلّف المجتمع، حيث انحصرت ردود فعل المعارضين بين زيارة الديوان الملكي والدعوة لمظاهرات بالسيارات في نفس اليوم والتعبير عن آراءهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبعيداً عن هذه الوسائل السلميّة للتعبير عن الرأي، لم نسمع بتعرّض أيّ من النساء للمضايقات من “مواطنين” آخرين، بينما تعرّضن لاتصالات تهديد وملاحقات أفراد المباحث والتوقيف والتوقيع على تعهدات، بل وحتى اعتقال الصحفي طارق المبارك المؤيد والمشارك في الحملة من قبل أجهزة الحكومة، وهذا الاعتقال أكّد بما لا يدع مجالاً للشك بأن القضيّة ليست مجتمعيّة.

أخيراً، بدل السماح للسلطة باستغلال المرأة لصرف النظر عن استبدادها وبطريركيتها، على الحركة النسويّة أن تدرك أنه في ظل دولة مستبدّة تغيب فيها المواطنة ويعامل الشعب كرعايا يجب الانخراط في الحراك الإصلاحي السياسي العام؛ فالمضطهِد واحد، وقضايا المواطنة والعدالة والحريّات والانتخاب وإصلاح القضاء والتعليم وغيرها تمسّ المرأة أيضاً وأي تقدّم فيها لا بدّ وأن يصبّ في مصلحة المرأة، خصوصاً لو شاركت في تحقيقه. كما أن تمييع القضايا والانفصال عن قضايا الشعب وتملّق الحكومة للحصول على مطالب فئويّة سيضرّ النساء كما الرجال لأنه سيؤخر حصول الجميع على حقوقهم كمواطنين ومواطنات.

long race
long race
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1087
نقاط التميز : 2208
الجنس : ذكر
العمر : 26
الأبراج : العقرب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: النسوية والحقوق السياسية

مُساهمة من طرف New Post الخميس يناير 16, 2020 8:30 am


بارك الله فيك علـى المـوضوع الجمـيل والطـرح الممـيز

أفـدتنا بمـعلومات قـيمة ومفيدة جـزاك الله خـيرا

نحـن في انتظـار مواضيـعك الجديـدة والرائـعة

New Post
New Post
مديرة ستار ديس

تاريخ التسجيل : 24/08/2018
المساهمات : 4133
نقاط التميز : 6472
الجنس : انثى
العمر : 24
الأبراج : الميزان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى