مع العولمة ولكن من بوابة العوربة أوّلاً

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

مع العولمة ولكن من بوابة العوربة أوّلاً

مُساهمة من طرف القلب النابض السبت ديسمبر 28, 2019 8:36 pm


ثمّة ملاحظات عامة يتعيّن أخذها بعين الاعتبار كإطار عام للتفكير في موضوع العولمة وذلك قبل إعطاء الحكم سلباً أو إيجاباً, عليها وعلى آثارها.

أوّلها, ان العديد من الأوجه الحاضرة للعولمة تعود بجذورها إلى فترات سابقة, وتعتبر كخطوات تمهيدية لها, لأن التحوّلات الستراتيجية الكبرى, التي يبدو فيها العالم متجهاً إلى مرحلة جديدة, لا تحدث في الغالب فجأة أو بلا مقدّمات.

ثانياً, قد تكون بعض مظاهر العولمة من الثورة التكنولوجية الهائلة, وخصوصاً في مجال الاتصالات والمواصلات والمعلومات, وبعض التغيّرات الدراماتيكية التي حصلت في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي, وما حصل قبلاً في حرب الخليج الثانية, قد سرّعت ظهور العولمة قبل نضوجها التام على الأصعدة كافة من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية وتكنولوجية.

ثالثاً, ان العولمة بنظري هي قدر محتوم ولا مفرّ منها, ولا تستطيع أي دولة مهما عظمت أن تعزل نفسها, وأن تنأى بنفسها عن آثارها, أو أن تقف في وجهها. ولكن تستطيع الدول إن تضامنت وتكاملت اقتصادياً وسياسياً وتجارياً, أن تحسّن شروط المواجهة وتخفّف بعض الأضرار السلبية الناجمة عنها.
رابعاً, إذا كانت العولمة تعبّر عن مرحلة تاريخية من تطوّر العالم, فإنّ هذه المرحلة لا تزال في بداياتها, والعديد من الظواهر والتطورات المرتبطة بمرحلة العولمة لا تزال تتفاعل, والكثير من نتائجها وتأثيراتها الإيجابية والسلبية لم تتبلور بعد بصورة واضحة. وهذا ما يتطلّب ضرورة إثارة الأسئلة الصحيحة, وإخضاع الظواهر للدراسة والتحليل العلمي (1).

1- ­ ما هي العولمة؟

<< العولمة << هي إحدى المقابلات العربية لكلمة ( Globalization ) الانكليزية. ويؤكد <<رونالد روبرتسون>> في كتاب <<العولمة>> على ان: <<العولمة هي تطور نوعي جديد في التاريخ الإنساني بعد أن أصبح العالم أكثر ترابطاً وأكثر انكماشاً. ويعتقد روبرتسون ان الوعي بهذا الارتباط والانكماش العالمي هو إحدى أهم سمات هذه اللحظة التاريخية (2) .
ويتحدّث <<جون نسبيت>> مؤلّف كتاب <<معضلة العولمة>> عن <<القوى التكنولوجية والتكتلات الاقتصادية الجديدة التي ستلعب الدور الحاسم في تشكيل مستقبل البشرية خلال القرن الـ 21>> (3).
ويرى البعض ان العولمة تشير في جوهرها وحقيقة أمرها إلى أمرَكة العالم (العولمة = الأمركة), في حين يرى بعض آخر أنها تشير إلى الأهمية المتزايدة للسوق العالمي, بيد ان نفراً غير قليل من الباحثين يضفي على المفهوم طابعاً أيديولوجياً صريحاً حينما يصفها بأنها تجسيد لواقع ثقافي وأيديولوجي معين, ألا وهو انتصار قيم السوق والليبرالية السياسية (الديمقراطية = السوق) (4).
وباعتقادي فإن العولمة يمكن تعريفها: <<باندماج أسواق العالم في حقول الاقتصاد والاستثمارات المباشرة والتجارة وانتقال الأموال والأشخاص والثقافات والتكنولوجيا ضمن اطار من رأسمالية حرية الأسواق, وتالياً خضوع الدول, صغيرها وكبيرها, لقوى السوق العالمية, مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية والى الانحسار الكبير في سيادة الدولة, وأنّ العنصر الأساسي في هذه الظاهرة هي الشركات الرأسمالية الضخمة.
اذاً, لا بدّ من أن نعترف بأن الآراء متضاربة حول المفهوم وحول الآفاق المستقبلية, وهو الأمر الذي زرع الريبة والخوف من مآل الظاهرة ونتائجها في البلدان المتطورة والمجتمعات النامية معاً؛ ذلك ان ملامح المستقبل غير جلية كما يؤكد أحد مؤسسي نادي روما <<ألكسندر كينغ>> قائلاً: <<اننا وسط مخاض طويل وشاق سيؤدي بشكل أو بآخر إلى ميلاد مجتمع لا نستطيع أن نتكهن الآن بهيكليته المحتملة>> (5).

2- ­ ظواهر العولمة:

أ- ­ ان العنصر الأساسي في هذه الظاهرة هي الشركات الرأسمالية الضخمة. وهذه الشركات عملاقة بحيث ان قيمة المبيعات السنوية لإحداها تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول متوسطة الحجم. ويرى بعض الباحثين انه نظراً لحجم استثماراتها المباشرة وغير المباشرة في الكثير من دول العالم, فإنها قادرة على الحد من سيادة هذه الدول, أو معاقبة الدول المضيفة في حال تجرأت ووقفت في وجهها. ومن الأمثلة, نزوح الاستثمارات غير المباشرة والتوظيفات من بعض الدول, مما يؤدي إلى انخفاض أسعار عملات وأسعار أسهم وسندات الدولة المضيفة لهذه الاستثمارات وانخفاض احتياطات مصرفها المركزي من العملات الأجنبية وحدوث إفلاسات مالية عديدة فيها, مما يضطرها إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي وهو احدى القواعد الرئيسية الثلاث في العلاقات الاقتصادية الدولية, والذي يتولّى الجانب النقدي في العلاقة, بالإضافة إلى البنك الدولي للإنشاء والتعمير الذي يتولى التمويل والاستثمارات ومنظمة التجارة الدولية التي تقوم بالجانب التجاري الدولي في تلك العلاقة الاقتصادية الدولية (6). والبلبلة النقدية وانعكاساتها الاقتصادية من إفلاسات وتدنّي لسعر العملات كما حدث في المكسيك عام 1994 ­ 1995, وفي دول مثل ماليزيا وأندونيسيا وتايلاند وتايوان وكوريا الجنوبية في العام 1997, وفي تركيا في العام 2001.
فالدول عملياً واقعة بين سندان صندوق النقد الدولي ومطرقة الشركات العملاقة. وبالنتيجة فإن الدول المضيفة للإستثمارات غير المباشرة من الشركات الضخمة, أو للقروض المباشرة من صندوق النقد الدولي, تتخلى لهؤلاء عن جزء كبير من
سيادتها (7), جرّاء تدخلهم في كل شاردة وواردة وفي مجرى حياتها الاقتصادية والسياسية.
وقد برزت في الآونة الأخيرة مجموعة من الشركات الصناعية والمصرفية والخدماتية العملاقة والقائمة على دمج الشركات الأوروبية والأميركية واليابانية, تقوم بتحالفات عابرة للقارات ومتنوعة في نشاطاتها, حيث تتسم هذه الشركات, بأنه لم يعد لها هوية أو جنسية محددة, ولا تؤمن بالولاء لأي منطقة جغرافية أو مرجعية دولية. كما انه ليس لهذه الشركات مقر واحد, ولا تتأثر بسياسات دولة من الدول, متجاوزة بذلك القيود التقليدية والحواجز للنشاط التجاري والمالي والصناعي, حيث يكون مقرها الإداري في دولة معينة ومقرها التسويقي في دولة ثانية ومقرها الهندسي في دولة ثالثة ومقرها الانتاجي في دولة رابعة ومقرها الاقليمي في دولة خامسة ومقرها الدعائي والاعلاني في دولة سادسة ومقرها التنفيذي في دولة سابعة.
وتنتقل هذه الشركات بنفوذها وسلطتها وخدماتها وأموالها بحرية كاملة بين جميع الدول, الغنية والفقيرة, الكبيرة والصغيرة. وتعتبر ان هذا العالم هو عالم بلا حدود سياسية أو اقتصادية وان حدود هذه الشركات هو الكون بأسره.
وبالرغم من ان هذه الشركات موجودة بالفعل بنشاطاتها وبعملياتها وبسلعها في كل أرجاء المعمورة, إلاّ ان تمركزها الرئيسي والأهم هو في مناطق اقتصادية رئيسية تتركّز فيها ثروة تقدّر بحوالي 20 تريليون دولار, أي اكثر من (80) بالمائة من إجمالي الناتج القومي العالمي, وبالتالي تستأثر بحوالي 85% من إجمالي التجارة العالمية (8).
ومن بين هذه المناطق الاقتصادية الرئيسية, أوروبا حيث السوق الأوروبية المشتركة, ومنطقة التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية التي تعرف بالـ ( (NAFTA وتضم كل من المكسيك وكندا والولايات المتحدة الأميركية.
ولتوضيح القدرات المتوفرة للشركات العملاقة وآثارها على الدول الصغيرة والنامية. لا بدّ من القاء نظرة على موازنة تلك الشركات مقارنة مع الناتج الوطني المحلي لبعض الدول
ب - ­ منظمة التجارة الدولية:
منظمة التجارة الدولية هي الهيئة الدولية الوحيدة التي تتعامل مع قواعد التجارة الدولية. وتعتبر اتفاقية المنظمة التي أنشأتها بمثابة القلب والمحرّك لها. وتعتبر الاتفاقية أيضاً الأساس القانوني لقواعد التجارة الدولية.
هذه المنظمة هي ثمرة جهود المفاوضات التجارية متعددة الأطراف منذ العام 1947 حتى العام 1994, حيث توّجت تلك الجهود بالتوقيع على اتفاقية مراكش في 15 نيسان 1994. وتعتمد منظمة التجارة الدولية على مبدأ تحرير التجارة الدولية والخدمات من جميع القيود التي تحول دون سهولة انتقالها عبر الدول الأعضاء.
ولعل قيام منظمة التجارة العالمية هو من قبيل الرغبة الدولية في التحوّل إلى نظام السوق الذي يلعب فيه العرض والطلب والقدرة التنافسية الدور الحاسم في العلاقات الاقتصادية الدولية.
ولكن لكي تتدرج أي دولة من كونها عضواً مراقباً لتصبح عضواً دائماً في منظمة التجارة الدولية, عليها أن تتخذ عدة خطوات وعدة اجراءات لكي تتجانس أنظمتها القانونية والتشريعية والسياسية مع المعايير التي تفرضها اتفاقيتا الـ ( TRIPS ) (قانون حماية الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة) والـ ( GATT ) (الاتفاقية العامة المتعلقة بالتعريفات والتجارة).
إذاً, الوصول إلى العضوية الدائمة لمنظمة التجارة الدولية يمرّ أولاً بالانضمام إلى اتفاقية الـ ( TRIPS ) وعبر تطبيق مضمون تلك الاتفاقية في القوانين الوطنية للدولة التي تودّ الانضمام إلى المنظمة. وهنا تمارس الولايات المتحدة الأميركية ضغوطاً جبارة على الدول وتتدخل في التفاصيل الصغيرة للقوانين المحلية وذلك من أجل حماية صناعاتها وعلاماتها التجارية ومنعاً من الغش التجاري والصناعي.
ابتدأت منظمة التجارة الدولية نشاطها في أوّل كانون الثاني 1995, ولكن النظام التجاري العالمي أقدم من ذلك بخمسين سنة. فمنذ العام 1948 وضعت الـ ( GATT ) قواعد النظام التجاري العالمي. وفي حين ان الـ ( GATT ) كانت تتعامل أساساً مع تجارة البضائع, فإن منظمة التجارة الدولية تتعاطى اليوم وتغطي بالإضافة إلى تجارة البضائع, تجارة الخدمات وتجارة الاختراعات والملكية الفكرية من إبداع وتصاميم (1).

ج ­ الأمرَكَة:
أنفقت الولايـات المتحدة على التسلّح خـلال القرن العشرين, مـا يقـارب (40) تـريـليون دولار. ويبلغ متوسّط حجم الانفـاق المتوسط السنوي للولايـات المتحدة في مجال التسلّح حوالي 375 مليار دولار, وهي تمتلك اليوم أقوى جيش في العالم. كما تحتكر, وبعد انهيـار الاتحـاد السوفياتي, القرار السياسي الدولي وتعتبر من صنّاع القرار ومنفذته إذا أرادت ذلك, إذ بقدراتها العسكرية وبـإمكانياتها الاقتصادية وبأدواتها المالية, سواء في صندوق النقد الدولي أو في البنك الدولي, يمكنها ممارسة الضغط الاقتصادي والسياسي, على مختلف الدول والأحلاف والتكتلات. علماً ان موازنة الأمم المتحدة والهيئات الأساسية التابعة لها, تحصل على 30 إلى 40% من مواردها المالية من الولايات المتحدة, كما ان مقر الأمم المتحدة الأساسي يقع في نيويورك. من هنا نستطيع أن نقدّر مستوى الضغط السياسي الذي تخضع له المنظمة الدولية من قبل الولايات المتحدة, ويترجم ذلك في قرارات مجلس الأمن وعلى الأصعدة المالية الدولية.
وفي المجال الاقتصادي تمتلك الولايات المتحدة حقوق تصويت عالية داخل المؤسسات المالية الدولية أمثال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وذلك يعود لارتفاع أسهمها في تمويل المؤسستين, كما تتمتع بنفوذ كبير داخل منظمة التجارة الدولية. بالإضافة إلى ذلك فإنّ الاقتصاد الأميركي يشكّل 26,5% من حجم الناتج الإجمالي العالمي.
وفي مجال المعلوماتية تسيطر الشركات الأميركية على 65% من تجارة السلع الاعلامية والمعلوماتية والثقافية, كما بلغت قيمة الاستثمارات الأميركية في هذه المجالات نحو (1000) مليار دولار.
من هنا, لم تعد اليوم الولايات المتحدة تلعب دور شرطي العالم فحسب, بل دور المارد المعلوماتي والاقتصادي والمالي, بحيث تستطيع أن تؤثر على الأصعدة الدولية المختلفة, وقد جعلها هذا الدور مركزاً لعلاقات العالم الاقتصادية والسياسية والمالية والثقافية والأمنية, وأصبح لأي دولة مصلحة أكيدة بإقامة علاقات طيبة معها, لا بل مجرد التفكير بقطع هذه العلاقات سيلحق بهذه الدولة الضرر الكبير (10).

القلب النابض
القلب النابض
مشرف الهواتف والفضائيات

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1634
نقاط التميز : 3364
الجنس : ذكر
العمر : 25
الأبراج : الجوزاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: مع العولمة ولكن من بوابة العوربة أوّلاً

مُساهمة من طرف professeur السبت ديسمبر 28, 2019 8:55 pm


أكرمك الله وجزاك خير جزاء

professeur
professeur
مراقب المنتدى

تاريخ التسجيل : 31/08/2018
المساهمات : 1825
نقاط التميز : 3849
العمر : 35
الأبراج : العقرب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى