فوائد من قوله تعالى: { واصبر نفسك.. }

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

فوائد من قوله تعالى: { واصبر نفسك.. }

مُساهمة من طرف IKRaMOne الأربعاء ديسمبر 18, 2019 4:31 am


فوائد من قوله تعالى: { واصبر نفسك.. }

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.

وبعْدُ:

عن سعد بن أبي وقَّاصٍ قال: كُنَّا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ستَّةَ نَفَرٍ، فقال المشركون: اطردْ هؤلاء؛ لا يجترئون علينا، قال: وكنتُ أنا وابن مسعود، ورجلٌ من هذيل، وبلال، ورَجُلان نسيتُ اسْمَيْهما، فوقع في نَفْس رسول الله ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نَفْسَهُ فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام: 52][1].

يأمر الله تعالى نبيَّهُ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلم - والأمر عامٌّ له ولأمَّته بلزوم الصالحين، ومصابرة النفس على مصاحبتهم، والبقاء معهم، خصوصًا الفقراء منهم والضعفاء؛ فالآية نزلت فيهم، والمكث معهم أبعد عن مظاهر الدنيا وفتنتها، ثمَّ ذَكَرَ أهمَّ صفاتهم، وهي شغل أوقاتهم بالعبادة بحسب الأحوال، لا يريدون بذلك رياءً ولا سمعةً، ولا ليقال: فلانٌ قارئٌ أو عابدٌ، أو عَرَضًا من الدنيا زائلٌ، إنما يريدون بذلك وجهَ الله - تعالى - وطلبَ مرضاته، ثم نهاه - تعالى - عن مصاحبة أهل الدنيا؛ فقال: ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 28]؛ أي: لا تَتَطلَّعْ إلى مصاحبة غيرهم من أهل الشَّرف والغِنى؛ لما يَحْصُل بذلك من اشتغال القلب بزينة الدنيا عن أمر الآخِرة.

قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله -: "فإن ذلك يوجِب تعلُّق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخِرة، فإنَّ زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر القلب، فيغفل عن ذِكْر الله، ويُقبِل على اللذَّات والشَّهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبديَّة، والندامة السَّرْمَدِيَّة". اهـ[2] .

ثم نهاه نهيًا آخر؛ فقال: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ [الكهف: 28]، فنهاه عن طاعة الغافلين عن ذِكْر الله، المتَّبعين أهواءهم، الذين أضاعوا دِينَهم، فطاعة مَنْ هذه صفته هي الخسارة الحقيقية في الدنيا والآخرة.

وفي هذه الآية الكريمة فوائد كثيرة:

الأولى: الحثُّ على الصبر:

والمراد بالصبر: هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وقد ذكر الله الصبرَ في أكثر من تسعين موضعًا من كتابه؛ لأهميته ومكانته العظيمة؛ بل إنه في الآية الواحدة يتكَرَّرُ الأمر بالصبر؛ كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].

والثانية: استحباب ذِكْر الله، والدعاء طَرَفَي النهار:

قال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله -: "لأن الله مَدَحَهم بفِعْلِه، وكلُّ فعلٍ مَدَحَ الله فاعِلَهُ دَلَّ على أنَّ الله يحبُّه، وإذا كان يحبُّه؛ فإنه يأمر به ويُرَغِّبُ فيه"[3]. اهـ.

قال تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39]، وعن أنسٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لأَنْ أَقْعُدَ مع قومٍ يذكرون الله من صلاة الغَدَاة حتى تطلع الشمس - أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعةً من وَلَد إسماعيل، ولأن أجلس مع قومٍ يذكرون الله من صلاة العصر حتى تغرب الشمس - أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعةً))[4].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لأَنْ أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر - أحبُّ إليَّ ممَّا طَلَعَت عليه الشمس))[5].

الثالثة: الحثُّ على مجالَسة الصالحين الأخيار:

حتى لو كانوا فقراء أو ضعفاء؛ فإن في مجالستهم خيرًا كثيرًا؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تصاحِب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامكَ إلا تقيٌّ))[6].

قال أبو سليمان الخطَّابي: "وإنَّما حذَّر من صُحبة مَنْ ليس بتقيٍّ، وزَجَر عن مخالَطته ومؤاكلته؛ لأنَّ المُطاعَمَة تُوقِعُ الأُلْفَةَ والمودَّة في القلوب". اهـ[7].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الرجل على دين خليله؛ فلينظر أحدُكم مَنْ يُخَالِل))[8].

قال الشاعر:

عَنِ المَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ ♦♦♦ فَكُلُّ قَرِينٍ بالمُقَارِنِ يَقْتَدِي

الرابعة: الزُّهد في الدنيا، والرَّغبة في الآخِرة:

كما قال تعالى: ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131]، وكما قال تعالى: ﴿ وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 33 - 35].

الخامسة: الحثُّ على الإخلاص لله تعالى:

فقد ذكر الله في الآية الأخرى عن عباده الصالحين أنهم يريدون بهذا العمل وجه الله، لا رياءً ولا سمعة؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان:9].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

IKRaMOne
IKRaMOne
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1290
نقاط التميز : 2098
الجنس : انثى
العمر : 33
الأبراج : الاسد

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: فوائد من قوله تعالى: { واصبر نفسك.. }

مُساهمة من طرف New Post الأربعاء ديسمبر 18, 2019 11:13 pm


بارك الله فيك واحسن اليك ان شاء الله

New Post
New Post
مديرة ستار ديس

تاريخ التسجيل : 24/08/2018
المساهمات : 4133
نقاط التميز : 6472
الجنس : انثى
العمر : 24
الأبراج : الميزان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: فوائد من قوله تعالى: { واصبر نفسك.. }

مُساهمة من طرف MarYam الجمعة ديسمبر 27, 2019 6:32 am


معلومات رائع ومواضيع مميز وابداع التي قدمتها لنا
وتسلم الايادي التي ابداعت في هذا المشاركة
اتمنى لك التوفيق ولا تحرمنا من ابداعاتك وتميزك المتواصل


MarYam
MarYam
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1419
نقاط التميز : 2107
الجنس : انثى
العمر : 36
الأبراج : الميزان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى