اختلاف العلماء في ضبط كلمة (أسلم) في حديثين شريفين
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
اختلاف العلماء في ضبط كلمة (أسلم) في حديثين شريفين
اختلاف العلماء في ضبط كلمة (أسلم) في حديثين شريفين
ثبت في صحيح مسلم[1] (9 /17 /157 النووي)، وغيره من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن)) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: ((وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأَسْلَمَ، فلا يأمرني إلا بخير))، غير أن في حديث سفيان: ((وقد وُكِّل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة)).
وفيه أيضًا (9 /17 /158 النووي): ((أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدَّثَتْه[2] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا، قالت: فغرتُ عليه، فجاء فرأى ما أصنع؛ فقال: ((ما لكِ يا عائشة أغرتِ؟)) فقلت: وما لي لا يُغارُ مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقد جاءك شيطانك؟)) قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟ قال:((نعم))، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: ((نعم)) قلت: ومعك[3] يا رسول الله؟ قال: ((نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أَسْلَمَ)).
وقد اختلف العلماء في ضبط كلمة (أسلم) في الحديثين، أهي بفتح الميم أم بضمها؟ فعلى:
1- رواية الفتح (فأسْلَمَ) بصيغة الفعل الماضي، واختارها الجمهور، وهي تحتمل معنيين وهما:
أ- أي: صار الشيطان المقارن له مسلمًا، فسَلِم صلى الله عليه وسلم من شره، واعتُبِر ذلك خصوصية[4] له عليه الصلاة والسلام.
ب- أي: انقاد وكفَّ عن وسوستي.
2- الضم (فأسلم) بصيغة المضارع، والهمزة للمتكلم على أنه فعل مستقبل أي: أَسْلَمُ أنا من وَسْوستِه ومن شرِّه.
واختارها سفيان بن عُيَيْنةَ، وكان يقول: الشيطان لا يسلم.
واستشكل بعضهم ذلك فلم يدرِ صوابه من خطئه كما في السنة للخَلَّال (1 /190 - 191):" 203- ... قال أبو عبدالله: لا أدري هو يَسلَمُ منه أو إبليس أَسْلَمَ، قلت: إن قومًا يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يَسْلَمُ منه؟ قال: لا أدري".
والخلاف فيه قديم بين العلماء، ولنقتصر على ما جاء في:
إصلاح غلط المحدثين (ص135 - 136 رقم 96 الرديني) قال الخطَّابي: (عامة الرواة يقولون: فأَسْلَمَ على مذهب الفعل الماضي، يريدون أن الشيطان قد أسْلَمَ [إلا سفيان بن عُيَيْنةَ، فإنه يقول فأَسْلَمُ][5]، وإنما المعنى: أَسْلَمُ من شره، وكان يقول: الشيطان لا يُسْلِمُ".
النهاية (2 /395): ((وفيه: ما من آدمي إلا ومعه شيطان)) قيل: ومعك؟ قال:((نعم، ولكن الله أعانني عليه فأَسْلَمَ، وفي رواية: حتى أَسْلَمَ))؛ أي: انقاد وكفَّ عن وسوستي، وقيل: دخل في الإسلام؛ فسلمتُ من شره، وقيل: إنما هو "فأَسْلَمُ" بضم الميم، على أنه فعل مستقبل؛ أي: أسلم أنا منه، ومن شره).
شرح النووي على صحيح مسلم (17 /157): ("فأَسْلَمُ" بضم الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان، فمن رفع قال معناه: أَسْلَمُ أنا من شره وفتنته، ومَن فتح قال: إن القرين أَسْلَمَ، من الإسلام، وصار مؤمنًا لا يأمرني إلا بخير)).
شرح السيوطي على سنن النسائي (7 /72): ("ولكن الله أعانني عليه فأَسْلَمَ": قال أبو البقاء في إعرابه: يروى بالفتح؛ لأنه فعل ماض، قال: فأسْلَمَ شيطاني؛ أي: انقاد لأمر الله تعالى، وبالرفع؛ أي: فأنا أَسْلَمُ منه، وهو فعل مستقبل يُحكَى به الحال).
ذمُّ الهوى (1 /174 - 175): (وجمهور الرواة يروون هذا الحديث: أعانني عليه فأَسْلَمَ على مذهب الفعل الماضي، يريدون أن الشيطان قد أسلم، إلا سفيان بن عُيَيْنةَ فإنه يقول: فأسْلَمُ أنا من شرِّه، وكان يقول: الشيطان لا يُسلِمُ...).
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير (9 /230 الأعراف/200): (وأحسب أن سبب الاختلاف في الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم نطق به موقوفًا عليه ...).
وهذا أمر محتمل، لكني أحسب أن الخلاف فيه لم يظهر إلا زمن سفيان بن عُيَيْنةَ (ت: 198هـ)[6]، ولم يُعرَفْ قبل ذلك إلى زمن الصحابة، إذ لو وقع لنُقِل كما نقل اختلافهم في قراءة القرآن، والله أعلم.
ولعل الصحيح المختار رواية الفتح وهي رواية الجمهور[7]، وعامة الرواة[8]، ويشهد لها تقريرات بعض الأعلام في مصنفاتهم، قال في:
1- ذم الهوى (1 /174 - 175): (وهذا الذي ذهب إليه سفيان مذهب حسن يُظهِرُ أثر المجاهدة، إلا أن مسلمًا قد روى في صحيحه من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا وُكِّل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة)) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، ولكن الله عز وجل أعانني فأسْلَمَ؛ فلا يأمرني إلا بخير))؛ وهذا يدل على أن الشيطان أسْلَمَ؛ لأنه لو لم يُسْلِمْ لما كان يأمر بالخير، وكفى بهذا ردًّا لقول ابن عُيَيْنةَ).
2-السنة للخَلاَّل (1 /190 - 191): (204"- سألت أحمد بن يحيي النحوي ثعلبًا عن قوله: ((إلا أن الله أعانني عليه))، الشيطان أسلم، أو النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أسلم منه؟ قال: الشيطان أسْلَمَ" إسناد هذا القول صحيح.
3- الإبانة (2 /64 رقم 1471): (سمعت أبا عمر محمد بن عبدالواحد النحوي يقول: سُئل ثعلب عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)) الشيطان أسلم، أو النبي يَسْلَمُ من الشيطان؟ فقال: الشيطان أسْلَمَ).
4- الإفصاح عن أحاديث النكاح (ص174 - 175 رقم 127): (عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((فُضِّلت على آدم بخصلتين: كانت زوجته عونًا له على المعصية، وأزواجي أعوان لي على الطاعة، وكان شيطانه كافرًا، وشيطاني مسلم، لا يأمر إلا بخير))؛ رواه الخطيب في تاريخه[9]، لكن فيه مَن قال ابن عدي فيه: "إنه كان يضع الحديث[10]" وبفرض صحته، فيه دلالة على أن (أسْلَمَ) في خبر مسلم[11]: ((ما منكم من أحد إلا وُكِّل به قرينه من الجن)) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسْلَمَ؛ فلا يأمرني إلا بخير)) بفتح الميم من الإسلام، وإن وُرَدَ بضمها من السلامة، ومن ثَمَّ عُدَّ من خصائصه[12] صلى الله عليه وسلم إسلامُ قرينه).
5- صحيح ابن حبان (6 /86 رقم 6304)، وفيه: (قال أبو حاتم: في هذا الخبر دليل على أن شيطان المصطفى صلى الله عليه وسلم أسْلَمَ؛ حتى لم يأمره إلا بخير، لا أنه كان يَسْلَمُ منه وإن كان كافرًا).
6- شرح النووي على صحيح مسلم (9 /17 /157 - 158): (واختلفوا في الأرجح منهما، فقال الخطابي:
الصحيح المختار الرفعُ، ورجَّح القاضي عياض الفتح، وهو المختار لقوله صلى الله عليه وسلم: فلا يأمرني إلا بخير).
7- تحفة الأحوذي (4 /282): ("فأسْلَمَ" بصيغة الماضي؛ أي: استسلم وانقاد، وبصيغة المضارع[13] المتكلم؛ أي: أَسْلَمُ أنا منه، قال في المجمع: وهما روايتان مشهورتان (يعني: فأسْلَمُ أنا منه)؛ يعني: قولَه" فأَسْلَمُ" بصيغة المضارع المتكلم.
قال سفيان: "فالشيطان لا يُسْلِمُ"؛ يعني قولَه: "فأَسْلَمَ" ليس بصيغة الماضي حتى يثبت إسلام الشيطان، فإن الشيطان لا ُيسلِمُ، قال في المجمع: وهو ضعيف؛ فإن الله تعالى على كل شيء قدير، فلا يبعد تخصيصه من فضله بإسلام قرينه) انتهى.
8- مجموع فتاوى ابن تيمية (17 /506): (وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الملائكة، وقرينه من الجن)) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم))، وفي رواية: ((فلا يأمرُني إلا بخير))، أي: استسلم وانقاد.
وكان ابن عُيَيْنةَ يرويه: "فأَسْلَمُ" بالضم، ويقول: "إن الشيطان لا يُسلِمُ" لكن قوله في الرواية الأخرى: فلا يأمرني إلا بخير؛ دل على أنه لم يبقَ يأمرُه بالشر، وهذا إسلامه، وإن كان ذلك كنايةً عن خضوعه وذِلته لا عن إيمانه بالله، كما يقهر الرجل عدوه الظاهر ويأسره، وقد عرف العدو المقهور أن ذلك القاهر يعرف ما يشير به عليه من الشر، فلا يقبله بل يعاقبه على ذلك فيحتاج لانقهاره معه إلى أنه لا يشير عليه إلا بخير لذلته وعجزه لا لصلاحه ودينه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((إلا أن الله أعانني عليه... فلا يأمرني إلا بخير)).
ويُراجع:
1- إحياء علوم الدين (2 /19).
2- تلبيس إبليس (ص: 43 - 44 ذكر الإعلام بأن مع كل إنسان شيطان).
3- الجامع لأحكام القرآن (7 /66 /67).
4- حاشية السندي على سنن النسائي (4 /7 /72 - 74).
5- سنن الترمذي (3 /475 رقم 1172 فؤاد عبدالباقي).
6- كشف الخفاء (2 /252 رقم 2242).
7- لسان العرب (12 /294).
8- مرقاة المفاتيح (1 /257).
9- النهاية (2 /395).
10- الوفا بتعريف فضائل المصطفى لابن الجوزي (أمهات معجزاته صلى الله عليه وسلم / الباب 23).
[1] الحديث بروايتيه في مسند أحمد (1 /257 رقم 2323) عن ابن عباس، و(1 /385 رقم 3648)، (1 /397 رقم 3779)، (1/ 401 رقم 3802)، (1 /460 رقم 4392) جميعها عن ابن مسعود، و(3 /309 رقم 14364) عن جابر، و(6 /115 رقم 24889) عن عائشة، والنسائي (7 /72 رقم 3960 السيوطي)، والترمذي (3 /475 رقم 1172)، وابن خزيمة في صحيحه (1 /330 رقم 661)، وقال فيه العلامة الألباني: ضعيف، ومسند البزار (5 /254 رقم 1871)، وسنن الدارمي (2 /396 رقم 2734)، وصحيح ابن حبان (14 /326 رقم 6416).
[2] يعني: عروة بن الزبير.
[3] ورد في الإصابة (1 /24 رقم 22) أن اسمه أبيض الجني، لكن قال فيه ابن حجر: (وقع ذكره في كتاب السنن لأبي عليٍّ ابن الأشعث أحد المتروكين المتهمين فأخرج إسناده من طريق أهل البيت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: ((أخزى الله شيطانك)) الحديث، وفيه: ((ولكن الله أعانني عليه حتى أسلم))، واسمه أبيض وهو في الجنة)
[4] الخصائص الكبرى للسيوطي (2 /189)
[5] قال محققه الرديني: ما بين المعقوفين زيادة من: [النسختين] (ب)، (ج).
[6] السير (8 /470).
[7] ذم الهوى (1 /174 - 175).
[8] إصلاح غلط المحدثين (ص136).
[9] تاريخ بغداد (3 /331)، ولسان العرب (12 /294 ع1)، والنهاية (2 /985)، وقال عنه العلامة الألباني في الضعيفة (3 /220 رقم 1100): موضوع.
[10] يعني: محمد بن وليد بن أبان أبا الوليد القلانسي البغدادي كما في الضعيفة (3 /220).
[11] (9 /17 /157 نووي).
[12] الخصائص الكبرى (2 /282 باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بإسلام قرينه وبأن أزواجه عون له).
[13] فأسلم.
Derraz Boujemaa- مؤسس ستار ديس
- تاريخ التسجيل : 20/08/2018المساهمات : 5189نقاط التميز : 9415الجنس :
رد: اختلاف العلماء في ضبط كلمة (أسلم) في حديثين شريفين
بارك الله فيك
القلب النابض- مشرف الهواتف والفضائيات
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 1634نقاط التميز : 3364الجنس :العمر : 25الأبراج :
رد: اختلاف العلماء في ضبط كلمة (أسلم) في حديثين شريفين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك على هذا الموضوع
القيم والمميز واصل تألقك الدائم
جزاك الله خيرا
بارك الله فيك على هذا الموضوع
القيم والمميز واصل تألقك الدائم
جزاك الله خيرا
long race- عضو ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 1087نقاط التميز : 2208الجنس :العمر : 26الأبراج :
رد: اختلاف العلماء في ضبط كلمة (أسلم) في حديثين شريفين
شكرا لك على هذه المعلومات
وعلى هذه المشاركة الرائعة
والموضوع المميز
وعلى هذه المشاركة الرائعة
والموضوع المميز
أميرة المنتدى- مراقبة الإسلام والأسرة
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 2137نقاط التميز : 3813الجنس :العمر : 23الأبراج :
رد: اختلاف العلماء في ضبط كلمة (أسلم) في حديثين شريفين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلم الايادي على الموضوع الممتاز والرائع
تسلم الايادي على الموضوع الممتاز والرائع
ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ- نجم ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 3052نقاط التميز : 5482الجنس :العمر : 24الأبراج :
رد: اختلاف العلماء في ضبط كلمة (أسلم) في حديثين شريفين
بارك الله فيك
شموخ القوافي- عضو ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 1461نقاط التميز : 1687الجنس :العمر : 32الأبراج :
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى