قصة الدولة الأيوبية ج١
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
قصة الدولة الأيوبية ج١
قصة الدولة الأيوبية ج١
بعد وفاة نور الدين محمود في عام (569هـ = 1174م) خلفه ابنه الملك الصالح إسماعيل الذي لم يكن على مستوى الأحداث بفعل صغر سنه, وافتقاره إلى الخبرة والتجربة.
وبرز من جهة أخرى صلاح الدين الأيوبي كَوَارِثٍ طبيعيٍّ، استطاع أن يملأ الفراغ القيادي الذي ظهر بعد وفاة نور الدين محمود, وبوفاة الملك الصالح إسماعيل عام (577هـ= 1181م) زال هذا القسم من الدولة الزنكية, ودخل في حُكْمِ صلاح الدين بعد صراع دامٍ مع دولة الموصل.
أصل الأيوبيين :
أمّا عن أصول صلاح الدين الأيوبي، فإنَّ الأيوبيين ينتسبون إلى أيوب بن شادي من بلدة (دوين)[1] الواقعة عند آخر حدود أذربيجان بالقرب من تفليس في أرمينية, وجميع أهل ذلك البلد من الأكراد.
غير أن بعض الأيوبيين حاول أن يبتعد عن الأصل الكردي, وأن يلتصق بالدم العربي بعامة, وبنسل بني أمية بخاصة, وأنكروا نسبتهم إلى الأكراد, وقالوا: "إنما نحن عرب؛ نزلنا عند الأكراد, وتزوجنا منهم"[2].
لكن صلاح الدين أنكر هذا النسب العربي, وقال: "ليس لهذا الأصل أصلٌ"[3] ادعاء.. ولم يكن العادل الأيوبي أقل إنكارًا من أخيه صلاح الدين لهذا الأمر.. ثم انتقلت الأسرة من (دوين) في بداية القرن السادس الهجري= الثاني عشر الميلادي, حين غادر شادي مع ابنيه: نجم الدين أيوب وأسد الدين شيركوه المنطقة إلى تكريت؛ حيث عينه شحنتها مجاهد الدين بَهْرُوز حاكمًا عليها؛ نظرًا لصلات الصداقة التي تربطهما, ولمَّا تُوُفِّيَ خلفه ابنه نجم الدين أيوب[4].
أسد الدين شيركوه :
لكن أوضاع الأسرة اضطربت بعد ذلك بسبب مساعدة نجم الدين أيوب لعماد الدين زنكي بعد هزيمته عام (526هـ= 1131م) أمام قوات الخليفة المسترشد بالله (512- 529هـ = 1118- 1135م), وترتب على هذه المساعدة آثار بالغة الأهمية على مستقبل الأسرة؛ لأنها أغضبت بَهْرُوزَ الذي عَدَّ مساعدة أيوب لزنكي خروجًا على السلطة.
وحدثت في الوقت نفسه حادثة أدت إلى زيادة مخاوف بهروز وقلقه من تعاظم نفوذ الأسرة؛ ذلك أن أسد الدين شيركوه قتل أحد مماليك بهروز دون مبرر مقنع، فأخرجهما هذا الأخير من قلعة تكريت, فتوجها إلى بلاد عماد الدين زنكي, وانخرطا منذ ذلك الوقت في سلك جنده, وبعد أن قُتِلَ عماد الدين زنكي في عام (541هـ= 1146م) اجتمع الأخوان في خدمة نور الدين محمود وارتفع شأنهما عنده, واختار نور الدين محمود أسد الدين شيركوه؛ ليقود قواته إلى مصر للاستيلاء عليها وضمها إلى بلاد الشام, وقد صحبه ابن أخيه صلاح الدين في جميع حملاته[5].
وعندما نجح في مهمته, تولى منصب الوزارة في مصر في ظل الحكم الفاطمي المتداعي, وعندما توفي في (22 من جُمَادَى الآخرة عام 564هـ= 23 من آذار عام 1169م) خلفه ابن أخيه صلاح الدين في المنصب[6].
أيقظت خلافة أسد الدين شيركوه في منصبه الكثير من الطموحات بين الفرقاء؛ إذ حدثت إثر وفاته خلافات وتنافسات على منصب الوزارة بين عدة فئات منها:
صلاح الدين يتولى وزارة مصر :
المؤسسة العسكرية الفاطمية, وبعض أمراء نور الدين محمود الأتراك الذين رافقوا الحملة، بينما ظل صلاح الدين في الظل صامتًا, ولكن الفقيه عيسى الهكاري سانده مُقتَرِحًا ترشيحه لهذا المنصب؛ فقرر الخليفة (العاضد) اختيار صلاح الدين لاعتلاء منصب الوزارة خَلَفًا لعمه؛ لاعتقاده أن صِغَر سنِّه وافتقاره للتجربة سوف يرغمانه على الاعتماد على موظفي الدولة الفاطمية, وتجعله أداة سهلة في يد الخليفة، يستغلها في القضاء على بقية أعوان أسد الدين شيركوه, وكان عمر صلاح الدين آنذاك اثنتين وثلاثين سنة, ولقَّبَه بالملك الناصر وذلك في (25 من جمادى الآخرة عام 564هـ=26 من آذار عام 1169م)[7] آلت الوزارة إليه؛ لأنه أصبح وزيرًا للخليفة الفاطمي الشيعي, ونائبًا عن نور الدين محمود صاحب دمشق السُّنِّي في ذات الوقت؛ فاضطر إلى الدعاء لهما معًا في الخطبة, ثم أخذ يقوي مركزه في مصر, ويعمل على اكتساب محبة أهلها؛ ليشتدَّ بهم أزرُه ويستقلَّ بهذه البلاد..
وقد رأى صلاح الدين أن مركزه قد أصبح شديد الحرج, فبعد أن تولى صلاح الدين منصب الوزارة في مصر استطاع أن يُحكِمَ قبضته على مُقدَّرَات الدولة, وقد أدى ذلك إلى تهميش دور الخليفة؛ مما أثار حفيظة عدد من صنائع العبيديين الذين قاموا بالعديد من الثورات والمؤامرات؛ لأجل إعادة الحكم لسادتهم، وقد استعانوا في مؤامراتهم تلك بالصليبيين أعداء الأمة، وكذلك بفرقة الإسماعيلية الباطنية الشيعية المعروفة بالحشيشية، ولكنَّ الله U مكَّن صلاح الدين من القضاء على تلك المؤامرات[8].
تراوحت العلاقة الأيوبية مع الخلافة العباسية في عهد صلاح الدين بين الحِيدَة والفتور, فقد عاش صلاح الدين في كَنَفِ الزنكيين الذين ربطتهم بالخلافة العباسية علاقات جيدة بشكل عام؛ فكان نور الدين محمود يحترم الخليفة العباسي المستضيء بأمر الله تدينًا بناءً على عقيدته السُّنِّيَّة, وحرص على كسب رضاه, وكذلك بادله الخليفة هذا الاحترام, فكان يحث أمراء الأطراف على مساندته في حربه ضد الصليبيين, كما أرسل إليه الخلع والتشريفات.
فكان طبيعيًّا أن ينهج صلاح الدين نهج نور الدين محمود, وأن يستفيد من سياسته تجاه الخلافة العباسية, فابتدأت علاقته الجيدة منذ عام (567هـ= 1171م). وفي الوقت الذي كان فيه وزيرًا للخليفة الفاطمي (العاضد), فقد طلب منه الخليفة العباسي آنذاك أن يقطع الخطبة للفاطميين, ويدعو للعباسيين على منابر مصر، ففعل ذلك احترامًا منه لمقام الخلافة التي يدين لها بالطاعة والولاء.
وبعد وفاة نور الدين محمود, اضطربت الأوضاع في بلاد الشام بفعل الخلافات بين الأمراء؛ فاستغل الصليبيون ذلك, وهاجموا الأراضي الإسلامية؛ مما استدعى تدخل صلاح الدين, وحتى يعطي تدخله مبررًا شرعيًّا, ويحافظ على ما سوف يحققه من إنجازات, كتب إلى الخليفة العباسي, يصور له أوضاع بلاد الشام السياسية المضطربة, وتَوَثُّبَ الصليبيين عندما هاجموا الإسكندرية, وأوضح له سبب ضم اليمن, بأنه لضرب المهدي المبتدع, وأعقب كل ذلك برجائه من الخليفة أن يُنْعِمَ عليه بتقليد جامع لمصر والمغرب واليمن والشام, وكل ما تشتمل عليه ولاية نور الدين محمود, وكل ما يفتحه اللهُ للدولة على يديه؛ فاستجاب الخليفة لمطالبه.
وعلى الرغم مما توافر له من القوة التي فاقت قوة نور الدين محمود، كان صلاح الدين بحاجة إلى مساندة الخلافة في صراعه مع الأمراء المسلمين المناوئين, وبخاصة الزنكيين؛ لذلك كان يُطْلِعَ الخلافة على تحركاته ومنجزاته ليكسب تأييدها, وحتى لا يُتَّهَم بأنه يقاتل من أجل مطامع شخصية؛ فيخسر مساندة الخلافة له, ولكي لا يُتَّهَمَ بقتال المسلمين, وترك قتال الصليبيين.
ولكن في عهد الخليفة أبي العباس أحمد بن المستضيء شعر هذا بالقلق من تحركات صلاح الدين، وخشي أن يمتد نفوذه حتى عاصمة الخلافة؛ لذا اكتفى بتأييده ظاهريًّا، وبمساعدات قليلة حتى لا يزيده قوة[9].
عندما استقر صلاح الدين في منصب الوزارة في مصر أعد نفسه لإحداث تغيير جذري وشامل داخل مصر في كافة المجالات, وكانت مهمته هي التصدي للمشكلات التي أثارها مركزه، فرغم أن التناقض الظاهر من وجود وزير سني لدى خليفة فاطمي لم يكن بالوضع الجديد؛ لأنه طيلة قرن تقريبًا كان هناك وزراء سنيون على مراحل متقطعة في مصر, لكن حركة الجهاد الإسلامي التي قادها نور الدين محمود تحت راية دولة الخلافة العباسية, بالإضافة إلى قيام وحدة فَعَّالة بين بلاد الشام ومصر تقف في وجه الصليبيين، حَتَّمت على نور الدين محمود وبالتالي صلاح الدين الالتزام بإعادة مصر إلى حظيرة الولاء للعباسيين, ولكن الضرورة دعته إلى تمهيد السبيل أمام التغيير رغم إلحاح نور الدين محمود وعتاب الخليفة العباسي؛ لأنه أدرك أن التغيير السريع لا بد أن يولد ردَّ فعلٍ فوري معاكس لا يمكن تدارك نتائجه[10].
وضَمِنَت الخطوات التمهيدية العسكرية والاقتصادية والدينية التي نفذها إحكام قبضته على البلاد. ومع نهاية عام 566هـ= 1171م وضحت أهداف صلاح الدين بحكم عقيدته السنية في إسقاط الدولة الفاطمية في مصر, وإقامة الخطبة للعباسيين.
[1] دوين: بلدة من نواحي أَرَّان في آخر حدود أذربيجان بالقرب من تفليس.
[2] جمال الدين محمد بن واصل: مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، ج1 ص5، 6.
[3] ابن خلكان: ج1ص141.
[4] ابن خلكان: ج1 ص139، 140.
[5] د/ محمد سهيل طقوش: تاريخ الأيوبيين، ص19.
[6] أبو شامة ج2 ص68، 71.
[7] العماد الأصفهاني ص81، والقلقشندي: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، ج10 ص80،100.
[8] طقوش: تاريخ الأيوبيين، ص42: 45.
[9] طقوش: تاريخ الأيوبيين، ص84: 87.
[10] د/ طقوش: تاريخ الأيوبيين, ص33, 34. وانظر أيضًا د/ طقوش: تاريخ الزنكيين, ص390.
بعد وفاة نور الدين محمود في عام (569هـ = 1174م) خلفه ابنه الملك الصالح إسماعيل الذي لم يكن على مستوى الأحداث بفعل صغر سنه, وافتقاره إلى الخبرة والتجربة.
وبرز من جهة أخرى صلاح الدين الأيوبي كَوَارِثٍ طبيعيٍّ، استطاع أن يملأ الفراغ القيادي الذي ظهر بعد وفاة نور الدين محمود, وبوفاة الملك الصالح إسماعيل عام (577هـ= 1181م) زال هذا القسم من الدولة الزنكية, ودخل في حُكْمِ صلاح الدين بعد صراع دامٍ مع دولة الموصل.
أصل الأيوبيين :
أمّا عن أصول صلاح الدين الأيوبي، فإنَّ الأيوبيين ينتسبون إلى أيوب بن شادي من بلدة (دوين)[1] الواقعة عند آخر حدود أذربيجان بالقرب من تفليس في أرمينية, وجميع أهل ذلك البلد من الأكراد.
غير أن بعض الأيوبيين حاول أن يبتعد عن الأصل الكردي, وأن يلتصق بالدم العربي بعامة, وبنسل بني أمية بخاصة, وأنكروا نسبتهم إلى الأكراد, وقالوا: "إنما نحن عرب؛ نزلنا عند الأكراد, وتزوجنا منهم"[2].
لكن صلاح الدين أنكر هذا النسب العربي, وقال: "ليس لهذا الأصل أصلٌ"[3] ادعاء.. ولم يكن العادل الأيوبي أقل إنكارًا من أخيه صلاح الدين لهذا الأمر.. ثم انتقلت الأسرة من (دوين) في بداية القرن السادس الهجري= الثاني عشر الميلادي, حين غادر شادي مع ابنيه: نجم الدين أيوب وأسد الدين شيركوه المنطقة إلى تكريت؛ حيث عينه شحنتها مجاهد الدين بَهْرُوز حاكمًا عليها؛ نظرًا لصلات الصداقة التي تربطهما, ولمَّا تُوُفِّيَ خلفه ابنه نجم الدين أيوب[4].
أسد الدين شيركوه :
لكن أوضاع الأسرة اضطربت بعد ذلك بسبب مساعدة نجم الدين أيوب لعماد الدين زنكي بعد هزيمته عام (526هـ= 1131م) أمام قوات الخليفة المسترشد بالله (512- 529هـ = 1118- 1135م), وترتب على هذه المساعدة آثار بالغة الأهمية على مستقبل الأسرة؛ لأنها أغضبت بَهْرُوزَ الذي عَدَّ مساعدة أيوب لزنكي خروجًا على السلطة.
وحدثت في الوقت نفسه حادثة أدت إلى زيادة مخاوف بهروز وقلقه من تعاظم نفوذ الأسرة؛ ذلك أن أسد الدين شيركوه قتل أحد مماليك بهروز دون مبرر مقنع، فأخرجهما هذا الأخير من قلعة تكريت, فتوجها إلى بلاد عماد الدين زنكي, وانخرطا منذ ذلك الوقت في سلك جنده, وبعد أن قُتِلَ عماد الدين زنكي في عام (541هـ= 1146م) اجتمع الأخوان في خدمة نور الدين محمود وارتفع شأنهما عنده, واختار نور الدين محمود أسد الدين شيركوه؛ ليقود قواته إلى مصر للاستيلاء عليها وضمها إلى بلاد الشام, وقد صحبه ابن أخيه صلاح الدين في جميع حملاته[5].
وعندما نجح في مهمته, تولى منصب الوزارة في مصر في ظل الحكم الفاطمي المتداعي, وعندما توفي في (22 من جُمَادَى الآخرة عام 564هـ= 23 من آذار عام 1169م) خلفه ابن أخيه صلاح الدين في المنصب[6].
أيقظت خلافة أسد الدين شيركوه في منصبه الكثير من الطموحات بين الفرقاء؛ إذ حدثت إثر وفاته خلافات وتنافسات على منصب الوزارة بين عدة فئات منها:
صلاح الدين يتولى وزارة مصر :
المؤسسة العسكرية الفاطمية, وبعض أمراء نور الدين محمود الأتراك الذين رافقوا الحملة، بينما ظل صلاح الدين في الظل صامتًا, ولكن الفقيه عيسى الهكاري سانده مُقتَرِحًا ترشيحه لهذا المنصب؛ فقرر الخليفة (العاضد) اختيار صلاح الدين لاعتلاء منصب الوزارة خَلَفًا لعمه؛ لاعتقاده أن صِغَر سنِّه وافتقاره للتجربة سوف يرغمانه على الاعتماد على موظفي الدولة الفاطمية, وتجعله أداة سهلة في يد الخليفة، يستغلها في القضاء على بقية أعوان أسد الدين شيركوه, وكان عمر صلاح الدين آنذاك اثنتين وثلاثين سنة, ولقَّبَه بالملك الناصر وذلك في (25 من جمادى الآخرة عام 564هـ=26 من آذار عام 1169م)[7] آلت الوزارة إليه؛ لأنه أصبح وزيرًا للخليفة الفاطمي الشيعي, ونائبًا عن نور الدين محمود صاحب دمشق السُّنِّي في ذات الوقت؛ فاضطر إلى الدعاء لهما معًا في الخطبة, ثم أخذ يقوي مركزه في مصر, ويعمل على اكتساب محبة أهلها؛ ليشتدَّ بهم أزرُه ويستقلَّ بهذه البلاد..
وقد رأى صلاح الدين أن مركزه قد أصبح شديد الحرج, فبعد أن تولى صلاح الدين منصب الوزارة في مصر استطاع أن يُحكِمَ قبضته على مُقدَّرَات الدولة, وقد أدى ذلك إلى تهميش دور الخليفة؛ مما أثار حفيظة عدد من صنائع العبيديين الذين قاموا بالعديد من الثورات والمؤامرات؛ لأجل إعادة الحكم لسادتهم، وقد استعانوا في مؤامراتهم تلك بالصليبيين أعداء الأمة، وكذلك بفرقة الإسماعيلية الباطنية الشيعية المعروفة بالحشيشية، ولكنَّ الله U مكَّن صلاح الدين من القضاء على تلك المؤامرات[8].
تراوحت العلاقة الأيوبية مع الخلافة العباسية في عهد صلاح الدين بين الحِيدَة والفتور, فقد عاش صلاح الدين في كَنَفِ الزنكيين الذين ربطتهم بالخلافة العباسية علاقات جيدة بشكل عام؛ فكان نور الدين محمود يحترم الخليفة العباسي المستضيء بأمر الله تدينًا بناءً على عقيدته السُّنِّيَّة, وحرص على كسب رضاه, وكذلك بادله الخليفة هذا الاحترام, فكان يحث أمراء الأطراف على مساندته في حربه ضد الصليبيين, كما أرسل إليه الخلع والتشريفات.
فكان طبيعيًّا أن ينهج صلاح الدين نهج نور الدين محمود, وأن يستفيد من سياسته تجاه الخلافة العباسية, فابتدأت علاقته الجيدة منذ عام (567هـ= 1171م). وفي الوقت الذي كان فيه وزيرًا للخليفة الفاطمي (العاضد), فقد طلب منه الخليفة العباسي آنذاك أن يقطع الخطبة للفاطميين, ويدعو للعباسيين على منابر مصر، ففعل ذلك احترامًا منه لمقام الخلافة التي يدين لها بالطاعة والولاء.
وبعد وفاة نور الدين محمود, اضطربت الأوضاع في بلاد الشام بفعل الخلافات بين الأمراء؛ فاستغل الصليبيون ذلك, وهاجموا الأراضي الإسلامية؛ مما استدعى تدخل صلاح الدين, وحتى يعطي تدخله مبررًا شرعيًّا, ويحافظ على ما سوف يحققه من إنجازات, كتب إلى الخليفة العباسي, يصور له أوضاع بلاد الشام السياسية المضطربة, وتَوَثُّبَ الصليبيين عندما هاجموا الإسكندرية, وأوضح له سبب ضم اليمن, بأنه لضرب المهدي المبتدع, وأعقب كل ذلك برجائه من الخليفة أن يُنْعِمَ عليه بتقليد جامع لمصر والمغرب واليمن والشام, وكل ما تشتمل عليه ولاية نور الدين محمود, وكل ما يفتحه اللهُ للدولة على يديه؛ فاستجاب الخليفة لمطالبه.
وعلى الرغم مما توافر له من القوة التي فاقت قوة نور الدين محمود، كان صلاح الدين بحاجة إلى مساندة الخلافة في صراعه مع الأمراء المسلمين المناوئين, وبخاصة الزنكيين؛ لذلك كان يُطْلِعَ الخلافة على تحركاته ومنجزاته ليكسب تأييدها, وحتى لا يُتَّهَم بأنه يقاتل من أجل مطامع شخصية؛ فيخسر مساندة الخلافة له, ولكي لا يُتَّهَمَ بقتال المسلمين, وترك قتال الصليبيين.
ولكن في عهد الخليفة أبي العباس أحمد بن المستضيء شعر هذا بالقلق من تحركات صلاح الدين، وخشي أن يمتد نفوذه حتى عاصمة الخلافة؛ لذا اكتفى بتأييده ظاهريًّا، وبمساعدات قليلة حتى لا يزيده قوة[9].
عندما استقر صلاح الدين في منصب الوزارة في مصر أعد نفسه لإحداث تغيير جذري وشامل داخل مصر في كافة المجالات, وكانت مهمته هي التصدي للمشكلات التي أثارها مركزه، فرغم أن التناقض الظاهر من وجود وزير سني لدى خليفة فاطمي لم يكن بالوضع الجديد؛ لأنه طيلة قرن تقريبًا كان هناك وزراء سنيون على مراحل متقطعة في مصر, لكن حركة الجهاد الإسلامي التي قادها نور الدين محمود تحت راية دولة الخلافة العباسية, بالإضافة إلى قيام وحدة فَعَّالة بين بلاد الشام ومصر تقف في وجه الصليبيين، حَتَّمت على نور الدين محمود وبالتالي صلاح الدين الالتزام بإعادة مصر إلى حظيرة الولاء للعباسيين, ولكن الضرورة دعته إلى تمهيد السبيل أمام التغيير رغم إلحاح نور الدين محمود وعتاب الخليفة العباسي؛ لأنه أدرك أن التغيير السريع لا بد أن يولد ردَّ فعلٍ فوري معاكس لا يمكن تدارك نتائجه[10].
وضَمِنَت الخطوات التمهيدية العسكرية والاقتصادية والدينية التي نفذها إحكام قبضته على البلاد. ومع نهاية عام 566هـ= 1171م وضحت أهداف صلاح الدين بحكم عقيدته السنية في إسقاط الدولة الفاطمية في مصر, وإقامة الخطبة للعباسيين.
[1] دوين: بلدة من نواحي أَرَّان في آخر حدود أذربيجان بالقرب من تفليس.
[2] جمال الدين محمد بن واصل: مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، ج1 ص5، 6.
[3] ابن خلكان: ج1ص141.
[4] ابن خلكان: ج1 ص139، 140.
[5] د/ محمد سهيل طقوش: تاريخ الأيوبيين، ص19.
[6] أبو شامة ج2 ص68، 71.
[7] العماد الأصفهاني ص81، والقلقشندي: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، ج10 ص80،100.
[8] طقوش: تاريخ الأيوبيين، ص42: 45.
[9] طقوش: تاريخ الأيوبيين، ص84: 87.
[10] د/ طقوش: تاريخ الأيوبيين, ص33, 34. وانظر أيضًا د/ طقوش: تاريخ الزنكيين, ص390.
Nabil LacRiM- مراقب الكمبيوتر والانترنت
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 2639نقاط التميز : 4581الجنس :العمر : 28الأبراج :
رد: قصة الدولة الأيوبية ج١
بارك الله فيكم وأرضاكم واصلوا اتحافنا بكل جديد ومفيد
لكم من الابداع رونقه ومن الاختيار جماله
رائع ماتقدموه من ابداع جميل
ننتظر المزيد منكم
لكم من الابداع رونقه ومن الاختيار جماله
رائع ماتقدموه من ابداع جميل
ننتظر المزيد منكم
ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ- نجم ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 3052نقاط التميز : 5482الجنس :العمر : 24الأبراج :
رد: قصة الدولة الأيوبية ج١
بصراحــه رائع جدا هذا الموضوع
بصراحه انت تمتلك ذوق راقي في جـلب ماهو مميّز وجميل
دائما كلماتك ترتدي ثوب التميز والابداع الثقيلان
صح أحساسك ولسانك ودام توهجك
التوقيع
_________________
منتدى احلى تومبلايت
مواضيع مماثلة
» قصة الدولة الأيوبية ج٢
» نهاية الدولة الأيوبية
» خريطة الدولة الاموية وكم سنة حكمت
» نتائج سقوط الدولة الاموية
» معركة قونية أهم المعارك بين مصر و الدولة العثمانية
» نهاية الدولة الأيوبية
» خريطة الدولة الاموية وكم سنة حكمت
» نتائج سقوط الدولة الاموية
» معركة قونية أهم المعارك بين مصر و الدولة العثمانية
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى