معالجة القرآن لداء العنصرية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

معالجة القرآن لداء العنصرية

مُساهمة من طرف professeur الأربعاء يناير 15, 2020 3:48 am


إن داء العنصرية يصيب الإنسان بالعدوى التي لا تقبل العلاج إلا بالإيمان الراسخ واليقين الثابت بمنهاج القرآن الكريم، وليس ذاك إلا أن التفاضل الذي يترامى عليه العنصريون وتروج عباراتهم بين ألفاظ مختلفة، ويطلقون عليها “طبقية”، و”فوقية”، حتى وسمت اليهودية نفسها بالشعب المختار، تنبع من العصبيات الجاهلية، وحب السيطرة* والاستعباد العنصري.
وهذا الداء نبه عليه القرآن الكريم في وصاياه وتشريعاته، وحذر من تبعاته وعدواه التي يسرع انتشارها في المجتمع الإنساني، وسلك في سبيل معالجته مناهج واضحة تدل على أنه كلام رب الخلائق، وهو الذي صور الإنسان فسواه، ومنّ عليه بمواهب كثيرة؛ فأعطاه السمع والبصر والفؤاد، يعقل بها ويتدبر فيما حوله من ملكوت السماوات والأرض. ومما يمكن إبرازه من مسالك علاج القرآن الكريم لداء العنصرية أمران.* أحدهما بيان القرآن الكريم طبيعة البشرية، والآخر تحديد أساس العنصرية.
المسلك الأول – بين القرآن الكريم طبيعة الإنسان من أصل خلقته، وحقيقته، يدرك منها مكانته في مسارات الحياة، ومعاملاته مع أفراد الإنسان من لدن أسرته الخاصة انتهاء إلى مجتمعه ومحيطاته الواسعة، ومعرفة هذه الحقيقة تعينه على إحداث التغييرات في أفكاره وتصوراته، بل تنقله من العادات الجاهلية.
جاء في فاتحة سورة النساء قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). ذكر القرآن الكريم خلال هذه الآية جملة من الحقائق التي تكشف أصل الخليقة البشرية ثم أتبعها بتفاصيل مبثوثة في معان ومواضع مختلفة في القرآن الكريم، ويصدق القول بأن البيان هنا إجمالي نظرا لموضع السورة من حيث الترتيب المكاني في المصحف، ولكن لو تأملنا جهة الترتيب الزمني للسور فإنه يظهر لنا بدون شك أن سورة النساء مما نزلت متأخرة لما اشتملت عليه من الأحكام التفصيلية، فهي سورة مدنية باتفاق المفسرين، تقول عائشة: “وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ”[1].
وإن البيان عن ترتيب سورة النساء المكاني والزمني يفيدنا أن الحقائق التي سنذكرها في معالجة القرآن للعنصرية من خلال أغراض هذه الآية تمثل حقوقاً ومسؤوليات وواجبات، فهي بالتالي ليست حقائق معرفية فحسب، وإنما هي حقائق عملية ثابتة* يلزم ضرورة رعايتها، واقتضى حكمها الوجوب، ويجلب الثواب حين الحفاظ عليها، كما إن الإفراط بها يستوجب العقوبة والعتاب.
ومن الحقائق التي تثبتها الآية وتتطلب الرعاية والتأمل ما يأتي:
الحقيقة الأولى – مصدرالبشرية، فإن الآية تذكر بالأصل الذي صدر منه بنو البشر، وهذا المصدر نوع واحد وهو آدم دون التفرقة بين هذا الأصل، واقتضى هذا التذكير بنعمة الخلق أن يشكر الإنسان خالقه، ويراعي حقوق هذا النوع الذي يربطهم، بأن يصل الأرحام القريبة منها والبعيدة، وبالرفق بضعفاء النوع من اليتامى، ويراعي حقوق صنف النساء من نوعهم بإقامة العدل في معاملاتهن[2].
الحقيقة الثانية – خلق البشرية بإرادة واحدة، وذلك أن الرابط الذي يجمع الناس على اختلاف ألوانهم ولغاتهم صدروا من إرادة واحدة، تتصل في رحم واحدة، وتلتقي في وشيجة واحدة، وتنتسب إلى نسب واحد (خلقكم من نفس واحدة)، وهذه الإرادة الإلهية كانت باختيار الله تعالى المطلق، ومرتبط بحكمة أرادها الله من خلق هذا النوع، وحين يذكر الناس هذه الحقيقة فإنه يلغي كل الفروقات التي ينسجها العباد فيما بينهم، ويكفل باستبعاد الصراع العنصري الذي يتجرعه الإنسان بين الألوان والعناصر والجنسيات.
الحقيقة الثالثة –* موضع المرأة من هذا النوع، وذلك أن الآية كما ركزت على أن المصدر البشري واحد، وجاء تبعا لإرادة التكوين الواحدة، كذلك أشارت الآية إلى نسب المرأة المتصل بالنوع الأول، ولم تغض من منزلتها، وألغت الأفكار الطبقية التي ترى المرأة بالنظرة الدونية، وتنقص من طبيعتها، وهي كما بينت الآية مخلوقة من النوع الأول طبعا وفطرة.

لذلك رد ابن عاشور على من زعم أن المعنى “وخلق زوجها” أن هذا الخلق من نوع خاص بها! فقال: (إن صاحب هذه المقولة لم يأت بطائل، لأن ذلك لا يختص بنوع الإنسان فإن أنثى كل نوع هي من نوعه.
وعطف قوله: وخلق منها زوجها على خلقكم من نفس واحدة، فهو صلة ثانية..)[3].
وهذا يلغي الفرق بين التمييز والتفاضل في المعاملة بين الذكر والأنثى على أساس الخلق.
الحقيقة الرابعة – الأسرة قاعدة الحياة البشرية، فإن إرادة الله اقتضت أن تبدأ هذه النبتة من بني البشر بأسرة واحدة في الأرض، فخلق ابتداء نفسا واحدة، ومنها خلق زوجها، ثم (بث منهما رجالا وكثيرا)،ولو شاء الله لخلق في أول النشأة رجالا كثيرا ونساء، فيكوّنوا أسرا شتى من أول الطريق، لا يجمعهم رحم ولا نسب، لكن شاءت قدرة الله سبحانه، وللحكمة يريدها الله، فبدأ الخلق بإرادة واحدة، ومن نفس واحدة، ومن رحم واحد، حتى تتعدد وتتضاعف الوشائج، فيبدأ من وشيجة الربوبية، ثم بوشيجة الرحم، وانتهاء بوشيجة الأسرة التي يقوم عليها نظام المجتمع الإنساني[4].
يقول ابن عاشور: “وفي معاني هذه الصلات زيادة تحقيق اتصال الناس بعضهم ببعض، إذ الكل من أصل واحد، وإن كان خلقهم ما حصل إلا من زوجين فكل أصل من أصولهم ينتمي إلى أصل فوقه.

وقد حصل من ذكر هذه الصلات تفصيل لكيفية خلق الله الناس من نفس واحدة.”[5]
[1] *صحيح البخاري، فضائل القرآن (4993).
[2] التحرير والتنوير (4/213).
[3] *المصدر السابق (4/215).
[4] *الإسلام والعنصرية (19).
[5] *التحرير والتنوير (4/216).


professeur
professeur
مراقب المنتدى

تاريخ التسجيل : 31/08/2018
المساهمات : 1825
نقاط التميز : 3849
العمر : 35
الأبراج : العقرب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: معالجة القرآن لداء العنصرية

مُساهمة من طرف New Post الأربعاء يناير 15, 2020 8:54 pm


بارك الله فيك علـى المـوضوع الجمـيل والطـرح الممـيز

أفـدتنا بمـعلومات قـيمة ومفيدة جـزاك الله خـيرا

نحـن في انتظـار مواضيـعك الجديـدة والرائـعة

New Post
New Post
مديرة ستار ديس

تاريخ التسجيل : 24/08/2018
المساهمات : 4133
نقاط التميز : 6472
الجنس : انثى
العمر : 24
الأبراج : الميزان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: معالجة القرآن لداء العنصرية

مُساهمة من طرف Derraz Boujemaa الجمعة يناير 17, 2020 10:01 pm


شكرا جزيلا على المتابعة

بارك الله فيك





التوقيع

_________________
 معالجة القرآن لداء العنصرية  13352848165
Derraz Boujemaa
Derraz Boujemaa
مؤسس ستار ديس

تاريخ التسجيل : 20/08/2018
المساهمات : 5189
نقاط التميز : 9415
الجنس : ذكر

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى