إنما الغنى غنى القلب ، و الفقر فقر القلب
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
إنما الغنى غنى القلب ، و الفقر فقر القلب
الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، ألمانِّ عليهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نَعْمَائه، الذي أنشأ الخلق حينأراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته، فألهمهم حسن الإطلاق، وركَّبَ فيهم تشعُّبَ الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وعلى تشعب أخلاقهم يدورون، وفيما قضى وقدر عليهم يهيمون و{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون: 53]، أما بعد:
عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله – صل الله عليه وسلم – :(( يا أبا ذر ، أترى كثرة المال هو الغنى ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : فترى قلة المال هو الفقر ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : إنما الغنى غنى القلب ، و الفقر فقر القلب ))[1] .
وفقر القلب : خلوه من دوام الافتقار إلى الله في كل حال ، وبعده عن مشاهدة فاقته التامة إلى الله تعالى من كل وجه[2] .
و” إنما يحصل غنى النفس بغنى القلب ؛ بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره ، فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه ، ويفزع إليه في كشف ضرائه ، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى ”[3]
وهذا المعنى يرجع إلى الفقر الذي ذكره الله تبارك و تعالى في قوله في سورة [ فاطر : 15 ] : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ } ، وهي مكية .
وفقر النفس يقابله غنى النفس .
ومن رضي بما قسم له فهو من أغنى الناس نفساً .
عن الحسن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :(( من يأخذ عنى هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن ؟ فقال أبو هريرة : فقلت : أنا يا رسول الله . فأخذ بيدي فعدَّ خمساً وقال : اتق المحارم تكن أعبد الناس ، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً ، و أحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً ، ولا تكثر الضَّحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ))[4]
وقال الدارمي رحمه الله :(( أخبرنا عبد الله بن موسى عن عثمان بن الأسود عن عطاء قال : قال موسى : يا رب أي عبادك أحكم ؟ قال : الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه ، قال : يا رب ، أي عبادك أغنى ؟ قال : أرضاهم بما قسمتُ له . قال : يا رب أي عبادك أخشى لك ؟ قال : أعلمهم بي ))[5]
و الرسول صل الله عليه وسلم استعاذ من فقر النفس ، وفقر القلَّة و الذلَّة ، وسأل الله تعالى المسكنة .قال ابن حجر رحمه الله : ( إن قيل ما وجه استعاذته صل الله عليه وسلم من الفقر ؟فالجواب : إن الذي استعاذ منه وكرهه فقر القلب ، و الذي اختاره و ارتضاه : طرح المال .وقال ابن عبد البر : الذي استعاذ منه هو الذي لا يدرك معه القوت و الكفاف ، ولا يستقر معه في النفس غنى ؛ لأن الغنى عنده صلى الله عليه وسلم غني النفس ، وقد قال تعالى : { وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى } [ الضحى : 8 ] ، ولم يكن غناه أكثر من ادخاره قوت سنة لنفسه وعياله ، وكان الغنى محله في قلبه ثقة بربه ، وكان يستعيذ بالله من فقر منسي ، وغنى مطغي .وفيه دليل على أن للغنى و الفقر طرفين مذمومين ، وبهذا تجتمع الأخبار في هذا المعنى ) ا.هـ[6] .
***
الشيخ الدكتور : محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله تعالى .
من كتاب : "أحكام الفقير و المسكين في القرآن العظيم و السنة المطهرة” من صفحة [165] إلى صفحة [168]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]حديث صحيح .أخرجه ابن حبان في صحيحه ( الإحسان 2/461 حديث رقم 685 ) ، في قصة ، هذا بعضها ؛ و أخرجه الحاكم في المستدرك ( 4/327 ) وقال : (( هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه بهذه السياقة ، إنما أخرجاه من طريق الأعمش عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر مختصراً )) ا.هـ ؛ و أخرجه الطبراني في الكبير ( 2/154 ، تحت رقم 1643 ) ، وقال في مجمع الزوائد (10/237) : (( رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه )) ا.هـوالحديث صححه محقق الإحسان على شرط مسلم ، وصححه مجدي فتحي السيد في تحقيقه لكتاب ( قمع الحرص بالزهد و القناعة ) للقرطبي ص 121 .
[2]انظر : مدارج السالكين (2/440) .
[3]من كلام ابن حجر رحمه الله ، في فتح الباري (11/273) . وانظر كلاماً للقرطبي في هذا المعنى فيه (11/272) ، وقارن بـ : قمع الحرص بالزهد و القناعة ص 120 .
[4]حديث صحيح لغيره .أخرجه أحمد في المسند بنحوه (2/410) ؛ و الترمذي في أوَّل كتاب الزهد ، حديث رقم (2305) .و الحديث قال عنه الترمذي رحمه الله : ( قال أبو عيسى : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان ، و الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئاً ، هكذا رُوِيَ عن أيوب ويونس بن عبيد و علي بن زيد قالوا لم يسمع الحسن من أبي هريرة ، وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قوله ولم يذكر فيه عن أبي هريرة ، عن النبي صل الله عليه وسلم ) ا.هـوالحديث حسنه لغيره الألباني في السلسلة الصحيحة ، حديث رقم (930) .
[5]سنن الدارمي المقدمة ، باب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله ، تحت رقم (362) .
[6]التلخيص الحبير (3/123) ، و انظر منه (3/109) ، وقارن بـ : تحفة الأحوذي (3/271)
عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله – صل الله عليه وسلم – :(( يا أبا ذر ، أترى كثرة المال هو الغنى ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : فترى قلة المال هو الفقر ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : إنما الغنى غنى القلب ، و الفقر فقر القلب ))[1] .
وفقر القلب : خلوه من دوام الافتقار إلى الله في كل حال ، وبعده عن مشاهدة فاقته التامة إلى الله تعالى من كل وجه[2] .
و” إنما يحصل غنى النفس بغنى القلب ؛ بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره ، فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه ، ويفزع إليه في كشف ضرائه ، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى ”[3]
وهذا المعنى يرجع إلى الفقر الذي ذكره الله تبارك و تعالى في قوله في سورة [ فاطر : 15 ] : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ } ، وهي مكية .
وفقر النفس يقابله غنى النفس .
ومن رضي بما قسم له فهو من أغنى الناس نفساً .
عن الحسن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :(( من يأخذ عنى هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن ؟ فقال أبو هريرة : فقلت : أنا يا رسول الله . فأخذ بيدي فعدَّ خمساً وقال : اتق المحارم تكن أعبد الناس ، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً ، و أحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً ، ولا تكثر الضَّحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ))[4]
وقال الدارمي رحمه الله :(( أخبرنا عبد الله بن موسى عن عثمان بن الأسود عن عطاء قال : قال موسى : يا رب أي عبادك أحكم ؟ قال : الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه ، قال : يا رب ، أي عبادك أغنى ؟ قال : أرضاهم بما قسمتُ له . قال : يا رب أي عبادك أخشى لك ؟ قال : أعلمهم بي ))[5]
و الرسول صل الله عليه وسلم استعاذ من فقر النفس ، وفقر القلَّة و الذلَّة ، وسأل الله تعالى المسكنة .قال ابن حجر رحمه الله : ( إن قيل ما وجه استعاذته صل الله عليه وسلم من الفقر ؟فالجواب : إن الذي استعاذ منه وكرهه فقر القلب ، و الذي اختاره و ارتضاه : طرح المال .وقال ابن عبد البر : الذي استعاذ منه هو الذي لا يدرك معه القوت و الكفاف ، ولا يستقر معه في النفس غنى ؛ لأن الغنى عنده صلى الله عليه وسلم غني النفس ، وقد قال تعالى : { وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى } [ الضحى : 8 ] ، ولم يكن غناه أكثر من ادخاره قوت سنة لنفسه وعياله ، وكان الغنى محله في قلبه ثقة بربه ، وكان يستعيذ بالله من فقر منسي ، وغنى مطغي .وفيه دليل على أن للغنى و الفقر طرفين مذمومين ، وبهذا تجتمع الأخبار في هذا المعنى ) ا.هـ[6] .
***
الشيخ الدكتور : محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله تعالى .
من كتاب : "أحكام الفقير و المسكين في القرآن العظيم و السنة المطهرة” من صفحة [165] إلى صفحة [168]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]حديث صحيح .أخرجه ابن حبان في صحيحه ( الإحسان 2/461 حديث رقم 685 ) ، في قصة ، هذا بعضها ؛ و أخرجه الحاكم في المستدرك ( 4/327 ) وقال : (( هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه بهذه السياقة ، إنما أخرجاه من طريق الأعمش عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر مختصراً )) ا.هـ ؛ و أخرجه الطبراني في الكبير ( 2/154 ، تحت رقم 1643 ) ، وقال في مجمع الزوائد (10/237) : (( رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه )) ا.هـوالحديث صححه محقق الإحسان على شرط مسلم ، وصححه مجدي فتحي السيد في تحقيقه لكتاب ( قمع الحرص بالزهد و القناعة ) للقرطبي ص 121 .
[2]انظر : مدارج السالكين (2/440) .
[3]من كلام ابن حجر رحمه الله ، في فتح الباري (11/273) . وانظر كلاماً للقرطبي في هذا المعنى فيه (11/272) ، وقارن بـ : قمع الحرص بالزهد و القناعة ص 120 .
[4]حديث صحيح لغيره .أخرجه أحمد في المسند بنحوه (2/410) ؛ و الترمذي في أوَّل كتاب الزهد ، حديث رقم (2305) .و الحديث قال عنه الترمذي رحمه الله : ( قال أبو عيسى : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان ، و الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئاً ، هكذا رُوِيَ عن أيوب ويونس بن عبيد و علي بن زيد قالوا لم يسمع الحسن من أبي هريرة ، وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قوله ولم يذكر فيه عن أبي هريرة ، عن النبي صل الله عليه وسلم ) ا.هـوالحديث حسنه لغيره الألباني في السلسلة الصحيحة ، حديث رقم (930) .
[5]سنن الدارمي المقدمة ، باب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله ، تحت رقم (362) .
[6]التلخيص الحبير (3/123) ، و انظر منه (3/109) ، وقارن بـ : تحفة الأحوذي (3/271)
New Post- مديرة ستار ديس
- تاريخ التسجيل : 24/08/2018المساهمات : 4133نقاط التميز : 6472الجنس :العمر : 25الأبراج :
رد: إنما الغنى غنى القلب ، و الفقر فقر القلب
شكرا لك على هذه المعلومات
وعلى هذه المشاركة الرائعة
والموضوع المميز
وعلى هذه المشاركة الرائعة
والموضوع المميز
ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ- نجم ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 3052نقاط التميز : 5482الجنس :العمر : 25الأبراج :
مواضيع مماثلة
» يا أبا ذر ، أترى كثرة المال هو الغنى ؟ قلت : نعم يا رسول الله
» الفقر في إفريقيا .. خصوصيته وإستراتيجية اختزاله
» أسماء الغريب .. قروية صماء بكماء تتحدى الفقر واليتم بلغة الألوان
» إنما العلم بالتعلم
» حديث : إنما الأعمال بالنيات
» الفقر في إفريقيا .. خصوصيته وإستراتيجية اختزاله
» أسماء الغريب .. قروية صماء بكماء تتحدى الفقر واليتم بلغة الألوان
» إنما العلم بالتعلم
» حديث : إنما الأعمال بالنيات
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى