عن الحرية وأعدائها

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

عن الحرية وأعدائها

مُساهمة من طرف professeur الخميس ديسمبر 26, 2019 2:42 am


 عن الحرية وأعدائها N4hr_1544132202262

عن الحرية وأعدائها

يتعاظم الاهتمام بالحرية كونها قيمة إنسانية عليا، إن لم تكن الأعلى. إلا أن الحرية تبرز أول ما تبرز في الجهاز المفاهيمي للإنسان بصفتها مناقضة للاستبداد السياسي، أو باختزال شديد، كترجمة لحرية الفرد في اختيار من يحكمه. أو بشمولية أكثر هي "حرية الإنسان في أن يفعل ما يريد حين يصمت القانون”.

من هنا يجبرنا الفهم العام على رسم حدود ضيقة جدًّا للحرية، وعلى تعريفات مبتسرة في أحيانًا كثيرة، لذا نجد كثيرًا من الناس يكتفي بقياس الحرية بناءً على الحرية السياسية التي تبدو بمنزلة العمود الفقري لبقية الحريات للتدليل على توفرها واستيفاء شروطها، أو بالحرية الدينية كحفظ هوية الجماعة من خلال حماية رموزها وإقامة شعائرها حيث يُتَعامَى عن الحرية الاقتصادية والاجتماعية بشكل لا يخلو من الريبة.

إن الهستيريا الغرائزية المصاحبة لسطوة الرأي العام المحيطة بنا تجعل مسؤولية توسيع النقاش حول الحرية ونقلها إلى حيز آخر لا يقل أهمية عما ذكرنا هي مسؤولية لا تحتمل التأخير، فهذا الجنس من النقاشات (الحقوق الأساسية للإنسان) و(حكم الشعب لنفسه )تُجُوِز منذ وقت باكر وراح الفلاسفة يغوصون في مُحيطات أعمق في الجانب الساعي لتقديم إجابة شافية عن كُنَه الإنسان الحر. أو ما الشروط الواجب توفيرها لكي يمارس الإنسان حريته، وما الظروف الملائمة التي تحمي حرية الاختيار أو توفر "حرية آمنة”.

إذًن، وببساطة شديدة، لم تعد الحقوق السياسية تحتل المكانة المرموقة ذاتها في جدول أعمال الأندية السياسية في النقاش الدائر بين بعض الليبراليين وبين "الجمهوريين الجدد”. فيما عدا نقطة مقدرة النظام الديمقراطي على تمثيل إرادة الناس وفق حرية آمنة. يكمن الفارق الجوهري في النقاش الفلسفي الذي تدور رحاه بين المدرستين في التالي: بالنسبة إلى الليبراليين عدم تدخل الآخرين في حياة الفرد، وامتلاكه لإرادة كاملة على خياراته التي لا يكرههُ عليها أحدث باستثناء القانون هي كمال الحرية. أما بالنسبة للجمهوريين الجدد فإن الإنسان الحر هو المُنعتق من تسلط الآخر، والمتحرر من التبعية، سواء كان هذا الآخر حاكما مستبدًا أو طغمة سياسية، أم مؤسسة دينية، أو شركة تجارية، فإن الحرية بالنسبة للجمهوريين الجدد نبتةُ خضراء طرية لدرجة يمكن لريح بسيطة أن تقتلها.

في خضم الحديث عن الحرية أود التركيز على نوع محدد من "قتل الحرية” يمارسه المجتمع بحق أفراده عن طريق الهيمنة والتسلط. فالهيمنة تتخذ أشكالا مختلفة، وقد يكون الاستبداد السياسي في بعض النماذج أقلها تطفلا على حرية أفراد المجتمع، فمحاولة تكميم الأفواه وقسر الأفراد على تبني خيارات معينة ليست حكرًا على الحكومة المستبدة التي تملك أدوات القمع، وسلطة تطبيق القانون دون ما أي مساءلة، إنما هناك قمع وإجبار يمارسه المجتمع ضد أفراده، يُسمى ب”الطغيان الاجتماعي”، لا يقل بشاعة عن ما تُمارسهُ السلطة المتجبرة إن لم يفقها. فالإكراه الاجتماعي كما يصفه ستيورت مل "لا يترك وسائل كثيرة للإفلات منه”، ويتغلغل في تفاصيل الحياة الخاصة للأفراد دونما رادع، فيحدد لهم ما هو مسموح وما هو ممنوع الحديث حوله وفيه. ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي. ما هو محبوب وما هو مكروه اجتماعيًّا. أكثر من ذلك، يستأصل هذا التغول باسم الأغلبية الاجتماعية كل رأي يحاول النمو نموا طبيعيًّا خارج هيمنة الجماعة، وبهذا يتحول رأي الجمهور وسطوته إلى استبداد (اجتماعي) جديد.

نقول كل ذلك دون أن نغفل حق الجماعة في الاعتراض على الرأي بالرأي ومقارعة الحجة بالحجة، لكن دون مصادرته أو قمعه، وإن الغاية الوحيدة التي يسمح بها لتدخل الجماعة في حرية الفرد هي حالة الإيذاء المباشر للآخرين، أما ما دون ذلك فيعد تدخل سافر في حرية التعبير، وإن كان هذا الرأي غير ذي قيمة لدى الجماعة. ينبغي السماح للرأي بأن يأخذ مجراه الطبيعي وسط المجتمع المدني مهما بدا ناشزًا، وإلا فإن الكلام عن الحرية والتحرر من الاستبداد عُدَ تسويفا.

وسط هذا الهيجان العاطفي يتكاثر أعداء حرية التفكير والتعبير بشكل غير مسبوق، وهم مستشرسون في قمع خصومهم، ومحاولة النيل منهم بكل وسيلة، لكن ما لا يستوعبه هؤلاء، ويسيئون تقديره دائمًا، أن مسامات الحرية تتوسع باطراد، وأن الاستفراد بالرأي بات مستحيلا، وأن زمن ترهيب المخالفين قيل له ارحل!

professeur
professeur
مراقب المنتدى

تاريخ التسجيل : 31/08/2018
المساهمات : 1825
نقاط التميز : 3849
العمر : 35
الأبراج : العقرب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: عن الحرية وأعدائها

مُساهمة من طرف Derraz Boujemaa الجمعة ديسمبر 27, 2019 12:00 am


شكرا جزيلا على المتابعة

بارك الله فيك





التوقيع

_________________
 عن الحرية وأعدائها 13352848165
Derraz Boujemaa
Derraz Boujemaa
مؤسس ستار ديس

تاريخ التسجيل : 20/08/2018
المساهمات : 5189
نقاط التميز : 9415
الجنس : ذكر

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: عن الحرية وأعدائها

مُساهمة من طرف MarYam الجمعة ديسمبر 27, 2019 5:24 am


معلومات رائع ومواضيع مميز وابداع التي قدمتها لنا
وتسلم الايادي التي ابداعت في هذا المشاركة
اتمنى لك التوفيق ولا تحرمنا من ابداعاتك وتميزك المتواصل


MarYam
MarYam
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1419
نقاط التميز : 2107
الجنس : انثى
العمر : 36
الأبراج : الميزان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى