ما التوحد وما مستقبله بين الآمال والآلام

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

ما التوحد وما مستقبله بين الآمال والآلام

مُساهمة من طرف الإمبراطور الخميس ديسمبر 19, 2019 5:40 am



ظاهرة مقلقة
على الرغم من التحسن الملحوظ لتقنيات الرعاية الصحية التي أصبحت تقدم اليوم إمكانيات أكبر بكثير للتشخيص والعلاج مقارنة بما توفر للبشر منذ وقت قريب، إلا أن بعض الأمراض ما زالت عصيّة على الطب، ومنها مرض التوحد الذي تزداد أعداد المصابين به باطراد. فمثلًا، عندما أحصي عدد المصابين به لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وُجد أن نسبته تبلغ طفلًا مصابًا بالتوحد من كل 150 طفل (0.007%). وفي إحصاء لاحق أجري في العام 2014، قفز تقدير عدد المصابين بالتوحد إلى طفل من كل 59 طفل (0.017)، أي أن عددهم تضاعف بنسبة مرتين ونصف تقريبًا خلال أربع سنوات! ولا ريب أن هذه المؤشرات المقلقة تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة، فماذا يحمل المستقبل للمصابين بالتوحد؟

لكن ربما تكون ظاهرة «تزايد حالات التوحد» انعكاسًا للغموض الذي يحيط بهذا المرض، إذ يرى عدد من الخبراء أن ارتفاع الأرقام دليل على تزايد الوعي به وتحسّن أساليب تشخيصه. والواقع أن صعوبة فهم مرض التوحد تنبع من طبيعته، فهو أكثر من مجرد اضطراب أو عرض واحد، ولهذا يسمى علميًا «اضطراب طيف التوحد» (إيه إس دي) وهو مصطلح يتضمن مجموعة واسعة من الحالات والأعراض تشمل صعوبة تنمية المهارات الاجتماعية، والسلوكيات المتكررة، والعجز عن التخاطب والاتصال غير اللفظي.

وينتج عن هذا الافتقار في فهم المرض تحديات جمّة عند محاولة دمج الأشخاص المصابين بالتوحد مع بقية أفراد المجتمع، ولهذا لا بد من الاعتماد على التطور العلمي ونشر الوعي لتجاوز تلك التحديات، إلا أن الأطباء والعلماء ما زالوا لا يعرفون حتى الآن السبب الحقيقي لظاهرة التوحد، ولم يطوروا طريقة طبية محددة لتشخيصه أو علاجه.

يتسبب غياب الفهم الصحيح للتوحد في شيوع المعتقدات والمفاهيم الخاطئة عن المصابين به، ومنها أن الأشخاص الذين يعانون من أعراض التوحد لا يريدون تكوين صداقات، أو أنهم مصابون بإعاقة ذهنية، أو أنهم جميعًا مثل الشخصيات التي صورت في الأفلام، مثل فيلم «رجل المطر»، أو أن تأثيره يظهر على الأطفال فقط، والقائمة تطول.

فمن هذا الوضع المحير، كيف يبدو المستقبل لمرضى التوحد؟ لا ريب أن تحسين فهمنا لأعراضه يجعلنا قادرين على مساعدة المصابين به، وتوفير فرص تعليمية واجتماعية لهم أفضل بكثير من الماضي. لكننا نواجه في سبيل تحقيق ذلك تحدي الارتفاع المتزايد في تكاليف رعاية حالات التوحد.

تكلفة باهظة
يصعب تقدير قيمة التكلفة العالمية لعلاج التوحد حاليًا، إلا أن منظمة الصحة العالمية أقرت بأن طفلًا واحدًا من كل 160 طفلاً يعاني من اضطراب طيف التوحد، وفي المقابل نجد في الولايات المتحدة الأمريكية حالة واحدة من كل 59 طفلًا. وتختلف الإحصاءات في منطقة الشرق الأوسط، فوفقًا لمقال نشرته صحيفة جلف نيوز، وجدت الأبحاث أن «معدل انتشار مرض التوحد يبلغ 1.4 طفل من كل 10 آلاف طفل في عُمان، و29 طفلًا من كل 10 آلاف طفل في دولة الإمارات العربية المتحدة، و59 طفلًا من كل 10 آلاف طفل في المملكة العربية السعودية. وكذلك قدّرت دراسة استقصائية أجريت في العام 2017 في دولة الإمارات العربية المتحدة، أن عدد الأطفال المصابين بالتوحد يبلغ طفلًا من كل 146 طفلًا. والحقيقة أننا لسنا نواجه اليوم تزايدًا في عدد حالات التوحد فحسب، بل نعاني من ارتفاع في تكاليف الرعاية الصحية بمرضاه أيضًا. ففي العام 2015، قدر الاقتصاديون في جامعة كاليفورنيا ديفيس تكلفة رعاية ذوي التوحد في الولايات المتحدة شاملاً الخسائر الطبية وغير الطبية والإنتاجية المرتبطة باضطراب طيف التوحد بمبلغ 268 مليار دولار. ويعادل هذا الرقم مجموع التكاليف لعلاج مرضى السكتة الدماغية وارتفاع ضغط الدم أو يعادل تقريبًا ميزانية علاج مرضى السكري. وبحلول عام 2025، يتوقع أن يتضاعف هذا الرقم ليصل إلى 461 مليار دولار، وربما يصل حتى تريليون دولار. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فيكلف التشخيص وحده نحو 7000 درهم (1866 دولارًا)، وقد يكلف العلاج الشهري 10 آلاف درهم.

ماذا نعرف عن أسباب التوحد؟
التحدي الأكبر الذي ما زلنا نواجهه فهو أننا لا نعرف الأسباب الدقيقة للتوحد. ويظن العلماء أن ازدياد انتشاره يعود لعوامل وراثية وأخرى بيئية. أظهرت الأبحاث أن التوحد يتوارث في بعض العائلات، وأن تغيّرات في جينات معينة تزيد خطر الإصابة به. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الطفل المصاب بالتغير الوراثي سيولد مصابًا بالتوحد، لكن ذلك يزيد احتمال حدوثه.

من ناحية العوامل البيئية، وجدت دراسات متقدمة نشرت في شهر يونيو/حزيران 2019، علاقة بين مرض التوحد وتناول الأم للأطعمة المصنّعة خلال الحمل. إذ اكتشف الدكتوران صالح ناصر ولطيفة عبدلي، من جامعة سنترال فلوريدا، أن المستويات المرتفعة من حمض البروبيونيك (حمض يستخدم لإطالة العمر الافتراضي للأطعمة المعلبة، وتأخير تعفن منتجات الجبن والخبز المصنّعة تجاريًا) تعوق تطور الخلايا العصبية عند الجنين. ووجد الباحثون أن الكميات المفرطة من الحمض تقصّر وتتلف العصبونات التي تربط الخلايا العصبية بالجسم. ويؤدي كلا التأثرين، أي عجز الخلايا العصبية وتلف العصبونات إلى إعاقة قدرة الدماغ على الاتصال ما يسبب الاضطرابات التي نشاهدها لدى الأطفال المصابين بالتوحد.

وأظهرت أبحاث أخرى ارتباطًا بين تلوث الهواء وزيادة خطر الإصابة بالتوحد، إذ وجدت دراسة أجريت في العام 2018 في شنغهاي أن التعرض للجسيمات الدقيقة، المعروفة باسم بي إم 2.5، يرتبط بزيادة تصل إلى 78% في ظهور حالات التوحد. وخلصت دراسة 2014 شملت 116،430 امرأة حامل في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن زيادة التعرض لجسيمات بي إم 2.5 خلال الثلث الأخير من مرحلة الحمل تضاعف من خطر إصابة الأطفال بالتوحد.

ربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجه الأشخاص المصابين بالتوحد هو الشعور بالانعزال عن المجتمع، إذ يتعرض ما يقرب من ثلثي الأطفال المصابين بالتوحد من سن 6 إلى 15 سنة للاستقواء عليهم. وتؤثر اضطرابات القلق على ما بين 11 و 40% من المراهقين. ويؤثر الاكتئاب على ما يقدر بنحو 26% من حالات البالغين. وعندما يدخل الأطفال المصابون بالتوحد مرحلة البلوغ، يفقدون كثيرًا من خدمات الدعم التي يتلقونها، وخاصة من خلال المدرسة. فبعد المرحلة الثانوية، يبقى أكثر من نصف الطلاب المصابين بالتوحد عاطلين عن العمل، وما يقرب من نصف عدد المصابين بالتوحد لم يشغلوا حتى عمر 25 عامًا أي وظيفة مدفوعة الأجر. على الرغم من أن هذه الأرقام لا تشمل سوى مرضى التوحد في الولايات المتحدة الأمريكية، فما بال أوضاعهم في البلدان الأخرى؟!

ولهذا فإننا بحاجة إلى تغيير نظرة المجتمع إلى مرضى التوحد، لينظر إليهم الجميع بصفتهم أشخاصًا لا يعانون من الإعاقة أو النقص، بل أصحاب مقومات ومهارات فريدة تسهم في نهوض المدارس والمجتمعات والشركات والمجتمع كاملًا.

وحينما يزداد الوعي بالتوحد ونفهمه بصورة أفضل، ونتعلم كيف تعمل أدمغة من يعانون منه، سنكون أكثر تقديرًا لاحتياجاتهم وسنتمكن من دمجهم بصورة أفضل في جميع مستويات المجتمع. وتلعب التقنية دورًا رئيسًا في هذا، حيث نجد تطورات كبيرة في مجالات تطوير التطبيقات، والأجهزة البيومترية والأجهزة القابلة للارتداء، والذكاء الاصطناعي. وساعدت كل تلك التطورات مرضى التوحد على التكييف مع اضطراب الحواس المفرط، واتخاذ القرارات، وسهلت لهم التواصل الاجتماعي.

تطبيقات وأجهزة مفيدة
أدى الاستخدام الواسع للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية إلى تطوير التطبيقات التي تساعد الأطفال الصغار الذين يعانون من التوحد. ومن الأمثلة على ذلك التطبيق «سايدكيكس،» فهو يساعد الأطفال على التواصل بطريقة أفضل مع الآخرين.

وتساعد التطبيقات الحديثة المختلفة في التقنيات البيومترية والأجهزة القابلة للارتداء في جمع البيانات المطلوبة عن نشاط الجسم مثل: معدل ضربات القلب، درجة حرارة الجلد، معدلات التعرق، للتنبيه في حالات الإجهاد الشديد أو القلق. فمثلًا، يراقب سوار «سناب بريسليت» مشاعر القلق من خلال تسجيل تفاعلات الفرد مع السوار. ويساعد جهاز آخر، هو سماعات «كوميولس» في تقليل الضغط الناتج عن الانفعال الزائد من خلال ثلاثة إعدادات هي: إلغاء الضوضاء، عزل الكلام، بث الموسيقى.

وكذلك ساعد تقدم الذكاء الاصطناعي مرضى التوحد بعدة طرائق تشمل تحسن التشخيص وتعزيز التفاعل الاجتماعي واستخدام الروبوتات للتدريس، وكذلك مساعدتهم على التفوق في مكان العمل.

فمثلًا يدرب تطبيق «إمباور مي» الذي طورته شركة «براين باور» على المهارات الاجتماعية والمعرفية من خلال التعرف على العواطف، إذ تعمل هذه التقنية مع النظارات الذكية لمساعدة مرتديها على تفسير تعبيرات الوجه والعواطف، ولفت انتباه المريض إلى ضرورة النظر نحو الناس والتعبير لهم عن الشعور بالقلق بلغة العيون.

وتعتمد شركة «كيو تي روبوت» على الروبوتات لتعليم الأطفال المصابين بالتوحد ومساعدتهم على تقليل الاضطرابات التي تنتج عند العجز عن تفسير إشارات التواصل غير اللفظي. ويعمل الروبوت على التحكم في تلك المؤثرات فيقلل التوتر.

من أكثر جوانب التوحد تعقيدًا وأهمها، القدرة على تشخيصه في وقت مبكر. وأثبتت إحدى الدراسات «أن التدخل المبكر لرعاية مرضى التوحد من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و15 شهرًا، والذين كانوا يظهرون بالفعل علامات دالة على مرض التوحد، قد يقلل أو حتى يمنع حدوث تأخيرات النمو لديهم في التعلم واكتساب مهارات اللغة. وحصلت شركة كوجنا مؤخراً على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على أداة لتشخيص حالات التوحد، وتجمع الأداة بين المعلومات المقدمة من الوالدين وتقنيات تعلم الآلة لتشخص حالة الطفل في وقت مبكر.

أخيرًا، أدى انفتاح أصحاب العمل على توظيف مهارات المصابين التوحد إلى زيادة فرص توظيفهم. وخاصة للقيام بالأعمال التي تتطلب الانتباه الدقيق للتفاصيل وتنفيذ الإجراءات المتكررة والتركيز الشديد. فمثلًا، طورت شركة فورد موتور كومباني برنامج توظيف للأفراد المصابين بالتوحد. ومن الوظائف التي تناسب المصابون بالتوحد عملية اختبار السيارة وتقييمها والتحقق منها. حيث يعمل أحد المشاركين في برنامج فورد انكلوسيف ووركس بتسجيل معلومات الإطارات وإعدادها لمركبات الاختبار التي يستخدمها المهندسون من أجل تقييم المنتج. العمل منظم جدًا ويتطلب قدراً عالياً من التركيز والاهتمام بالتفاصيل والترتيب، وهي مهارات تعد من نقاط القوة المرتبطة عادة بالأفراد المصابين بالتوحد.

على الرغم من عدم وجود علاج لاضطراب التوحد حتى اليوم الآن، إلا أن مستقبلهم مشرق أكثر، إذ أصبحنا قادرين على تشخيصه في وقت مبكر، ما يتيح لنا تقليل تأثيره على الأفراد. ومن خلال استخدام التقنية أصبحنا قادرين على تأمين حياة أفضل بزيادة فرص التعلم والعمل بجودة أعلى في المستقبل. ولا ريب أن اندماج مرضى التوحد بانسجام في نسيج المجتمع سيؤدي إلى تعزيز الجهود نحو التوعية واستبدال الأفكار المسبقة التي تصمهم بالنقصان وتعوق تقدمهم نحو المستقبل.

الإمبراطور
الإمبراطور
مراقب الرياضة العالمية

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 3647
نقاط التميز : 8215
الجنس : ذكر
العمر : 30
الأبراج : الجوزاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: ما التوحد وما مستقبله بين الآمال والآلام

مُساهمة من طرف Nabil LacRiM الخميس ديسمبر 19, 2019 7:08 pm


شكـرا جزيلا على المـــوضوع الــرائع و المميز

واصل. تميزك و تألقك في منتدانا الرائع

بارك الله فيك

Nabil LacRiM
Nabil LacRiM
مراقب الكمبيوتر والانترنت

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 2639
نقاط التميز : 4581
الجنس : ذكر
العمر : 28
الأبراج : الدلو

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: ما التوحد وما مستقبله بين الآمال والآلام

مُساهمة من طرف New Post الجمعة ديسمبر 20, 2019 6:21 pm


مشكور على الموضوع

ننتضر جديدك

New Post
New Post
مديرة ستار ديس

تاريخ التسجيل : 24/08/2018
المساهمات : 4133
نقاط التميز : 6472
الجنس : انثى
العمر : 24
الأبراج : الميزان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى