ابن تومرت ومنهجه في التغيير
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
ابن تومرت ومنهجه في التغيير
ابن تومرت ومنهجه في التغيير
بين علي بن يوسف بن تاشفين ومحمد بن تومرت
سمع علي بن يوسف بن تاشفين بمحمد بن تومرت وبدعوته، وبمنطق سليم فكَّرَ الخليفة في عقد مناظرة بين محمد بن تومرت وبين علماء دولة المرابطين، يكون مقرُّها قصر الخليفة نفسه، فقدم محمد بن تومرت على رأس أتباعه الستة، وأتى علماءُ دولة المرابطين، وكان على رأسهم كبير العلماء وقاضي القضاة مالك بن وهيب، وبدأ الفريقان في المناظرة.
ونظرة أولية إلى فكرة عَقْد مثل هذه المناظرة يُوحي بأن علي بن يوسف بن تاشفين كان رجلاً ما زال يحمل من الخير الكثير، وإلاَّ فإنه -وعلى أقلِّ تقدير- كان من الممكن أن يفتعل مثل هذه المناظرة ويقوم بعدها بسجن محمد بن تومرت، أو قتله أو فعل أيِّ شيء آخر من هذا القبيل، خاصَّة وهو ذلك الثائر على الحاكم، والذي يُريد قلب وتغيير نظام الحُكم، وهذا ما سيزداد تأكيدًا في نهاية هذه المناظرة في صالح الأمير على نحو ما سيأتي.
وفي هذه المناظرة تفوَّق محمد بن تومرت على علماء دولة المرابطين تفوُّقًا ملحوظًا؛ فقد كان -كما ذكرنا- من كبار العلماء المتشبِّعين بالعلم، وكان كما وصفه ابن خلدون بحرًا متفجِّرًا من العلم وشهابًا في الدين، وهو الذي أمضى عشر سنين في بغداد يتعلَّم علم المجادلة، وفنون المحاورة على يد العقليين من المعتزلة وغيرهم، فاستطاع ابن تومرت أن يحاجَّ علماء دولة المرابطين جميعًا في كل القضايا التي أُثيرت بينه وبينهم، حتى بكى علي بن يوسف بن تاشفين في مجلسه؛ لما رأى من كثرة المعاصي في دولته، وهو لا يدري عنها شيئًا، أو هو يدري عنها لكنه لم يُغَيِّرْها، بكى من الخشية لَمَّا سمع حجج وأقاويل ابن تومرت، لكن ذلك لم يشفع له عنده، وظلَّت الحِدَّة واضحة جلية في كلامه وحديثه مع الأمير.
وكان علماء الدولة ووزراؤها يعلمون أنه يُحَرِّض الناس على الخروج على الحاكم، فأَسَرَّ مالك بن وهيب قاضي القضاة في أُذنِ علي بن يوسف بن تاشفين؛ بأنَّ عليه أن يعتقل هذا الرجل، ويُنفق عليه دينارًا كل يوم في السجن، وإلا ستمرُّ عليك الأيام فتُنفق عليه كل خزائنك دون أن تقدر عليه؛ لكن الوزير أشار على علي بن يوسف بن تاشفين بعدم فعل ذلك؛ خاصَّة وأنه جلس في مجلسه وبكى من خشية الله U حين سمع كلماته، فلا يُعقل أن تأتي بعد ذلك وتعتقله، فتَحْدُث بذلك بلبلة عند عموم الناس، كما أنه بمَنْ معه سبعة نفر فقط، أمَّا أنت فحاكم دولة ضخمة، وهي دولة المرابطين؛ فكيف تخشى من هذا الرجل؟!
وازن عليُّ بن يوسف بن تاشفين بين رأي مالك بن وهيب قاضي القضاة وبين رأي الوزير، واستقرَّ أخيرًا على ترك محمد بن تومرت؛ خشية أن يأثم إن حبسه دون وجه حقٍّ؛ فالرجل ما زال به خير، وكان من الممكن أن يُصلح أمره إذا حاول معه محمد بن تومرت ومَنْ معه بالتي هي أحسن، لكنه لم يفعل[1].
جماعة الموحدين
ما أن خرج محمد بن تومرت من مجلس الأمير علي بن يوسف بن تاشفين من مراكش حتى نزل على صديق له في بلد مجاور، وذهبوا بعدها إلى قرية في عمق الجبل اسمها تينملل، وهي التي ستكون عاصمة للدولة التي سوف يُؤَسِّسها محمد بن تومرت بعد ذلك[2].
وكان محمد بن تومرت زاهدًا أشدَّ الزهد، وكان لا يحمل في يده إلا عصا وركوة[3]، ولا يأكل إلا القليل من الطعام، وكان -كما ذكرنا- صاحب علم غزير، فبدأ الناسُ في هذه القرية الصغيرة يلتفُّون حوله ويسمعون لكلامه، وبدأ يُؤَثِّر فيهم بشكل طبيعي؛ لِمَا كانوا عليه من المعاصي والمنكرات، تلك التي انتشرت في بلاد المرابطين، ثم بدأ يُكَوِّن حوله جماعة بدأت صغيرة، وقد سمَّاها جماعة الموحدين[4]، وهي تسمية خطيرة لما سنعلمه بعد قليل.
دعوة ابن تومرت وطريقة تربيته
ابن تومرت ومنهجه في التغييريذكر عبد الواحد المراكشي مراحل دعوة ابن تومرت وتربيته الناس في تينملل، فيقول: «من هذا الموضع قامت دعوته وبه قبره، ولما نزله اجتمع إليه وجوه المصامدة، فشرع في تدريس العلم والدعاء إلى الخير من غير أن يُظهر إمرة ولا طلبة ملك، وألَّف لهم عقيدة بلسانهم، وكان أفصح أهل زمانه في ذلك اللسان، فلمَّا فهموا معاني تلك العقيدة زاد تعظيمهم له، وأُشربت قلوبهم محبته، وأجسامهم طاعته، فلما استوثق منهم دعاهم إلى القيام معه؛ أولاً على صورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا غير، ونهاهم عن سفك الدماء، ولم يأذن لهم فيها، وأقاموا على ذلك مدة، وأمر رجالاً منهم ممن استصلح عقولهم بنصب الدعوة واستمالة رؤساء القبائل، وجعل يذكر المهدي ويُشَوِّق إليه، وجمع الأحاديث التي جاءت فيه من المصنفات، فلمَّا قَرَّر في نفوسهم فضيلة المهدي ونسبه ونعته، ادعى ذلك لنفسه، وقال: أنا محمد بن عبد الله. ورفع نسبه إلى النبي r وصرح بدعوى العصمة لنفسه، وأنه المهدي المعصوم، وروى في ذلك أحاديث كثيرة؛ حتى استقر عندهم أنه المهدي، وبسط يده فبايعوه على ذلك، وقال: أبايعكم على ما بايع عليه أصحاب رسولِ الله r رسولَ الله. ثم صنَّف لهم تصانيف في العلم منها: كتاب سماه (أعز ما يطلب)، وعقائد في أصول الدين، وكان على مذهب أبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل، إلا في إثبات الصفات، فإنه وافق المعتزلة في نفيها، وفي مسائل قليلة غيرها، وكان يُبطن شيئًا من التشيُّع، غير أنه لم يَظهر منه إلى العامة شيء»[5].
انحرافات ابن تومرت العقائدية والمنهجية
قويت شوكة محمد بن تومرت، وبمجرَّد أن قويت شوكته ظهرت عليه انحرافات عقائدية خطيرة؛ فقد كان لأخذه العلم من تيارات مختلفة تُمَثِّل سنةة وشيعة ومعتزلة، وغيرهم في بلاد الشام وبغداد ومكة ومصر وغيرها من البلاد، كان من جرَّاء ذلك أن ظهر عليه خليط من العقائد المختلفة؛ والتي تمثَّلت فيما يلي:
ادعى العصمة
وعند أهل السنة والجماعة أن العصمة لم تَثْبُت إلاَّ للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ولم يقولوا بها لغيرهم، حتى لكبار الصحابة الذين خَصَّهم الله بالفضل؛ كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم[6]؛ فابن تومرت بهذا النهج قد وافق الرافضة الاثني عشرية، الذين قالوا بالعصمة لأئمتهم؛ حيث يقولون بوجوب عصمتهم من الكبائر والصغائر والنسيان، كما قالوا: إن الإمام كالنبي، يجب أن يكون معصومًا من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سنِّ الطفولة إلى الموت، عمدًا وسهوًا، كما يجب أن يكون معصومًا من السهو والخطأ والنسيان[7].
وهكذا نرى محمد بن تومرت قد اشتطَّ كثيرًا في القول بالعصمة لنفسه، وهذا -بلا شكٍّ- انحراف عقدي خطير؛ لأن الاعتراف بعصمته أو عصمة غيره يُوجب الإيمان بكل ما يقوله، فقد أعطاه ذلك معنى النبوة، وإن لم يُعطه لفظها.
ادعى أن المرابطين من المجسمة
كان المرابطون يُثبتون لله تعالى صفاته كما هي، لكن محمد بن تومرت أخذ فكر المعتزلة في نفي الصفات عن الله U، وهي قضية جدليَّة طويلة لا نُريد الخوض في تفصيلاتها، وخلاصة الأمر في ذلك أنه لما أثبت أنَّ المرابطين يُثبتون الصفات لله U، ادَّعى أنهم من المجسمة؛ وتبعًا لهذا الادعاء فقد قال بكفر المرابطين، وادَّعى أن علي بن يوسف بن تاشفين ومَنْ معه من الولاة والعلماء، ومَنْ يعمل تحت حكمهم ومَنْ يَرضى بحُكمهم، هو من الكافرين[8].
وهذا منحى خطير؛ إذ إنه كفَّر حُكَّام الدولة التي كان يعيش فيها، وهي دولة المرابطين التي تشمل بلاد الأندلس وبلاد المغرب في ذلك الوقت.
فكان يقول لأتباعه: «واشتغِلُوا بتعليم التوحيد فإنه أساس دينكم، حتى تنفوا عن الخالق الشبيه والشريك والنقائص، والآفاق والحدود والجهات، ولا تجعلوه -سبحانه- في مكان أو جهة، فإنه تعالى موجود قبل الأمكنة والجهات، فمن جعله في جهة ومكان فقد جسَّمه، ومَنْ جسمه فقد جعله مخلوقًا، ومن جعله مخلوقًا فهو كعابد وثن»[9].
لقد تبنَّى ابن تومرت منهج المعتزلة في الأسماء والصفات؛ حيث نفى كل ما عساه أن يُوهم الشبه والمثلية لله سبحانه، حتى ولو كان ذلك من الأسماء والصفات الثابتة لله تعالى في الكتاب والسُّنَّة؛ ولهذا سَمَّى أصحابه بالموحدين؛ لأنهم في رأيه هم الذين يُوَحِّدُون الله لنفيهم الصفات عنه U، كما كان يُسَمِّي أتباعه بالمؤمنين، ويقول لهم: «ما على وجه الأرض مَنْ يُؤمن إيمانكم»[10].
استحل دماء المرابطين
وتبعًا لهذا التكفير السابق لغير الموحدين استحلَّ محمد بن تومرت دماء المرابطين؛ ومِنْ ثَمَّ فقد أمر بالخروج عليهم وقتلهم، وأنه ليس هناك إثم في ذلك؛ بل إن في قتلهم إحرازًا لثواب عظيم[11]، وهنا يَبُرز أحد أخلاق محمد بن تومرت فقد كان متساهلاً في الدماء، وهي خاصية من خصائص الخوارج، الذين تَعَلَّم على أيدي بعضهم -كما ذكرنا- أثناء رحلته لطلب العلم.
كان ابن تومرت يهدف إلى هدم دولة المرابطين من جذورها، وبناء دولة الموحدين على أنقاضها مهما كَلَّفه ذلك؛ وقد استباح في سبيل ذلك الدماء والأرواح والأموال، وكانت غايته تلك مبرِّرَة -من وجهة نظره- لكل وسيلة، فكان لا يتردَّد في قتل مَنْ يشكُّ في إيمانه بما يدَّعيه من مبادئ، حتى ولو كان من أتباعه؛ فقد قام ابن تومرت بما سمِّي التمييز؛ أي: تمييز أتباعه الصادقين من المداهنين والمنافقين والمخالفين، فيقتلهم على الفور ليظلَّ صَفُّه قويًّا[12].
ومن المعلوم أنَّ من أهمِّ مقاصد الشريعة الإسلامية الحفاظ على النفس، وما فعله هذا الآثِم إنما هو اعتداء بغير حقِّ على أنفسٍ حرَّم الله إزهاقها، وفي فعله هذا انحراف واضحٌ عن الشرع، وارتكاب متعمَّد للكبائر، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].
يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله؛ حيث يقول -سبحانه- في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]، وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} إلى أن قال: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151]، والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدًّا... منها: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ[13]»[14].
إن أمر القتل في غاية الخطورة ولا يستحلُّه إلاَّ مَنْ تجرَّد من كل معاني الأخلاق والرحمة ومن كل المعاني الإنسانية.
وفي البخاري ومسلم أن رسول الله r قال:"لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؛ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ"[15].
يقول الأستاذ سيد قطب -رحمه الله: «إنها جريمة قتل لا لنفس فحسب -بغير حقٍّ- ولكنها -كذلك- جريمة قتل للوشيجة العزيزة الحبيبة الكريمة العظيمة التي أنشأها الله بين المسلم والمسلم، إنها تنكُّر للإيمان ذاته وللعقيدة نفسها؛ ومن ثَمَّ قُرنت بالشرك في مواضع كثيرة؛ واتجه بعضهم -ومنهم ابن عباس- إلى أنه لا توبة منها.. ولكن البعض الآخر استند إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] [النساء: 116].. فرجَا للقاتل التائب المغفرة.. وفسَّر الخلود بأنه الدهر الطويل. والذين تربَّوْا في مدرسة الإسلام الأولى، كانوا يَرَوْنَ قاتلي آبائهم وأبنائهم وإخوانهم -قبل إسلامهم- يمشون على الأرض -وقد دخلوا في الإسلام- فيهيج في نفوس بعضهم ما يهيج من المرارة، ولكنهم لا يُفَكِّرُون في قتلهم، لا يُفَكِّرُون مرَّة واحدة؛ ولا يخطر لهم هذا الخاطر في أشدِّ الحالات وجدًا ولذعًا ومرارة؛ بل إنهم لم يُفَكِّرُوا في إنقاصهم حقًّا واحدًا من حقوقهم، التي يُخَوِّلها لهم الإسلام»[16].
كان لا بُدَّ لنا من هذا الوقفة مع هذا الأمر الخطير؛ أمر الدماء التي استحلَّها هذا الآثم المخادع، أمَّا عملية التمييز التي سبق الإشارة إليها فقد استعان فيها ابن تومرت برجل على شاكلته يُسَمَّى أبو عبد الله بن محسن الونشريشي، وكان يُلَقِّبه بالبشير؛ إمعانًا في خداع الناس وإضلالهم، وقد طلب ابن تومرت من هذا الفاسق أن يُخفي علمه وحفظه للقرآن، ويظهر أمام القبائل كأنه مجنون يسيل لعابه على وجهه.
قال الذهبي: «فلمَّا كان عام تسعة عشر وخمسمائة (519 هـ) خرج يومًا، فقال: تعلمون أن البشير -يُريد الونشريشي- رجل أُمِّيٌّ، ولا يثبت على دابَّة، فقد جعله الله مُبَشِّرًا لكم، مُطَّلِعًا على أسراركم، وهو آية لكم قد حفظ القرآن، وتعلَّم الركوب، وقال: اقرأ. فقرأ الختمة في أربعة أيام، وركب حصانًا وساقه، فبُهِتُوا، وعَدُّوها آية لغباوتهم، فقام خطيبًا، وتلا: {لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، وتلا: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]، فهذا البشير مُطَّلع على الأنفس مُلْهَم، ونبيكم r يقول: «إِنَّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مُحَدَّثِينَ، وَإِنَّ عُمَرَ مِنْهُمْ»[17].
وقد صَحِبَنَا أقوام أطلعه الله على سِرِّهم، ولا بُدَّ من النظر في أمرهم، وتَيَمُّمِ العدل فيهم، ثم نودي في جبال المصامدة: مَنْ كان مطيعًا للإمام فليأت. فأقبلوا يهرعون، فكانوا يُعْرَضون على البشير، فيُخرج قومًا على يمينه، ويَعدُّهم من أهل الجنة، وقومًا على يساره، فيقول: هؤلاء شاكُّون في الأمر. وكان يُؤْتَى بالرجال منهم، فيقول: هذا تائب رُدُّوه على اليمين تاب البارحة. فيعترف بما قال، واتفقت له فيهم عجائب، حتى كان يُطلق أهل اليسار، وهم يعلمون أن مآلهم إلى القتل، فلا يفرُّ منهم أحد، وإذا تجمَّع منهم عدَّة، قتلهم قراباتُهم حتى يقتل الأخ أخاه!» [18].
وأورد ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) هذا الأمر فقال: «وكان الونشريشي يلزم الاشتغال بالقرآن والعلم في السرِّ؛ بحيث لا يعلم أحدٌ ذلك منه، فلمَّا كان سنُّه تسع عشرة، وخاف المهدي -ابن تومرت- من أهل الجبل، خرج يومًا لصلاة الصبح، فرأى إلى جانب محرابه إنسانًا حسن الثياب، طيب الريح، فأظهر أنه لا يعرفه، وقال: مَنْ هذا؟ فقال: أنا أبو عبد الله الونشريشي. فقال له المهدي: إن أمرك لعجبٌ! ثم صلَّى، فلما فرغ من صلاته نادى في الناس فحضروا، فقال: إنَّ هذا الرجل يزعم أنه الونشريشي فانظروه، وحقِّقُوا أمره. فلما أضاء النهار عرفوه، فقال له المهدي: ما قِصَّتُك؟ قال: إنني أتاني الليلة مَلَكٌ من السماء، فغسل قلبي، وعَلَّمَنِي الله القرآن والموطأ، وغيره من العلوم والأحاديث. فبكى المهدي بحضرة الناس، ثم قال له: نحن نمتحنك. فقال: افعل.
وابتدأ يقرأ القرآن قراءة حسنة من أيِّ موضع سُئِلَ، وكذلك الموطأ، وغيره من كتب الفقه والأصول، فعَجِبَ الناسُ من ذلك، واستعظموه، ثم قال لهم: إن الله تعالى قد أعطاني نورًا أعرف به أهل الجنة من أهل النار، وآمركم أن تقتلوا أهل النار، وتتركوا أهل الجنة، وقد أنزل الله تعالى ملائكة إلى البئر التي في المكان الفلاني يشهدون بصدقي.
فسار المهدي والناس معه وهم يبكون إلى تلك البئر، وصَلَّى المهدي عند رأسها، وقال: يا ملائكة الله؛ إن أبا عبد الله الونشريشي قد زعم كيت وكيت. فقال مَنْ بها: صدق. وكان قد وضع فيها رجالاً يشهدون بذلك، فلمَّا قيل ذلك من البئر، قال المهدي: إن هذه مطهرة مقدسة قد نزل إليها الملائكة، والمصلحة أن تُطَمَّ لئلاَّ يقع فيها نجاسة، أو ما لا يجوز. فألقَوْا فيها من الحجارة والتراب ما طَمَّهَا -وبهذا يكون قد قتل الرجال الذين اتَّفق معهم على هذا القول؛ لئلاَّ يُفْتَضح أمره- ثم نادى في أهل الجبل بالحضور إلى ذلك المكان، فحضروا للتمييز، فكان الونشريشي يعمد إلى الرجل الذي يخاف ناحيته، فيقول: هذا من أهل النار. فيُلْقَى من الجبل مقتولاً، وإلى الشاب الغرِّ ومَنْ لا يخشى، فيقول: هذا من أهل الجنة. فيُتْرَك على يمينه، فكان عدة القتلى سبعين ألفًا، فلما فرغ من ذلك أَمِنَ على نفسه وأصحابه»[19].
هذا فِعْلُ ابن تومرت بمَنْ معه، فكيف يكون فعله بالمرابطين؟!
ولقد رُويت عنه كثير من الأخبار التي احتال فيها؛ حتى ظهر وكأنه يعلم الغيب، ولا نشك أن له عيونًا وأتباعًا، كما لا شك في أنه شخصية قوية ذات بصر وخبرة وفراسة، يروي المراكشي واقعة منها فيقول: «أخبرني مَنْ رآه -ممن أثق إليه- يضرب الناسَ على الخمر بالأكمام والنعال وعسب النخل؛ متشبِّهًا في ذلك بالصحابة. ولقد أخبرني بعض مَنْ شهده وقد أتى برجل سكران، فأمر بحدِّه، فقال: رجلٌ من وجوه أصحابه يُسَمَّى يوسف بن سليمان: لو شدَّدْنَا عليه حتى يُخبرنا من أين شربها لنَحْسم هذه العلةَ من أصلها. فأَعْرَض عنه، ثم أعاد عليه الحديث، فأعرض عنه، فلما كان في الثالثة قال له: أرأيت لو قال لنا: شربتُها في دار يوسف بن سليمان. ما نحن صانعون؟ فاستحيا الرجل وسكت، ثم كُشف على الأمر، فإذا عبيدُ ذلك الرجل سقَوه، فكان هذا من جملة ما زادهم به فتنة وتعظيمًا، إلى أشياءَ كان يُخبر بها فتقع كما يُخبر، ولم يزل كذلك وأحوالُه صالحة، وأصحابه ظاهرون، وأحوال المرابطين المذكورين تَخْتَلُّ، وانتقاض دولتهم يتزيد، إلى أن تُوُفِّيَ ابن تومرت... بعد أن أسس الأمور، وأحكم التدبير، ورسم لهم ما هم فاعلوه»[20].
كذلك يروي الذهبي في سير أعلام النبلاء: «وقد بلغني فيما يُقال: أن ابنَ تُومرت أخفى رجالاً في قبور دَوَارِسَ[21]، وجاء في جماعة لِيُرِيهم آية، يعني فصاحَ: أيُّها الموتى أجيبوا. فأجابوه: أنتَ المهدي المعصومُ، وأنت وأنت.. ثم إنه خاف من انتشارِ الحيلة، فخسف فوقهم القبور فماتوا»[22].
وقفة مع ابن تومرت وجماعته
كان محمد بن تومرت في جماعته الجديدة يقتل العشرات من المخالفين له، حتى من فرقته وجماعته (الموحدين)، فالذي يُخَالِفُه في الرأي ليس له من دواء إلاَّ القتل، وهو أمر في غاية الغرابة؛ نظرًا لما عنده من العلم الغزير، وأغرب منه كان ادعاؤه بعض الخوارق، وأنه هو المهدي المنتظر!
ولا شكَّ في أنْ يعتقدَ صِدْقَه وما يذهب إليه من أقواله تلك كثيرٌ من الناس؛ وذلك -كما ذكرنا- لانشغال علماء الدولة بالأمور الفرعية عن تعليم هؤلاء الناس أصول العقائد وأصول العبادات، فقد أقام العلماء جدارًا عازلاً بينهم وبين العامَّة، الذين لا يعرفون أين الحقُّ وأين الباطل، والذين لا يستطيعون أن يُمَيِّزُوا بين الغثِّ والسمين.
ومن هنا حين رأى مثل هؤلاء الناس رجلاً مثل محمد بن تومرت في شخص العالم الكبير، وهو يروي من أحاديث رسول الله r عن فلان وفلان، ثم هو يحفظ كتاب الله U، ويعلم سِيَرَ الصالحين والسابقين، ويعلم فقه كذا وكذا، حين رأوا ذلك ما كان منهم إلا أن يسمعوا ويطيعوا لما يقوله، وما يمليه عليهم عالمهم ومعلمهم، وقد اعتقدوا جميعًا بعصمته، واعتقدوا جميعًا بِحلِّ قتل المرابطين، بل والثواب الجزيل على قتلهم.
ولنا أن نتخيَّل مثل هذا الأمر في حقِّ المرابطين، الذين فتحوا البلاد، وأقاموا صرح الإسلام في بلاد المغرب والأندلس لسنوات وسنوات، الآن وبعد ظهور بعض المنكرات في بلادهم، وبعد انشغالهم بالجهاد عن التعليم، أصبحوا يُكَفَّرون وتُحَلُّ دماؤهم، ويُقَاتَلون من قِبَلِ جماعة الموحِّدِين، ذلك الاسم (الموحِّدين) الذي يُشير بقوَّة إلى أن غيرهم كفار وليسوا بموحدين أو مسلمين.
بين علي بن يوسف بن تاشفين ومحمد بن تومرت
سمع علي بن يوسف بن تاشفين بمحمد بن تومرت وبدعوته، وبمنطق سليم فكَّرَ الخليفة في عقد مناظرة بين محمد بن تومرت وبين علماء دولة المرابطين، يكون مقرُّها قصر الخليفة نفسه، فقدم محمد بن تومرت على رأس أتباعه الستة، وأتى علماءُ دولة المرابطين، وكان على رأسهم كبير العلماء وقاضي القضاة مالك بن وهيب، وبدأ الفريقان في المناظرة.
ونظرة أولية إلى فكرة عَقْد مثل هذه المناظرة يُوحي بأن علي بن يوسف بن تاشفين كان رجلاً ما زال يحمل من الخير الكثير، وإلاَّ فإنه -وعلى أقلِّ تقدير- كان من الممكن أن يفتعل مثل هذه المناظرة ويقوم بعدها بسجن محمد بن تومرت، أو قتله أو فعل أيِّ شيء آخر من هذا القبيل، خاصَّة وهو ذلك الثائر على الحاكم، والذي يُريد قلب وتغيير نظام الحُكم، وهذا ما سيزداد تأكيدًا في نهاية هذه المناظرة في صالح الأمير على نحو ما سيأتي.
وفي هذه المناظرة تفوَّق محمد بن تومرت على علماء دولة المرابطين تفوُّقًا ملحوظًا؛ فقد كان -كما ذكرنا- من كبار العلماء المتشبِّعين بالعلم، وكان كما وصفه ابن خلدون بحرًا متفجِّرًا من العلم وشهابًا في الدين، وهو الذي أمضى عشر سنين في بغداد يتعلَّم علم المجادلة، وفنون المحاورة على يد العقليين من المعتزلة وغيرهم، فاستطاع ابن تومرت أن يحاجَّ علماء دولة المرابطين جميعًا في كل القضايا التي أُثيرت بينه وبينهم، حتى بكى علي بن يوسف بن تاشفين في مجلسه؛ لما رأى من كثرة المعاصي في دولته، وهو لا يدري عنها شيئًا، أو هو يدري عنها لكنه لم يُغَيِّرْها، بكى من الخشية لَمَّا سمع حجج وأقاويل ابن تومرت، لكن ذلك لم يشفع له عنده، وظلَّت الحِدَّة واضحة جلية في كلامه وحديثه مع الأمير.
وكان علماء الدولة ووزراؤها يعلمون أنه يُحَرِّض الناس على الخروج على الحاكم، فأَسَرَّ مالك بن وهيب قاضي القضاة في أُذنِ علي بن يوسف بن تاشفين؛ بأنَّ عليه أن يعتقل هذا الرجل، ويُنفق عليه دينارًا كل يوم في السجن، وإلا ستمرُّ عليك الأيام فتُنفق عليه كل خزائنك دون أن تقدر عليه؛ لكن الوزير أشار على علي بن يوسف بن تاشفين بعدم فعل ذلك؛ خاصَّة وأنه جلس في مجلسه وبكى من خشية الله U حين سمع كلماته، فلا يُعقل أن تأتي بعد ذلك وتعتقله، فتَحْدُث بذلك بلبلة عند عموم الناس، كما أنه بمَنْ معه سبعة نفر فقط، أمَّا أنت فحاكم دولة ضخمة، وهي دولة المرابطين؛ فكيف تخشى من هذا الرجل؟!
وازن عليُّ بن يوسف بن تاشفين بين رأي مالك بن وهيب قاضي القضاة وبين رأي الوزير، واستقرَّ أخيرًا على ترك محمد بن تومرت؛ خشية أن يأثم إن حبسه دون وجه حقٍّ؛ فالرجل ما زال به خير، وكان من الممكن أن يُصلح أمره إذا حاول معه محمد بن تومرت ومَنْ معه بالتي هي أحسن، لكنه لم يفعل[1].
جماعة الموحدين
ما أن خرج محمد بن تومرت من مجلس الأمير علي بن يوسف بن تاشفين من مراكش حتى نزل على صديق له في بلد مجاور، وذهبوا بعدها إلى قرية في عمق الجبل اسمها تينملل، وهي التي ستكون عاصمة للدولة التي سوف يُؤَسِّسها محمد بن تومرت بعد ذلك[2].
وكان محمد بن تومرت زاهدًا أشدَّ الزهد، وكان لا يحمل في يده إلا عصا وركوة[3]، ولا يأكل إلا القليل من الطعام، وكان -كما ذكرنا- صاحب علم غزير، فبدأ الناسُ في هذه القرية الصغيرة يلتفُّون حوله ويسمعون لكلامه، وبدأ يُؤَثِّر فيهم بشكل طبيعي؛ لِمَا كانوا عليه من المعاصي والمنكرات، تلك التي انتشرت في بلاد المرابطين، ثم بدأ يُكَوِّن حوله جماعة بدأت صغيرة، وقد سمَّاها جماعة الموحدين[4]، وهي تسمية خطيرة لما سنعلمه بعد قليل.
دعوة ابن تومرت وطريقة تربيته
ابن تومرت ومنهجه في التغييريذكر عبد الواحد المراكشي مراحل دعوة ابن تومرت وتربيته الناس في تينملل، فيقول: «من هذا الموضع قامت دعوته وبه قبره، ولما نزله اجتمع إليه وجوه المصامدة، فشرع في تدريس العلم والدعاء إلى الخير من غير أن يُظهر إمرة ولا طلبة ملك، وألَّف لهم عقيدة بلسانهم، وكان أفصح أهل زمانه في ذلك اللسان، فلمَّا فهموا معاني تلك العقيدة زاد تعظيمهم له، وأُشربت قلوبهم محبته، وأجسامهم طاعته، فلما استوثق منهم دعاهم إلى القيام معه؛ أولاً على صورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا غير، ونهاهم عن سفك الدماء، ولم يأذن لهم فيها، وأقاموا على ذلك مدة، وأمر رجالاً منهم ممن استصلح عقولهم بنصب الدعوة واستمالة رؤساء القبائل، وجعل يذكر المهدي ويُشَوِّق إليه، وجمع الأحاديث التي جاءت فيه من المصنفات، فلمَّا قَرَّر في نفوسهم فضيلة المهدي ونسبه ونعته، ادعى ذلك لنفسه، وقال: أنا محمد بن عبد الله. ورفع نسبه إلى النبي r وصرح بدعوى العصمة لنفسه، وأنه المهدي المعصوم، وروى في ذلك أحاديث كثيرة؛ حتى استقر عندهم أنه المهدي، وبسط يده فبايعوه على ذلك، وقال: أبايعكم على ما بايع عليه أصحاب رسولِ الله r رسولَ الله. ثم صنَّف لهم تصانيف في العلم منها: كتاب سماه (أعز ما يطلب)، وعقائد في أصول الدين، وكان على مذهب أبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل، إلا في إثبات الصفات، فإنه وافق المعتزلة في نفيها، وفي مسائل قليلة غيرها، وكان يُبطن شيئًا من التشيُّع، غير أنه لم يَظهر منه إلى العامة شيء»[5].
انحرافات ابن تومرت العقائدية والمنهجية
قويت شوكة محمد بن تومرت، وبمجرَّد أن قويت شوكته ظهرت عليه انحرافات عقائدية خطيرة؛ فقد كان لأخذه العلم من تيارات مختلفة تُمَثِّل سنةة وشيعة ومعتزلة، وغيرهم في بلاد الشام وبغداد ومكة ومصر وغيرها من البلاد، كان من جرَّاء ذلك أن ظهر عليه خليط من العقائد المختلفة؛ والتي تمثَّلت فيما يلي:
ادعى العصمة
وعند أهل السنة والجماعة أن العصمة لم تَثْبُت إلاَّ للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ولم يقولوا بها لغيرهم، حتى لكبار الصحابة الذين خَصَّهم الله بالفضل؛ كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم[6]؛ فابن تومرت بهذا النهج قد وافق الرافضة الاثني عشرية، الذين قالوا بالعصمة لأئمتهم؛ حيث يقولون بوجوب عصمتهم من الكبائر والصغائر والنسيان، كما قالوا: إن الإمام كالنبي، يجب أن يكون معصومًا من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سنِّ الطفولة إلى الموت، عمدًا وسهوًا، كما يجب أن يكون معصومًا من السهو والخطأ والنسيان[7].
وهكذا نرى محمد بن تومرت قد اشتطَّ كثيرًا في القول بالعصمة لنفسه، وهذا -بلا شكٍّ- انحراف عقدي خطير؛ لأن الاعتراف بعصمته أو عصمة غيره يُوجب الإيمان بكل ما يقوله، فقد أعطاه ذلك معنى النبوة، وإن لم يُعطه لفظها.
ادعى أن المرابطين من المجسمة
كان المرابطون يُثبتون لله تعالى صفاته كما هي، لكن محمد بن تومرت أخذ فكر المعتزلة في نفي الصفات عن الله U، وهي قضية جدليَّة طويلة لا نُريد الخوض في تفصيلاتها، وخلاصة الأمر في ذلك أنه لما أثبت أنَّ المرابطين يُثبتون الصفات لله U، ادَّعى أنهم من المجسمة؛ وتبعًا لهذا الادعاء فقد قال بكفر المرابطين، وادَّعى أن علي بن يوسف بن تاشفين ومَنْ معه من الولاة والعلماء، ومَنْ يعمل تحت حكمهم ومَنْ يَرضى بحُكمهم، هو من الكافرين[8].
وهذا منحى خطير؛ إذ إنه كفَّر حُكَّام الدولة التي كان يعيش فيها، وهي دولة المرابطين التي تشمل بلاد الأندلس وبلاد المغرب في ذلك الوقت.
فكان يقول لأتباعه: «واشتغِلُوا بتعليم التوحيد فإنه أساس دينكم، حتى تنفوا عن الخالق الشبيه والشريك والنقائص، والآفاق والحدود والجهات، ولا تجعلوه -سبحانه- في مكان أو جهة، فإنه تعالى موجود قبل الأمكنة والجهات، فمن جعله في جهة ومكان فقد جسَّمه، ومَنْ جسمه فقد جعله مخلوقًا، ومن جعله مخلوقًا فهو كعابد وثن»[9].
لقد تبنَّى ابن تومرت منهج المعتزلة في الأسماء والصفات؛ حيث نفى كل ما عساه أن يُوهم الشبه والمثلية لله سبحانه، حتى ولو كان ذلك من الأسماء والصفات الثابتة لله تعالى في الكتاب والسُّنَّة؛ ولهذا سَمَّى أصحابه بالموحدين؛ لأنهم في رأيه هم الذين يُوَحِّدُون الله لنفيهم الصفات عنه U، كما كان يُسَمِّي أتباعه بالمؤمنين، ويقول لهم: «ما على وجه الأرض مَنْ يُؤمن إيمانكم»[10].
استحل دماء المرابطين
وتبعًا لهذا التكفير السابق لغير الموحدين استحلَّ محمد بن تومرت دماء المرابطين؛ ومِنْ ثَمَّ فقد أمر بالخروج عليهم وقتلهم، وأنه ليس هناك إثم في ذلك؛ بل إن في قتلهم إحرازًا لثواب عظيم[11]، وهنا يَبُرز أحد أخلاق محمد بن تومرت فقد كان متساهلاً في الدماء، وهي خاصية من خصائص الخوارج، الذين تَعَلَّم على أيدي بعضهم -كما ذكرنا- أثناء رحلته لطلب العلم.
كان ابن تومرت يهدف إلى هدم دولة المرابطين من جذورها، وبناء دولة الموحدين على أنقاضها مهما كَلَّفه ذلك؛ وقد استباح في سبيل ذلك الدماء والأرواح والأموال، وكانت غايته تلك مبرِّرَة -من وجهة نظره- لكل وسيلة، فكان لا يتردَّد في قتل مَنْ يشكُّ في إيمانه بما يدَّعيه من مبادئ، حتى ولو كان من أتباعه؛ فقد قام ابن تومرت بما سمِّي التمييز؛ أي: تمييز أتباعه الصادقين من المداهنين والمنافقين والمخالفين، فيقتلهم على الفور ليظلَّ صَفُّه قويًّا[12].
ومن المعلوم أنَّ من أهمِّ مقاصد الشريعة الإسلامية الحفاظ على النفس، وما فعله هذا الآثِم إنما هو اعتداء بغير حقِّ على أنفسٍ حرَّم الله إزهاقها، وفي فعله هذا انحراف واضحٌ عن الشرع، وارتكاب متعمَّد للكبائر، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].
يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله؛ حيث يقول -سبحانه- في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]، وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} إلى أن قال: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151]، والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدًّا... منها: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ[13]»[14].
إن أمر القتل في غاية الخطورة ولا يستحلُّه إلاَّ مَنْ تجرَّد من كل معاني الأخلاق والرحمة ومن كل المعاني الإنسانية.
وفي البخاري ومسلم أن رسول الله r قال:"لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؛ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ"[15].
يقول الأستاذ سيد قطب -رحمه الله: «إنها جريمة قتل لا لنفس فحسب -بغير حقٍّ- ولكنها -كذلك- جريمة قتل للوشيجة العزيزة الحبيبة الكريمة العظيمة التي أنشأها الله بين المسلم والمسلم، إنها تنكُّر للإيمان ذاته وللعقيدة نفسها؛ ومن ثَمَّ قُرنت بالشرك في مواضع كثيرة؛ واتجه بعضهم -ومنهم ابن عباس- إلى أنه لا توبة منها.. ولكن البعض الآخر استند إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] [النساء: 116].. فرجَا للقاتل التائب المغفرة.. وفسَّر الخلود بأنه الدهر الطويل. والذين تربَّوْا في مدرسة الإسلام الأولى، كانوا يَرَوْنَ قاتلي آبائهم وأبنائهم وإخوانهم -قبل إسلامهم- يمشون على الأرض -وقد دخلوا في الإسلام- فيهيج في نفوس بعضهم ما يهيج من المرارة، ولكنهم لا يُفَكِّرُون في قتلهم، لا يُفَكِّرُون مرَّة واحدة؛ ولا يخطر لهم هذا الخاطر في أشدِّ الحالات وجدًا ولذعًا ومرارة؛ بل إنهم لم يُفَكِّرُوا في إنقاصهم حقًّا واحدًا من حقوقهم، التي يُخَوِّلها لهم الإسلام»[16].
كان لا بُدَّ لنا من هذا الوقفة مع هذا الأمر الخطير؛ أمر الدماء التي استحلَّها هذا الآثم المخادع، أمَّا عملية التمييز التي سبق الإشارة إليها فقد استعان فيها ابن تومرت برجل على شاكلته يُسَمَّى أبو عبد الله بن محسن الونشريشي، وكان يُلَقِّبه بالبشير؛ إمعانًا في خداع الناس وإضلالهم، وقد طلب ابن تومرت من هذا الفاسق أن يُخفي علمه وحفظه للقرآن، ويظهر أمام القبائل كأنه مجنون يسيل لعابه على وجهه.
قال الذهبي: «فلمَّا كان عام تسعة عشر وخمسمائة (519 هـ) خرج يومًا، فقال: تعلمون أن البشير -يُريد الونشريشي- رجل أُمِّيٌّ، ولا يثبت على دابَّة، فقد جعله الله مُبَشِّرًا لكم، مُطَّلِعًا على أسراركم، وهو آية لكم قد حفظ القرآن، وتعلَّم الركوب، وقال: اقرأ. فقرأ الختمة في أربعة أيام، وركب حصانًا وساقه، فبُهِتُوا، وعَدُّوها آية لغباوتهم، فقام خطيبًا، وتلا: {لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، وتلا: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]، فهذا البشير مُطَّلع على الأنفس مُلْهَم، ونبيكم r يقول: «إِنَّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مُحَدَّثِينَ، وَإِنَّ عُمَرَ مِنْهُمْ»[17].
وقد صَحِبَنَا أقوام أطلعه الله على سِرِّهم، ولا بُدَّ من النظر في أمرهم، وتَيَمُّمِ العدل فيهم، ثم نودي في جبال المصامدة: مَنْ كان مطيعًا للإمام فليأت. فأقبلوا يهرعون، فكانوا يُعْرَضون على البشير، فيُخرج قومًا على يمينه، ويَعدُّهم من أهل الجنة، وقومًا على يساره، فيقول: هؤلاء شاكُّون في الأمر. وكان يُؤْتَى بالرجال منهم، فيقول: هذا تائب رُدُّوه على اليمين تاب البارحة. فيعترف بما قال، واتفقت له فيهم عجائب، حتى كان يُطلق أهل اليسار، وهم يعلمون أن مآلهم إلى القتل، فلا يفرُّ منهم أحد، وإذا تجمَّع منهم عدَّة، قتلهم قراباتُهم حتى يقتل الأخ أخاه!» [18].
وأورد ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) هذا الأمر فقال: «وكان الونشريشي يلزم الاشتغال بالقرآن والعلم في السرِّ؛ بحيث لا يعلم أحدٌ ذلك منه، فلمَّا كان سنُّه تسع عشرة، وخاف المهدي -ابن تومرت- من أهل الجبل، خرج يومًا لصلاة الصبح، فرأى إلى جانب محرابه إنسانًا حسن الثياب، طيب الريح، فأظهر أنه لا يعرفه، وقال: مَنْ هذا؟ فقال: أنا أبو عبد الله الونشريشي. فقال له المهدي: إن أمرك لعجبٌ! ثم صلَّى، فلما فرغ من صلاته نادى في الناس فحضروا، فقال: إنَّ هذا الرجل يزعم أنه الونشريشي فانظروه، وحقِّقُوا أمره. فلما أضاء النهار عرفوه، فقال له المهدي: ما قِصَّتُك؟ قال: إنني أتاني الليلة مَلَكٌ من السماء، فغسل قلبي، وعَلَّمَنِي الله القرآن والموطأ، وغيره من العلوم والأحاديث. فبكى المهدي بحضرة الناس، ثم قال له: نحن نمتحنك. فقال: افعل.
وابتدأ يقرأ القرآن قراءة حسنة من أيِّ موضع سُئِلَ، وكذلك الموطأ، وغيره من كتب الفقه والأصول، فعَجِبَ الناسُ من ذلك، واستعظموه، ثم قال لهم: إن الله تعالى قد أعطاني نورًا أعرف به أهل الجنة من أهل النار، وآمركم أن تقتلوا أهل النار، وتتركوا أهل الجنة، وقد أنزل الله تعالى ملائكة إلى البئر التي في المكان الفلاني يشهدون بصدقي.
فسار المهدي والناس معه وهم يبكون إلى تلك البئر، وصَلَّى المهدي عند رأسها، وقال: يا ملائكة الله؛ إن أبا عبد الله الونشريشي قد زعم كيت وكيت. فقال مَنْ بها: صدق. وكان قد وضع فيها رجالاً يشهدون بذلك، فلمَّا قيل ذلك من البئر، قال المهدي: إن هذه مطهرة مقدسة قد نزل إليها الملائكة، والمصلحة أن تُطَمَّ لئلاَّ يقع فيها نجاسة، أو ما لا يجوز. فألقَوْا فيها من الحجارة والتراب ما طَمَّهَا -وبهذا يكون قد قتل الرجال الذين اتَّفق معهم على هذا القول؛ لئلاَّ يُفْتَضح أمره- ثم نادى في أهل الجبل بالحضور إلى ذلك المكان، فحضروا للتمييز، فكان الونشريشي يعمد إلى الرجل الذي يخاف ناحيته، فيقول: هذا من أهل النار. فيُلْقَى من الجبل مقتولاً، وإلى الشاب الغرِّ ومَنْ لا يخشى، فيقول: هذا من أهل الجنة. فيُتْرَك على يمينه، فكان عدة القتلى سبعين ألفًا، فلما فرغ من ذلك أَمِنَ على نفسه وأصحابه»[19].
هذا فِعْلُ ابن تومرت بمَنْ معه، فكيف يكون فعله بالمرابطين؟!
ولقد رُويت عنه كثير من الأخبار التي احتال فيها؛ حتى ظهر وكأنه يعلم الغيب، ولا نشك أن له عيونًا وأتباعًا، كما لا شك في أنه شخصية قوية ذات بصر وخبرة وفراسة، يروي المراكشي واقعة منها فيقول: «أخبرني مَنْ رآه -ممن أثق إليه- يضرب الناسَ على الخمر بالأكمام والنعال وعسب النخل؛ متشبِّهًا في ذلك بالصحابة. ولقد أخبرني بعض مَنْ شهده وقد أتى برجل سكران، فأمر بحدِّه، فقال: رجلٌ من وجوه أصحابه يُسَمَّى يوسف بن سليمان: لو شدَّدْنَا عليه حتى يُخبرنا من أين شربها لنَحْسم هذه العلةَ من أصلها. فأَعْرَض عنه، ثم أعاد عليه الحديث، فأعرض عنه، فلما كان في الثالثة قال له: أرأيت لو قال لنا: شربتُها في دار يوسف بن سليمان. ما نحن صانعون؟ فاستحيا الرجل وسكت، ثم كُشف على الأمر، فإذا عبيدُ ذلك الرجل سقَوه، فكان هذا من جملة ما زادهم به فتنة وتعظيمًا، إلى أشياءَ كان يُخبر بها فتقع كما يُخبر، ولم يزل كذلك وأحوالُه صالحة، وأصحابه ظاهرون، وأحوال المرابطين المذكورين تَخْتَلُّ، وانتقاض دولتهم يتزيد، إلى أن تُوُفِّيَ ابن تومرت... بعد أن أسس الأمور، وأحكم التدبير، ورسم لهم ما هم فاعلوه»[20].
كذلك يروي الذهبي في سير أعلام النبلاء: «وقد بلغني فيما يُقال: أن ابنَ تُومرت أخفى رجالاً في قبور دَوَارِسَ[21]، وجاء في جماعة لِيُرِيهم آية، يعني فصاحَ: أيُّها الموتى أجيبوا. فأجابوه: أنتَ المهدي المعصومُ، وأنت وأنت.. ثم إنه خاف من انتشارِ الحيلة، فخسف فوقهم القبور فماتوا»[22].
وقفة مع ابن تومرت وجماعته
كان محمد بن تومرت في جماعته الجديدة يقتل العشرات من المخالفين له، حتى من فرقته وجماعته (الموحدين)، فالذي يُخَالِفُه في الرأي ليس له من دواء إلاَّ القتل، وهو أمر في غاية الغرابة؛ نظرًا لما عنده من العلم الغزير، وأغرب منه كان ادعاؤه بعض الخوارق، وأنه هو المهدي المنتظر!
ولا شكَّ في أنْ يعتقدَ صِدْقَه وما يذهب إليه من أقواله تلك كثيرٌ من الناس؛ وذلك -كما ذكرنا- لانشغال علماء الدولة بالأمور الفرعية عن تعليم هؤلاء الناس أصول العقائد وأصول العبادات، فقد أقام العلماء جدارًا عازلاً بينهم وبين العامَّة، الذين لا يعرفون أين الحقُّ وأين الباطل، والذين لا يستطيعون أن يُمَيِّزُوا بين الغثِّ والسمين.
ومن هنا حين رأى مثل هؤلاء الناس رجلاً مثل محمد بن تومرت في شخص العالم الكبير، وهو يروي من أحاديث رسول الله r عن فلان وفلان، ثم هو يحفظ كتاب الله U، ويعلم سِيَرَ الصالحين والسابقين، ويعلم فقه كذا وكذا، حين رأوا ذلك ما كان منهم إلا أن يسمعوا ويطيعوا لما يقوله، وما يمليه عليهم عالمهم ومعلمهم، وقد اعتقدوا جميعًا بعصمته، واعتقدوا جميعًا بِحلِّ قتل المرابطين، بل والثواب الجزيل على قتلهم.
ولنا أن نتخيَّل مثل هذا الأمر في حقِّ المرابطين، الذين فتحوا البلاد، وأقاموا صرح الإسلام في بلاد المغرب والأندلس لسنوات وسنوات، الآن وبعد ظهور بعض المنكرات في بلادهم، وبعد انشغالهم بالجهاد عن التعليم، أصبحوا يُكَفَّرون وتُحَلُّ دماؤهم، ويُقَاتَلون من قِبَلِ جماعة الموحِّدِين، ذلك الاسم (الموحِّدين) الذي يُشير بقوَّة إلى أن غيرهم كفار وليسوا بموحدين أو مسلمين.
التوقيع
_________________
Derraz Boujemaa- مؤسس ستار ديس
- تاريخ التسجيل : 20/08/2018المساهمات : 5189نقاط التميز : 9415الجنس :
رد: ابن تومرت ومنهجه في التغيير
ويستمر الأبداع والروعة والجمال
سلم نبضك ايها المبدع المتألق والانيق دوماً
سلم نبضك ايها المبدع المتألق والانيق دوماً
التوقيع
_________________
منتدى احلى تومبلايت
مواضيع مماثلة
» محمد بن تومرت مؤسس دولة الموحدين
» لمحات قرانية -03- سورة البقرة الاستخلاف في الأرض ومنهجه الجزء الثاني
» التغيير وآلياته في موروثاتنا
» آصف بيات: عن التغيير والثورة و “اللاحركات الاجتماعية”
» التغيير قادم إلى دول الخليج… عاجلا أم آجلا
» لمحات قرانية -03- سورة البقرة الاستخلاف في الأرض ومنهجه الجزء الثاني
» التغيير وآلياته في موروثاتنا
» آصف بيات: عن التغيير والثورة و “اللاحركات الاجتماعية”
» التغيير قادم إلى دول الخليج… عاجلا أم آجلا
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى