«سورة (ق) ورحلة العبد إلى الله»

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

«سورة (ق) ورحلة العبد إلى الله»

مُساهمة من طرف Derraz Boujemaa الأربعاء نوفمبر 21, 2018 1:35 am


من الحديث الخالد المعجز الذي يوجهه الرب إلى عباده: سورة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بها في الجمع والأعياد، سورة لها شأن وأي شأن، إنها سورة (ق)، فهي تأخذ على النفس أقطارها وتشخص خطراتها وحركاتها ووساوسها، فلا تدعها لحظة واحدة، منذ الميلاد وحتى الوفاة وما يعقب ذلك من نشر وحشر وحساب وجزاء...

فكل أنفاسك معدودة عنده وكل هواجسك معلومة لديه، وكل ألفاظك مسجلة في كتاب إن تناولته باليمين فما أسعدك، وان تناولته بالشمال فما أشقاك، وكل حركاتك محسوبة، بل إن رقابة الله التي تحيط بك لا تدع حتى وساوس قلبك فلا حجب ولا أستار تحول بينه وبينك، فهل ستكون متيقظا ومدركا لذلك؟

ربك يحدثك عن الحياة والموت والبلى والبعث والجزاء، ويقسم - سبحانه - بالقرآن للتنبيه على أمر جلل، ثم يستنكر تعجب الكفار من حدوث البعث ومن رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -..

(ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ)[ق: 1، 2].

فمن الحقائق التي تعالجها السورة مسألة الحق وكيف هو حال من يفارقه، تتقاذفه الأهواء، وتلعب به الهواجس، وتمزقه الحيرة والشكوك، فيضطرب سعيه، وتتأرجح مواقفه، فيكون كما تصوره الآية الكريمة: (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) [ق: 5، 6].

ومن الحقائق المرعبة المهولة ما قصه المولى - سبحانه - عما حدث للأمم السابقة وكيف آل بها التكذيب والإعراض إلى الهلاك والدمار: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ][ق: 12 - 15].

ومن الحقائق التي يجب التنبه إليها والتفكير فيها مليا مسألة خلق الإنسان، وعلم الله المحط بما توسوس به نفسه ومدى الرقابة الشديدة الواقع تحت طائلتها: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18، 19].

وتأتي اللحظة التي يخشاها كل حي، ويفر من هولها كل ذي رشد وغي، والعجيب أن غالب الناس ينسونها ولا يحسبون حسابها، فلا يدركون الحق الا ساعة تحل بهم، فهم نيام فإذا ماتوا انتبهوا، كما قال المنذر العظيم والمرشد الحكيم - عليه الصلاة والسلام -، وبعد أن ينكشف الغطاء ويحتد البصر ما عاد ينفع ذلك الإنتباه؛ قال - سبحانه -: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)[ق: 21 - 23].

ثم تنتهي صفحة الحياة ووراءها صفحة الاحتضار: (وجاءت سكرة الموت بالحق * ذلك ما كنت منه تحيد).. فالموت هو أشد ما يحاول المخلوق أن يروغ منه، أو يبعد شبحه عن خاطره.

ولكن أنى له ذلك؟ وهو طالب لا يمل الطلب، ولا يبطئ الخطى، ولا يخلف المعياد؛ وذكر سكرة الموت كفيل برجفة تدب في الأوصال دبيبا وتشعل في القلوب من الوجل ما يجعلها تتفطر وجيبا! فكيف به حين تقال له وهو يعاني السكرات؟! ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: « سبحان الله. إن للموت لسكرات ». يقولها وهو قد اختار الرفيق الأعلى واشتاق إلى لقاء الله. فكيف بمن عداه؟

فهلا عدنا يا عبدالله إلى جادة الصواب قبل أن تأتي تلك اللحظة الرهيبة، هلا عدنا إلى ربنا قبل فوات الأوان، وهلا استمعنا إلى موعظة القرآن، وهلا تخلصنا من أوزارنا وأوضارنا، وما يوبقنا ويشقينا، هلا بادرنا إلى التوبة قبل الفوات، وذرفنا دموع الندم في الخلوات، قبل الفوات...

يكفيك أن تعود إلى السورة لتجد الداء وتحصل على الدواء، فما بعد قول الجليل من قول!.

إنها تحدثنا عن رحلة الحياة من الميلاد وحتى نهاية المطاف مرورا بالموت، وانتهاء بالبعث والحساب والجزاء، فإما جنة أبدا أو نار أبدا... رحلة تقطعها أيها الإنسان وأنت في قبضة الله وتحت رقابته ونفسك مكشوفة أمامه، فهلا عشت في حذر ويقظة، ألا تستحي من ربك وهو يعلم خائنة عينك وما يخفي صدرك؟ ألا تستحي ممن لا يفارقونك ألا حين تأتي الغائط أو تخلو بأهلك، وهم يحصون عليك كل صغيرة وكبيرة؟!

نفعنا الله وإياكم بآيات الذكر والحكيم، ورزقنا التدّبر لها والعمل بها آمين..

Derraz Boujemaa
Derraz Boujemaa
مؤسس ستار ديس

تاريخ التسجيل : 20/08/2018
المساهمات : 5189
نقاط التميز : 9415
الجنس : ذكر

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: «سورة (ق) ورحلة العبد إلى الله»

مُساهمة من طرف New Post الأربعاء نوفمبر 28, 2018 1:44 pm


بارك آلله فيكم
و جزاك الله خيرا
عن الموضوع المتميز
و المعلومات القيمة والمفيدة

New Post
New Post
مديرة ستار ديس

تاريخ التسجيل : 24/08/2018
المساهمات : 4133
نقاط التميز : 6472
الجنس : انثى
العمر : 25
الأبراج : الميزان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: «سورة (ق) ورحلة العبد إلى الله»

مُساهمة من طرف ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ الثلاثاء ديسمبر 11, 2018 7:36 am


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله تعالى اليكم وبارك الله فيكم

ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ
ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ
نجم ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 3052
نقاط التميز : 5482
الجنس : انثى
العمر : 25
الأبراج : السرطان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى