الرياح الموسمية

أينما وجدت مسطحات قارية متسعة,فإن حركة الهواء في فصل الصيف تكون من العنف في هبوبها نحو الداخل القاري بشكل يقوض الدورة العامة للتجاريات والعكسيات تماماً,وما هذا إلا لأن ظروف الضغط المحلية المترتبة على ظروف حرارية خاصة تضبط حركة الرياح على نحو يجعل من هذه الجهات قانوناً مستقلاً,لا يخضع للنمط السائد على وجه الأرض,فالرياح الموسمية أثر مباشر للاختلافات الحرارية بين اليابس والماء,بحيث يؤدي ذلك إلى تغير في الضغط الجوي من فصل لآخر,ومن ثم ينشأ نظام فصلي للرياح في تلك الجهات.وسبب هذا يرجع لاختلاف قابلية كل من اليابس والماء على اكتساب الحرارة وفقدانها,ففي فصل الشتاء تبرد الكتل اليابسة بدرجة أكثر من البحار المجاورة,ويؤدي هذا إلى زيادة كثافة الهواء فوق اليابس,وبالتالي إلى ارتفاع الضغط فوقه عنه فوق الماء,وينتج عن هذا هبوب الرياح الموسمية الشتوية,ولأن الرياح الموسمية الشتوية تنشأ فوق اليابس البارد,فإنها عادة جافة وباردة.

أما في فصل الصيف فتنعكس الأية إذ تصبح الحرارة مرتفعة فوق المناطق القارية,مما يؤدي إلى تركز خلايا من الضغط المنخفض فوق اليابس,بينما يكون فوق المسطحات المائية الأبرد أكثر ارتفاعاً.ويترتب على ذلك هبوب رياح من البحر إلى اليابس,وهذه هي الرياح الموسمية الصيفية وبما أن هذه الرياح تنشأ فوق الماء,فإنها تكون رطبة ودفيئة وتحمل معها الأمطار.

للرياح الموسمية أثر كبير من حيث الحرارة وسقوط الأمطار في المناطق التي تسودها,وينتج عنها اختلافات موسمية واضحة في الأحوال المناخية بين فصلي الرطوبة والجفاف,فالصيف يتميز بالحرارة والمطر,بينما تنخفض حرارة الشتاء ويندر مطره.والواقع أن النظام الموسمي ما هو إلا تعديل للنظام العادي للرياح بتلك المناطق,فعلى سبيل المثال تهب رياح شمالية على شرق آسيا في فصل الشتاء,وهي الموسميات الشتوية,التي تتفق مع اتجاه الرياح التجارية الشمالية الشرقية مع تعديل طفيف.

وتعتبر قارة آسيا أهم مناطق نفوذ الرياح الموسمية,التي يدخل تحت تأثيرها جميع الأجزاء الشرقية والجنوبية الشرقية من القارة ممتدة من منشوريا وكوريا واليابان نحو الجنوب الشرقي إلى الهند وباكستان.ففي فصل الصيف تندفع الرياح من فوق المسطحات المائية نحو الضغط المنخفض القاري,حاملة معها كميات هائلة من الرطوبة,تسقطها أمطاراً وفيرة على جنوب القارة وشرقها.والحقيقة أن الرياح الموسمية في جنوب القارة ليست إلا الرياح التجارية الجنوبية الشرقية في نصف الكرة الجنوبي,التي تتأثر بشدة انخفاض الضغط على قارة آسيا,فتندفع شمالاً لتعبر خط الاستواء,وعندئذ تنحرف على يمين اتجاهها حسب قانون فرل,فتصبح جنوبية غربية وتلعب التضاريس دوراً هاماً في كمية الأمطار بالجهات المرتفعة,من ذلك السفوح الجنوبية لجبال همالايا حيث تضطر الرياح للصعود,فتبرد وتنتشر وتقل قابليتها على حمل بخار الماء فتهطل الأمطار التضاريسية الغزيرة,التي قد تسبب فيضانات عامة في بعض السنين,والمثال التقليدي على ذلك بلدة تشيرا يونجي التي تسجل في المعدل السنوي ما يقرب من أحد عشر متراً من الأمطار,فهي بذلك أغزر محطات الأرض مطراً,ويستمر موسم الأمطار الغزيرة من شهر يونيو (حزيران) إلى أكتوبر (تشرين أول).ولكنه يقتصر بالتدريج وتقل الكمية بالتجاه شمالاً.

في فصل الشتاء يحدث العكس,حيث تكون الرياح خارجة من القارة نحو المحيطات فتكون باردة جافة,إلا إذا عبرت البحار,فتتحمل بالرطوبة وتسقط أمطاراً على بعض الجهات المرتفعة,من ذلك السواحل الغربية لليابان,التي تتعرض لرياح آتية من القارة ولكنها تحملت بالرطوبة والدفء بعد عبورها بحر اليابان.وهذا أيضاً ما يحدث بالنسبة للسواحل الشرقية للصين وجزر الفلبين وفيتنام التي تتعرض لرياح شمالية شرقية خلال الشتاء,أما السواحل الشمالية الشرقية لجزيرة سيلان وساحل كروماندل فتصيبهما الأمطار الشتوية نتيجة لمرور الرياح الموسمية الشمالية الشرقية على مياه خليج البنغال الدفيئة وتشبعها بالرطوبة,ومما تجدر ملاحظته أن هذه الرياح هي عبارة عن الرياح التجارية المنتظمة التي تستقر فوق جنوب آسيا خلال فصل الشتاء.

بارك آلله فيكم
و جزاك الله خيرا
عن الموضوع المتميز
و المعلومات القيمة والمفيدة