النبأ العظيم - سورة المطففين
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
النبأ العظيم - سورة المطففين
النبأ العظيم - سورة المطففين
سورة المطففين النبأ العظيم -
د. أحمد نوفل
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
هذا لقاؤنا مع سورة المطففين السورة رقم 6 من سور جزء عم ورقم 83 في ترتيب المصحف، عدد آياتها 36 آية. هذه السورة شأنها شأن سور الجزء، أغلب سور هذا الجزء موضوعها عقيدة البعث والقيامة. سورة المطففين موضوعها القيامة لكن ما منهج سورة المطففين؟ ما مقاطع هذه السورة؟ ما معنى المطففين؟ ما الصور الواقعية والعملية والاجتماعية لهؤلاء المطففين؟ هذا ما نحاول أن نقف عليه. (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴿١﴾ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴿٣﴾ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴿٤﴾ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٥﴾ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٦﴾ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿٧﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ﴿٨﴾ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴿٩﴾ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿١١﴾ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴿١٢﴾) هذه سورة المطففين موضوعها القيامة، في التفاسير زُعِمَ أنها سورة مدنية، لا، هذه سورة مكية قطعًا وباليقين فيما أرى، ولكل وجهة نظره. قالوا أنها أول سورة نزلت في المدينة، القرآن كله ذوق والمؤمنون كلهم ذوق هل يعقل أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أول قدومه للمدينة تنزل عليه سورة (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)؟! هذه السورة مكية، أسلوبها مكية، كلماتها مكية، قصر آياتها يدل على أنها مكية، ينبغي أن نكون قد تعلمنا منهجية القرآن وبإمكاننا أن نحسم مواضع الخلاف هل السورة مكية أو مدنية، نحسمها بإذن الله بذوقنا وبخبرتنا بالقرآن العظيم وبسوره الكريمة.. المطففين هذا سلوك اجتماعي، مثل قصة نبي الله شعيب عليه السلام قومه كانوا يمارسون مثل هذا التطفيف يخسرون المكيال والميزان فرب العالمين على لسان رسول قومه شعيب يقول لهم (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وزنوا بالقسطاس المستقيم (182) الشعراء) الموضوع ليس سهلاً على الإطلاق! هذا ليس مجرد البيع بالكيلو أو المتر أو القنطار، لا، المسألة أعمّ، قد تبخس إنسان حقه، وبلغة اليوم: الكيل بمكيالين والوزن بميزانين، يزنوا لك أنت بميزان ويزنوا لعدوّك بميزان، هذا تطفيف!. المطففون ليس في السكر والشاي، المطففين هم الذين يقيسون بمقياسين ويكيلون بمكيالين مطلقًا سواء في دكان بسيط أو كان على مستوى العالم، كله يمارس التطفيف. ووراء التطفيف سطوة وقوة تمارس هذا التطفيف بداعي القوة لا بأي داعٍ آخر، "إذا كنت قويًا فأنت على حقّ" (If you are might you are right)، هذه ثقافة مريضة، ثقافة عدوانية ثقافة مخرّبة سينشأ عنها الطغيان قطعًا. سورة المطففين يجب أن نكبر نظرتنا لها، ليست مجرد تطفيف في ميزان في دكان عند مسلمان ويطفف في الميزان في الخضار والدجاج بربع كيلو! المسألة أكبر من وزن دجاجة! أحيانًا توزن أمم بميزان التطفيف، إذا قُتل هنا ألف يقولون دفاع عن النفس وإذا رُجم واحد بحجر هنا يقولون عمل إرهابي، هذا كله تطفيف! السورة أصبحت شاملة الوجود كله والمجتمع الإنساني برمته والأحوال الاجتماعية والاقتصادية والتجارية، كله مشمول بهاتين الكلمتين (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ). يا سلام على القرآن وعظمته ولما العقل المسلم يتسع وينظر لقرآنه العظيم هذه النظرة التي كلها رحابة وشمول. هذه السورة من السور المفتتحة بالدعاء (ويل) هذا دعاء، (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴿١﴾ الهمزة) هذه السورة الثانية (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ المسد) ثلاث سورة مفتتحة بالدعاء هذه أولها (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ). منهجية هذه السورة: الجزاء، من أول السورة لآخرها نحن مصاحبون بالجزاء، القيامة هي إعطاء الناس أجورهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾ الزلزلة) القيامة هي ساحة الجزاء ودار الجزاء. بدأ بجزاء من يمارسون هذا العمل من الشرائح الاجتماعية المتسلطة المعتدة بقوتها فبدأ بمصيرهم (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ثم شرح من هم المطففون؟ (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴿٣﴾) مصدر هذ السلوك الرديء هو: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴿٤﴾ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٥﴾ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٦﴾) انتهى المقطع. ابتدأ بالدعاء واختتم بالاستفهام (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴿٤﴾ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٥﴾ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٦﴾) يبدأ مقطع جديد (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿٧﴾) كتاب الفجار في سجين؟ كيف؟ الكتاب أم أصحاب الكتاب؟ (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿٧﴾) الكتاب يحوي العمل فكأن الكتاب وصاحبه في سجين، الكتاب سجّل الأعمال إذا كان الكتاب خاسرا فصاحبه خاسرًا. (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿٧﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ﴿٨﴾ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴿٩﴾ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿١٠﴾) ويل في أول السورة وويل في هذا المقطع، جزاء هؤلاء إذن المكذبين ويل من جديد ومكذبين لأنهم يظنون أنهم لا يلاقون رب العالمين سبحانه وتعالى. (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿١١﴾) بدأن ندخل في صميم الموضوع والتصريح بهذا الموضوع (وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴿١٢﴾ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿١٣﴾) أساطير الأولين خرافاتهم التي يسطّرها والناس معتدون بأساطير اليونان ويعتبرونها رموزًا! ما تقولونه من بعث وقيامة ليس إلا أساطير الأولين كما كان يقول الشاعر الجاهلي: حياةٌ ثم موت ثم بعثٌ حديثُ خرافةٍ يا أم عمر كان يقول ليس هناك قيامة، هل أنت الذي تقرر يا مسكين؟ كالنعامة إن دفنت رأسها في الرمل تظن أنها تنجو من طلقة الصياد؟! هل إذا أنكرت القيامة تظن أنك نجوت من الحساب يوم القيامة؟! الطالب الذي تجاهل الامتحان "على نفسها جنت بُراكِش"، تجاهل الامتحان ولم يدرس وقضى وقته على راحته، سيصطدم بجدار الفشل حتمًا مقضيًا. وهذا الإنسان قضى دنياه في اعتداء وتطاول على الله عز وجل سيلاقي مصيره الأسود حتمًا. (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿١٣﴾ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿١٤﴾ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴿١٥﴾ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ﴿١٦﴾ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿١٧﴾) إذن المقطع الثاني واضح يسترجع ملف المطففين كيف كانوا يسلكون في الدنيا وما الذي قادهم إلى هذا العدوان والتطاول على الله وعلى رسل الله وعلى كتاب الله وإنكار لقاء الله قادهم عدوانهم وإنكارهم إلى هذا يريدون أن يستمتعوا بالدنيا وأفضل طريقة للاستمتاع بالدنيا أن ينسى الآخرة ولكي ينساها جعلها عقيدة في ذهنه أن ينفي عقيدة الآخرة فصار اللادين دينًا له!. الجزاء ماضٍ معنا من أول السورة إلى آخرها (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) جزاء، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿١٠﴾) جزاء.. الآن المقطع الثالث من السورة الكريمة (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿١٨﴾) هل (كلا) تقال للأبرار؟! (كلا) ليست للأبرار وإنما تابعة لما قبلها، (كلا) أحيانا تتبع ما قبلها وأحيانا تتبع ما بعدها والسياق يحدد ذلك، (كلا) كلمة ردع وزجر تقال للجاحد، للمكذّب، لا تقال في وجه الأبرار. (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿١٨﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴿١٩﴾ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴿٢٠﴾) هل العليّون هي الكتاب؟ الكتاب يقود إلى عليين، إذن عملك الصالح في كتاب، الكتاب هذا طيب، هذا الكتاب الطيب يرفع قدرك إلى عليين، يجعل جزاءك في عليين، كأن الكتاب هو في عليين، هو الذي أرسلك إلى عليين، ما الذي جعل منزلتك في عليين؟ الكتاب المرقوم الذي يسجل فيه عملك، الكتاب رفعك، الكتاب جعل جزاءك أنك من المقربين، من يجلس بجوار الملك أو الرئيس يشعر بزهو شديد فكيف إذا كان مقعدك بجوار ملك الملوك سبحانه؟! (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴿٢١﴾) مقربون من رب الوجود، من ملك الكون، من ملك الدنيا والآخرة سبحانه. (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿٢٢﴾) اللام المزحلقة للتأكيد، (إن) أقوى أدوات التوكيد فإذا اقترنت مع اللام صارت أقوى وأقوى، يؤكد الخبر. أنت تؤكد الخبر لمن كان متشككًا والبيئة الجاهلية في مكة كانت بيئة تشكك، نستحضر هنا الخطاب فن الخطاب والمقابل لك في هذا الخطاب إذا كان المخاطب جاحدًا تستخدم أقوى أدوات التوكيد (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿٢٢﴾) اللام مع (إنّ) و(في) لاستغراق النعيم، و(نعيم) نكرة لشمول كل أنواع النعيم. (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿٢٢﴾ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴿٢٣﴾ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴿٢٤﴾) على الآرائك على كراسي متكئين، (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) النعيم واضح من وجهه، النعيم والصحة والعافية يظهر أثره على الوجه وآخر يظهر الشقاء في وجهه. (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴿٢٥﴾) الماء أفنان وألوان، ألوان من الشراب وألوان من الطعام، ألوان من الفُرُش، نعيم لا يوصف، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴿٢٦﴾) أحيانًا بعض الفاكهة نقول عنها معطرة أي نكتها لذيذة ويفوح مع النكهة اللذيذة رائحة طيبة. إذن هذا الشراب عذب فرات سائغ المذاق ومعه كما نضع مع الماء ماء الورد أو ماء الزهر يعطيه نكهة ويعطيه تحسين إضافي، الماء وحده طيب فلو أضيفت له المحسنات يزداد حسنًا على حسن. (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴿٢٧﴾) يضاف إليه من عين خاصة اسمها تسنيم تعطي الماء حسنًا على حسن. تسنيم معناها: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴿٢٨﴾) يركّز على القُرب، إذن هو نعيم مادي من ماء وأكل ونعيم معنوي وهو القُرب، جمع النعيمين مع بعض النعيم المادي والنعيم المعنوي. والنعيم المعنوي أهم من النعيم المادي، القرب من مولاك سبحانه وهو راض عنك وأنت راض عنه (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴿٨﴾ البينة) هذا أعظم نعيم! ورب العالمين يسلم عليهم (سلام عليكم) هذا أعظم نعيم أن يروا وجه ربهم فإذا انضم إليه وانضاف إليه نعيم المطعم والمشرب والمتكأ والمنظر الجميل والماء الجاري اكتملت الفرحة واكتمل النعيم. في المقابل أولئك يصلون فنون النار والعذاب والقطران والحديد والمقامع! لماذا يقود الإنسان نفسه إلى هذا الدمار الشامل والعذاب الدائم الخالد من أجل سنين العمر المحدودة؟! مِمَ حرمك الدين؟ كل المباح مباح لك ومتاح لك فلماذا تذهب للحرام وهو قذر، حرِج، مخزي، مخجِل، وعواقبه في الدنيا والآخرة مردية وخيمة فلمَ تذهب إليه؟!. أول السورة جزاء المطففين ثم جزاء الكافرين ثم جزاء المؤمنين. منهجية في السورة نحاول أن نكتشفها. المقطع التالي (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴿٢٩﴾ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴿٣٠﴾) حركات بأعينهم وحركات بأيديهم يحاولون أن يسخروا من المؤمنين (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴿٣١﴾) يتحدث بسعادة عن استهزائه بالمؤمنين وسخريته منهم! تفرح قليلًا ثم تبكي كثيرًا والسعيد من يضحك آخِرا ويضحك دائمًا والشقيّ من ضحك عاجلا وندم آجلًا، ملتقانا ساحة الحساب وسنرى أيّ الفريقين من ربه تعالى أقرب ومن سيندم. (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴿٣٢﴾) الكفار يقولوا عن المؤمنين ضالين، هذه من صور التطفيف، هذا مثال على التطفيف، الآن المحكوم على المؤمنين بأنهم كلهم محكوم عليهم بأنهم أصوليون، إرهابيون وغيرها من الألقاب التي هي أبعد ما تكون عن أهل الإيمان، المؤمن باحث عن الجنة والسلام في الدنيا والسلام في الآخرة ينجو بجلده، لا يؤذي أحدًا ولا يؤذيه أحد، هذا المؤمن هو زينة الحياة وأمن الحياة وسعادة الحياة كيف يوصف بهذه الوصمة وهذه الوصفة؟! (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴿٣٢﴾ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ﴿٣٣﴾ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴿٣٤﴾) أعاد من جديد (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴿٣٥﴾) وتنتهي السورة الكريمة التي بدأت بالدعاء تنتهي بالاستفهام (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴿٣٦﴾) سؤال رهيب؟ هل جوزوا؟ من الجزاء. كل مقطع فيه جزاء، هذه السورة موضوعها القيامة لكن منهجيتها أنها جاءت بمقاطع من أجزية الناس ومقاطع من سلوكات الناس تستحضر من الآخرة إلى الدنيا، تسترجع على طريقة الاسترجاع، سلوكات الناس في الدنيا التي أودت بهم في الآخرة إلى مرادي الهلاك وإلى أودية العذاب في جهنم وبئس المصير لأنهم كانوا مطففين يحكمون على المؤمنين بأنهم ضالون أو إرهابيون أو ما شاء لهم هواهم وضلالهم هم من أوصاف ينعتون بها المؤمنين هذه نظرة عجلى عامة عابرة على سورة المطففين السورة التي قلت إنها لا تتكلم عن كيل وميزان في السلع فقط وإنما في الماديات وفي المعنويات على مستوى الأفراد ومستوى المجتمعات ومستوى العالم، هذه السورة الكبيرة الكريمة.
سورة المطففين النبأ العظيم -
د. أحمد نوفل
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
هذا لقاؤنا مع سورة المطففين السورة رقم 6 من سور جزء عم ورقم 83 في ترتيب المصحف، عدد آياتها 36 آية. هذه السورة شأنها شأن سور الجزء، أغلب سور هذا الجزء موضوعها عقيدة البعث والقيامة. سورة المطففين موضوعها القيامة لكن ما منهج سورة المطففين؟ ما مقاطع هذه السورة؟ ما معنى المطففين؟ ما الصور الواقعية والعملية والاجتماعية لهؤلاء المطففين؟ هذا ما نحاول أن نقف عليه. (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴿١﴾ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴿٣﴾ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴿٤﴾ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٥﴾ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٦﴾ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿٧﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ﴿٨﴾ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴿٩﴾ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿١١﴾ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴿١٢﴾) هذه سورة المطففين موضوعها القيامة، في التفاسير زُعِمَ أنها سورة مدنية، لا، هذه سورة مكية قطعًا وباليقين فيما أرى، ولكل وجهة نظره. قالوا أنها أول سورة نزلت في المدينة، القرآن كله ذوق والمؤمنون كلهم ذوق هل يعقل أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أول قدومه للمدينة تنزل عليه سورة (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)؟! هذه السورة مكية، أسلوبها مكية، كلماتها مكية، قصر آياتها يدل على أنها مكية، ينبغي أن نكون قد تعلمنا منهجية القرآن وبإمكاننا أن نحسم مواضع الخلاف هل السورة مكية أو مدنية، نحسمها بإذن الله بذوقنا وبخبرتنا بالقرآن العظيم وبسوره الكريمة.. المطففين هذا سلوك اجتماعي، مثل قصة نبي الله شعيب عليه السلام قومه كانوا يمارسون مثل هذا التطفيف يخسرون المكيال والميزان فرب العالمين على لسان رسول قومه شعيب يقول لهم (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وزنوا بالقسطاس المستقيم (182) الشعراء) الموضوع ليس سهلاً على الإطلاق! هذا ليس مجرد البيع بالكيلو أو المتر أو القنطار، لا، المسألة أعمّ، قد تبخس إنسان حقه، وبلغة اليوم: الكيل بمكيالين والوزن بميزانين، يزنوا لك أنت بميزان ويزنوا لعدوّك بميزان، هذا تطفيف!. المطففون ليس في السكر والشاي، المطففين هم الذين يقيسون بمقياسين ويكيلون بمكيالين مطلقًا سواء في دكان بسيط أو كان على مستوى العالم، كله يمارس التطفيف. ووراء التطفيف سطوة وقوة تمارس هذا التطفيف بداعي القوة لا بأي داعٍ آخر، "إذا كنت قويًا فأنت على حقّ" (If you are might you are right)، هذه ثقافة مريضة، ثقافة عدوانية ثقافة مخرّبة سينشأ عنها الطغيان قطعًا. سورة المطففين يجب أن نكبر نظرتنا لها، ليست مجرد تطفيف في ميزان في دكان عند مسلمان ويطفف في الميزان في الخضار والدجاج بربع كيلو! المسألة أكبر من وزن دجاجة! أحيانًا توزن أمم بميزان التطفيف، إذا قُتل هنا ألف يقولون دفاع عن النفس وإذا رُجم واحد بحجر هنا يقولون عمل إرهابي، هذا كله تطفيف! السورة أصبحت شاملة الوجود كله والمجتمع الإنساني برمته والأحوال الاجتماعية والاقتصادية والتجارية، كله مشمول بهاتين الكلمتين (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ). يا سلام على القرآن وعظمته ولما العقل المسلم يتسع وينظر لقرآنه العظيم هذه النظرة التي كلها رحابة وشمول. هذه السورة من السور المفتتحة بالدعاء (ويل) هذا دعاء، (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴿١﴾ الهمزة) هذه السورة الثانية (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ المسد) ثلاث سورة مفتتحة بالدعاء هذه أولها (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ). منهجية هذه السورة: الجزاء، من أول السورة لآخرها نحن مصاحبون بالجزاء، القيامة هي إعطاء الناس أجورهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾ الزلزلة) القيامة هي ساحة الجزاء ودار الجزاء. بدأ بجزاء من يمارسون هذا العمل من الشرائح الاجتماعية المتسلطة المعتدة بقوتها فبدأ بمصيرهم (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ثم شرح من هم المطففون؟ (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴿٣﴾) مصدر هذ السلوك الرديء هو: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴿٤﴾ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٥﴾ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٦﴾) انتهى المقطع. ابتدأ بالدعاء واختتم بالاستفهام (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴿٤﴾ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٥﴾ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٦﴾) يبدأ مقطع جديد (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿٧﴾) كتاب الفجار في سجين؟ كيف؟ الكتاب أم أصحاب الكتاب؟ (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿٧﴾) الكتاب يحوي العمل فكأن الكتاب وصاحبه في سجين، الكتاب سجّل الأعمال إذا كان الكتاب خاسرا فصاحبه خاسرًا. (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿٧﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ﴿٨﴾ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴿٩﴾ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿١٠﴾) ويل في أول السورة وويل في هذا المقطع، جزاء هؤلاء إذن المكذبين ويل من جديد ومكذبين لأنهم يظنون أنهم لا يلاقون رب العالمين سبحانه وتعالى. (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿١١﴾) بدأن ندخل في صميم الموضوع والتصريح بهذا الموضوع (وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴿١٢﴾ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿١٣﴾) أساطير الأولين خرافاتهم التي يسطّرها والناس معتدون بأساطير اليونان ويعتبرونها رموزًا! ما تقولونه من بعث وقيامة ليس إلا أساطير الأولين كما كان يقول الشاعر الجاهلي: حياةٌ ثم موت ثم بعثٌ حديثُ خرافةٍ يا أم عمر كان يقول ليس هناك قيامة، هل أنت الذي تقرر يا مسكين؟ كالنعامة إن دفنت رأسها في الرمل تظن أنها تنجو من طلقة الصياد؟! هل إذا أنكرت القيامة تظن أنك نجوت من الحساب يوم القيامة؟! الطالب الذي تجاهل الامتحان "على نفسها جنت بُراكِش"، تجاهل الامتحان ولم يدرس وقضى وقته على راحته، سيصطدم بجدار الفشل حتمًا مقضيًا. وهذا الإنسان قضى دنياه في اعتداء وتطاول على الله عز وجل سيلاقي مصيره الأسود حتمًا. (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿١٣﴾ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿١٤﴾ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴿١٥﴾ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ﴿١٦﴾ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿١٧﴾) إذن المقطع الثاني واضح يسترجع ملف المطففين كيف كانوا يسلكون في الدنيا وما الذي قادهم إلى هذا العدوان والتطاول على الله وعلى رسل الله وعلى كتاب الله وإنكار لقاء الله قادهم عدوانهم وإنكارهم إلى هذا يريدون أن يستمتعوا بالدنيا وأفضل طريقة للاستمتاع بالدنيا أن ينسى الآخرة ولكي ينساها جعلها عقيدة في ذهنه أن ينفي عقيدة الآخرة فصار اللادين دينًا له!. الجزاء ماضٍ معنا من أول السورة إلى آخرها (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) جزاء، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴿١٠﴾) جزاء.. الآن المقطع الثالث من السورة الكريمة (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿١٨﴾) هل (كلا) تقال للأبرار؟! (كلا) ليست للأبرار وإنما تابعة لما قبلها، (كلا) أحيانا تتبع ما قبلها وأحيانا تتبع ما بعدها والسياق يحدد ذلك، (كلا) كلمة ردع وزجر تقال للجاحد، للمكذّب، لا تقال في وجه الأبرار. (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿١٨﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴿١٩﴾ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴿٢٠﴾) هل العليّون هي الكتاب؟ الكتاب يقود إلى عليين، إذن عملك الصالح في كتاب، الكتاب هذا طيب، هذا الكتاب الطيب يرفع قدرك إلى عليين، يجعل جزاءك في عليين، كأن الكتاب هو في عليين، هو الذي أرسلك إلى عليين، ما الذي جعل منزلتك في عليين؟ الكتاب المرقوم الذي يسجل فيه عملك، الكتاب رفعك، الكتاب جعل جزاءك أنك من المقربين، من يجلس بجوار الملك أو الرئيس يشعر بزهو شديد فكيف إذا كان مقعدك بجوار ملك الملوك سبحانه؟! (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴿٢١﴾) مقربون من رب الوجود، من ملك الكون، من ملك الدنيا والآخرة سبحانه. (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿٢٢﴾) اللام المزحلقة للتأكيد، (إن) أقوى أدوات التوكيد فإذا اقترنت مع اللام صارت أقوى وأقوى، يؤكد الخبر. أنت تؤكد الخبر لمن كان متشككًا والبيئة الجاهلية في مكة كانت بيئة تشكك، نستحضر هنا الخطاب فن الخطاب والمقابل لك في هذا الخطاب إذا كان المخاطب جاحدًا تستخدم أقوى أدوات التوكيد (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿٢٢﴾) اللام مع (إنّ) و(في) لاستغراق النعيم، و(نعيم) نكرة لشمول كل أنواع النعيم. (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿٢٢﴾ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴿٢٣﴾ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴿٢٤﴾) على الآرائك على كراسي متكئين، (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) النعيم واضح من وجهه، النعيم والصحة والعافية يظهر أثره على الوجه وآخر يظهر الشقاء في وجهه. (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴿٢٥﴾) الماء أفنان وألوان، ألوان من الشراب وألوان من الطعام، ألوان من الفُرُش، نعيم لا يوصف، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴿٢٦﴾) أحيانًا بعض الفاكهة نقول عنها معطرة أي نكتها لذيذة ويفوح مع النكهة اللذيذة رائحة طيبة. إذن هذا الشراب عذب فرات سائغ المذاق ومعه كما نضع مع الماء ماء الورد أو ماء الزهر يعطيه نكهة ويعطيه تحسين إضافي، الماء وحده طيب فلو أضيفت له المحسنات يزداد حسنًا على حسن. (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴿٢٧﴾) يضاف إليه من عين خاصة اسمها تسنيم تعطي الماء حسنًا على حسن. تسنيم معناها: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴿٢٨﴾) يركّز على القُرب، إذن هو نعيم مادي من ماء وأكل ونعيم معنوي وهو القُرب، جمع النعيمين مع بعض النعيم المادي والنعيم المعنوي. والنعيم المعنوي أهم من النعيم المادي، القرب من مولاك سبحانه وهو راض عنك وأنت راض عنه (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴿٨﴾ البينة) هذا أعظم نعيم! ورب العالمين يسلم عليهم (سلام عليكم) هذا أعظم نعيم أن يروا وجه ربهم فإذا انضم إليه وانضاف إليه نعيم المطعم والمشرب والمتكأ والمنظر الجميل والماء الجاري اكتملت الفرحة واكتمل النعيم. في المقابل أولئك يصلون فنون النار والعذاب والقطران والحديد والمقامع! لماذا يقود الإنسان نفسه إلى هذا الدمار الشامل والعذاب الدائم الخالد من أجل سنين العمر المحدودة؟! مِمَ حرمك الدين؟ كل المباح مباح لك ومتاح لك فلماذا تذهب للحرام وهو قذر، حرِج، مخزي، مخجِل، وعواقبه في الدنيا والآخرة مردية وخيمة فلمَ تذهب إليه؟!. أول السورة جزاء المطففين ثم جزاء الكافرين ثم جزاء المؤمنين. منهجية في السورة نحاول أن نكتشفها. المقطع التالي (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴿٢٩﴾ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴿٣٠﴾) حركات بأعينهم وحركات بأيديهم يحاولون أن يسخروا من المؤمنين (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴿٣١﴾) يتحدث بسعادة عن استهزائه بالمؤمنين وسخريته منهم! تفرح قليلًا ثم تبكي كثيرًا والسعيد من يضحك آخِرا ويضحك دائمًا والشقيّ من ضحك عاجلا وندم آجلًا، ملتقانا ساحة الحساب وسنرى أيّ الفريقين من ربه تعالى أقرب ومن سيندم. (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴿٣٢﴾) الكفار يقولوا عن المؤمنين ضالين، هذه من صور التطفيف، هذا مثال على التطفيف، الآن المحكوم على المؤمنين بأنهم كلهم محكوم عليهم بأنهم أصوليون، إرهابيون وغيرها من الألقاب التي هي أبعد ما تكون عن أهل الإيمان، المؤمن باحث عن الجنة والسلام في الدنيا والسلام في الآخرة ينجو بجلده، لا يؤذي أحدًا ولا يؤذيه أحد، هذا المؤمن هو زينة الحياة وأمن الحياة وسعادة الحياة كيف يوصف بهذه الوصمة وهذه الوصفة؟! (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴿٣٢﴾ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ﴿٣٣﴾ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴿٣٤﴾) أعاد من جديد (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴿٣٥﴾) وتنتهي السورة الكريمة التي بدأت بالدعاء تنتهي بالاستفهام (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴿٣٦﴾) سؤال رهيب؟ هل جوزوا؟ من الجزاء. كل مقطع فيه جزاء، هذه السورة موضوعها القيامة لكن منهجيتها أنها جاءت بمقاطع من أجزية الناس ومقاطع من سلوكات الناس تستحضر من الآخرة إلى الدنيا، تسترجع على طريقة الاسترجاع، سلوكات الناس في الدنيا التي أودت بهم في الآخرة إلى مرادي الهلاك وإلى أودية العذاب في جهنم وبئس المصير لأنهم كانوا مطففين يحكمون على المؤمنين بأنهم ضالون أو إرهابيون أو ما شاء لهم هواهم وضلالهم هم من أوصاف ينعتون بها المؤمنين هذه نظرة عجلى عامة عابرة على سورة المطففين السورة التي قلت إنها لا تتكلم عن كيل وميزان في السلع فقط وإنما في الماديات وفي المعنويات على مستوى الأفراد ومستوى المجتمعات ومستوى العالم، هذه السورة الكبيرة الكريمة.
ᴛʜᴇ ʀᴇᴅ ғʟᴏωᴇʀ- نجم ستارديس
- تاريخ التسجيل : 29/08/2018المساهمات : 3052نقاط التميز : 5482الجنس :العمر : 25الأبراج :
رد: النبأ العظيم - سورة المطففين
السلام عليكم ورحمة الله
بوركت على الطرح المميز ورائع
واصل على هذا المنوال .
جزاك الله كل خير....
بوركت على الطرح المميز ورائع
واصل على هذا المنوال .
جزاك الله كل خير....
New Post- مديرة ستار ديس
- تاريخ التسجيل : 24/08/2018المساهمات : 4133نقاط التميز : 6472الجنس :العمر : 25الأبراج :
رد: النبأ العظيم - سورة المطففين
مواضيعك سهل على القلوب هضمها
و على الأرواح تشربها تألفها المشاعر
بسهولة و يستسيغها وجداننا كالشهد
لك خالص احترامي
و على الأرواح تشربها تألفها المشاعر
بسهولة و يستسيغها وجداننا كالشهد
لك خالص احترامي
التوقيع
_________________
رد: النبأ العظيم - سورة المطففين
بصراحــه رائع جدا هذا الموضوع
بصراحه انتي تمتلكي ذوق راقي في جـلب ماهو مميّز وجميل
دائما كلماتك ترتدي ثوب التميز والابداع الثقيلان
صح أحساسك ولسانك ودام توهجك
بصراحه انتي تمتلكي ذوق راقي في جـلب ماهو مميّز وجميل
دائما كلماتك ترتدي ثوب التميز والابداع الثقيلان
صح أحساسك ولسانك ودام توهجك
التوقيع
_________________
منتدى احلى تومبلايت
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى