الوسيلة أو الواسطة بين الخلق والخالق

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

الوسيلة أو الواسطة بين الخلق والخالق

مُساهمة من طرف Nabil LacRiM السبت يناير 04, 2020 8:16 pm


الوسيلة أو الواسطة
بين الخلق والخالق

ليست هناك واسِطة بين الله وخلقه سوى أعمالهم الصَّالحة التي تَوفَّر فيها شرطان (بعد سلامة الاعتقاد):

• الأول: إخلاصٌ لله في القول والعمل.

• الثاني: اتِّباعٌ للرسول صلى الله عليه وسلم في القول والعمل.

ومَن أَخطأ الهدف فالسبل المؤدِّية إلى الله موصدة أمامه، والأدلَّة في هذا الميدان أكثر من أن تُحصى.

أخي القارئ، ألستَ معي أنَّ الوسيلة والواسطة لاستخراج الماء من الآبار هي الدِّلاء أو الآلات الحديثة؛ بشرط خلوها من العيوب والتلَف؟!

ألستَ معي في أنَّ وسيلة النجاح هي التعلُّم والصَّبر على ما فيه من مشقَّة التحدُّث والاطلاع، والعقل والنَّقل في مختلف الأمصار والأجواء؟!

ألستَ معي في أنَّ وسيلة الزواج هي حُسن الاختيار، والعمل على إعداد منزل الزَّوجية، إلى آخر ما هو في دنيا الناس؟!

ثمَّ ألستَ معي في أن أي خطأ في هذه الوسائل لا يمكن أن يحقِّق لك ما تريد؟!

وكذلك المؤمن؛ له هدف الوصول إلى السَّعادة في حياته الآخرة، ودخول الجنَّة، والتمتُّع بما فيها من لذَّة النَّظر إلى وجه الله سبحانه، وغير ذلك ممَّا لا عين رأَت ولا أذن سمعَت ولا خطر على قلب بشَر، وهذا لا يتأتَّى إلَّا بالشرطين المذكورين: إخلاص لله، واتباع لرسول الله.

ومن يتدبَّر القرآن عند تلاوته أو سماعه يَلحظ أنَّ الله تبارك وتعالى أوضح لنا الوسيلةَ التي تقرِّبنا إلى الله سبحانه؛ وذلك حيث يقول: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، ورتَّب جلَّ شأنه غفرانَ الذنوب وتكفير السيئات على التقوى، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29]، ويقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].

والقرآن الكريم مليء بمثل هذا؛ حيث يرتِّب الخيرَ على عمَل الخير، وكذا يَبني النتائج على الأعمال، حتى دخول جهنَّم مقرون بالسير في سبيل الشيطان؛ مِن شركٍ وما دونه من المهلِكات، فيقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 5، 6].

ولكن الظنون والأوهام تَلعب دورها مع المفتونين، فيزعمون أنَّ الوسيلة تَوسُّط إلى الله تعالى بمقبورٍ لكَشف الكربات وإزاحة البَلوى، وإنِّي لَسائلٌ هؤلاء الواهمين: لماذا وسَّطتم الموتى إلى الله تعالى؛ فإن كان جوابكم - كما تعوَّدنا أن نَسمع منكم - هو قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة: 35]، فليسَت حجَّة لكم؛ فتقوى الله تَكليفٌ بعمل الخير والبعد عن الشرِّ، وابتغاء الوسيلة إليه سبحانه، وبذل الجهد في عمل الطاعات وترك المنكرات.

والعقل السليم يأبى أن يُوسِّط ميتًا زال عن الحياة بشتَّى مادِّياته، فأصبح لا يَدري عن أهلها شيئًا، ضعيفًا لا يستطيع أن يدفع عن نفسه فتيلًا، فقيرًا إلى عفو الله ورحمتِه، عاجزًا بكلِّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ.

والقرآن شاهِدُ صِدق ودليل عدل على أنَّ المصطَفَين الأخيار من رُسل الله سبحانه توسَّلوا إلى المولى جلَّ جلاله وقت الأزمات بذلِّ الدعاء وكبيرِ الرَّجاء:

فهذا يونس رسول الله؛ يقول القرآنُ تسجيلًا لموقفه وهو في بَطن الحوت؛ حيث أصبح قبرًا له يَسعى به في ظلماتٍ بعضها فوق بعض أيامًا وليالي: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88]، ولولا ذلك ﴿ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 144].

وعلى هذا النَّحو كانت حياة الرُّسل عليهم السلام؛ يَجأرون إلى الله ويَلجؤون إليه في شتَّى أمورهم، دون تهاونٍ أو تفريط، والحقُّ تبارك وتعالى يَأمر عبدَه محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام: 15].

وهذا إبراهيم خليل الله سبحانه؛ حين ألقاه قومُه في نارٍ أَوقدوها، فيُسرع إليه جبريل عليه السلام، يعرض عليه المعونةَ، فلم يكن من إبراهيم إلَّا أن رفض المساعدةَ من عبدٍ مثله، وقال: ((أمَّا إليك يا جبريل فلا، وأمَّا إلى ربِّي فهو حَسبي ونِعم الوكيل)).

ورسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يُؤثَر عنه وقت الشدَّة قوله: ((يا حيُّ يا قيُّوم، برحمتك أستغيث))، وناهيك بموقفه عند أوبته من الطَّائف مكلوم الفؤاد - حيث إيذاءُ الناس له، وتمركُزُ أهل مكَّة لِمَنعه من دخولها - توجَّه إلى الله بالشكوى، قائلًا: ((إليك أشكو ضعفَ قوَّتي وقلَّة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين))؛ إلى آخر ما قال؛ لعِلمه بأنَّ الله أقربُ إليه من كلِّ شيء، وأنَّه كاشف الضرِّ والبلوى، دون أن يوسط إليه ملكًا أو رسولًا.

وختامًا: ألم يَسمع هؤلاء الواهمون حديثَ أصحاب الغار؛ وهم ثلاثة اضطرُّوا إلى الإيواء هربًا من المطَر، فانحدرَت صخرةٌ أغلقَت عليهم بابَ الغار، وبعد لأْيٍ استقرَّ رأيهم على أن يتوسَّلوا إلى الله بأَزكى عملٍ عمله كلٌّ منهم قبل ورطتِهم هذه؛ فبَرهن أولهم أنَّه كان بارًّا بوالديه ولم يقدِّم في البرِّ عليهما أحدًا من أهلٍ وولد، ثمَّ نادى اللهَ قائلًا: اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ هذا ابتغاء وجهك فافرُج عنَّا ما نحن فيه، فانفرج ثلثُ الصَّخرة، وقال الثاني برهانَ عمله الطيِّب؛ حيث ترك ابنةَ عمِّه وهو قادر على فضِّ خاتم عفافها، وترك لها الذَّهبَ حِسبةً لله تعالى، وخوفًا منه، ونادى قائلًا: اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ هذا ابتغاء وجهك فافرُج عنَّا ما نحن فيه، فانفرج ثلث الصخرة الثاني، ولكن لا يَستطيعون الخروج، واستجمع الثالث فِكرَه وتذكَّر أنَّه استأجر عمَّالًا في عمله يَعملون، وأعطى كلًّا منهم أجرَه إلَّا واحدًا منهم، فنمى أجره حتى أصبح قطعانًا من النَّعَم، ودارت الأيامُ دورتها وجاء صاحب الأجرة يطلب أجرَه، فقال الرجل بعد أن أطلَعَه على نتاج أجره: لك كل هذا، فاستاق الأجيرُ كلَّ شيء ولم يأخذ المستثمِر على ذلك جُعلًا، فقال مناديًا: اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ هذا ابتغاء وجهك فافرُج عنَّا ما نحن فيه، فانفرجَت الصَّخرة، وخرجوا يمشون.

أخي القارئ، بمثل هذا يكون التوسُّل إلى الله سبحانه وتعالى، وبدون ذلك يكون كمَن طلب الرِّيَّ من غير مصادره، أو كالمستجير من الرَّمضاء بالنار.

وإلى لقاء آخر، والله المستعان


Nabil LacRiM
Nabil LacRiM
مراقب الكمبيوتر والانترنت

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 2639
نقاط التميز : 4581
الجنس : ذكر
العمر : 28
الأبراج : الدلو

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: الوسيلة أو الواسطة بين الخلق والخالق

مُساهمة من طرف الإمبراطور الإثنين يناير 06, 2020 12:20 am


الف شكر على الموضوع المميز

الإمبراطور
الإمبراطور
مراقب الرياضة العالمية

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 3647
نقاط التميز : 8215
الجنس : ذكر
العمر : 31
الأبراج : الجوزاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: الوسيلة أو الواسطة بين الخلق والخالق

مُساهمة من طرف professeur الإثنين يناير 06, 2020 8:56 am


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لك على هذه المعلومات
وعلى هذه المشاركة الرائعة
والموضوع المميز

professeur
professeur
مراقب المنتدى

تاريخ التسجيل : 31/08/2018
المساهمات : 1825
نقاط التميز : 3849
العمر : 36
الأبراج : العقرب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: الوسيلة أو الواسطة بين الخلق والخالق

مُساهمة من طرف شموخ القوافي الإثنين يناير 06, 2020 11:48 pm


بارك الله فيك على هذا الموضوع
القيم والمميز واصل تألقك الدائم


شموخ القوافي
شموخ القوافي
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1461
نقاط التميز : 1687
الجنس : ذكر
العمر : 32
الأبراج : الثور

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: الوسيلة أو الواسطة بين الخلق والخالق

مُساهمة من طرف long race الثلاثاء يناير 07, 2020 7:29 pm


موضوع مميز شكرا لك

long race
long race
عضو ستارديس

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 1087
نقاط التميز : 2208
الجنس : ذكر
العمر : 27
الأبراج : العقرب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى