مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي
المقدمة:
وضع الإسلام المبادئ العامة والقواعد الشاملة لحياة اجتماعية سليمة، وترك التطبيقات لتطور الزمان وبروز الحاجات، وهو بهذا الشمول وهذه المرونة، قد كفل لأحكامه التطبيقية النمو والتجدد، ومسايرة ظروف الحياة المتغيرة.
وقد ظلت الإنسانية دهورا طويلة تفرق بين القوى الروحية والقوى المادية تنكر إحداهما لتثبت الأخرى، أو تعترف بوجودهما في حالة تعارض وخصام، حتى جاء الإسلام فإذا هو يعرض فكرة جديدة كاملة متناسقة، فجمع بين الدنيا والآخرة في نظام الدين، وبين الروح والجسد في نظام الإنسان، وبين العبادة والعمل في نظام الحياة، وعن تلك الموائمة الحكيمة بين العقيدة والسلوك، وبين ما يتصل بالروح وما يتحصل بالمادة، تصدر تشريعاته وفرائضه وتوجيهاته وحدوده وآراؤه في سياسة الحُكم وسياسة المال، وهذه السياسة تنطوي على عدالة إنسانية واجتماعية شاملة، لا عدالة اقتصادية محدودة ([1]).
والعدالة في نظر الإسلام مساواة إنسانية ينظر فيها إلى تناول جميع القيم، وتعد المساواة ركيزة هامة لتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع، فهي أساس لا غنى عنه بالنسبة للحريات العامة، حتى انه قيل إذا لم تكن مساواة بين الأفراد في التمتع بالحرية، فإنه لا يصح الإدعاء بأن ثمة حرية، لأن المساواة هي أساس الحرية ([2]) .
وحينما حاول الإسلام أن يحقق العدالة الاجتماعية كاملة ارتفع بها عن أن تكون عدالة اقتصادية محدودة، فجعلها عدالة إنسانية شاملة، وأقامها على ركنين أساسيين وهما الضمير البشري من داخل النفس، والتكليف القانوني في محيط المجتمع ([3]).
من هنا سنحاول في هذه الدراسة التطرق إلى العدالة الاجتماعية في الإسلام، من حيث التعرف على طبيعة العدالة الاجتماعية، ومن ثم التطرق إلى العدل في التصور الإسلامي، ونوضح العدالة الاجتماعية في الفكر السياسي الإسلامي.
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة بشكل رئيسي إلى التعرف على العدالة الاجتماعية في الإسلام، وتتفرع الأهداف الفرعية التالية عن الهدف الرئيسي:
1-التعرف على مفهوم العدالة الاجتماعية.
2-التعرف على مفهوم العدالة عند الفلاسفة المسلمين.
3-التعرف على العدالة الاجتماعية في الفكر السياسي الإسلامي.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة في أهمية الموضوع المنوي دراسته، وكذلك تكمن الأهمية في التعرف على وسائل تحقيق العدالة الاجتماعية في التصور الإسلامي، وكذلك نظرا لأهمية العدالة الاجتماعية في تحقيق الأمن والمساواة والطمأنينة للشعب.
فرضية الدراسة:
ساهمت العدالة الاجتماعية في الدولة الإسلامية في استقرار الحكم ونظامها السياسي، لما تعنيه العدالة الاجتماعية في الإسلام من تقليل الفروق بين الطبقات وتحقيق الاشتراكية المعتدلة بينهم.
منهجية الدراسة:
سيتم الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي، حيث سيتم وصف العدالة الاجتماعية في الإسلام، ومن ثم تحليل العدالة عند الفلاسفة المسلمين وفي الفكر السياسي الإسلامي
.
فصول الدراسة:
الفصل الأول: مفهوم العدالة الاجتماعية.
الفصل الثاني: مفهوم العدالة عند الفلاسفة المسلمين.
الفصل الثالث: العدالة الاجتماعية في الفكر السياسي الإسلامي.
الفصل الأول: مفهوم العدالة الاجتماعية:
تعددت تعريفات العدالة داخل كل مجتمع، بيد أنها تتفق في جوهرها داخل المجتمع الواحد، بالرغم من اختلافها من حيث الجوهر أحيانا من مجتمع لآخر، إذ أن هناك خصوصية تاريخية ومكانية لمفهوم العدالة فما هو عادل في فترة زمنية معينة، قد لا يكون عادل في فترة زمنية أخرى،والعدالة هي نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت، وان لم يكن لن نجد لصاحبها من خلاق، ومتى لم تقم العدل لم تقم وان كان لصاحبها ما يجزى في الآخرة. ([4])
وتعرف العدالة بأنها إرادة دائمة لإيتاء كل ذي حق حقه دون المساس بمصالح الغير. ([5])
والإسلام يحمل في طياته أسمى معاني العدالة الاجتماعية فله وجهة نظر محايدة، إذ جاءت قاعدة العدل في الإسلام عامة تشمل مجالات الحياة الإنسانية كافة وتطبق على الجميع بدون أية تفرقة بين الناس، عدل لا يميل ميزانه للحب ولا البغض، ولا يثير قواعده التحالف ولا العداء ولا يتأثر بالقرابة أو النسب أو الحب أو الجاه أو المال، ويتمتع به ليس فقط المسلم، وإنما أيضا غير المسلم ولو كان بينهم وبين المسلمين عداوة، ولذلك فهو عدل شامل مطلق واجب على كل إنسان. ([6])
والعدل الذي أمر به الإسلام يتطلب أمرين: الأول أن يتحقق التوازن والتناسب في الحقوق بين الناس، والثاني أن ينال كل ذي حق حقه بطريقة منصفة ([7]) ويترتب على ذلك أمران:
الأول: هو ضرورة توفير المساواة بين الأفراد في بعض الوجوه، والمساواة بين الناس هو صورة رئيسية للعدل وأحد الأدوات الرئيسية لتحقيقه.
الثاني: التكافل الإجتماعي وهو صورة أخرى وأداة ثانية لتحقيق العدل إذ ليس من العدل أن يكون هناك من لديه فائض من الطعام وهناك من يموت من الجوع وهذه الأداة الثانية للعدالة الاجتماعية تلغي الآثار الضارة لبعض أنواع التفاوت بين الناس. ([8])
وترجع أهم مظاهر المساواة في الإسلام إلى ثلاثة أنواع احدهما المساواة في القيمة الإنسانية المشتركة، وثانيهما المساواة أمام القانون وفي الحقوق، وثالثهما المساواة في شئون الإقتصاد ([9])
الفصل الثاني: مفهوم العدالة عند الفلاسفة المسلمين
مفهوم العدالة الاجتماعية عند الماوردي:
عند البحث عن معنى العدالة في فكر الماوردي، نجد أنه نحا في مؤلفاته منحاً خاصاً مميزاً، مما جعل من الصعوبة بمكان معرفة معنى العدالة بدقة عنده، حيث أن هذا المفهوم ورد في فكره على أنحاء شتى، فتارة أورده بالمعنى الفقهي الصرف، وتارة ثانية ذكره بالمعنى الفلسفي، وتارة ثالثة حمل المعنى اللغوي، وتفسير ما تقدم يعزى إلى أن الماوردي كان كثيراً ما يمزج في فكره بين الدين والفلسفة والأدب. ويتجلى كل هذا فيما كتبه عن العدالة، كقوله: ( بأن الدين المشروع هو الحق، وهو العدل... فالعدل استئمار دائم، والجور استئصال منقطع...)([10])
وفي مواضع أخرى من كتاباته جعل الماوردي العدل القاعدة الثالثة من القواعد التي يدور عليها صلاح أمر الدنيا، وفسر العدل بقوله: ( العدل الشامل.. ويكون من الإنسان مع من هو دونه، كالسلطان مع الرعية، فيحكم بينهم بالحق، وقد يكون بإخلاص الطاعة وبذل النصرة وصدق الولاء، كالرعية مع السلطان، وقد يكون مع الأكفاء وذلك بترك التطاول عن الآخرين وكف الأذى عنهم ).([11])
مفهوم العدالة الاجتماعية عند الغزالي:
يرى الغزالي أن العدل هو التوازن بين قوى النفس الثلاث، العاقلة والشهوانية والغضبية، وفي هذا يقول:
( والعدالة عبارة عن وقوع هذه القوى – الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة – على الترتيب الواجب، فيها تتم جميع الأمور، ولذلك قيل: بالعدل قامت السموات والأرض... أما العدل فهو حالة للقوى الثلاث في انتظامها على التناسب، بحسب الترتيب الواجب في استعلاء والانقياد، فليس العدل جزءاً من الفضائل، بل هو عبارة عن جملة الفضائل.... وكذلك العدل في مملكة البدن... العدل في أخلاق النفس يتبعه لا محالة العدل في المعاملة والسياسة، ويكون كالمتفرع منه، ومعنى العدل: الترتيب المستحب، أما في الأخلاق وإما في حقوق المعاملات وإما في أجزاء ما به قوام البلد، والعدل في المعاملة وسط بين رذيلتين: الغبن والتغابن. والعدل في السياسة: ترتيب أجزاء المدنية ترتيباً مشاكلاً لترتيب أجزاء النفس ).([12])
وقريباً من هذا قول الدكتور خليل الجرو زميله الفاخوري عن العدالة في فكر الغزالي وهو: ( ثم يلجأ الغزالي إلى جمهورية أفلاطون فيأخذ عنها قسيم قوى النفس إلى ثلاث: القوة العاقلة، والقوة الغضبية، والقوة الشهوانية، ويذكر أن العدل هو التوازن بين هذه القوة فيقول: فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت، حصل حسن الخلق، وهو قوة العلم، وقوة الغضب، و قوة الشهوة، وقوة العدل بين هذه القوى الثلاث.
وفيما يتبنى الغزالي نظرية الفضائل... وهي الحكمة، والشجاعة، والعفة، والعدل، نراه يذكر مع أرسطو حد وسط بين حدين متقابلين فيقول: والمحمود هو الوسط، وهو الفضيلة والطرفان رذيلتان مذمومتان، والعدل إذا فات، فليس له طرفا زيادة ونقصان، بل له ضد واحد ومقابل، وهو الجور... ونعني بالعدل حالة للنفس وقوة بها تسوس الغضب والشهوة، وتحملها على مقتضى الحكمة، وتضبطها في الاسترسال على حسب مقتضاها...([13])
تبين لنا مما سبق من أقوال كل من الماوردي والغزالي عن العدالة أنهما يمتلكان قدرة فائقة على التوفيق بين العناصر الدينية والأفكار الفلسفية، كما وأنهما يكثران من التلفيق بين عناصر فلسفية شتى، ومع أنهما كانا يميلان إلى النزعة الأخلاقية العملية، فإن بحوثهما الأخلاقية، لا تخلو من التأثر بالفلسفة اليونانية، لا سيما فلسفة أفلاطون وأرسطو، وفي هذا الصدد يقول الدكتور علي عبد المعطي في تعليقه على أقوال الماوردي في العدالة: وهذه الفكرة – عند الماوردي – أرسطية).([14])
ويقول الدكتور ماجد فخري عن الغزالي: ( أما الغزالي فهو مستمد لفلسفته الخلقية من المصادر اليونانية عامة، وكان متأثراً في تقسيمات قوة النفس وفضائلها بأفلاطون، غير أنه كان عنده براعة في التوفيق بين العناصر الدينية والفلسفية الاشراقية الهندي والأفلاطونية ).([15])
ويقول الدكتور الجر وزميله الفاخوري عن الغزالي: ( وفيما يتبنى الغزالي نظرية الفضائل الأربع التي أخذ بها أفلاطون، نراه يذكر مع أرسطو، أن الفضيلة تكون حداً وسطاً بين حدين متقابلين).([16])
ويقول الدكتور محمد سليمان وزميله فؤاد عبد المنعم: ( إن الفضيلة عند الماوردي كما هي عند أرسطو ).([17])
إذاً نلخص من كل ما تقدم إلى القول، بأن كلاً من الماوردي والغزالي يقتربان في فكرهما وتصويرهما للعدالة، من آراء كل من أفلاطون وأرسطو، ولكن الطابع التوفيقي الذي برعا فيه، جعلهما أقرب إلى منهج المتكلمين من منهج الفلاسفة وذلك لما غلب على كتاباتهم الأخلاقية الطابع الأدبي والحكمة الشرعية.
هذا هو النمط الأول من المفكرين الذين كان لهم الدور البارز في الفكر الأخلاقي الإسلامي وهو نمط توفيقي اعتمد فيه الأسلوب الأدبي الذي كان جل اهتمام المفكرين فيه منصباً على الجانب العلمي السلوكي التأديبي، ويتضح لنا ذلك من قول الماوردي في مقدمة كتابه الأخلاقي الشهير (وقد توخيت بهذا الكتاب مستشهداً من كتاب الله جل اسمه بما يقتضيه، ومن سنن الرسول صلى الله عليه وسلم بما يضاهيه، ثم متبعاً ذلك بأمثال الحكماء وآداب البلغاء، وأقوال الشعراء، لأن القلوب ترتاح إلى الفنون المختلفة وتسأم من الفن الواحد ).([18])
أما النمط الثاني فنجده عند الفلاسفة المسلمين، الذين نقلوا العديد من الكتب والموضوعات الفلسفية القديمة إلى البيئة الإسلامية، والتزموا النهج الفلسفي اليوناني فيما يحثوه من أفكار وموضوعات.
من المعلوم أن موجة التفلسف عند المسلمين بلغت أوجها زمن العباسيين، حيث كثرت البحوث الفلسفية التي كان يطلق عليها آنذاك البحوث الحكمية، ووجد للفلاسفة حظواً وتقديراً، خاصة بعد انتعاش حركة النشر والترجمة والنقل عن الفلسفة اليونانية وغيرها.
وعلى أثر ذلك ثار جدل عنيف حول العديد من الأفكار الفلسفية، التي وفدت إلى بلاد المسلمين فبينما طفق بعض المفكرين يشرحون هذه الأفكار الفلسفية، ويدافعون عنها سواء من خلال التوفيق بينها وبين الأفكار الإسلامية، أم من خلال تبنيها كما هي عند اليونان، نجد البعض الآخر منهم، يهاجم الأفكار الفلسفية ويكفر أصحابها.
وأياً كان الأمر، فالذي يهمنا في هذه الدراسة، هو تحديد مفهوم العدالة الاجتماعية في فكر من نعدهم نموذجاً لهؤلاء المفكرين الفلاسفة المسلمين، وهم الفارابي، وابن سينا، وابن مسكويه، وابن رشد.
مفهوم العدالة الاجتماعية عند الفارابي:
المتتبع لما ذكره الفارابي عن العدالة، يجد أنه عني كثيراً بشرح فلسفة أرسطو، حتى عرف في الوسط الفلسفي بالمعلم الثاني، أو الشارح – الشارح لفكر أرسطو – وعلى هذا فإن العدالة عند الفارابي، لا تختلف عنها كثيراً عما هي في فلسفة أرسطو، كما هو واضح في قوله: ( العدل: إعطاء كل واحد قسطه، وهذا بالنسبة للخيرات المشتركة لأهل المدينة على جميعهم، ثم في حفظ ما قسم عليهم، فكل واحد من أهل المدينة له قسط من هذه الخيرات مساوياً لاستئهاله، فنقصه ذلك وزيادة عليه جور ثم بعد ذلك يحفظ على كل واحد قسطه، إما بأن لا يخرج عن يده، وإما بأن يخرج بشرائط و أحوال لا يلحق بخروجه عن يده من قسطه ضرر لا به ولا بالمدينة. فالعدل إذاً، أن يعاد للمرء ما خرج عن يده من قسطه، سواء عاد عليه في خاصة نفسه أو على المدينة، والعدل عنده كذلك: استعمال أفعال الفضيلة فيما بينه وبين غيره، أي فضيلة كانت، وعلى هذا إعطاء كل واحد قسطه وحفظه عليه، نوع من أنواع العدل، وهناك أنواع أخرى مثل التفويض لكل واحد من أهل المدينة بعمل يفرد به، ولا يترك أحد منهم يزاول أعمالاً كثيرة، ومثل أعداد أموال للطوائف الذين ليس من شأنهم أن يكسبوا مالاً، كحملة الدين، والأطباء وذويهم، والذين لا قدرة لهم أن يكسبوا الأموال، ومثل الحرب من أجل إعطاء العدل والنصفة، أو قمع تمرد، وحمل قوم على ما هو الأجود والأحظى، أي الحرب لاكتساب خير للمدينة، وردهم إلى الأصلح لهم، ودفع عدو بالقوة، كل هذا عدل ([19]).
نلمس في هذا النص مدى تأثر الفارابي بفلاسفة اليونان، لا سيما أفلاطون وأرسطو وذلك فيما يتعلق بالربط بين السياسة والأخلاق، وإلى جانب هذا فإنه ذهب إلى القول بالعدل الطبيعي، والعدل الوضعي، وفي هذا الصدد يقول الفارابي: " فما في الطبع هو العدل، فالعدل إذاً التغالب، فاستعباد القاهر للمقهور هو أيضاً من العدل، وأن يفعل المقهور ما هو إلا نفع للقاهر هو أيضاً عدل، فهذه كلها من العدل الطبيعي، وهي الفضيلة، وأحياناً يتقارب الأفراد وتتقارب الجماعات في القوة، عندئذ يصطلح الأفراد والجماعات على شرائط يتعاملون بها... فالوفاء بما اصطلح عليه كل فريق هو العدل الوضعي، وهو ناتج عن ضعف وخوف في الفريقين ([20])، وصفوة القول أن الفارابي يتفق مع أفلاطون حيناً ومع أرسطو حيناً آخر، بالإضافة إلى تأثره بواقع الحياة السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في عصره، وبالأفكار الشيعية الإمامية ـ وفي هذا يقول د الجر وزميله: ( فلسفة الفارابي مزيج من أرسططاليسية وأفلاطونية حديثة مع صبغة إسلامية واضحة ونزعة شيعية إمامية لا شك فيها ).([21])
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن سينا:
يعتبر ابن سينا من مشاهير الموسوعيين في الفلسفة الذين لم يقيدوا أنفسهم بمذهب فلسفي واحد، بل كان يتخير ما يروق له من آراء فلسفية أخذها عن فلاسفة اليونان، لا سيما أفلاطون وأرسطو، وقد عرف ابن سينا عن الفلسفة من طريق الفارابي، فحذا حذوه في آرائه الفلسفية، وفي هذا يقول الجر وزميله: ( هذا هو الشيخ الرئيسي في فلسفته الطبيعية والماورائية والأخلاقية، ولم يحد عنه إلا في بعض التفاصيل ).([22])
وبالنسبة لمعنى العدالة عند الشيخ الرئيس ابن سينا فإنه لم يضف جديداً إلى معناها عند أرسطو والأفلاطونية الحديثة، ويدل على ذلك ما يقوله الدكتور ماجد فخري: ( والعدالة عند ابن سينا فضيلة من الفضائل الأربع، العفة والشجاعة، الحكمة، العدالة والعدالة كذلك أصل يرجع إليها مجموعة من الفضائل، تتفرع عنها، إما كالأنواع لها أو كالمركب منها، وهي السخاء والقناعة والصبر والكرم والحلم والعفة والصفح والتجاوز وكتمان السر والحكمة... فها هو في هذا المفهوم لم يتجاوز الأفلاطونية المحدثة.([23])
يتبين لنا مما سبق بخصوص معنى العدالة عند الفارابي، وابن سينا أنهما يتبنيان أفكار أرسطو تارة ويمزجان بين أفلاطون وأرسطو تارة أخرى، وفي هذا يقول محمد لطفي جمعة عن هذين الفيلسوفين ما نصه: ( أما الفارابي فكان يتفق مع أفلاطون بعض الأحيان وبعضها مع أرسطو )([24])، وأما ابن سينا: ( فهو أكبر أساتذة فلسفة أرسطو التي لا يمكن اتفاقها مع الدين الحنيف ([25])
وقريب من هذا القول ما قاله الدكتور ماجد فخري عنها أيضاً: ( حيث قال عن الفارابي أنه قد تأثر بالأخلاق النيقوماخية لأرسطو طاليس في تقسيم الفضائل وماهية العدالة... غير أنه زاد القول بأن أبا نصر الفارابي تأثر بالرواقية والأفلاطونية الحديثة والشروحات المتأخرة عن الأخلاق الأرسطو طاليسية، ولا سيما شروح فرفوريوس، وقال عن ابن سينا أنه يعتبر حامل لواء فلسفة المشائبة – الأفلاطونية المحدثة.([26])
هذه الأقوال تؤكد لنا أن هذين الفيلسوفين لم يلتزما في العدالة معنى خاص بهما، ولكنهما أوردا عدة أفكار حولها تعكس في مجموعها صوراً عن العصر الذي عاشا فيه، والتزما منهج فلاسفة اليونان، فجاءت آراؤهما الفلسفية في العدالة خليطاً من آراء أفلاطون وأرسطو وبعض المفاهيم الإسلامية العامة.
وإلا جانب هذا المنهج الفلسفي وجد منهج آخر يقوم على التوفيق بين الفلسفة اليونانية والأفكار الإسلامية، كابن مسكويه وابن رشد، حيث أنهما حاولا في معظم ما كتبوه أن يوفقا بين الدين والفلسفة.
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن مسكويه:
يعتبر ابن مسكويه من فلاسفة الأخلاق في الإسلام خاصة في كتابه الشهير ([27])، الذي عالج فيه موضوع العدالة بشكل تفصيلي، ومما جاء فيه قوله: ( العدالة: فضيلة للنفس تحدث لها من اجتماع الفضائل الثلاث، الحكمة، العفة، الشجاعة، وذلك عند مسالمة هذه القوى بعضها لبعض واستسلامها للقوة المميزة، ويحدث للإنسان سمة يختار بها أبداً الإنصاف من نفسه على نفسه أولاً، ثم الانتصاف من غيره وله ([28])، ويرى ابن مسكويه أن العدالة تقسم إلا ثلاثة أقسام:
1. عدالة دينية: وهي فيما بين الإنسان وخالقه.
2. عدالة مدنية: وتتخلص فيما يؤديه الناس بعضهم لبعض، وتشمل:
·قسمة الأموال والكرامات، وتكون نسبة كل واحد كنسبة من كان في مثل مرتبته.
·قسمة المعاملات الإدارية، كالبيع والشراء والمعاوضات، والعدالة هنا تكون بالنسبة المنفصلة مرة وبالمتصلة مرة أخرى.
·قسمة الأشياء التي وقع فيها الظلم والتعد، فالعدالة توجب أن يلحق الضرر الآخر ليعود التناسب، فالعادل من شأنه أن يساوي بين الأشياء غير المتساوية.
3. العدالة الكبرى: وهي ما يجب أن يكون بين الناس من حقوق تجاه أسلافهم مثل أداء الديون وإنفاذ وصاياهم.([29])
وإلى جانب هذا نجد أن ابن مسكويه جعل العدالة مرادفة للتمسك بالشريعة، حيث يقول: ( فقد تبين... أن الفضائل كلها اعتدالات، وأن العدالة اسم يشملها ويعمها كلها... وأن الشريعة لما كانت تقدر الأفعال الإرادية التي تقع بالروية، وبالوضع الإلهي صار المتمسك بها في معاملاته عدلاً، والمخالف لها جائراً، فلهذا قلنا أن العدالة لقب للتمسك بالشريعة ).([30])
يتبين لنا مما سبق عن المنهج التوفيقي الذي يتبناه ابن مسكويه يجمع بين آراء أفلاطون وأرسطو من جهة، وبين أفكار الشريعة الإسلامية من جهة أخرى، وفي هذا الصدد يقول عنه الدكتور ماجد فخري: ( وإن بدا تأثره بأفلاطون كبيراً، خاصة في قوله باعتدالات النفس وتقسيم القوى فيها إلى ثلاث قوى، وجعله العدالة التنسيق بين هذه القوى... ثم هو أضفى على فكرة صفة شرعية يقول: فالعادل من شأنه أن يساوي بين الأشياء غير المتساوية.. وفي هذا الحال لا بد من العلم بطبيعة الوسط حتى يرد الطرفين إليه، والشريعة هي التي ترسم في كل واحد من هذه الأشياء التوسط والاعتدال ([31]).
ويقول الأستاذ أبو بكر ذكرى عن ابن مسكويه أنه: ( يحاول التوفيق بين آراء شتى يجمعها من أشتات المذاهب الخلقية، وبين التعاليم الشريعة الإسلامية، وكان أشبه بأرسطو من غيره).([32])
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن رشد:
يقف ابن رشد على رأس الفلاسفة الذين عملوا جاهدين للتوفيق بين الدين والفلسفة، والطريقة التي نهجها هي الاستدلال بالقرآن على وجوب النظر العقلي الذي هو الفلسفة عنده، فالنظر العقلي عنده والوحي مصدران للمعرفة يكمل بعضهما بعضاً، وعليه فإن الدين والفلسفة يتوافقان ولا يتضادان، وإن وجد تخالف فهو ليس على الحقيقة، وللتغلب على ظاهر الخلاف بين الدين والفلسفة، ذهب إلى القول بأن لنصوص الشريعة ظاهراً وباطناً، ولا بد من التأويل لإدراك حقيقتها، والذي يهمنا من فلسفته في هذه الدراسة هو تتبع معنى العدالة عنده، وقد تبين لنا انه ذهب إلى القول بأن العدالة هي اقتصار كل فرد على تكلف الأعمال التي يحسن لها بالطبع وكذلك اعتبر أن العدل ثمرة المعرفة الحقيقية، كما أن الظلم ثمرة الجهل، زد على ذلك أنه ذهب إلى القول أن تحقيق كل ما في الطبع هو العدل، وهو الفضيلة ([33])، وإلى جانب هذا نجد أنه ذهب في معنى العدالة مذهباً فقهياً صرفاً، حيث قال: ( العدالة هي التزام الواجبات الشرعية ومستحباتها واجتناب المحرمات والمكروهات )([34]).
لذا فقد مدح ابن رشد دولة الخلفاء الراشدين واعتبرها أقرب الحكومات لجمهورية أفلاطون، ووصفها بالحكومات العادلة، في الوقت الذي حمل فيه على الحكام الظالمين، ومثل عليهم بمعاوية بن أبي سفيان الذي اغتصب الخلافة، واستبد بالملك، وأساء إلى مصالح الرعية في سبيل المحافظة على مصالحه، ومصالح ذوي قرباه ([35]).
ويذهب ابن رشد قريباً إلى ما ذهب إليه أفلاطون حيث قال: ( أن العدالة... تقوم على ائتمار كل جزء من أجزاء النفس للعقل الذي ينزل منها منزل الحاكم والآمر...)([36]).
وإضافة إلى هذه المعاني كلها استعمل ابن رشد العدالة بمعناها اللغوي الخالص فقال: ( إن العادل لما كان ضد الجائر..) ([37])
نخلص من كل ما سبق إلى أن الفلاسفة المسلمين كانوا فيما قالوه عن العدالة إما متأثرين بالفلسفة اليونانية إلى حد التبني لها، وإما ناقلين وشارحين لآراء وأفكار أفلاطون وأرسطو أو لبعض آراء الأفلاطونية المحدثة، من غير أن يتبنوها، وأما موفقين بين آراء شتى متفرقة منها الفلسفي ومنها غير الفلسفي، ويدل على هذا الرأي أن العديد من مؤرخي الفلسفة عند المسلمين قد تبنى هذا التصنيف لهم.
يقول الدكتور الجر وزميله بهذا الصدد: ( وإن من ألقى النظر على فهارس ومؤلفات الفارابي وجد أن القسم الأكبر منها شروح وتعليقات على فلسفة أرسطو وأفلاطون )([38]).
وكذلك يقول الدكتور ماجد فخري: ( أما أبو نصر الفارابي فقد تأثر بالأخلاق النيقوماخية، إلى جانب تأثره بالشروح اليونانية المتأخرة على الأخلاق الأرسطو طاليسية وأما ابن سينا فهو حامل لواء الفلسفة المشائية الأفلاطونية المحدثة، وأما ابن مسكويه وأتباعه فقد بنوا فلسفتهم الأخلاقية على أسس أفلاطونية، وأما الماوردي فقد نهج علماء الكلام، والغزالي كان عنده براعة في التوفيق بين العناصر الدينية والفلسفية الإشراقية.([39])
وقريباً من ذلك مما ذكره الأستاذ محمد لطفي جمعة، مع الاختلاف بشأن مصدر تأثر هذا الفيلسوف أو ذاك، فمثلاً يذهب محمد لطفي جمعة إلى أن ابن مسكويه قد تأثر بأرسطو وكذلك الحال بالنسبة لابن سينا والفارابي وهذا قوله: ( ابن مسكويه تأثر بالجانب الخلقي من مؤلفات أرسطو... ولكن ابن سينا خلفه وتفوق عليه، فهو أكبر أساتذة فلسفة أرسطو في القرون الوسطى... أما الفارابي فكان يتفق مع أفلاطون في بعض الأحيان وبعضها مع أرسطو...([40])
وأياً كان الأمر فإن فلاسفة المسلمين لم يضيفوا جديداً إلى مفهوم العدالة، ولم يستخدموا هذه الكلمة بغير ما استخدمت له في الفلسفة اليونانية.
الفصل الثالث: العدالة الاجتماعية في الفكر السياسي الإسلامي
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن أبي الربيع:
يقول ابن أبي الربيع في العدالة أنها: ( الركن الثالث من أركان الدولة أو المملكة، وهذا العدل هو حكم الله في أرضه، وهو على ثلاثة أقسام:
1.ما يقوم به العباد من حق الله تعالى، مثل الفرائض وما يتعلق بها واستعمال ما أمر به الله ورسوله.
2.ما يقومون به من حق بعضهم على بعض، مثل إقراض بعضهم وتأدية الأمانات ورد الودائع، والشهادة بالحق وفعل الخير.
3.ما يقومون به من حقوق أسلافهم، مثل تكفين موتاهم وقضاء ديونهم وتربية أيتامهم والصدقة عنهم.([41])
من هذا القول يتبين لنا أن ابن أبي الربيع فهم العدالة فهماً يقترب من المعنى الشرعي الفقهي، لا سيما في قوله عنه، أنه حكم الله في أرضه، مع تأثره بما ورد في معناها عن الفارابي وغيره من الفلاسفة المسلمين ).
مفهوم العدالة الاجتماعية عند الماوردي:
لقد سبق لنا معالجة مفهوم العدالة عند الماوردي من زاوية فلسفية أخلاقية غير أن للماوردي نظرة أخرى في معنى العدالة من زاوية شرعية محضة، حيث ذكر أن العدالة: هي عدم الفسق، والالتزام بما أمر الله واجتناب ما نهى عنه، وهذا ما يظهر لي من كلامه عن العدالة، التي يطلق عليها أحياناً " العدالة على شروطها الجامعة: فهي عنده شرط من شروط الإمامة أو ولاية القضاء أو غيرها من الولايات، وفي هذا الصدد يقول الماوردي: ( ولا يجوز أن يلي ولاية القضاء إلا من تكاملت فيه شروطه... وهي سبعة... الشرط الخامس: العدالة وهي معتبرة في كل ولاية، العدالة: أن يكون صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفاً عن المحارم، متوقياً للمآثم بعيداً عن الريب، مأموناً في الرضا والغضب، مستعملاً لمرؤة مثله في دينه ودنياه، فإذا تكاملت فيه، فهي العدالة التي يجوز بها شهادته، وتصح معها ولايته.([42])
وإلى جانب ذلك جعل الماوردي معنى العدالة المساواة، أمام القانون وفي هذا يقول: ( والعدالة أن يسوى بين الخصوم... دون تمييز بين الشريف والمشروف والمسلم وغير المسلم )([43]).
من هذه الأقوال عن معنى العدالة وما سبقها، يتبين لنا أنه لم يلتزم معنى واحداً محدداً لمفهوم العدالة، وإنما وردت عنده بمعان متعددة، بحسب استعمالاته لها، فعند كلامه على العدالة بالمعنى الأخلاقي، استخدمها على نحو استخدامات الفلاسفة لها، وعند استعماله لها في المجالات الشرعية الفقهية، تكلم عليها بكلام الفقهاء أنفسهم، أي استعملها بمعنى الاستقامة المقابلة للفسق، ولعل مرده ذلك إلى أسلوبه الذي أشرنا إليه في مقدمة الدنيا والدين، ولأنه كان من الشخصيات الموسوعية.
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن تيمية:
المتتبع لما كتبه ابن تيمية عن العدالة، يجده قريباً جداً مما قاله الماوردي عنها، حيث أنه اعتمد المعنى الشرعي للعدالة عند الفقهاء، وزاد عليه أن كل ما دل عليه الكتاب والسنة من الأحكام، هو العدل فقط، وأي خروج عنهما فهو بمثابة الظلم، وفي هذا الصدد يقول ابن تيمية: ( العدالة: الاستقامة والعدل هو كل ما دل عليه الكتاب والسنة سواء في المعاملات المتعلقة بالحدود أم غيرها من الأحكام... فإن العدل في كل ذلك هو ما جاء في الكتاب والسنة، فإن عامة ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات يعود إلى تحقيق العدل، والنهي عن الظلم، مثل أكل المال بالباطل...)([44])
وفي موضع آخر ذكر أن العدالة: ( إقامة الحدود التي حدها الله تعالى... والمحافظة على الحقوق التي طلبها الله تعالى ).
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن خلدون:
المتتبع لما ذكره ابن خلدون في مقدمته عن العدالة، وكان قد كتب عنه بهذا الصدد يجد أنه استخدم العدالة بمعنيين مختلفين، الأول بحسب استعمالها الفقهي فقط، وقد حاور في ذلك وضع معنى ثابت محدد يجمع بين الاستعمالات الفقهية المتنوعة بحسب المجالات التي تشترط فيها العدالة من الناحية الشرعية، وأطلق على هذا المعنى اسم العدالة الشرعية، أما المعنى الثاني: فهو اعتبار أن العدالة وظيفة دينية تابعة لجهاز القضاء، وفي هذا يقول ابن خلدون في مقدمته: ( ولا خلاف في انتفاء العدالة... بفسق الجوارح من ارتكاب المحظورات وأمثالها ) ([45]).
ويقول كذلك: ( وعلى كل حال فالعدالة التي ينبغي أن تتوفر للإمام لا ينبغي أن تكون مقصورة عند حد العدالة التي تشترط في أحكام الشهادة في الفقه، وإنما تستمد فوق ذلك من أحكام العدالة المعروفة في رواية الحديث في قواعد الجرح والتعديل... وإلى جانب ذلك العدالة في الحكم في مختلف المجالات السياسية، والإدارية والقانونية والقضائية ).([46])
هذا هو الجانب الأول من جوانب استعمال ابن خلدون للعدالة، حيث يبرز لنا معنى العدالة في فكره، بالإضافة إلى التزام الأحكام الشرعية، وعدم الخروج عنها في كافة المجالات السياسية والإدارية والقانونية والقضائية فيكون هذا الاستعمال قد نحا المنحى الفقهي الشرعي، ولم يتوقف ابن خلدون عند هذا المعنى كما أسلفنا، وإنما كان عنده معنى آخر للعدالة، وهو علم على وظيفة قضائية في الدولة، وفي هذا الصدد يقول: ( العدالة هي وظيفة دينية تابعة للقضاء ومن مواد تصريفه، وحقيقة هذه الوظيفة، القيام عن إذاً القاضي بالشهادة بين الناس فيما لهم وعليهم... وشروطها الاتصاف بالعدالة الشرعية والبراءة من الجرح... وصار مدلول هذه اللفظة مشتركاً بين هذه الوظيفة... وبين العدالة الشرعية التي هي أخت الجرح، وقد يتواردان ويفترقان والله تعالى أعلم.([47])
هذان هما المعنيان اللذان أدار ابن خلدون العدالة عليهما، وهما يشتركان في البراءة من الجرح، أي التزام الشرع وعدم الفسق حيث يمكن أن تكون في الاستعمال الأول على نحو نظري فكري، أما في الاستعمال الثاني فتكون على نحو عملي تطبيقي ضمن لإطار الشرعي الإسلامي.
نتائج البحث:
تباينت وجهات نظر المُفَكِّرين من أبناء الأمة حول الأفكار الوافدة فمنهم من أدرك " أن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح بها أولها " فاتجهوا نحو الإسلام ينهلون من عذب معينة، ويجتهدون على ضوء الكتاب والسنة بناء على الأحداث والوقائع.
ومنهم من ارتد إلى الأصالة جامداً على نصوصها متمسكاً بظاهرها دون تنـزيل الأحكام على الوقائع وفهم الواجب منها.
ومنهم من حذا حذو الغَرْب من منطلق التقليد دون تفريق بين الواقع الإسلامي والواقع الغَرْبيّ ومنهم من تعامل مع النُّصُوص الشَّرْعية والأصالة الفِكْرية بمنظور غربي أو بمنظور توفيقي بين الإسلام وما هو غربي مدعين أن الإسلام روح طليق قبل أن يكون نصّاً أو حداً.
ومن خلال البحث في أراء وأقوال الفلاسفة والمفكرين المسلمين نجد أنهم قد انقسمو الى ثلاثة فرق ، فالفريق الأول اعتمد في تعريفه للعدالة الاجتماعية على أقوال الفلاسفة الأوروبيين ونقل تلك المفاهيم كما هي .
والفريق الثاني اعتمد أيضا على تلك المفاهيم الأوروبية للفلاسفة لكنه حاول شرحها وتبيانها بصبغة المجتمعات الاسلامية التي كانو يعيشون فيها .
أما الأخير فقد استشهد بما قاله الفلاسفة الأوروبيون ووافق بين ما قالوه وما جاء به الفقه والتشريع الاسلامي ، حيث نجح هؤلاء بإغناء مفهوم العدالة الاجتماعية بالمعاني الفريدة التي تضمنتها أحكام الدين الاسلامي والتي تميزت بشموليتها وسعتها .
الهوامش:
[1]احمد، فتحي السيد عبدة أبو اسيد، الإسلام والعدالة الاجتماعية: رؤية اجتماعية في الأحكام الشرعية، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر، 2009، ص7
[2]الشرقاوي، سعاد، النظم السياسية المعاصرة – تحديات ومقولات، القاهرة، دار النهضة العربية، 2002، ص343.
[3]قطب، سيد، العدالة الاجتماعية في الإسلام، القاهرة، دار الشروق، 1983، ط9، ص63
[4]- الجندي، محمد الشحات، معالم النظام السياسي في الإسلام، ط1، كلية الحقوق، جامعة حلوان، 2000، ص58.
[5]- عيسى، محمد جمال، تاريخ القانون في الغرب، القاهرة، دار النهضة العربية، 1999، ص61.
[6]- المودودي، أبو الأعلى، الحكومة الإسلامية، تعريب احمد إدريس، القاهرة، المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1987، ص107.
[7]- المودودي، أبو الأعلى، تدوين الدستور الإسلامي، جدة، الدار السعودية للنشر، 1987، ص27.
[8]- عفيفي، محمد الصادق، المجتمع الإسلامي وأصول الحكم، القاهرة، دار الاعتصام، 1980، ص40.
[9]- وافي، علي عبد الواحد، حقوق الإنسان في الإسلام، ج2، سلسلة قضايا إسلامية، القاهرة، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 2004، ص7-12.
[10]- محمد سليمان داود، فؤاد عبد المنعم، من أعلام الإسلام، أبو الحسن الماوردي المتوفى سنة 450هـ، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1978، ص 127.
[11]- محمد سليمان وفؤاد ب المنعم، من أعلام الإسلام أبو الحسن الماوردي، ص 232.
[12]- أبو حامد الغزالي، محمد بن محمد بن محمد الغزالي، ميزان العمل، قدم له محمد مصطفى أبو العي، مطبعة الجندي، القاهرة، 1972، ص 76،81-82.
[13]- خليل الجر، حنا الفاخوري، تاريخ الفلسفة العربية، دار الجيل، بيروت، ط2، 1982، ص 332-333.
[14]- علي عبد المعطي، الفكر السياسي في الإسلام، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1978، ص 293-294.
[15]- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، المطبعة الأهلية للتوزيع والنشر، بيروت، 1979، ج2، ص 153.
[16]- خليل الجر، حنا الفاخوري، تاريخ الفلسفة العربية، ج2، ص 332.
[17]- محمد سلمان داوود، فؤاد عبد المنعم، من أعلام الإسلام أبو الحسن الماوردي،مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1978، ص 232.
[18]- أبو الحسن الماوردي، أدب الدنيا والدين،دار الكتب العلمية، بيروت، 1978، ص 17.
[19]- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، ج2، ص 77-79.
[20]- يوسف فرحات، الفلسفة الإسلامية وأعلامها، الشركة الشرقية للمطبوعات، جنيف، ط1، 1986، ص 90.
[21]- خليل الجر وزميله، ص 97.
[22]- خليل الجر وزميله، ج2، ص 234.
[23]- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، ج2، ص 148.
[24]- محمد لطفي جمعة، تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والغرب، المكتبة العلمية، القاهرة، بدون تاريخ، ص 36.
[25]- محمد لطفي جمعة، ص 63.
[26]- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، ص 67، 147.
[27]- أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب الرازي مسكويه، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ط2، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.
[28]- ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق في التربية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1981، ص 47.
[29]- ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص 93-94.
[30]- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، ج2، ص 139.
[31]- ماجد فخري، ص 132-134.
[32]- أبو بكر ذكرى، تاريخ النظريات الأخلاقية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط4، ص 31.
[33]- ماجد فخري، ابن رشد فيلسوف قرطبة، دار الشروق، بيروت، ط2، ص 121-122.
[34]- محمد بن أحمد بن رشد، بداية المجتهد، دار المعرفة، بيروت، ط4، 1978، ص 462.
[35]- عبده الشمالي، دراسات في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية وآثار رجالها، دار صادر، بيروت، 1979، ص 687-688.
[36]- ماجد فخري، ص 122-138.
[37]- ابن رشد، المقولات، تحقيق محمود قاسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1980، ص 128.
[38]- خليل الجر وزميله، ص 93.
[39]- ماجد فخري، ص 67-153.
[40]- محمد لطفي جمعة، ص 2، 3.
[41]- ناجي التكريتي، الفلسفة السياسية عند أبي الربيع، دار الأندلس للطباعة، ط2، 1980، ص 188-189.
[42]- الماوردي، الأحكام السلطانية، مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط3، 1973، ص 66.
[43]- محمد سلمان داود وزميله، ص 168.
[44]- ابن تيمية أحمد تقي الدين أب العباس، السياسة الشرعية دار المعرفة، بيروت، ط1، ص 15، 67، 156.
[45]- ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، دار الفكر، 1979، المجلد الأول، ص 161.
[46]- ابن خلدون، المقدمة، ص 161.
[47]- ابن خلدون، ولي الدين ابو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد الاشبيلي 732-808 هـ، مقدمة العلامة ابن خلدون، دار ومكتبة الهلال، 1983، ص 187، 188.
المراجع:
- ابن تيمية أحمد تقي الدين أب العباس، السياسة الشرعية دار المعرفة، بيروت، ط1، ص 15، 67، 156.
- ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، دار الفكر، 1979، المجلد الأول، ص 161.
- ابن خلدون، ولي الدين ابو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد الاشبيلي 732-808 هـ، مقدمة العلامة ابن خلدون، دار ومكتبة الهلال، 1983، ص 187، 188.
- ابن رشد، المقولات، تحقيق محمود قاسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1980، ص 128.
- ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق في التربية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1981، ص 47.
- أبو الحسن الماوردي، أدب الدنيا والدين،دار الكتب العلمية، بيروت، 1978، ص 17.
- أبو الحسن الماوردي، الأحكام السلطانية، مكتبة ومطبعة البابي الحلبي، مصر، ط31، 1973، ص 6،17.
- أبو بكر ذكرى، تاريخ النظريات الأخلاقية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط4، ص 31.
- أبو حامد الغزالي، محمد بن محمد بن محمد الغزالي، ميزان العمل، قدم له محمد مصطفى أبو العي، مطبعة الجندي، القاهرة، 1972، ص 76،81-82.
- أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب الرازي مسكويه، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ط2، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.
- أبي الحسن الماوردي، التحفة الملوكية في الآداب السياسية، تحقيق فؤاد عبد المنعم، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1978، ص 89.
- الجندي، محمد الشحات، معالم النظام السياسي في الإسلام، ط1، كلية الحقوق، جامعة حلوان، 2000، ص58.
- الماوردي، الأحكام السلطانية، مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط3، 1973، ص 66.
- المودودي، أبو الأعلى، الحكومة الإسلامية، تعريب احمد إدريس، القاهرة، المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1987، ص107.
- المودودي، أبو الأعلى، تدوين الدستور الإسلامي، جدة، الدار السعودية للنشر، 1987، ص27.
- خليل الجر، حنا الفاخوري، تاريخ الفلسفة العربية، دار الجيل، بيروت، ط2، 1982، ص 332-333.
- عبده الشمالي، دراسات في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية وآثار رجالها، دار صادر، بيروت، 1979، ص 687-688.
- عفيفي، محمد الصادق، المجتمع الإسلامي وأصول الحكم، القاهرة، دار الاعتصام، 1980، ص40.
- علي عبد المعطي، الفكر السياسي في الإسلام، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1978، ص 293-294.
- عيسى، محمد جمال، تاريخ القانون في الغرب، القاهرة، دار النهضة العربية، 1999، ص61.
- ماجد فخري، ابن رشد فيلسوف قرطبة، دار الشروق، بيروت، ط2، ص 121-122.
- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، المطبعة الأهلية للتوزيع والنشر، بيروت، 1979، ج2، ص 153.
- محمد بن أحمد بن رشد، بداية المجتهد، دار المعرفة، بيروت، ط4، 1978، ص 462.
- محمد سلمان داوود، فؤاد عبد المنعم، من أعلام الإسلام أبو الحسن الماوردي،مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1978، ص 232.
- محمد لطفي جمعة، تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والغرب، المكتبة العلمية، القاهرة، بدون تاريخ، ص 36.
- ناجي التكريتي، الفلسفة السياسية عند أبي الربيع، دار الأندلس للطباعة، ط2، 1980.
- وافي، علي عبد الواحد، حقوق الإنسان في الإسلام، ج2، سلسلة قضايا إسلامية، القاهرة، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 2004.
- يوسف فرحات، الفلسفة الإسلامية وأعلامها، الشركة الشرقية للمطبوعات، جنيف، ط1، 1986.
مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي
المقدمة:
وضع الإسلام المبادئ العامة والقواعد الشاملة لحياة اجتماعية سليمة، وترك التطبيقات لتطور الزمان وبروز الحاجات، وهو بهذا الشمول وهذه المرونة، قد كفل لأحكامه التطبيقية النمو والتجدد، ومسايرة ظروف الحياة المتغيرة.
وقد ظلت الإنسانية دهورا طويلة تفرق بين القوى الروحية والقوى المادية تنكر إحداهما لتثبت الأخرى، أو تعترف بوجودهما في حالة تعارض وخصام، حتى جاء الإسلام فإذا هو يعرض فكرة جديدة كاملة متناسقة، فجمع بين الدنيا والآخرة في نظام الدين، وبين الروح والجسد في نظام الإنسان، وبين العبادة والعمل في نظام الحياة، وعن تلك الموائمة الحكيمة بين العقيدة والسلوك، وبين ما يتصل بالروح وما يتحصل بالمادة، تصدر تشريعاته وفرائضه وتوجيهاته وحدوده وآراؤه في سياسة الحُكم وسياسة المال، وهذه السياسة تنطوي على عدالة إنسانية واجتماعية شاملة، لا عدالة اقتصادية محدودة ([1]).
والعدالة في نظر الإسلام مساواة إنسانية ينظر فيها إلى تناول جميع القيم، وتعد المساواة ركيزة هامة لتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع، فهي أساس لا غنى عنه بالنسبة للحريات العامة، حتى انه قيل إذا لم تكن مساواة بين الأفراد في التمتع بالحرية، فإنه لا يصح الإدعاء بأن ثمة حرية، لأن المساواة هي أساس الحرية ([2]) .
وحينما حاول الإسلام أن يحقق العدالة الاجتماعية كاملة ارتفع بها عن أن تكون عدالة اقتصادية محدودة، فجعلها عدالة إنسانية شاملة، وأقامها على ركنين أساسيين وهما الضمير البشري من داخل النفس، والتكليف القانوني في محيط المجتمع ([3]).
من هنا سنحاول في هذه الدراسة التطرق إلى العدالة الاجتماعية في الإسلام، من حيث التعرف على طبيعة العدالة الاجتماعية، ومن ثم التطرق إلى العدل في التصور الإسلامي، ونوضح العدالة الاجتماعية في الفكر السياسي الإسلامي.
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة بشكل رئيسي إلى التعرف على العدالة الاجتماعية في الإسلام، وتتفرع الأهداف الفرعية التالية عن الهدف الرئيسي:
1-التعرف على مفهوم العدالة الاجتماعية.
2-التعرف على مفهوم العدالة عند الفلاسفة المسلمين.
3-التعرف على العدالة الاجتماعية في الفكر السياسي الإسلامي.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة في أهمية الموضوع المنوي دراسته، وكذلك تكمن الأهمية في التعرف على وسائل تحقيق العدالة الاجتماعية في التصور الإسلامي، وكذلك نظرا لأهمية العدالة الاجتماعية في تحقيق الأمن والمساواة والطمأنينة للشعب.
فرضية الدراسة:
ساهمت العدالة الاجتماعية في الدولة الإسلامية في استقرار الحكم ونظامها السياسي، لما تعنيه العدالة الاجتماعية في الإسلام من تقليل الفروق بين الطبقات وتحقيق الاشتراكية المعتدلة بينهم.
منهجية الدراسة:
سيتم الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي، حيث سيتم وصف العدالة الاجتماعية في الإسلام، ومن ثم تحليل العدالة عند الفلاسفة المسلمين وفي الفكر السياسي الإسلامي
.
فصول الدراسة:
الفصل الأول: مفهوم العدالة الاجتماعية.
الفصل الثاني: مفهوم العدالة عند الفلاسفة المسلمين.
الفصل الثالث: العدالة الاجتماعية في الفكر السياسي الإسلامي.
الفصل الأول: مفهوم العدالة الاجتماعية:
تعددت تعريفات العدالة داخل كل مجتمع، بيد أنها تتفق في جوهرها داخل المجتمع الواحد، بالرغم من اختلافها من حيث الجوهر أحيانا من مجتمع لآخر، إذ أن هناك خصوصية تاريخية ومكانية لمفهوم العدالة فما هو عادل في فترة زمنية معينة، قد لا يكون عادل في فترة زمنية أخرى،والعدالة هي نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت، وان لم يكن لن نجد لصاحبها من خلاق، ومتى لم تقم العدل لم تقم وان كان لصاحبها ما يجزى في الآخرة. ([4])
وتعرف العدالة بأنها إرادة دائمة لإيتاء كل ذي حق حقه دون المساس بمصالح الغير. ([5])
والإسلام يحمل في طياته أسمى معاني العدالة الاجتماعية فله وجهة نظر محايدة، إذ جاءت قاعدة العدل في الإسلام عامة تشمل مجالات الحياة الإنسانية كافة وتطبق على الجميع بدون أية تفرقة بين الناس، عدل لا يميل ميزانه للحب ولا البغض، ولا يثير قواعده التحالف ولا العداء ولا يتأثر بالقرابة أو النسب أو الحب أو الجاه أو المال، ويتمتع به ليس فقط المسلم، وإنما أيضا غير المسلم ولو كان بينهم وبين المسلمين عداوة، ولذلك فهو عدل شامل مطلق واجب على كل إنسان. ([6])
والعدل الذي أمر به الإسلام يتطلب أمرين: الأول أن يتحقق التوازن والتناسب في الحقوق بين الناس، والثاني أن ينال كل ذي حق حقه بطريقة منصفة ([7]) ويترتب على ذلك أمران:
الأول: هو ضرورة توفير المساواة بين الأفراد في بعض الوجوه، والمساواة بين الناس هو صورة رئيسية للعدل وأحد الأدوات الرئيسية لتحقيقه.
الثاني: التكافل الإجتماعي وهو صورة أخرى وأداة ثانية لتحقيق العدل إذ ليس من العدل أن يكون هناك من لديه فائض من الطعام وهناك من يموت من الجوع وهذه الأداة الثانية للعدالة الاجتماعية تلغي الآثار الضارة لبعض أنواع التفاوت بين الناس. ([8])
وترجع أهم مظاهر المساواة في الإسلام إلى ثلاثة أنواع احدهما المساواة في القيمة الإنسانية المشتركة، وثانيهما المساواة أمام القانون وفي الحقوق، وثالثهما المساواة في شئون الإقتصاد ([9])
الفصل الثاني: مفهوم العدالة عند الفلاسفة المسلمين
مفهوم العدالة الاجتماعية عند الماوردي:
عند البحث عن معنى العدالة في فكر الماوردي، نجد أنه نحا في مؤلفاته منحاً خاصاً مميزاً، مما جعل من الصعوبة بمكان معرفة معنى العدالة بدقة عنده، حيث أن هذا المفهوم ورد في فكره على أنحاء شتى، فتارة أورده بالمعنى الفقهي الصرف، وتارة ثانية ذكره بالمعنى الفلسفي، وتارة ثالثة حمل المعنى اللغوي، وتفسير ما تقدم يعزى إلى أن الماوردي كان كثيراً ما يمزج في فكره بين الدين والفلسفة والأدب. ويتجلى كل هذا فيما كتبه عن العدالة، كقوله: ( بأن الدين المشروع هو الحق، وهو العدل... فالعدل استئمار دائم، والجور استئصال منقطع...)([10])
وفي مواضع أخرى من كتاباته جعل الماوردي العدل القاعدة الثالثة من القواعد التي يدور عليها صلاح أمر الدنيا، وفسر العدل بقوله: ( العدل الشامل.. ويكون من الإنسان مع من هو دونه، كالسلطان مع الرعية، فيحكم بينهم بالحق، وقد يكون بإخلاص الطاعة وبذل النصرة وصدق الولاء، كالرعية مع السلطان، وقد يكون مع الأكفاء وذلك بترك التطاول عن الآخرين وكف الأذى عنهم ).([11])
مفهوم العدالة الاجتماعية عند الغزالي:
يرى الغزالي أن العدل هو التوازن بين قوى النفس الثلاث، العاقلة والشهوانية والغضبية، وفي هذا يقول:
( والعدالة عبارة عن وقوع هذه القوى – الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة – على الترتيب الواجب، فيها تتم جميع الأمور، ولذلك قيل: بالعدل قامت السموات والأرض... أما العدل فهو حالة للقوى الثلاث في انتظامها على التناسب، بحسب الترتيب الواجب في استعلاء والانقياد، فليس العدل جزءاً من الفضائل، بل هو عبارة عن جملة الفضائل.... وكذلك العدل في مملكة البدن... العدل في أخلاق النفس يتبعه لا محالة العدل في المعاملة والسياسة، ويكون كالمتفرع منه، ومعنى العدل: الترتيب المستحب، أما في الأخلاق وإما في حقوق المعاملات وإما في أجزاء ما به قوام البلد، والعدل في المعاملة وسط بين رذيلتين: الغبن والتغابن. والعدل في السياسة: ترتيب أجزاء المدنية ترتيباً مشاكلاً لترتيب أجزاء النفس ).([12])
وقريباً من هذا قول الدكتور خليل الجرو زميله الفاخوري عن العدالة في فكر الغزالي وهو: ( ثم يلجأ الغزالي إلى جمهورية أفلاطون فيأخذ عنها قسيم قوى النفس إلى ثلاث: القوة العاقلة، والقوة الغضبية، والقوة الشهوانية، ويذكر أن العدل هو التوازن بين هذه القوة فيقول: فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت، حصل حسن الخلق، وهو قوة العلم، وقوة الغضب، و قوة الشهوة، وقوة العدل بين هذه القوى الثلاث.
وفيما يتبنى الغزالي نظرية الفضائل... وهي الحكمة، والشجاعة، والعفة، والعدل، نراه يذكر مع أرسطو حد وسط بين حدين متقابلين فيقول: والمحمود هو الوسط، وهو الفضيلة والطرفان رذيلتان مذمومتان، والعدل إذا فات، فليس له طرفا زيادة ونقصان، بل له ضد واحد ومقابل، وهو الجور... ونعني بالعدل حالة للنفس وقوة بها تسوس الغضب والشهوة، وتحملها على مقتضى الحكمة، وتضبطها في الاسترسال على حسب مقتضاها...([13])
تبين لنا مما سبق من أقوال كل من الماوردي والغزالي عن العدالة أنهما يمتلكان قدرة فائقة على التوفيق بين العناصر الدينية والأفكار الفلسفية، كما وأنهما يكثران من التلفيق بين عناصر فلسفية شتى، ومع أنهما كانا يميلان إلى النزعة الأخلاقية العملية، فإن بحوثهما الأخلاقية، لا تخلو من التأثر بالفلسفة اليونانية، لا سيما فلسفة أفلاطون وأرسطو، وفي هذا الصدد يقول الدكتور علي عبد المعطي في تعليقه على أقوال الماوردي في العدالة: وهذه الفكرة – عند الماوردي – أرسطية).([14])
ويقول الدكتور ماجد فخري عن الغزالي: ( أما الغزالي فهو مستمد لفلسفته الخلقية من المصادر اليونانية عامة، وكان متأثراً في تقسيمات قوة النفس وفضائلها بأفلاطون، غير أنه كان عنده براعة في التوفيق بين العناصر الدينية والفلسفية الاشراقية الهندي والأفلاطونية ).([15])
ويقول الدكتور الجر وزميله الفاخوري عن الغزالي: ( وفيما يتبنى الغزالي نظرية الفضائل الأربع التي أخذ بها أفلاطون، نراه يذكر مع أرسطو، أن الفضيلة تكون حداً وسطاً بين حدين متقابلين).([16])
ويقول الدكتور محمد سليمان وزميله فؤاد عبد المنعم: ( إن الفضيلة عند الماوردي كما هي عند أرسطو ).([17])
إذاً نلخص من كل ما تقدم إلى القول، بأن كلاً من الماوردي والغزالي يقتربان في فكرهما وتصويرهما للعدالة، من آراء كل من أفلاطون وأرسطو، ولكن الطابع التوفيقي الذي برعا فيه، جعلهما أقرب إلى منهج المتكلمين من منهج الفلاسفة وذلك لما غلب على كتاباتهم الأخلاقية الطابع الأدبي والحكمة الشرعية.
هذا هو النمط الأول من المفكرين الذين كان لهم الدور البارز في الفكر الأخلاقي الإسلامي وهو نمط توفيقي اعتمد فيه الأسلوب الأدبي الذي كان جل اهتمام المفكرين فيه منصباً على الجانب العلمي السلوكي التأديبي، ويتضح لنا ذلك من قول الماوردي في مقدمة كتابه الأخلاقي الشهير (وقد توخيت بهذا الكتاب مستشهداً من كتاب الله جل اسمه بما يقتضيه، ومن سنن الرسول صلى الله عليه وسلم بما يضاهيه، ثم متبعاً ذلك بأمثال الحكماء وآداب البلغاء، وأقوال الشعراء، لأن القلوب ترتاح إلى الفنون المختلفة وتسأم من الفن الواحد ).([18])
أما النمط الثاني فنجده عند الفلاسفة المسلمين، الذين نقلوا العديد من الكتب والموضوعات الفلسفية القديمة إلى البيئة الإسلامية، والتزموا النهج الفلسفي اليوناني فيما يحثوه من أفكار وموضوعات.
من المعلوم أن موجة التفلسف عند المسلمين بلغت أوجها زمن العباسيين، حيث كثرت البحوث الفلسفية التي كان يطلق عليها آنذاك البحوث الحكمية، ووجد للفلاسفة حظواً وتقديراً، خاصة بعد انتعاش حركة النشر والترجمة والنقل عن الفلسفة اليونانية وغيرها.
وعلى أثر ذلك ثار جدل عنيف حول العديد من الأفكار الفلسفية، التي وفدت إلى بلاد المسلمين فبينما طفق بعض المفكرين يشرحون هذه الأفكار الفلسفية، ويدافعون عنها سواء من خلال التوفيق بينها وبين الأفكار الإسلامية، أم من خلال تبنيها كما هي عند اليونان، نجد البعض الآخر منهم، يهاجم الأفكار الفلسفية ويكفر أصحابها.
وأياً كان الأمر، فالذي يهمنا في هذه الدراسة، هو تحديد مفهوم العدالة الاجتماعية في فكر من نعدهم نموذجاً لهؤلاء المفكرين الفلاسفة المسلمين، وهم الفارابي، وابن سينا، وابن مسكويه، وابن رشد.
مفهوم العدالة الاجتماعية عند الفارابي:
المتتبع لما ذكره الفارابي عن العدالة، يجد أنه عني كثيراً بشرح فلسفة أرسطو، حتى عرف في الوسط الفلسفي بالمعلم الثاني، أو الشارح – الشارح لفكر أرسطو – وعلى هذا فإن العدالة عند الفارابي، لا تختلف عنها كثيراً عما هي في فلسفة أرسطو، كما هو واضح في قوله: ( العدل: إعطاء كل واحد قسطه، وهذا بالنسبة للخيرات المشتركة لأهل المدينة على جميعهم، ثم في حفظ ما قسم عليهم، فكل واحد من أهل المدينة له قسط من هذه الخيرات مساوياً لاستئهاله، فنقصه ذلك وزيادة عليه جور ثم بعد ذلك يحفظ على كل واحد قسطه، إما بأن لا يخرج عن يده، وإما بأن يخرج بشرائط و أحوال لا يلحق بخروجه عن يده من قسطه ضرر لا به ولا بالمدينة. فالعدل إذاً، أن يعاد للمرء ما خرج عن يده من قسطه، سواء عاد عليه في خاصة نفسه أو على المدينة، والعدل عنده كذلك: استعمال أفعال الفضيلة فيما بينه وبين غيره، أي فضيلة كانت، وعلى هذا إعطاء كل واحد قسطه وحفظه عليه، نوع من أنواع العدل، وهناك أنواع أخرى مثل التفويض لكل واحد من أهل المدينة بعمل يفرد به، ولا يترك أحد منهم يزاول أعمالاً كثيرة، ومثل أعداد أموال للطوائف الذين ليس من شأنهم أن يكسبوا مالاً، كحملة الدين، والأطباء وذويهم، والذين لا قدرة لهم أن يكسبوا الأموال، ومثل الحرب من أجل إعطاء العدل والنصفة، أو قمع تمرد، وحمل قوم على ما هو الأجود والأحظى، أي الحرب لاكتساب خير للمدينة، وردهم إلى الأصلح لهم، ودفع عدو بالقوة، كل هذا عدل ([19]).
نلمس في هذا النص مدى تأثر الفارابي بفلاسفة اليونان، لا سيما أفلاطون وأرسطو وذلك فيما يتعلق بالربط بين السياسة والأخلاق، وإلى جانب هذا فإنه ذهب إلى القول بالعدل الطبيعي، والعدل الوضعي، وفي هذا الصدد يقول الفارابي: " فما في الطبع هو العدل، فالعدل إذاً التغالب، فاستعباد القاهر للمقهور هو أيضاً من العدل، وأن يفعل المقهور ما هو إلا نفع للقاهر هو أيضاً عدل، فهذه كلها من العدل الطبيعي، وهي الفضيلة، وأحياناً يتقارب الأفراد وتتقارب الجماعات في القوة، عندئذ يصطلح الأفراد والجماعات على شرائط يتعاملون بها... فالوفاء بما اصطلح عليه كل فريق هو العدل الوضعي، وهو ناتج عن ضعف وخوف في الفريقين ([20])، وصفوة القول أن الفارابي يتفق مع أفلاطون حيناً ومع أرسطو حيناً آخر، بالإضافة إلى تأثره بواقع الحياة السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في عصره، وبالأفكار الشيعية الإمامية ـ وفي هذا يقول د الجر وزميله: ( فلسفة الفارابي مزيج من أرسططاليسية وأفلاطونية حديثة مع صبغة إسلامية واضحة ونزعة شيعية إمامية لا شك فيها ).([21])
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن سينا:
يعتبر ابن سينا من مشاهير الموسوعيين في الفلسفة الذين لم يقيدوا أنفسهم بمذهب فلسفي واحد، بل كان يتخير ما يروق له من آراء فلسفية أخذها عن فلاسفة اليونان، لا سيما أفلاطون وأرسطو، وقد عرف ابن سينا عن الفلسفة من طريق الفارابي، فحذا حذوه في آرائه الفلسفية، وفي هذا يقول الجر وزميله: ( هذا هو الشيخ الرئيسي في فلسفته الطبيعية والماورائية والأخلاقية، ولم يحد عنه إلا في بعض التفاصيل ).([22])
وبالنسبة لمعنى العدالة عند الشيخ الرئيس ابن سينا فإنه لم يضف جديداً إلى معناها عند أرسطو والأفلاطونية الحديثة، ويدل على ذلك ما يقوله الدكتور ماجد فخري: ( والعدالة عند ابن سينا فضيلة من الفضائل الأربع، العفة والشجاعة، الحكمة، العدالة والعدالة كذلك أصل يرجع إليها مجموعة من الفضائل، تتفرع عنها، إما كالأنواع لها أو كالمركب منها، وهي السخاء والقناعة والصبر والكرم والحلم والعفة والصفح والتجاوز وكتمان السر والحكمة... فها هو في هذا المفهوم لم يتجاوز الأفلاطونية المحدثة.([23])
يتبين لنا مما سبق بخصوص معنى العدالة عند الفارابي، وابن سينا أنهما يتبنيان أفكار أرسطو تارة ويمزجان بين أفلاطون وأرسطو تارة أخرى، وفي هذا يقول محمد لطفي جمعة عن هذين الفيلسوفين ما نصه: ( أما الفارابي فكان يتفق مع أفلاطون بعض الأحيان وبعضها مع أرسطو )([24])، وأما ابن سينا: ( فهو أكبر أساتذة فلسفة أرسطو التي لا يمكن اتفاقها مع الدين الحنيف ([25])
وقريب من هذا القول ما قاله الدكتور ماجد فخري عنها أيضاً: ( حيث قال عن الفارابي أنه قد تأثر بالأخلاق النيقوماخية لأرسطو طاليس في تقسيم الفضائل وماهية العدالة... غير أنه زاد القول بأن أبا نصر الفارابي تأثر بالرواقية والأفلاطونية الحديثة والشروحات المتأخرة عن الأخلاق الأرسطو طاليسية، ولا سيما شروح فرفوريوس، وقال عن ابن سينا أنه يعتبر حامل لواء فلسفة المشائبة – الأفلاطونية المحدثة.([26])
هذه الأقوال تؤكد لنا أن هذين الفيلسوفين لم يلتزما في العدالة معنى خاص بهما، ولكنهما أوردا عدة أفكار حولها تعكس في مجموعها صوراً عن العصر الذي عاشا فيه، والتزما منهج فلاسفة اليونان، فجاءت آراؤهما الفلسفية في العدالة خليطاً من آراء أفلاطون وأرسطو وبعض المفاهيم الإسلامية العامة.
وإلا جانب هذا المنهج الفلسفي وجد منهج آخر يقوم على التوفيق بين الفلسفة اليونانية والأفكار الإسلامية، كابن مسكويه وابن رشد، حيث أنهما حاولا في معظم ما كتبوه أن يوفقا بين الدين والفلسفة.
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن مسكويه:
يعتبر ابن مسكويه من فلاسفة الأخلاق في الإسلام خاصة في كتابه الشهير ([27])، الذي عالج فيه موضوع العدالة بشكل تفصيلي، ومما جاء فيه قوله: ( العدالة: فضيلة للنفس تحدث لها من اجتماع الفضائل الثلاث، الحكمة، العفة، الشجاعة، وذلك عند مسالمة هذه القوى بعضها لبعض واستسلامها للقوة المميزة، ويحدث للإنسان سمة يختار بها أبداً الإنصاف من نفسه على نفسه أولاً، ثم الانتصاف من غيره وله ([28])، ويرى ابن مسكويه أن العدالة تقسم إلا ثلاثة أقسام:
1. عدالة دينية: وهي فيما بين الإنسان وخالقه.
2. عدالة مدنية: وتتخلص فيما يؤديه الناس بعضهم لبعض، وتشمل:
·قسمة الأموال والكرامات، وتكون نسبة كل واحد كنسبة من كان في مثل مرتبته.
·قسمة المعاملات الإدارية، كالبيع والشراء والمعاوضات، والعدالة هنا تكون بالنسبة المنفصلة مرة وبالمتصلة مرة أخرى.
·قسمة الأشياء التي وقع فيها الظلم والتعد، فالعدالة توجب أن يلحق الضرر الآخر ليعود التناسب، فالعادل من شأنه أن يساوي بين الأشياء غير المتساوية.
3. العدالة الكبرى: وهي ما يجب أن يكون بين الناس من حقوق تجاه أسلافهم مثل أداء الديون وإنفاذ وصاياهم.([29])
وإلى جانب هذا نجد أن ابن مسكويه جعل العدالة مرادفة للتمسك بالشريعة، حيث يقول: ( فقد تبين... أن الفضائل كلها اعتدالات، وأن العدالة اسم يشملها ويعمها كلها... وأن الشريعة لما كانت تقدر الأفعال الإرادية التي تقع بالروية، وبالوضع الإلهي صار المتمسك بها في معاملاته عدلاً، والمخالف لها جائراً، فلهذا قلنا أن العدالة لقب للتمسك بالشريعة ).([30])
يتبين لنا مما سبق عن المنهج التوفيقي الذي يتبناه ابن مسكويه يجمع بين آراء أفلاطون وأرسطو من جهة، وبين أفكار الشريعة الإسلامية من جهة أخرى، وفي هذا الصدد يقول عنه الدكتور ماجد فخري: ( وإن بدا تأثره بأفلاطون كبيراً، خاصة في قوله باعتدالات النفس وتقسيم القوى فيها إلى ثلاث قوى، وجعله العدالة التنسيق بين هذه القوى... ثم هو أضفى على فكرة صفة شرعية يقول: فالعادل من شأنه أن يساوي بين الأشياء غير المتساوية.. وفي هذا الحال لا بد من العلم بطبيعة الوسط حتى يرد الطرفين إليه، والشريعة هي التي ترسم في كل واحد من هذه الأشياء التوسط والاعتدال ([31]).
ويقول الأستاذ أبو بكر ذكرى عن ابن مسكويه أنه: ( يحاول التوفيق بين آراء شتى يجمعها من أشتات المذاهب الخلقية، وبين التعاليم الشريعة الإسلامية، وكان أشبه بأرسطو من غيره).([32])
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن رشد:
يقف ابن رشد على رأس الفلاسفة الذين عملوا جاهدين للتوفيق بين الدين والفلسفة، والطريقة التي نهجها هي الاستدلال بالقرآن على وجوب النظر العقلي الذي هو الفلسفة عنده، فالنظر العقلي عنده والوحي مصدران للمعرفة يكمل بعضهما بعضاً، وعليه فإن الدين والفلسفة يتوافقان ولا يتضادان، وإن وجد تخالف فهو ليس على الحقيقة، وللتغلب على ظاهر الخلاف بين الدين والفلسفة، ذهب إلى القول بأن لنصوص الشريعة ظاهراً وباطناً، ولا بد من التأويل لإدراك حقيقتها، والذي يهمنا من فلسفته في هذه الدراسة هو تتبع معنى العدالة عنده، وقد تبين لنا انه ذهب إلى القول بأن العدالة هي اقتصار كل فرد على تكلف الأعمال التي يحسن لها بالطبع وكذلك اعتبر أن العدل ثمرة المعرفة الحقيقية، كما أن الظلم ثمرة الجهل، زد على ذلك أنه ذهب إلى القول أن تحقيق كل ما في الطبع هو العدل، وهو الفضيلة ([33])، وإلى جانب هذا نجد أنه ذهب في معنى العدالة مذهباً فقهياً صرفاً، حيث قال: ( العدالة هي التزام الواجبات الشرعية ومستحباتها واجتناب المحرمات والمكروهات )([34]).
لذا فقد مدح ابن رشد دولة الخلفاء الراشدين واعتبرها أقرب الحكومات لجمهورية أفلاطون، ووصفها بالحكومات العادلة، في الوقت الذي حمل فيه على الحكام الظالمين، ومثل عليهم بمعاوية بن أبي سفيان الذي اغتصب الخلافة، واستبد بالملك، وأساء إلى مصالح الرعية في سبيل المحافظة على مصالحه، ومصالح ذوي قرباه ([35]).
ويذهب ابن رشد قريباً إلى ما ذهب إليه أفلاطون حيث قال: ( أن العدالة... تقوم على ائتمار كل جزء من أجزاء النفس للعقل الذي ينزل منها منزل الحاكم والآمر...)([36]).
وإضافة إلى هذه المعاني كلها استعمل ابن رشد العدالة بمعناها اللغوي الخالص فقال: ( إن العادل لما كان ضد الجائر..) ([37])
نخلص من كل ما سبق إلى أن الفلاسفة المسلمين كانوا فيما قالوه عن العدالة إما متأثرين بالفلسفة اليونانية إلى حد التبني لها، وإما ناقلين وشارحين لآراء وأفكار أفلاطون وأرسطو أو لبعض آراء الأفلاطونية المحدثة، من غير أن يتبنوها، وأما موفقين بين آراء شتى متفرقة منها الفلسفي ومنها غير الفلسفي، ويدل على هذا الرأي أن العديد من مؤرخي الفلسفة عند المسلمين قد تبنى هذا التصنيف لهم.
يقول الدكتور الجر وزميله بهذا الصدد: ( وإن من ألقى النظر على فهارس ومؤلفات الفارابي وجد أن القسم الأكبر منها شروح وتعليقات على فلسفة أرسطو وأفلاطون )([38]).
وكذلك يقول الدكتور ماجد فخري: ( أما أبو نصر الفارابي فقد تأثر بالأخلاق النيقوماخية، إلى جانب تأثره بالشروح اليونانية المتأخرة على الأخلاق الأرسطو طاليسية وأما ابن سينا فهو حامل لواء الفلسفة المشائية الأفلاطونية المحدثة، وأما ابن مسكويه وأتباعه فقد بنوا فلسفتهم الأخلاقية على أسس أفلاطونية، وأما الماوردي فقد نهج علماء الكلام، والغزالي كان عنده براعة في التوفيق بين العناصر الدينية والفلسفية الإشراقية.([39])
وقريباً من ذلك مما ذكره الأستاذ محمد لطفي جمعة، مع الاختلاف بشأن مصدر تأثر هذا الفيلسوف أو ذاك، فمثلاً يذهب محمد لطفي جمعة إلى أن ابن مسكويه قد تأثر بأرسطو وكذلك الحال بالنسبة لابن سينا والفارابي وهذا قوله: ( ابن مسكويه تأثر بالجانب الخلقي من مؤلفات أرسطو... ولكن ابن سينا خلفه وتفوق عليه، فهو أكبر أساتذة فلسفة أرسطو في القرون الوسطى... أما الفارابي فكان يتفق مع أفلاطون في بعض الأحيان وبعضها مع أرسطو...([40])
وأياً كان الأمر فإن فلاسفة المسلمين لم يضيفوا جديداً إلى مفهوم العدالة، ولم يستخدموا هذه الكلمة بغير ما استخدمت له في الفلسفة اليونانية.
الفصل الثالث: العدالة الاجتماعية في الفكر السياسي الإسلامي
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن أبي الربيع:
يقول ابن أبي الربيع في العدالة أنها: ( الركن الثالث من أركان الدولة أو المملكة، وهذا العدل هو حكم الله في أرضه، وهو على ثلاثة أقسام:
1.ما يقوم به العباد من حق الله تعالى، مثل الفرائض وما يتعلق بها واستعمال ما أمر به الله ورسوله.
2.ما يقومون به من حق بعضهم على بعض، مثل إقراض بعضهم وتأدية الأمانات ورد الودائع، والشهادة بالحق وفعل الخير.
3.ما يقومون به من حقوق أسلافهم، مثل تكفين موتاهم وقضاء ديونهم وتربية أيتامهم والصدقة عنهم.([41])
من هذا القول يتبين لنا أن ابن أبي الربيع فهم العدالة فهماً يقترب من المعنى الشرعي الفقهي، لا سيما في قوله عنه، أنه حكم الله في أرضه، مع تأثره بما ورد في معناها عن الفارابي وغيره من الفلاسفة المسلمين ).
مفهوم العدالة الاجتماعية عند الماوردي:
لقد سبق لنا معالجة مفهوم العدالة عند الماوردي من زاوية فلسفية أخلاقية غير أن للماوردي نظرة أخرى في معنى العدالة من زاوية شرعية محضة، حيث ذكر أن العدالة: هي عدم الفسق، والالتزام بما أمر الله واجتناب ما نهى عنه، وهذا ما يظهر لي من كلامه عن العدالة، التي يطلق عليها أحياناً " العدالة على شروطها الجامعة: فهي عنده شرط من شروط الإمامة أو ولاية القضاء أو غيرها من الولايات، وفي هذا الصدد يقول الماوردي: ( ولا يجوز أن يلي ولاية القضاء إلا من تكاملت فيه شروطه... وهي سبعة... الشرط الخامس: العدالة وهي معتبرة في كل ولاية، العدالة: أن يكون صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفاً عن المحارم، متوقياً للمآثم بعيداً عن الريب، مأموناً في الرضا والغضب، مستعملاً لمرؤة مثله في دينه ودنياه، فإذا تكاملت فيه، فهي العدالة التي يجوز بها شهادته، وتصح معها ولايته.([42])
وإلى جانب ذلك جعل الماوردي معنى العدالة المساواة، أمام القانون وفي هذا يقول: ( والعدالة أن يسوى بين الخصوم... دون تمييز بين الشريف والمشروف والمسلم وغير المسلم )([43]).
من هذه الأقوال عن معنى العدالة وما سبقها، يتبين لنا أنه لم يلتزم معنى واحداً محدداً لمفهوم العدالة، وإنما وردت عنده بمعان متعددة، بحسب استعمالاته لها، فعند كلامه على العدالة بالمعنى الأخلاقي، استخدمها على نحو استخدامات الفلاسفة لها، وعند استعماله لها في المجالات الشرعية الفقهية، تكلم عليها بكلام الفقهاء أنفسهم، أي استعملها بمعنى الاستقامة المقابلة للفسق، ولعل مرده ذلك إلى أسلوبه الذي أشرنا إليه في مقدمة الدنيا والدين، ولأنه كان من الشخصيات الموسوعية.
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن تيمية:
المتتبع لما كتبه ابن تيمية عن العدالة، يجده قريباً جداً مما قاله الماوردي عنها، حيث أنه اعتمد المعنى الشرعي للعدالة عند الفقهاء، وزاد عليه أن كل ما دل عليه الكتاب والسنة من الأحكام، هو العدل فقط، وأي خروج عنهما فهو بمثابة الظلم، وفي هذا الصدد يقول ابن تيمية: ( العدالة: الاستقامة والعدل هو كل ما دل عليه الكتاب والسنة سواء في المعاملات المتعلقة بالحدود أم غيرها من الأحكام... فإن العدل في كل ذلك هو ما جاء في الكتاب والسنة، فإن عامة ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات يعود إلى تحقيق العدل، والنهي عن الظلم، مثل أكل المال بالباطل...)([44])
وفي موضع آخر ذكر أن العدالة: ( إقامة الحدود التي حدها الله تعالى... والمحافظة على الحقوق التي طلبها الله تعالى ).
مفهوم العدالة الاجتماعية عند ابن خلدون:
المتتبع لما ذكره ابن خلدون في مقدمته عن العدالة، وكان قد كتب عنه بهذا الصدد يجد أنه استخدم العدالة بمعنيين مختلفين، الأول بحسب استعمالها الفقهي فقط، وقد حاور في ذلك وضع معنى ثابت محدد يجمع بين الاستعمالات الفقهية المتنوعة بحسب المجالات التي تشترط فيها العدالة من الناحية الشرعية، وأطلق على هذا المعنى اسم العدالة الشرعية، أما المعنى الثاني: فهو اعتبار أن العدالة وظيفة دينية تابعة لجهاز القضاء، وفي هذا يقول ابن خلدون في مقدمته: ( ولا خلاف في انتفاء العدالة... بفسق الجوارح من ارتكاب المحظورات وأمثالها ) ([45]).
ويقول كذلك: ( وعلى كل حال فالعدالة التي ينبغي أن تتوفر للإمام لا ينبغي أن تكون مقصورة عند حد العدالة التي تشترط في أحكام الشهادة في الفقه، وإنما تستمد فوق ذلك من أحكام العدالة المعروفة في رواية الحديث في قواعد الجرح والتعديل... وإلى جانب ذلك العدالة في الحكم في مختلف المجالات السياسية، والإدارية والقانونية والقضائية ).([46])
هذا هو الجانب الأول من جوانب استعمال ابن خلدون للعدالة، حيث يبرز لنا معنى العدالة في فكره، بالإضافة إلى التزام الأحكام الشرعية، وعدم الخروج عنها في كافة المجالات السياسية والإدارية والقانونية والقضائية فيكون هذا الاستعمال قد نحا المنحى الفقهي الشرعي، ولم يتوقف ابن خلدون عند هذا المعنى كما أسلفنا، وإنما كان عنده معنى آخر للعدالة، وهو علم على وظيفة قضائية في الدولة، وفي هذا الصدد يقول: ( العدالة هي وظيفة دينية تابعة للقضاء ومن مواد تصريفه، وحقيقة هذه الوظيفة، القيام عن إذاً القاضي بالشهادة بين الناس فيما لهم وعليهم... وشروطها الاتصاف بالعدالة الشرعية والبراءة من الجرح... وصار مدلول هذه اللفظة مشتركاً بين هذه الوظيفة... وبين العدالة الشرعية التي هي أخت الجرح، وقد يتواردان ويفترقان والله تعالى أعلم.([47])
هذان هما المعنيان اللذان أدار ابن خلدون العدالة عليهما، وهما يشتركان في البراءة من الجرح، أي التزام الشرع وعدم الفسق حيث يمكن أن تكون في الاستعمال الأول على نحو نظري فكري، أما في الاستعمال الثاني فتكون على نحو عملي تطبيقي ضمن لإطار الشرعي الإسلامي.
نتائج البحث:
تباينت وجهات نظر المُفَكِّرين من أبناء الأمة حول الأفكار الوافدة فمنهم من أدرك " أن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح بها أولها " فاتجهوا نحو الإسلام ينهلون من عذب معينة، ويجتهدون على ضوء الكتاب والسنة بناء على الأحداث والوقائع.
ومنهم من ارتد إلى الأصالة جامداً على نصوصها متمسكاً بظاهرها دون تنـزيل الأحكام على الوقائع وفهم الواجب منها.
ومنهم من حذا حذو الغَرْب من منطلق التقليد دون تفريق بين الواقع الإسلامي والواقع الغَرْبيّ ومنهم من تعامل مع النُّصُوص الشَّرْعية والأصالة الفِكْرية بمنظور غربي أو بمنظور توفيقي بين الإسلام وما هو غربي مدعين أن الإسلام روح طليق قبل أن يكون نصّاً أو حداً.
ومن خلال البحث في أراء وأقوال الفلاسفة والمفكرين المسلمين نجد أنهم قد انقسمو الى ثلاثة فرق ، فالفريق الأول اعتمد في تعريفه للعدالة الاجتماعية على أقوال الفلاسفة الأوروبيين ونقل تلك المفاهيم كما هي .
والفريق الثاني اعتمد أيضا على تلك المفاهيم الأوروبية للفلاسفة لكنه حاول شرحها وتبيانها بصبغة المجتمعات الاسلامية التي كانو يعيشون فيها .
أما الأخير فقد استشهد بما قاله الفلاسفة الأوروبيون ووافق بين ما قالوه وما جاء به الفقه والتشريع الاسلامي ، حيث نجح هؤلاء بإغناء مفهوم العدالة الاجتماعية بالمعاني الفريدة التي تضمنتها أحكام الدين الاسلامي والتي تميزت بشموليتها وسعتها .
الهوامش:
[1]احمد، فتحي السيد عبدة أبو اسيد، الإسلام والعدالة الاجتماعية: رؤية اجتماعية في الأحكام الشرعية، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر، 2009، ص7
[2]الشرقاوي، سعاد، النظم السياسية المعاصرة – تحديات ومقولات، القاهرة، دار النهضة العربية، 2002، ص343.
[3]قطب، سيد، العدالة الاجتماعية في الإسلام، القاهرة، دار الشروق، 1983، ط9، ص63
[4]- الجندي، محمد الشحات، معالم النظام السياسي في الإسلام، ط1، كلية الحقوق، جامعة حلوان، 2000، ص58.
[5]- عيسى، محمد جمال، تاريخ القانون في الغرب، القاهرة، دار النهضة العربية، 1999، ص61.
[6]- المودودي، أبو الأعلى، الحكومة الإسلامية، تعريب احمد إدريس، القاهرة، المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1987، ص107.
[7]- المودودي، أبو الأعلى، تدوين الدستور الإسلامي، جدة، الدار السعودية للنشر، 1987، ص27.
[8]- عفيفي، محمد الصادق، المجتمع الإسلامي وأصول الحكم، القاهرة، دار الاعتصام، 1980، ص40.
[9]- وافي، علي عبد الواحد، حقوق الإنسان في الإسلام، ج2، سلسلة قضايا إسلامية، القاهرة، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 2004، ص7-12.
[10]- محمد سليمان داود، فؤاد عبد المنعم، من أعلام الإسلام، أبو الحسن الماوردي المتوفى سنة 450هـ، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1978، ص 127.
[11]- محمد سليمان وفؤاد ب المنعم، من أعلام الإسلام أبو الحسن الماوردي، ص 232.
[12]- أبو حامد الغزالي، محمد بن محمد بن محمد الغزالي، ميزان العمل، قدم له محمد مصطفى أبو العي، مطبعة الجندي، القاهرة، 1972، ص 76،81-82.
[13]- خليل الجر، حنا الفاخوري، تاريخ الفلسفة العربية، دار الجيل، بيروت، ط2، 1982، ص 332-333.
[14]- علي عبد المعطي، الفكر السياسي في الإسلام، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1978، ص 293-294.
[15]- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، المطبعة الأهلية للتوزيع والنشر، بيروت، 1979، ج2، ص 153.
[16]- خليل الجر، حنا الفاخوري، تاريخ الفلسفة العربية، ج2، ص 332.
[17]- محمد سلمان داوود، فؤاد عبد المنعم، من أعلام الإسلام أبو الحسن الماوردي،مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1978، ص 232.
[18]- أبو الحسن الماوردي، أدب الدنيا والدين،دار الكتب العلمية، بيروت، 1978، ص 17.
[19]- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، ج2، ص 77-79.
[20]- يوسف فرحات، الفلسفة الإسلامية وأعلامها، الشركة الشرقية للمطبوعات، جنيف، ط1، 1986، ص 90.
[21]- خليل الجر وزميله، ص 97.
[22]- خليل الجر وزميله، ج2، ص 234.
[23]- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، ج2، ص 148.
[24]- محمد لطفي جمعة، تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والغرب، المكتبة العلمية، القاهرة، بدون تاريخ، ص 36.
[25]- محمد لطفي جمعة، ص 63.
[26]- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، ص 67، 147.
[27]- أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب الرازي مسكويه، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ط2، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.
[28]- ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق في التربية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1981، ص 47.
[29]- ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص 93-94.
[30]- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، ج2، ص 139.
[31]- ماجد فخري، ص 132-134.
[32]- أبو بكر ذكرى، تاريخ النظريات الأخلاقية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط4، ص 31.
[33]- ماجد فخري، ابن رشد فيلسوف قرطبة، دار الشروق، بيروت، ط2، ص 121-122.
[34]- محمد بن أحمد بن رشد، بداية المجتهد، دار المعرفة، بيروت، ط4، 1978، ص 462.
[35]- عبده الشمالي، دراسات في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية وآثار رجالها، دار صادر، بيروت، 1979، ص 687-688.
[36]- ماجد فخري، ص 122-138.
[37]- ابن رشد، المقولات، تحقيق محمود قاسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1980، ص 128.
[38]- خليل الجر وزميله، ص 93.
[39]- ماجد فخري، ص 67-153.
[40]- محمد لطفي جمعة، ص 2، 3.
[41]- ناجي التكريتي، الفلسفة السياسية عند أبي الربيع، دار الأندلس للطباعة، ط2، 1980، ص 188-189.
[42]- الماوردي، الأحكام السلطانية، مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط3، 1973، ص 66.
[43]- محمد سلمان داود وزميله، ص 168.
[44]- ابن تيمية أحمد تقي الدين أب العباس، السياسة الشرعية دار المعرفة، بيروت، ط1، ص 15، 67، 156.
[45]- ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، دار الفكر، 1979، المجلد الأول، ص 161.
[46]- ابن خلدون، المقدمة، ص 161.
[47]- ابن خلدون، ولي الدين ابو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد الاشبيلي 732-808 هـ، مقدمة العلامة ابن خلدون، دار ومكتبة الهلال، 1983، ص 187، 188.
المراجع:
- ابن تيمية أحمد تقي الدين أب العباس، السياسة الشرعية دار المعرفة، بيروت، ط1، ص 15، 67، 156.
- ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، دار الفكر، 1979، المجلد الأول، ص 161.
- ابن خلدون، ولي الدين ابو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد الاشبيلي 732-808 هـ، مقدمة العلامة ابن خلدون، دار ومكتبة الهلال، 1983، ص 187، 188.
- ابن رشد، المقولات، تحقيق محمود قاسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1980، ص 128.
- ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق في التربية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1981، ص 47.
- أبو الحسن الماوردي، أدب الدنيا والدين،دار الكتب العلمية، بيروت، 1978، ص 17.
- أبو الحسن الماوردي، الأحكام السلطانية، مكتبة ومطبعة البابي الحلبي، مصر، ط31، 1973، ص 6،17.
- أبو بكر ذكرى، تاريخ النظريات الأخلاقية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط4، ص 31.
- أبو حامد الغزالي، محمد بن محمد بن محمد الغزالي، ميزان العمل، قدم له محمد مصطفى أبو العي، مطبعة الجندي، القاهرة، 1972، ص 76،81-82.
- أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب الرازي مسكويه، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ط2، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.
- أبي الحسن الماوردي، التحفة الملوكية في الآداب السياسية، تحقيق فؤاد عبد المنعم، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1978، ص 89.
- الجندي، محمد الشحات، معالم النظام السياسي في الإسلام، ط1، كلية الحقوق، جامعة حلوان، 2000، ص58.
- الماوردي، الأحكام السلطانية، مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط3، 1973، ص 66.
- المودودي، أبو الأعلى، الحكومة الإسلامية، تعريب احمد إدريس، القاهرة، المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1987، ص107.
- المودودي، أبو الأعلى، تدوين الدستور الإسلامي، جدة، الدار السعودية للنشر، 1987، ص27.
- خليل الجر، حنا الفاخوري، تاريخ الفلسفة العربية، دار الجيل، بيروت، ط2، 1982، ص 332-333.
- عبده الشمالي، دراسات في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية وآثار رجالها، دار صادر، بيروت، 1979، ص 687-688.
- عفيفي، محمد الصادق، المجتمع الإسلامي وأصول الحكم، القاهرة، دار الاعتصام، 1980، ص40.
- علي عبد المعطي، الفكر السياسي في الإسلام، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1978، ص 293-294.
- عيسى، محمد جمال، تاريخ القانون في الغرب، القاهرة، دار النهضة العربية، 1999، ص61.
- ماجد فخري، ابن رشد فيلسوف قرطبة، دار الشروق، بيروت، ط2، ص 121-122.
- ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، المطبعة الأهلية للتوزيع والنشر، بيروت، 1979، ج2، ص 153.
- محمد بن أحمد بن رشد، بداية المجتهد، دار المعرفة، بيروت، ط4، 1978، ص 462.
- محمد سلمان داوود، فؤاد عبد المنعم، من أعلام الإسلام أبو الحسن الماوردي،مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1978، ص 232.
- محمد لطفي جمعة، تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والغرب، المكتبة العلمية، القاهرة، بدون تاريخ، ص 36.
- ناجي التكريتي، الفلسفة السياسية عند أبي الربيع، دار الأندلس للطباعة، ط2، 1980.
- وافي، علي عبد الواحد، حقوق الإنسان في الإسلام، ج2، سلسلة قضايا إسلامية، القاهرة، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 2004.
- يوسف فرحات، الفلسفة الإسلامية وأعلامها، الشركة الشرقية للمطبوعات، جنيف، ط1، 1986.
New Post- مديرة ستار ديس
- تاريخ التسجيل : 24/08/2018المساهمات : 4133نقاط التميز : 6472الجنس :العمر : 24الأبراج :
رد: مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيد
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى
ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر
التوقيع
_________________
رد: مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي
بصراحــه رائع جدا هذا الموضوع
بصراحه انتي تمتلكي ذوق راقي في جـلب ماهو مميّز وجميل
دائما كلماتك ترتدي ثوب التميز والابداع الثقيلان
صح أحساسك ولسانك ودام توهجك
بصراحه انتي تمتلكي ذوق راقي في جـلب ماهو مميّز وجميل
دائما كلماتك ترتدي ثوب التميز والابداع الثقيلان
صح أحساسك ولسانك ودام توهجك
التوقيع
_________________
منتدى احلى تومبلايت
مواضيع مماثلة
» غير المسلمين في الفكر الإسلامي المعاصر
» أثر مدرسة القضاء الشرعي في الفكر الإسلامي
» حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي بين وعي السلف وغيبوبة الخلف
» حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي بين وعي السلف وغيبوبة الخلف
» الناصيري: العدالة لم تتحقق.. المتحكمون في الكرة الإفريقية يفتقدون للأخلاق
» أثر مدرسة القضاء الشرعي في الفكر الإسلامي
» حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي بين وعي السلف وغيبوبة الخلف
» حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي بين وعي السلف وغيبوبة الخلف
» الناصيري: العدالة لم تتحقق.. المتحكمون في الكرة الإفريقية يفتقدون للأخلاق
سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع
لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى