السّلطان عبد الحميد والحركة الماسونيّة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

السّلطان عبد الحميد والحركة الماسونيّة

مُساهمة من طرف Nabil LacRiM الثلاثاء سبتمبر 11, 2018 7:53 pm


بعد أن أدرك السلطان عبد الحميد (1876-1909م) أن الدولة العثمانية لم تعد قادرة على المجابهة العسكرية سعى إلى أن يعزز وضعه في الداخل والخارج عبر تبني فكرة الجامعة الإسلامية والتضامن وإحياء مؤسسة الخلافة لخدمة هدفه في حشد المسلمين في جميع أقطار العالم للدفاع عن الإسلام، ومن هنا فقد سعى منذ شبابه إلى الالتزام بالتعاليم الإسلامية والمحافظة على العبادات ودعوة من حوله إلى ذلك. وقد حشد حوله العلماء والدعاة، وبعث بالسفراء إلى كل مكان لنشر فكرة الجامعة الإسلامية وأهدافها. إلا الاعتداد المتّقد بالإسلام قاد بشكل غير مباشر إلى إثارة القلق بين السكان المسيحيين، وهو ما أدى إلى نشوء الحركة الماسونية.

لقد كان هناك تأثير يهودي قوي في المحافل الماسونية التي تعمل لصالح الصهيونية واستغلال أصحاب الأموال اليهود في ولايتي دمشق وفلسطين والدائرة الضيقة في"جمعية الاتحاد والترقي” التي كانت تسعى إلى تتريك الدولة.

قدم إلى السلطان عبد الحميد وفد برئاسة الحاخام باشي مع تيودور هرتزل رئيس الحركة الصهيونية العالمية واندهش السلطان من هدفهم من الزيارة. وبدا ذلك واضحا حين قال هرتزل بكل فظاظة إنهم على استعداد لدفع مبالغ مالية طائلة من الليرة الذهبية لأجل القدس. فرد عليه السلطان بغضب وامتعاض شديدين "لقد فارَ رأسي دما وأنا أسمع وقاحة هذين اليهوديّين، وقد وصل الأمر إلى حدّ تقديم رشوة إلى مقر السلطنة، فطلبت منهما المغادرة في الحال. إن الوطن لا يمكن أن يباع بالمال! طلبت من المرافقين أن يُخرجوهما. ومنذ ذلك الحين عبر اليهود عن عدائهم لي، وأغلب ما أعاني منه هو عقاب لي على عدم تقديم وطني لليهود”. (حسام الدين أرْتورك،Devrin Perde Arkasi، ص. 50-51).

لقد أكد جواد رفعت في كتابه ” الأخطار المحدقة بالإسلام” أن السّلطان عبد الحميد الثاني كان الشخص الوحيد في تاريخ الأتراك الذي أدرك تماما حقيقة الحركة الصهيونية وخطرها وحجم التأثير السلبي على الأتراك والإسلام، ولذلك كافحهم بإصرار وقوة مدة ثلاثة وثلاثين عاما كاملة.

كان تيودور هرتزل قد عقد العزم على التحرك بقوة ضد السّلطان عبد الحميد بعد أن أدرك أنه ليس الشّخص الذي يغرّه المال الكثير، وأنه غيْر مستعد للتّفريط في القدس ولو قيد أنملة. وكان هرتزل قد زار اسطنبول لأول مرة في صيف عام1896م، بمساعدة النمساوي الذي اعتنق الإسلام أويس باشا، والذي مكنه من الالتقاء بالسلطان. وهذه الزيارة تأتي قبل عام واحد من مؤتمر الحركة الصهيونية العالمية الشّهير الذي عقد في بال سويسرا. بيد أن عبد الحميد رفض العرض الذي تقدم به مقابل التخلي عن أجزاء من فلسطين، بالرّغم من حاجة الدولة الماسّة للمال في تلك الظروف العصيبة. ثم إن السلطان رفض لعدة مرات في وقت لاحق استقبال هرتزل فأخذ أنصاره في سالونيك برئاسة قراصوه في العمل على عزله. وبعد أنّ تم ذلك بواسطة "جمعية الاتحاد والترقي” فُتح الباب على مصراعيه أمام الاستيطان اليهودي في فلسطين.

قبل ذلك بسنوات تمكن عمانوئيل قراصوه، وهو يهودي وماسوني من سالونيك وعضو مجلس النواب (المبعوثان)، من تأسيس محفل "ريزوتا مقدونيا” بالتعاون مع الماسونيين الإيطاليين. وانضم ضباط وأشخاص أتراك آخرون إلى هذه الجمعية مستفيدين من الحصانة التي توفّرها لها إيطاليا، الأمر الذي يمنع ملاحقتهم من قبل رجال السّلطان عبد الحميد الذي كان واعيا بما يُخطّط ضده. وكان المحفل الماسوني في سالونيك يتمتع بحصانة ديبلوماسية، وكانت رموزه عن الحرّية والعدالة والأخوة مأخوذة من الماسونيّة الإيطاليّة، وكذلك ألوانه الأحمر والأبيض. وكانت الحكومة الإيطالية قد عينت قنصلا عاما لها في سالونيك هو اليهودي الماسوني برينمو ليفي الذي كان له الدور الأكبر، مع السّفير الأمريكي اليهودي في اسطنبول أوسكار شتراوس في تأمين الحماية لأعضاء المحفل في سالونيك.

انضم الكثير من الأتراك إلى الحركة الماسونية، وكانت بالنسبة إليهم مغرية لأنها تمثل حصنا يلجؤون إليه خاصة بعد الرقابة الشديدة التي سُلطت على كلّ من يسعى إلى زعزعة الأمن وإثارة التمرد داخل الدولة. وكانت سالونيك مكانا آمنا لألئك الأتراك الذين انضموا إلى المحفل الماسوني هنا والمعروف بـ”ريزوتا مقدونيا”، وكان لعمانويل قراصوه رئيس المحفل، دور كبير في دعوة الأتراك الجُدد للاجتماع في المحفل الماسوني المتمتّع بالحصانة لكونه فرعا عن المحفل الرئيس في روما المعروف باسم "محفل الشرق الأعظم” الإيطالي. وكانت الشكوك تساور عبد الحميد بخصوص نشاطه السرّي، خاصة بعد أن قبل أخوه مُراد في درجة الأستاذية من قبل الماسونيّين الأتراك.

وقد انتشرت المحافل الماسونية في تلك الفترة في مصر وبلاد الشّام مع انضمام العناصر الكاثوليكية والأرثوذكسية إليها كتعبير عن الاستياء من سياسات عبد الحميد، وتحت وهم أن الأتراك الجُدد سيبنون مجتمعا أفضل يقوم على الحرية والمساواة والأخوة.

أدى رفض السلطان عبد الحميد لمطالب هرتزل إلى إنشاء تحالف يهودي – ماسوني للانتقام منه. وكانت الصحافة هي الأداة الفعالة لتشويه صورة السلطان ووصفه بـ”السلطان الأحمر” كناية عما يُزعم بأنه ارتكبه من مظالم. وحوالي عام1900م اتخذ محفل الشّرق الأعظم الفرنسي قراره بالتخلص من عبد الحميد، مما يدل على أن الدعاية اليهودية في المحافل الماسونية قد أثمرت. كما أن حركة الأتراك الجدد في الاتحاد والترقي قد نجحت في تحقيق ما تريده بفضل عملها الدؤوب وضغوط الماسونيين في مقدونيا للعمل ضد السلطان. وقدم اليهود الدونمة الدعم المادي، كما قدم رجال المال اليهود في سالونيك وبودابست وفيينا وباريس ولندن المساعدة على إسقاط السّلطان عن سدة الحكم. وعندما وصل جماعة الاتحاد والترقي إلى الحكم قدموا بالمجان ما كان السلطان عبد الحميد يرفض بشدة التنازل عنه لليهود ولزعيم الحركة الصهيونية هرتزل.

في سعيه لمحاصرة مراكز نشاط الحركة الماسونية قام السلطان بإغلاق العديد من المحافل الماسونية، باستثناء محفل سالونيك الذي كان يتمتع بحماية دبلوماسية إيطالية. وكان من المؤيدين المتحمسين لسياسة عبد الحميد المعارضة للصهيونيين والماسونيين، السكرتير الثاني المخلص له عزت العابد، الذي وصفه هرتزل باعتباره ” الوغد الشرير” بسبب معارضته للخطط الصهيونية.

وبعد عزله عام 1909م ونفيه إلى سالونيك أرسل رسالة من منفاه هناك إلى مرشده الروحي السابق محمود أفندي أبو الشامات في دمشق أكد فيها أنه تنازل عن الخلافة لسبب واحد وهو الضغوط التي مُورست عليه من قبل الأتراك الجدد وتهديداتهم. وقد جاء في رسالته ” إن هؤلاء الاتحاديين أصروا وأصروا عليّ بأن أصادق على تأسيس وطن قوميّ لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين)، ورغم إصرارهم فإني لم أقبل بصورة قطعية هذا العرض. وأخيرًا وعدوا بتقديم 150 مليون ليرة انكليزية ذهبا، فرفضت هذا العرض بصورة قطعية أيضا، وأجبت بهذا الجواب: لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة، فلم أسوّد صحائف المسلمين، كما آبائي وأجدادي من السّلاطين والخلفاء العثمانيين، لهذا لم أقبل تكليفهم بوجه قطعي أبدًا. وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي وأبلغوني أنهم سيُبعدونني إلى سالونيك فقبلت بذلك. هذا وحمدت الله وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار

Nabil LacRiM
Nabil LacRiM
مراقب الكمبيوتر والانترنت

تاريخ التسجيل : 29/08/2018
المساهمات : 2639
نقاط التميز : 4581
الجنس : ذكر
العمر : 28
الأبراج : الدلو

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: السّلطان عبد الحميد والحركة الماسونيّة

مُساهمة من طرف professeur الخميس سبتمبر 13, 2018 2:16 am


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الف شكر على المشاركة الرائعة والمميزة

بانتظار القادم الاروع ان شاء الله


professeur
professeur
مراقب المنتدى

تاريخ التسجيل : 31/08/2018
المساهمات : 1825
نقاط التميز : 3849
العمر : 35
الأبراج : العقرب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رد: السّلطان عبد الحميد والحركة الماسونيّة

مُساهمة من طرف AsHeK EgYpT الأحد أكتوبر 28, 2018 12:46 pm


بصراحــه رائع جدا هذا الموضوع
بصراحه انت تمتلك ذوق راقي في جـلب ماهو مميّز وجميل
دائما كلماتك ترتدي ثوب التميز والابداع الثقيلان
صح أحساسك ولسانك ودام توهجك




التوقيع

_________________

منتدى احلى تومبلايت

AsHeK EgYpT
AsHeK EgYpT
نجم ستارديس

تاريخ التسجيل : 21/08/2018
المساهمات : 3088
نقاط التميز : 3588
الجنس : ذكر
العمر : 27
الأبراج : الميزان

https://ahlawarsh.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوع

لابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان

سجل معنا الان

انضم الينا جروب تاج فعملية التسجيل سهله جدا ؟


تسجيل عضوية جديدة

سجل دخولك

لديك عضوية هنا ؟ سجل دخولك من هنا .


سجل دخولك

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى